مهلا جورج جبور.. في بلادي تعتقل الملائكة، وليس في الحزب عبيد!!!

 

نضال القادري

إن أضحوكة إغتيال العقيد عدنان المالكي في تاريخ 22/4/1955 لم تكن بداية لسياسات السقوط التي شهدتها الشام وحتى سورية الطبيعية أو ما نسميه، نحن جماعة "تحيا سورية"، بالهلال السوري الخصيب، لقد سبقت ذلك كله إعادة ترتيب للبيت الداخلي للأنظمة العربية الهشة الإستقلال، وإعطيت الدور الملائم لتخدم نمو المولود القسري الجديد "إسرائيل" التي أعلنت في العام 1948 كدولة، رغما عن إرادة الشعب الذي ولد وترعرع في فلسطين. لم يكن بمقدور هذه الولادة أن تنمو بشكل طبيعي ومن دون مشاكل تذكر، فكانت الصرعات تشتد ما بين موال لأمة سورية تستمد من الجيوبوليتيك السياسي العلمي ومن فكرة نشوء الأمة وتطورها عبر التاريخ كما أرساها المفكر أنطون سعادة وجسدها بعقيدة الحزب السوري القومي الإجتماعي وما بين دعاة يستمدون من الدين واللغة والتاريخ، وبعاطفية المهزوم، أجنحة أمتهم العربية التي لا تقوى على الصمود أمام متناقضاتها الحياتية والعملانية، والتي سقطت في فخ أفكار الرجل المتبصر "سعادة" فريسة سهلة، تماما كما أسقطوه في 8 تموز عام 1949 في مؤامرة حاكها أقوياء سلطة دمشق والقاهرة و "تل أبيب" وبيروت، ليقع في ظلمة اليوم ذاته في أهزل محاكمة عرفها التاريخ، أدت إلى إعدامه ليقول على خسبة الوداع:"أنا أموت أما حزبي فباق". وهل مات أنطون سعادة؟! حتما، لم يمت. ها هم جماعة "تحيا سورية" يؤكدون المسيرة وعهد الحياة.
إن إغتيال نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري، العقيد عدنان المالكي في تاريخ 22/4/1955 كان نقطة تحول في تاريخ سورية السياسي، لجهة ما لحق من إرهاب وظلم للجهة التي ألصقت بها تهمة الإغتيال، أعني بذلك الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي يضطلع بدور ريادي على الساحة الصراعية مع اليهود أعدائه في الدين والأرض والحق الإنساني. مباشرة إثر حادثة إغتيال العقيد المنتمي لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان يشاهد مباراة بين فريقي الجيش السوري وخفر السواحل المصري، والتي فاز بها جهاز المخابرات المصري-الإسرائيلي على سبيل النكتة السمجة في مصر إبان حكم عبدالناصر، أبدعت السلطات السورية في الإعتقال ونكلت وأرهبت وفتكت بجميع من له صلة تذكر بالحزب السوري القومي الاجتماعي قيادة وأفرادا، ولم يكن ذلك على سبيل الصدفة أو زلة اللحظة المؤثرة، لقد كان ذلك تدبيرا إداريا على أعلى المستويات لوقف الحزب المشاكس الذي تدخل عقيدته الشمولية في كل مفاصل الحياة مما يعتبر تهديدا لكل أخصامه على الساحة الساسية. لقد طرحت في تلك الفترة عدة أسئلة مصيرية ليس غرضها كشف من دبر ونفذ وقتل العقيد عدنان المالكي، إنما من يستطيع توريط القوميين في الحادثة على كل المستويات!!! وأيضا، من هو الذي يبرع بوقف تفشي تزايد منتسبيه و مؤيديه في حياة السوريين التائهين في بوصلة السياسة الضيقة والحزبيات الضيقة والهوية الضيقة أيضا!!!
نحن السوريون القوميون الإجتماعيون، لا نخفي هواجسنا من كتابة التاريخ وصناعته بلغة رخيصة وبذيئة ومنحطة من قبل كل من تسوغ نفسه اللعب فوق سيرك الأحداث المدمرة التي تمر بها أمتنا السورية، إلا أننا نكبر من لا يتنكر للتاريخ ويقف مع الحق الذي لا تبخره شمس حارقة أو تثلجه شتاءات المستعمر. إن بيننا وبين المحتل سجل لا تنكره ذاكرة الأصحاء التواقين دوما إلى جلاء المحتل سواء أفهمونا بالإديولوجيا أم أساؤوا بالتطبيق، ويذكر أن أول احتفال بعيد الجلاء كانت منفذية دمشق للحزب قد أحيته عام 1946 وأصدرت حينها أول بيان عن الجلاء، وقد كان للحزب وقتها نائب في مجلس النواب من مجدل شمس، هو الرفيق الشهيد كمال كنج، الذي اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني وأعدمته بعد أن اكتشفت ضلوعه بعملية "إستشهادية" حيث زنّر نفسه بالمتفجرات قبل وصول المجرم "موشيه دايان" وزير الدفاع "الإسرائيلي" السابق بساعات قليلة. كيف نقوم بأعمال كهذه، ولا تراها عيون الحاكمين منذ 50 عاما، ولا زلنا نزج في غياهب السجون ولا ندري لماذا؟ فقط لأننا سوريون قوميون إجتماعيون؟ وهل لا يكتب التاريخ إلا لغة الطائفة والعرق والدين والعشيرة والعرق الواحد الذي يقود البلاد والعباد ببوصلة ليست من اختيار الشعب الحر الواعي الذي نراهن عليه؟!!
