بيـان مؤسسة تراي الثقافية المستقلة

 

طيلة اربعة عقود عجاف من التسلط البعثي- القومي الفاشستي، واجه الشعب العراقي الابي اقسى وابشع صنوف الارهاب السياسي والقمع البوليسي والحرمان الاقتصادي والقهر والاغتراب الاجتماعي. ولم يصدق حين حانت الفرصة الذهبية للتخلص، والى الابد، من تلك الحقبة المريضة لتنجلي غيوم الالم والكآبة السوداء و لتسطع الشمس من جديد على ارض الحضارة والعلوم والفنون والاداب، ويتنفس شعب المحبة والتآخي هواء الحرية ويبدأ مرحلة البناء والتعمير. الا ان الحسابات السياسية المنفعية الانانية الضيقة لقوات الاحتلال من جهة وللاحزاب والكتل العراقية التي استلمت المسؤولية من جهة اخرى، اضافة الى تصاعد قوى الجريمة والشر المرتبطة بالنظام البائد وتلك التي وفدت من الخارج، وعدم وفاء بلدان الجوار ادى بالاجماع الى رمي البلاد في جحيم آخر. وهكذا استشرت جرائم الفساد ونهب الثروات وتحطيم البنى التحتية الاساسية، وتصاعدَ الارهاب الذي استهدف قتل الابرياء وتحطيم الممتلكات وبث الرعب في قلوب الآمنين . وللاسف لم تجد ما اسمت نفسها بالاحزاب الوطنية سوى ان تغطس لآذانها في المساومات السياسية والمحاصصة الطائفية والخصام وتبادل الاتهامات واقتسام الغنائم. واليوم، وبعد ان تحدى الشعب الشجاع تهديدات قطع الرؤوس وهبّ للانتخابات الديمقراطية مرتين وصوّت لصالح الدستور الجديد، فأن جرائم الارهاب لاتزال قائمة على قدم وساق، ولايزال الفساد الاداري ونهب ثروات البلاد مستشريا، ولايزال المواطن يقاسي المر في سد حاجاته الاساسية والحصول على الخدمات الضرورية . بل ان الانكى والامر هو استمرار معاناة البلاد من تصاعد التعصب الدينى والتفرقة الطائفية التي مسخت معاني الحرية والديمقراطية والعمل البنّاء، وجعلتها مجرد كلمات تتردد على الالسن دون ان تتجسد عمليا في الحياة اليومية.

 واذ تضع مؤسسة تراي الثقافية المستقلة نفسها على مسافة واحدة ومتساوية من كل مكونات الشعب العراقي بأحزابه وجمعياته ومؤسساته، وتحجم عن التفضيل بينها أوالاصطفاف مع بعضها، فأنها وبحكم طبيعة برنامجها ونظامها الداخلي لا تنحاز إلاّ إلى الشعب العراقي برمته وهو يشق طريقه لبناء مجتمعه المدني ونيل حريته وتطوير مؤسساته الديمقراطية وصحافته الحرة ودعم ثقافته المنفتحه وهويته الوطنية العراقية. ولذا فان المؤسسه تعلن بالنيابة عن كل اعضائها وادارييها ومنتسبيها، وقفة التضامن الحقيقي والتآزرالصلد مع الشعب العراقي، وترى ان من مسؤوليتها التاريخية الاعلان عن موقفها الصريح من القضايا الاساسية في هذا المعترك الشائك، وكما يلي:

 

