الوضع الأمني والحكومة الجديدة ونبض الشارع !
 

هادي فريد التكريتي

2 \  مايس\ 2005

hadifarid@maktob.com

منذ أن دخلت العملية الديمقراطية ، في تشكيل مؤسسات الدولة العراقية ، تأخذ ملامحها النهائية بعد اجتماع الجمعية الوطنية وانتخاب رئيس الجمهورية ، وبتبلور التشكيل النهائي لشكل الحكومة الجديدة ، التي أعلن عنها السيد إبراهيم الجعفري في الثامن والعشرين من نيسان ، ازدادت العمليات الإرهابية بشكل ملحوظ حيث تم تسجيل زيادة نسبة الضحايا في شهر نيسان الماضي ب 48% عما كان عليه الحال في شهر آذار السابق ، وهذا معناه أن قوى الإرهاب ، وخصوصا ما يسمى ب " المقاومة الشريفة " ـ وأغلبهم  من الطائفة السنية المتعاونة مع مقتدى الصدر ، وهم على الأعم الأغلب من البعثيين ـ  قد راهنت على أمرين : الأول الضغط على الحكومة بالحصول على مقاعد وزارية أكثر ، والأمر الثاني هو تنفيذ مطالبهم فيما يخص إطلاق سراح المعتقلين من النظام السابق ، معتقدين أن تنشيط الهجمات الإرهابية وتكثيفها على حكومة جديدة التشكيل يربكها وينزع المبادأة من يدها ، ويجعلها فريسة سهلة للخضوع لمشيئتهم وتنفيذ مطالبهم .. ولتحقيق أهداف الإرهاب أو مقاومة هذا النهج والقضاء عليه ، يتطلب الأمر من الحكومة الحالية أن تعمل سريعا وبجد على مفترق طريقين لا ثالث لهما ، إما أن تنهض بجد عما أعلنه رئيس الوزراء من إجراءات اعتبرها ناجعة وفعالة في القضاء على الإرهاب واستتباب أمن المواطن وحريته ، وإما أن تعلن عن عدم قدرتها على تنفيذ عما هو معلن فتستقيل ، مفسحة في المجال لقوى قادرة على تحقيق الحلم العراقي في الأمن والحرية والعيش الكريم , ولا تتراجع أمام الإرهابيين أو تستسلم لمطالب ممثليهم غير المشروعة وغير المبررة والتي لم تقف عند حد معين دون عودة النظام السابق بكل ما فيه من آثام وجرائم ، وبالتالي سحق التجربة الديموقراطية التي عمَدها شعبنا بدمه متحديا المجهول وما كان يحمله له هذا المجهول من موت مؤكد ، من أجل أن يأتي بحكومة دستورية يعتقد أنها ستمضي قدما لتحقيق أمنه واستقراره ..فالتنازل في موقع ستتبعه تنازلات أكثر وأفضع في مواقع أخرى ، ولنأخذ عبرة إيجابية من الدول التي لها قوات عاملة في العراق عندما يختطف بعض رعايها فهي لم تستجب لمطالب الخاطفين حتى وإن أعدموا رهائنهم ، فهذه الحكومات تعلم أن مطالب الإرهاب لن تقف عند حد معين ، كما أن حكومة منتخبة ليس من حقها أن تتنازل تحت وطأة الإرهاب عن أي موقع يقويه ويحقق له مواقع ينطلق منها في الحياة السياسية اللاحقة لإفشال مشروع وطني كان حلما لكل العراقيين ، فالشعب قدم له ضحايا غالية من خيرة أبنائه في مسيرته المناهضة للفاشية ، من أجل بناء عراق وطني وديمقراطي وفدرالي ، وقوى الإرهاب لم ولن تؤمن بهذه الأهداف إنما تريد واقعا نقيضا  ، وعلى القوى السياسية العراقية كافة والديموقراطية بشكل خاص والمنظمات النقابية والمهنية ، سواء أكانت ممثلة في الجمعية الوطنية أم لا ،أن تكون أكثر جرأة في إعلاء صوتها ونقد الممارسات الخاطئة للحكومة ، وفضح مرتكبيها أيا كانوا ، إن تهاونت بحق الشعب في القضاء على الإرهاب ومعالجة الفساد بكل أنواعه الذي استشرى أكثر من أي وقت مضى ، فالبناء لا يمكن أن يكون راسخا إن لم يصاحبه تقويم آني للاعوجاج وتصحيحه عن طريق النقد البناء والهادف لترسيخ العملية الديموقراطية في البلد ، وما نسمعه أو نقرأه من البعض في إعطاء فسحة من الوقت أمام الحكومة لأن تعمل دون نقد أو معالجات لأخطائها من قبل الكتاب والمثقفين ، وترك هذا للأحزاب أو لأعضاء الجمعية الوطنية ، إن سلمنا بهذا فسيؤدي في النتيجة إلى نهج خاطئ من شأنه أن يخلق جهازا بروقراطيا لا يقيم وزنا للرقابة أو المحاسبة للخطأ ، فقبل أن تفكر الحكومة بخلق جهاز رسمي للمحاسبة والمساءلة لها  ولأجهزتها المختلفة والمتنوعة ، عليها أن تقوي قبل كل شيء ثقة المواطن بنفسه وتشجع أبناء الشعب ، على مختلف مراتبهم وطبقاتهم الاجتماعية ، ومنطلقاتهم الفكرية والسياسية ، لمراقبة نشاط وتصرفات مختلف أجهزة الدولة ، فهم المعنيون الحقيقيون ولمصلحتهم تمارس الدولة نشاطاتها ، وهذا أسلم طريق لمعالجة الفساد الإداري الذي تبغي الحكومة معالجته ، فأي خلل في هذا النشاط يكون المواطن هو المتضرر الأول ، أما ما يدعو له البعض من ترك أمر السياسة للسياسيين ، وحصر معالجة الأخطاء لهم وبهم في منتدياتهم ، فمعناه اختصار إرادة الشعب بمن يمثل الطائفة أو الحزب ، والكل يعلم أن الكثير من الحقائق تتلاشى وتموت عند تركها لهذا المعيار لأسباب كثيرة ليس أخرها الإنحياز الطائفي أو الحزبي أو...