إن وصول حضرة العميل سفير جمهورية مصر محمود رياض في أوائل عام 1955 كان له التأثير الكبير في حياة الوطن السوري والمواطن السوري، لما كان له من دور خسيس في إشاعة مناخات وتحالفات القيادة المصرية التي كانت تتحكم بالتفاصيل السورية قبل الوحدة وما بعدها، حيث حمل من مصر أمر تعيين عبد الحميد السراج رئيساً للإستخبارات (المكتب الثاني) وهو صاحب الدور المثالي بعلاقته مع جهاز الإستخبارات "الإسرائيلي" الموساد، وهل من يستطيع أن يهرب من حقيقة التحريض الذي أشاعه السفير المذكور وتمهيده لسقوط الوزارة التي شكلها الرئيس فارس الخوري أمام الجماهير الغفيرة التي ذهبت لتصديق مزاعمه حول موقع السيد الخوري من سياسة الأحلاف واتهامه بالتضليل تجاه مواطنيه.
كذلك، وفي السياق نفسه، لم يكن بعيدا عن المصيبة – المصيدة أن يقع التحليل الذي أورده عضو مجلس الشعب السوري د.جورج جبور في نشرة "كلنا شركاء" في تاريخ 21/4/2005 تحت خانة التضليل الحذق وسوق حقائق التاريخ من الشباك الخلفي إلى قوس العدالة، وكأن المطلوب أن يحاكم الحزب السوري القومي الإجتماعي من باب النقد والتحليل والتأريخ المنقوص، من دون أي إشارات صريحة على أن الجمهورية العربية السورية لم تكن "سيدة، حرة، مستقلة" يحكمها أبناؤها المعزولين عن أي "خارج" ولو كان "مصريا" أو "إسرائيليا" بالمعنى أو في الشكل والمضمون، وهل أن قصة اليهودي الذي نخر الحياة السياسية بالمفاسد "إيلي كوهين"، الذي كاد أن يشكل حكومة "وطنية"، ككل الحكومات في وقتها، لم يكن مسرحها سورية؟! بالطبع لم تكن الوحيدة وقتها، فلقد سبقها الكثير الكثير. سيدي: لماذا ذهبت بك المصيدة للتدليل بالقول:"بدا التحليل الذي قدمته دمشق الرسمية لمغزى اغتيال المالكي واضحاً جدّاً ومنطقياً جدّاً: تدور في المنطقة معركة الأحلاف. وفي هذه المعركة وقف الوطنيون، ساسةً وضباطاً، ضد الأحلاف الغربية المتجسدة في حلف بغداد، بينما كان موقف الحزب السوري القومي الاجتماعي ملتبساً، بل أميل إلى الوقوف مع الأحلاف. الاستنتاج الواضح المنطقي هو إذن كما يلي: قام الحزب السوري القومي الاجتماعي باغتيال المالكي لكي يضعف جبهة مناهضي الأحلاف، بل ربما أيضاً ليبني على الاغتيال خطة انقلابية تأتي به إلى الحكم. إلا أن الاتجاه الوطني إستطاع مباشرةً، وبقوة، إنهاء كل نفوذ للحزب السوري القومي الاجتماعي في الجيش وفي الشارع السوري". ثم تضيف:"وتم تبني التحليل الذي قدمته السلطة، وهي قدمته مباشرة، إثر الاغتيال، وقبل القيام باي تحقيق فيه، تم تبنيه من قبل المحكمة العسكرية التي نظرت في الاغتيال، والتي أصدرت أحكامها بشأن المسؤولية عنه، والتي اعتبرت الحزب السوري القومي الاجتماعي جمعية سرية غير مرخصة ينبغي إيقاع العقاب بكل منتسب إليها. وفي سياق الرد، لا يمكنني إلا القول بأن النظام السوري الذي شارك وصدق ودس ملف الإغتيال، لم يكن وطنيا على الإطلاق ولم تثبت براءته من تهمة فك ارتباطه بنظام الظباط الأحرار المصري الطري العود الذي كان يرى، كما نظام الملك فاروق من قبله، بالقومية السورية نقيضا لطروحاته الوهمية في العروبة العاطفية وحتى في الإسلام السياسي. ضف إلى ذلك أيضا، غياب المصداقية والتجرد، فأين المنطق في الإتهام قبل التحقيق؟! هذا لم نسمعه ولم تدرج عليه العادة إلا في المحاكم الشامية واللبنانية التي كانت تعمل وقتها بأوامر من الخارج وأثبت في محاكمة أنطون سعادة الصورية في بيروت عام 1949 أمام