- نشجب بشدة كل أنواع الإرهاب، مهما كان مصدره ومهما كانت دواعيه، ضد اي فرد من افراد شعبنا، او اي ممتلك من ممتلكاته، كما اننا نحمّل مسؤولية الجرائم المرتكبة مباشرة على عاتق من يرتكبها، سواء كان من جانب قوات الاحتلال او الحكومة العراقية او الاحزاب والتجمعات السياسية ومليشياتها او من شراذم مجرمي العهد البائد والمرتزقة المتأسلمين. ونطالب باحالة المجرمين الى القضاء وانزال اشد العقوبات بحقهم . فبالاضافة الى الجرائم التي ترتكب يوميا وتحصد أرواح الالاف من مواطنينا الأبرياء وتدمرالمنشآت، وتصفي المهنيين من اساتذة واطباء ومثقفين، وتتعرض الى دور العبادة من الجوامع والكنائس والحسينيات، وتهاجم مقرات الأحزاب والجمعيات، والنوادي والمحلات التجارية، وتحارب الناس في ارزاقهم، او تضع نفسها رقيبا على تصرفاتهم، فأننا ندين بشدة خروقات الدستور الفاضحة المتمثلة بترسيخ التسلط الديني ومصادرة الحريات الشخصية، ونرفض بصرامة اشاعة ثقافة التكفير والتلحيد والتخوين والحكم على اخلاقيات الناس وتقنين سلوكهم. وجدير بالذكر هنا الانتهاكات الاجرامية التي يقوم بها في وسط وجنوب العراق بعضٌ من رجال المليشيات والمتحزبين وكل من تسول له نفسه بأعتلاء موجة الفوضى لتنصيب نفسه وليا على امور الاخرين. فلايمكن للشعب مطلقا ان يتمتع بالحرية والديمقراطية التي اقرها الدستور اذا سمح المجتمع بتسلط جهة على اخرى بحجة الولاء للحكومة او للحزب او الدين اوالمذهب او الطائفة او العشيرة. والاّ فما قيمة الدستور الذي عانت و ضحت من اجله الملايين؟

 - نحذر بشدة من مغبة انزلاق الوطن في غياهب التطرف الديني والتعصب الطائفي، الذي قد يستفحل كالسرطان في جسد البلاد العليل مثلما تنتشر النار في الهشيم، مالم تتظافر لمجابهته الجدية والفعالة جهود كل القوى الوطنية المحبة للخير والسلام والتقدم والعدالة الاجتماعية . اننا لواثقون من ان المرأة العراقية الفاضلة التي عانت وتحملت العبء الاكبر من الالم والمعاناة والصبر طيلة عهود الانحطاط ستكون اول ضحايا ذلك التطرف، وستتسمم عقول الشباب الغضة في خزعبلات التخريف وتتغذى بثقافة القمع والتمييز والانغلاق اذا سمحنا لادعياء الدين ان يستلموا دفة السفينة وسط هذا البحر المتلاطم من الاحداث العراقية. اننا ندعو بأخلاص الى العمل بمبدأ "الدين لله والوطن للجميع" هذا المبدأ السامي الذي من شأنه ان يصون قيمة الدين الالهية الروحية المقدسة المتمثلة بالعلاقة السرمدية بين الخالق والمخلوق بعيدا عن درك العمل السياسي والمساومة على ارواح الناس والمتاجرة بكراماتهم. ان هذا المبدأ لايمكن تطبيقه وحصد ثماره الايجابية الا بفصل الدين عن الدولة. وهنا نحيي ونبارك الموقف المبدأي النبيل الذي تبناه آية الله السيد السيستاني الذي صان سمو الدين الاسلامي الحنيف بترفعه عن التدخل في العمل السياسي، وبذلك جنّب البلاد سعير حرب اهلية كادت تنفجر ولن تضع اوزارها الاّ بعد ان يحترق الاخضر واليابس معا . ويحدونا الامل الكبير، ونحن في بلد تعددت قومياته وثقافاته واديانه وطوائفه، ان يكمل آية الله الجليل المشوار فيعلنها فتوةً دينيةً رسمية ملزمة تُحضر تشويه الدين بمداخلات السياسة والمتاجرة بالمبادىء. حينذاك سيسقط قناع الزيف من وجوه اولئك الذين لبسوا عمائم الحيلة وجلابيب الغدر، فيتركوا الناس في سبيلهم لكي يكون كل مواطن مسؤول امام ربه عن عواقب مايفعل ومتحمل وزر ماترتضي له نفسه، وسوف تتهاوى شرطة اخلاق القاعدة وطالبان القيم الذين يقسرون النساء على ارتداء الحجاب ويفرضون ماتريده انفسهم المريضة على الناس بالعصي والكرابيج تماما كما كان يتحكم اشقياء المحلة بمصائر الناس في عهود الظلام دون رادع ولارقيب. أليس علينا ان نلتزم جميعا بكلام الله تعالى في كتابه الكريم "لا اكراه في الدين"، و "لكم دينكم ولي دين"؟؟ اليس هو الكفر بحد ذاته والزندقة بعينها ان يتجاوز اولئك المتسولون كلام الله تعالى واضعين انفسهم فوق القرآن المجيد وفوق سنة النبي الامين؟

