تداخل الثقافي والسياسي لدى يوسف الصائغ
بغداد من جلال حسن
نظم المركز الثقافي العربي السويسري/ غاليري بغداد ندوته الأسبوعية عن الشاعر الراحل يوسف الصائغ بعنوان " إشكالية الانتماء بين التداخل الثقافي والسياسي " حضرها جمع من الأدباء والمثقفين ، استضاف فيها الناقد الدكتور أثير محمد شهاب والشاعر والناقد فائز الشرع والناقد علوان السلمان. قدم الندوة الشاعر عادل عبد الله مدير فرع بغداد للمركز مسلطا الضوء على إشكالية التداخل السياسي والإبداعي منذ أزمان لمجتمعات القديمة ، في صراع الإنسان مع نفسه بين قيمتي الخير والشر أو قيمة الذاتي والموضوعي ، مذكرا بتجارب الفيلسوفين : هيرقليطس وسقراط وموقفهما المبدئي بإزاء الانحرافات . مشيرا إلى انتصار السياسي على الثقافي عبر التاريخ ، مع أن السياسي كما يرى ميكافيلي "على السياسي أن يكون بلا فضائل" لأنه بحاجة إلى القوة فحسب. مذكرا بهيدجر وخطابه الشهير باسم النازية في أحدى الجامعات الألمانية، مما حدا ببعض نقاده، الذين لم يستطيعوا النيل من فلسفته ، اللجوء إلى الضعف السياسي في شخصيته. منبها الى ضرورة فهم عبارة " يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره " لا على أساس نحوي أو بلاغي فقط بل يشمل ذلك الخرق السياسي والأخلاقي، لأن تاريخ الشعر يحدثنا عن لا أخلاقيين وهم شعراء عظام كـ"رامبو" و "بودلير" وغيرهم ، بل قد يغمر الشعر أحيانا أو الالتزام الأخلاقي في البنية الإبداعية للشاعر. ويوسف الصائغ أحد هذه النماذج التي عانت الصراع الأخلاقي السياسي ، ورأى أن في التراث الإبداعي للصائغ ما يغفر ، ويعفي من النظر إلى أخطائه، ولم لا... فتاريخ أخطاء المبدعين طويل وعريق ، غير أن له حسابات عديدة. بعدها تحدث الدكتور أثير محمد شهاب عن موضوع " إشكالية الانتماء عند يوسف الصائغ" مركزا على الاختلاط بين ما هو إبداعي بما هو إيديولوجي،وقد سبب هذا الخلط تغييب دور المبدع رغم أهميته داخل خريطة الإبداع العربي، ووقوعه في مأزق الاتهام بالانتماء إلى هذا المعتقد أو ذاك أو التخلي عنه . وكشف عن الأسباب التي حدت بالصائغ إلى عدم الإيمان بأي انتماء، متمثلة بسلسلة الانتكاسات التي مر بها الشاعر عبر سيرته السياسية ، مستشهدا بروايته " المسافة"، إذ تتخلى الشخصية الروائية عن مواقفها الفكرية أمام فكرة الموت ، وينفذ الشخص ما يطلب منه، فيعذب صديقه . ويكشف لنا ذلك عن قلق المبدع وحساسيته بإزاء فكرة الانتماء للمبدأ والموت من أجله. وتابع الحديث عما تعرض له الصائغ كموت الحبيبة الأولى "جولي" والعذابات التي لحقت به في سجنه في " نقرة السلمان" لأكثر من تسع سنوات ، ونكسة حزيران وما سببته من خيبات، والمضايقات المستمرة من النظام السابق، وهذا مدون في اعترافاته. وذكّر برواية "السرداب" التي تتحدث عن تاريخ المعتقلات والتي صدرت أيام النظام السابق في القاهرة .
وتساءل الدكتور أثير محمد شهاب بحزن شديد : لماذا نحاول أن نقبر مبدعينا في مقبرة الغرباء ... الجواهري والبياتي وبلند الحيدري ؟ متأسفا من موقف إدارة إتحاد الأدباء الحالية التي رفضت تعليق يافطة تنعى الراحل يوسف الصائغ.. مع أنه من مؤسسي هذا الاتحاد، واستشهد بمقالة لنبيل ياسين قال فيها : لقد سامحوا جلادي يوسف الصائغ ولم يسامحوه ، بعد ذلك عقب الشاعر عادل عبدالله ،قائلا : لو اراد النقد العراقي ليوسف الصائغ ان يكون بطلا لجعل منه بطلا ، ولكن النقد العراقي ضد هوى يوسف الصائغ وضد اعماله .
ثم تحدث الناقد الدكتور فائز الشرع – بعد ذلك – بالتفصيل والصراحة عن الثقافة العراقية الجديدة التي تتخندق الان كما في السابق ، مشيرا الى ان الصائغ عوقب من قبل المثقفين وتحديدا اتحاد الادباء ، وهنالك ادباء يخشون الحديث عن يوسف الصائغ خوفا من جهات اخرى ، بل ان هناك صحف غير مشهورة كتبت الكثير عنه ، عكس الصحف المشهورة التي يخشى محررو صفحاتها الثقافية الكتابة عن يوسف خشية ان يلاموا ..
وتطرق الدكتور الشرع الى اشكالية الانجذاب في شخصية الصائغ تأريخيا ، بقوله : الصائغ شخصية تنجذب للبطل ، لكنها ما تلبث ان تترك القطب ، وغالبا ما يكون القطب شخصية وليس مبدأ ، اذ ينقلب من مبدأ الى اخر ، وقد صرح مرة ( بأنه ما زال ماركسيا في تفكيره ، لكنه ليس شيوعيا) ، هذا الانجذاب واضح في ادبه ، واشار الدكتور الشرع : بأن من الشخصيات التي انجذب االيها ( مالك بن الريب ، السياب ، علي جواد الطاهر، ) وفي السياسة ( سلام عادل ، عبد الكريم قاسم ، صدام حسين ) مع انه لا يحب الاخير ، فالصائغ لا يختلف عن باقي بسطاء الناس بانجذابهم للبطل الشعبي ، لانه يمارس تمردا سلبيا ، يدخل في التجربة وينجذب اليها ، لكنه يحاول ان يتمرد داخلها بدليل انه عندما كان يكتب في جريدة طريق الشعب لا يقبل القائمون طريقة كتابته باعتبارها طريقة رأسمالية ... وهي تتعارض مع النظرية الماركسية ... واشار الى اعجاب سلام عادل – في حينها – بالطريقة التي كتب بها ...
وجاء المتحدث الثالث ... وهو الناقد علوان السلمان : ليقدم ورقة عن مناطق الابداع في ادب الصائغ ، منتقلا من الشعر الى الرواية ومن المذكرات الى المسرح .
واختتم الندوة الشاعر عادل عبد الله ، قائلا : هناك حقيقة يفترض أن نلتفت اليها بموضوعية ، وهي ان جيل الصائغ بكل رموزه الكبرى قد انتهى... وهذا الكلام يعني ( سعدي يوسف ، وحسب الشيخ جعفر ، فاضل العزاوي ، ) فلماذا تحدث هذه النهايات ، بمعنى الا يمكن الربط بين التحول السياسي بوصفه منقذا له من اشكالة ابداعية سقط الاخرون فيها . اذن السألة بحاجة الى دراسة . ثم جاءت بعد ذلك مجموعة من التعقيبات لعدد من الحضور من بينهم الاستاذ كريم حنش والشاعر علي الشلاه مدير عام المركز ..