المحكمة العسكرية، وفي محاكمة رئيس الحزب جورج عبد المسيح أمام محكمة من ذات النوع في دمشق، لجهة حل الحزب باعتباره جمعية سرية محظورة أم لجهة التسريع والتسرع في إلصاق تهمة القتل بالحزب من قبل المحكمة العسكرية السورية الحكيمة في ولائها للرئيس المصري جمال عبدالناصر. إن لهذا الكلام مناصروه في سورية كما في لبنان، ففي سورية لم تكن عائلة المالكي لتنساق في عملية حبك مقتل العقيد القوي، الذي كانت ترى فيه أجهزة الإستخبارات المصرية شخصا لا يمكن التعامل معه أو تمرير ألاعيبها من خلاله فعجلت من رحيله كارثة على الأخرين، وألقت بالحادثة على من كان لا يرى في نفوذها داخل الوطن السوري إلا خطرا حقيقيا يهدد حياة المواطن السوري بتفاصيلها اليومية. فكيف يمكن لحزب سوري قومي إجتماعي أن ينجر لقتل من رفض التوقيع على إخراج الضباط القوميين من الجيش ودوائر المخابرات وفي مقدمتهم الضابط السوري القومي الإجتماعي المقدم غسان جديد في عام 1955؟ وأين تكمن مصلحة الحزب في ذلك؟ وهل من عاقل يذهب لتصديق د. جورج جبور بعد 50 عاما على مصرع العقيد عدنان المالكي بالذي يتواتره عن الحادثة ويحاضر فيه؟ ومن ثم لماذا لا يجرنا التساؤل إلى إستدراك مؤداه أن مقتل العقيد المالكي يمكن إدراجه في خانة الإقتتال والتصارع داخل أجنحة البعث الذي بدأ منذ بروز نجومية القائد البعثي أكرم الحوراني، الذي لا تحبه مصر، ولا يزال قائما الأن ما بين حرس قديم وحرس جديد، وذلك بعد مرور خمسين سنة على تدبير قتل المالكي، ولكن تحت معطيات ومقدمات مختلفة محورها إتجاه السلطة ومغانمها ومحور الولاءات الداخلية والخارجية.
لقد ذهب وزير الدفاع السوري في كتاب مذكراته "مرآة حياتي" (دار طلاس، دمشق 1991) إلى تجريم رئيس المكتب الثاني في الجيش العقيد عبد الحميد السراج، والسفير محمود رياض، ورفيقه البعثي أكرم الحوراني، أما شقيق المغدور المفكر رياض المالكي فيقر في كتابه "جناية كبرى وطابور خامس" بأن الجريمة التي أتهم بها جورج عبد المسيح رئيس الحزب السوري القومي "لم ترتكب لصالح الحزب الذي خدع أعضاؤه بسراب السلطة" وقد جعلت عائلته أيضا من رئيس هيئة أركان الجيش السوري العميد شوكت شقير والسفير محمود رياض والرئيسين شكري القوتلي وجمال عبدالناصر الشركاء الحقيقين المطلوبين إلى قوس العدالة، ولم تكن إقالة المفكر رياض المالكي من مقعده الوزاري وإقصائه عن الحياة السياسية، إلا لتفرده بين رفاقه وتلاقيه مع جناح أكرم الحوراني المختلف المشارب والأهواء والطباع عن أهواء بعثية أخرى.
بعد كل ما تقدم، وما سيأتي لاحقا، السيد عضو مجلس الشعب السوري، د. جورج جبور، أدعوك إلى إنصاف الحزب السوري القومي الإجتماعي خارج أقواس محكمتك العبثية، إنها ليست أقل ظلما أو أكثر رحمة من المشانق المعنوية والجسدية التي طالت حزبا عريقا يمتد في عروق الأمة التي نؤكد سوريتها علميا وعمليا وعقائديا، وإيمانا منا بنبل الكلمة وصواب الشرع الأعلى (العقل) ندعوك إلى جلسة للتعقل السامي والقراءة الهادئة غير المنحازة لقراءة تاريخنا وصراعنا من أجل الحرية، وإلى نبل أكبر يجمع ما بين المبنى والمعنى في مقالك المصيدة.. ونحن جماعة "تحيا سورية" باقون، على العهد باقون، إلى انتصار لا مفر منه ولا سبيلا. مهلا!! جورج جبور، في بلادي تعتقل الملائكة وليس في الحزب عبيد.

* يتبع: (العلاقة ما بين الحزب السوري القومي الإجتماعي و البعث العربي الإشتراكي).
* جاء المقال تعقيبا على المقال المنشور للسيد عضو مجلس الشعب السوري د. جورج جبور بتاريخ 21/05/2005 تحت عنوان: "بمناسبة الذكرى الخمسين لاغتيال العقيد عدنان المالكي" / "الحزب السوري القومي الاجتماعي في سورية من المعتقلات إلى التعامل معه كأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية".


نضال القادري
أوتاوا، كنـدا
22/4/2005


 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com