 - نحيي ونبارك تأسيس وتفعيل لجنة اجتثاث البعث وجعل العمل بها واحدة من المواد الدستورية. فلابد للبعث ان ينتهي، ليس فقط كحزب او نشاط، بل الاهم كأيديولوجيا يتوجب مسحها من ذاكرة الضمير العراقي مثلما عاهد الالمان والايطاليون انفسهم على مسح آثار النازية والفاشية المخزية وتنقية العقول من سمومهما. وانها لمسؤولية تأريخية بأعناق كل الشرفاء وعهد منهم برد اعتبار مليوني ضحية عراقية واجهت مصيرها المؤلم على امتداد اربعين سنة من نفوذ البعث المجرم، والتي لازالت ارواحهم ترفرف فوق رؤوسنا وتهمس في آذاننا طالبةً العدالة. كما ان انجاز هذه المهمة يجب ان يكون بمثابة كلمة الشرف والالتزام للوطن الممزق المغدور. نطالب بمطاردة واعتقال ومقاضاة كل البعثيين الذين تلطخت اياديهم بدماء الابرياء وتثكيل الزوجات وتيتيم الاطفال وسحق الامهات والاخوات واذلال الاباء والابناء ونهب البلاد وتمزيقها. وهنا نستنكر بشده استهتار القوات الامريكية وعنجهيتها اضافة الى استسلام ومهادنة الحكومة العراقية في اطلاق سراح بعض اقطاب النظام البائد دون محاكمه خلافا لارادة الشعب العراقي واستهجانا بدستوره الفتي وسحقا لكرامته. ونتساءل كيف يسمح المسؤولون العراقيون لضمائرهم ان ترضى حين يغضون الطرف عن مثل هذه الخروقات الوقحة؟؟ وفي هذا الصدد ايضا، نطالب المسؤولين العراقيين بالاهتمام الجدي والصارم والفعال بمحاكمة الطاغية واعوانه وانقاذها من ان تكون مهزلة العصر. فلا شك ان هذه المحكمة التي انتظرها العراقيون عقودا تفتقر الى الكفاءة المطلوبة والضبط القضائي كما هو مألوف لدى المحاكم الديمقراطية العادلة في شتى اصقاع العالم. فبأسم الديمقراطية، سمحت المحكمة للطاغية ان يمارس دوره المألوف كبعبع العراق، الذي يرهب القاضي والمدعي والشاهد على حد سواء، وما من احد يوقفه عند حده!! وقد يتفق اغلب العراقيين على ان الانطباع الاولي الذي تركته جلسات المحكمه بدا وكأنه يتلخص بالقول : ايها المواطن العربي هذا هو صدام بطلك القومي الشجاع، أما انت ايها المواطن العراقي المسكين، فهذه هي الديمقراطية التي تريد: فوضى وانفلات، يحاكم الجاني فيها المجنى عليه. على اننا ندرك ان القمع البعثي ساق مئات الالوف من الناس الطيبين الى طريقه المنحرف واجبرهم بشتى وسائل الاذلال والتركيع الى الانضواء تحت لوائه. وسوف لن يكون من الحكمة او العدل ان تحارب هذه الجموع، وهي ضحايا القسر ايضا، او تعامل بأقل مما يعامل المواطن الكريم،، لكننا ندعو الى اعادة تأهيل هذه الجموع فكريا ومنحها الفرصة، اسوة ببقية المواطنين، ان تتذوق طعم الحرية الذي لم تعرفه من قبل.

