|
هل يعين مبارك شعبولا نائبا له؟ ياسر سعد / كندا
الاوضاع والتطورات في مصر تثير مشاعر متضاربة من الاسى والسخرية المبكية. فمصر بتاريخها وحضارتها وثقلها السكاني وموقعها الاستراتيجي غدت في وزن الريشة على الساحة السياسية الاقليمية والدولية واصبحت أقل من ذلك بكثير من النواحي الاقتصادية والمالية, فالبطالة منتشرة والازمات الطاحنة المتتالية أنصبت على الشعب المصري المقهور وما تزال لتلغي الطبقة الوسطى ولينقسم المواطنون لطبقتين صغيرة من الاثرياء وبفحش فيما السواد الاعظم يصارع الفقر ويقتات القهر. الامر المثير للسخرية القاتلة هو ما يكرره إعلام النظام المصري بأن لا بديل عن الرئيس المصري والذي أدت قيادته ولما يزيد عن عقدين الى النتائج والاحوال الحالية البائسة. في السنوات الاخيرة ومن أجل التمهيد لخلافة جمال مبارك سوّق الحزب الحاكم طروحات تدعوا الى إعطاء الشباب دورا قياديا في ادارة الحزب والدولة. والان يناقض الحزب نفسه بدعوته للتجديد للرئيس مبارك وقد بلغ من الكبر عتيا. لم يجد دعاة التجديد للرئيس المصري سوى المطرب شعبان عبد الرحيم والملقب بشعبولا مروجا لإعادة انتخاب الرئيس في أغنية بعنوان: "اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش". وإذا كانت ظاهرة شعبولا هي نتاج مرحلة ثقافية وفنية تعتبر واحدة من إفرازات النظام الحاكم والتي لم تترك قطاعا ولا مجالا في الحياة المصرية إلا واتلفته وأهلكته. ومن بعدها جاءت مقابلة التلفزيون المصري مع الرئيس مبارك والذي حاول الهروب للتاريخ ليعطيه كلمته دون رقيب او حسيب على حساب حاضر مؤلم ومستقبل قاتم. كانت أهم إنجازات الرئيس والتي حاول البرنامج المعد خصيصا لتسويقها هي مساهمة مبارك في بناء الجيش المصري بعد ان دمرته حرب حزيران. الطريف ان الرئيس المصري يفخر في كلمته للتاريخ أنه ليس لمصر أي أعداء لا من الشرق ولا من الغرب ولا من الجنوب. وإذا كان الحال كذلك فما حاجة مصر لبناء جيش كلف مئات المليارات من قوت الشعب ودمه إذا كانت سياسية التهدئة والتنازلات والقفز على ثوابت مصر الاسلامية والقومية قد أدت الى إنعدام الاعداء رغم التسلط الاسرائيلي على المنطقة وإهمال مصر للمخاطر الشديدة على أمنها القومي إن كان من جهة الغرب او من ناحية إضعاف السودان وربما تمزيقه وتفتيته. السياسة المصرية الخارجية كانت كارثية ولعلنا نقرأ عينة منها حوتها رسالة الاستقالة للسكرتير الثاني في السفارة المصرية في فنزويلا السيد يحى زكريا نجم إحتجاجا على ما آلت اليه السياسات الحكومية والتي قزمت دور مصر وهمشت مكانتها عالميا وإقليميأ, كتب السيد نجم يقول: "التوقيع على تجديد اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية مع استثناء ترسانات اخرى، واتفاق الاستثناء من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية والتي رفض التوقيع علي مثله دول صغيرة فقيرة اكثر قربا واحتياجا للولايات المتحدة مثل دول الكاريبي لكنها صمدت امام الضغوط وتمسكت بالمباديء بينما وافقت مصر صاحبة اعرق الحضارات عليه، ومؤتمرات بدءا من قمة شرم الشيخ لمكافحة العنف في نهاية التسعينات والذي تم تغيير عنوانه اكثر من مرة واختطافه ليتحول الى اداة لضرب مفهوم المقاومة الوطنية والفلسطينية على وجه الخصوص، ومؤتمر شرم الشيخ الذي حضره قائد جيوش الغزاة الرئيس الامريكي في 2003م. ولم يمض شهرين على اجتياح العراق ومازالت دماء الشهداء على الارض رطبة طيبة ومازالت دموع الامهات الثكلى في العيون تحت حجة الحصول على تنازلات واعادة ترتيب الاوضاع لكن هيهات من ذلك... ، وانتقاد للهرولة ونحن نمارسها، وصمت اشبه بالموات فيما يتعلق بما يجري في السودان وفي القرن الافريقي وفي جنوب لبنان والاراضي