، كما أن هذا المبدأ ، ـ ترك السياسة للسياسيين ـ فيه غبن لحقوق المواطن الذي سيمثله السياسي ،أو ينوب عنه في كل شيء ، فبداية المواطن يقوم بعمل سياسي من الدرجة الأولى عندما يذهب إلى صندوق الاقتراع ويختار من يمثله في الجمعية الوطنية ، فالمفروض به أن يختار البرنامج الأفضل الذي يحقق له مصالحه قبل أن يختار الحزب أو الشخص الذي يصوت له ، ومن هنا تأتي أهمية ممارسة المواطن وقدرته على رقابة كل أجهزة الدولة التي تعمل على خدمته وعلى تحقيق أمنه ورفاهيته ولولاه لما انوجدت كل أجهزة الدولة . واليوم ليس الأمن وحده ما يقلق العراقي ويحول دون إبداعه وممارسته لحياة طبيعية ، وأيضا ليس لقمة العيش ، رغم أهميتها ، هي فقط ما يطالب به المواطن ، وليس حرية الرأي والعقيدة والعمل غير ملزمة قبل أن يتحقق الأمن..كلا فكل هذا مجتمعا هو ما يخص الإنسان السوي ويشغله لممارسة حياته ونشاطه الإجتماعي مطلوب ، وعلى السلطة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها أن تعمل بكفاءة لتحقق له كل هذا في وقت واحد ، فلن ننتظر وزارة الداخلية حتى تنجز مهامها الأمنية حتى تبدأ وزارة الثقافة في تأمين الكتاب والمسرح والفرقة الموسيقية وكل ما يغني ويطور العقلية البشرية ويأخذ بيدها نحو آفاق الثقافة والمعرفة ، وكذلك بالنسبة لما يخص الوزارات أو المؤسسات الأخرى ، فليس هناك تفاضل في الحاجات الإنسانية أو تساؤل عما هو أكثر أهمية له في عصرنا الراهن ، فكل شيء مهم ، لذلك كان كل هذا التنوع للوزارات والمؤسسات ، وعليها أن تعمل سوية وبوقت واحد لتحقيق أمن ورفاهية الإنسان من دون ضغط أو إكراه لما عليه أن يفعله .. فإذا أخضعنا هذا الإنسان لما يجري الآن في بعض المدن العراقية من مصادرة لحرية الرأي والعقيدة والعمل وإجبارهم على ترك مدنهم بحجة الحلال والحرام من منظور إيماني غيبي متخلف ، لأن هذا ما تراه فئة تسيدت بالإكراه والإرهاب ، فما يجري محاولة لإشاعة الرعب والإرهاب ، وهذا ما سيعود بنا من جديد إلى ما كان يمارسه النظام البعثي من عسف وانتهاك للحريات ولكن بأدوات أكثر ظلامية وقهرا ، فإن لم يرفع المواطن العادي صوته ضد هذه الممارسات لأن الحكومة التي جاء بها تتماهى مع هذا النهج وترغبه ، وإن لم ينتقد المثقف أصحاب هذا النهج الخاطئ ويقف ضده بكل ما له من وسائل وأدوات للتعبير ، وإن لم ينتقد السياسي ويندد مجاهرا بموقف السلطة المنحاز لظلم الظالم ، ومن عدم اتخاذها إجراءات مناسبة لكبح مثل هذه الممارسات بحجة هناك ما هو أهم تنصرف إليه السلطة في معالجتها له ، آنذاك لم نجد الوقت والقدرة على التصحيح والمعالجة ، وسنعود الى ما حيث بدأنا به مشوارنا مع البعث ، ومقارنة ما يجري في الظرف الراهن في الجنوب العراقي ، البصرة والزبير ، نرى تماثلا لما جرى عهد البعث ضد القوى الديمقراطية والوطنية عندما بدأ بتصفيتها منطلقا من هناك حتى وصل بها إلى الشمال العراقي محاولا صبغها بلون عنصري وحزبي واحد ، فالنشاط المعادي للحرية والديموقراطية معروفة طريقه ونتائجه لا تحتاج إلى نظر سديد ، أما معالجته بكل بساطة تتطلب سلطة تنفذ القانون وتنفيذ ما أقرته وتوافقت عليه القوى السياسية في البلد وكانت قد اتفقت عليه القوى القومية والإسلامية والوطنية عندما كانت في المعارضة ،  وبعكس هذا سيعم العراق الخراب ..فالوضع الأمني وكل ماله علاقة بالمواطن وحياته الاعتيادية مرهون بقدرة الحكومة على كبح جماح من يحاول الإساءة ، وعلى نشاط الجماهير ومراقبتها لأجهزة الدولة يتوقف حسن أدائها ..

 

 











 
 

 

 

 

 

      

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com