- نبارك مبدأ المصالحة الوطنية الذي يشرك كل القوى الوطنية المخلصة المحبة للسلام والتسامح والمؤمنة بالتعاون والعمل المشترك والتي تنذر نفسها ان تكون في خدمة الشعب، والتي تلتزم بالسهر على رعاية وحدة البلاد وبنائها وتجنيبها كل مكروه. لكننا نرفض بشده مشاركة قوى الشر والرذيلة التي راهنت على تدمير البلاد واذلال شعبها، ولانريد مطلقا ان نرى تلك الشراذم المسعورة وهي تشق طريقها الى برلمان الشعب بأزيز الرصاص ودوي القنابل، او بقطع رؤوس الابرياء وبقر احشاء الفقراء العزل بحجة مقاومة الاحتلال، كما يفضل البعثوسلفيون المتأسلمون !! واذا اصرت امريكا على اقحام تلك القوى في العملية السياسية وانتزاع خنوع ومهادنة الحكومة العراقية، فسيتأكد لكل الشعب العراقي بان لامريكا مآرب اخرى غير تحريره ومساعدته في طريق التقدم والبناء. كما سيتأكد للشعب ايضا انه لم ينتخب من هو اهل لتحمل الواجبات الوطنية والاضطلاع بمهام القيادة الحكيمة الشجاعة . واننا لعارفون جيدا من ان الولايات المتحده لاتسمح مطلقا لاي احد على اراضيها ان يأخذ بالقوة اية مكاسب سياسية مهما كانت صغيرة، وانه سوف يمحى من وجه الارض بين ليلة وضحاها كل من يحلم بفرض ارادته بالقوة على الشعب الامريكي . فكيف ياترى يرضى هذا الشعب المتحضر للعراقيين في ديمقراطيتهم الفتية ان يقبلوا جلاديهم حكاما، وجروح الضحايا لاتزال دامية ولم تلتئم بعد!؟

 - ليس هناك مايسمى بالمقاومة الشريفه! فكل من يدعم هذه المقاومة يدين نفسه بجرائم الارهاب ضد الشعب. الكل يعلم ان هذه المقاومة لاتستهدف الا العراقيين الشرفاء العزل الذين يكدحون لاستحصال خبز اليوم لاطفالهم. وما تلك المقاومة الاّ محاولات دنيئة لعرقلة التغيير الايجابي الذي يطمح فيه و يحرص على تحقيقه تدريجيا الشعب العراقي الذي بدأ يأخذ خطوات عريضة على طريق العملية الديمقراطية، والتغيير السلمي للسلطة عبر الانتخابات، وكتابة الدستور، وفصل السلطات. لقد رأينا بأمهات اعيننا، وشهد العالم كله، كيف ذابت ترسانة البعث "الجبارة" امام قوات الاحتلال مثلما تذوب قطعة الزبد على مقلاة حارة، وكيف فرّ قادة البعث "الابطال" بعد ان كنسوا كل مافي خزانات البنوك الوطنية، وكيف اوعزوا لعملائهم المجرمين بذبح الناس والشروع بالتخريب الشامل، وكيف هرع القائد العام للقوات المسلحة المهيب الركن مذعورا ليختبيء في حفرة الجرذان، وهو الذي سن ونفذ قرارات الاعدامات الميدانية الفورية وبتر اعضاء الجسم ووشم الجباه لمئات الجنود الذين اتهموا بالهرب من سوح المعارك! هذا "البطل المغوار" الذي يزبد ويرعد اليوم بوجه القاضي مطالبا منه ان يكون شجاعا في صد ارادة الغزاة!!

 - واخيرا، وليس آخرا، نطالب بالاهتمام برعاية ودعم مؤسسات المجتمع المدني المهنية والثقافية والاجتماعية من نقابات وجمعيات ونوادي وتجمعات وتخصيص الاموال والميزانيات التي تستحقها شريطة ان يقتصر العمل فيها على الشؤون المدنية والمهنية وليس السياسية وشريطة ان لا تكون لها اية ارتباطات بالحكومة او الاحزاب السياسية. ان مثل هذه المؤسسات هي العمود الفقري الذي تنتصب من خلاله الديمقراطية وتتاح للشعب الفرص التعليمية والثقافية المنفتحة والحرة التي تساعد على تعزيز مناخ التعايش والتسامح وتقويم العمل الديمقراطي المشترك واشاعة مبادئه . وهذه هي المؤسسات التي يجب، بدلا من الدولة، ان تحتضن الكفاءات وترعى المواهب في كافة المجالات وتفسح المجال الى شتى طرق التعبير الحر البنّاء.

 

الموقعون:

مصدق الحبيب ـ طارق حربي ـ فؤاد ميرزا ـ اعتقال الطائي ـ آزاد اسكندر

 كانون الثاني 8 2006

 

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com