السورية المحتلة... . وجاء غزو العراق ليقصم صدق الموقف المصري ويصيبه في مقتل، من عجز وشلل عن التحرك لصياغة موقف فاعل وتضامني، مرورا بدفن رؤوسنا بالرمال قبل واثناء وبعد الاجتياح وصولا الى ادارة الظهر للمقاومة الوطنية العراقية بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ الاخير حول العراق في نوفمبر 2004م، والاستسلام للامر الواقع على صعيد محافل الشرعية الدولية، حتى صار من ينشط في الدفاع عن العراق قبل وبعد الغزو دول من الشرق والغرب. وكانت الطامة التصريح بان " خروج القوات الاجنبية من العراق سيؤدي الى حرب اهلية "، واتساءل هنا لماذا اذن عقدنا اتفاقية الجلاء اذا كان الاحتلال بردا وسلاما ولماذا خضنا الحروب للدفاع عن ارضنا، ولماذا تحررت شعوب العالم من فيتنام الى الجزائر، السيد الوزير نحن لم نعش بداية كارثة فلسطين لكننا شهدنا تفاصيل كارثة العراق وكيف كان الخذلان والسلبية ومااشبه الليلة بالبارحة." الرسالة كاملة نشرت في صحف ومواقع الكترونية عديدة منها موقع الحركة المصرية الشهيرة "كفاية". في مقابلة مع قناة "العربية" بثت الأحد (16/1/2005) قال مبارك أنه سيبدأ فترة رئاسية جديدة مدتها ست سنوات، مشيرا إلى أنه ليس في حاجة إلى اصطناع "تمثيلية" يدعي من خلالها أنه لن يستمر في الحكم ليخرج الشعب المصري مطالبا ببقائه. واضاف الرئيس مبارك أنه يريد أن يخلد للراحة "بالنسبة لى أنا أتمنى أن أستريح". وقال مبارك أنه قادر على عمل تمثيلية يدعي فيها أنه لن يستمر في الحكم، مما ستنتج عنه مظاهرات " وأبقى خربت الدنيا" وهو ما لا يريد أن يقوم به على حد وصفه في المقابلة التفلزيونية. وأوضح الرئيس مبارك أنه رجل جاد في شغله "وبشتغل من الصبح لحد ما أنام يوميا" مضيفا "حكم مصر ليس فسحة وليس عملية سهلة.. فحكم مصر عملية صعبة". وتطرق الرئيس مبارك إلى محدودية موارد بلاده والازدياد الحاصل في السكان، ومتطلبات الشعب المصري فقال " وهذا يجعلني أبذل مجهودا ضخما جدا وأقيم علاقات مع دول العالم من أجل أن تساعد هذه الدول بقدر ما تستطيع.. تساعد في تشغيل مصريين.. تحقق موارد للمواطنين.. فعملية رئاسة مصر ليست بالعملية السهلة والخروج منها ليس سهلا أيضا.. بالنسبة لى أنا أتمنى أن استريح.. أنا منذ أن تخرجت وأنا ضابط صغير وأنا أعمال شاقة على طول". الرئيس المصري تعبان من الاشغال الشاقة في الحكم ولولا خوفه من المظاهرات والتي ستخرب الدنيا تطالب ببقائه لاستنكف حسب تصريحاته عن التمديد في الحكم. أما وقد خرج الشعب المصري مطالبا مبارك بالتنحي فللرئيس ان يتوقف عن التجديد وهو مرتاح الضمير. أليس من المحرج ان يجعل الرئيس المصري من اولوياته والتي ينفق مجهوده الضخم في ميدانها حسب قوله في طلب المساعدات لمصر, وهل في السياسة العالمية مساعدات او قروض تعطى لوجه الله ام أن الثمن الباهظ كان وسيبقى من كرامة البلد وسيادته بالاضافة الى بيعه تحت يافطة التخصيص للمال الاجنبي وربما "الاسرائيلي". مبارك كان يظن - قبل إنتشار المظاهرات في المدن المصرية إحتجاجا على التديد لحكمه – أنه لا يحتاج لاصطناع تمثيلية, ليكتشف من بعد عن حاجته الى أغنية من شعبولا ليتواصل مع الجماهير الساخطة على إنجازات سنوات حكمه العجاف. إذا نجح شعبولا فيما فشلت فيه سجلات الحكم في المساعدة في إعادة "إنتخاب" الرئيس المصري والذي وعد عند وصوله للحكم أنه لن يحكم أكثر من فترتين رئاسيتين فهل يكافئه الرئيس بتعيينه نائبا له ليواصل كوي الشعب المصري مستفيدا من خبرته كمكوجي سابق أم تراه يعينه وزير للخارجية لإن احوال السياسة الخارجية المصرية لا تحتمل أكثر من شخصية شعبولا وصرخاته الاستراتيجية أيييييييييه.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |