في بيتنا أيراني


 

زهير كاظم عبود

zouher_abbod@hotmail.com

 

القصص التي يرويها اهل العراق عن الممارسات الأيرانية في المدن الشيعية المقدسة ومدن الجنوب العراقي ومحاولات انتشار القيم والأعراف الأيرانية في الوسط العراقي  لاتخلو من الطرافة ، غير أن هذه القصص نفسها تحمل معها الماً دفينا وحرقة في ارواح العراقيين  يتمثل في  حقيقة التغلغل الأيراني بسبق أصرار  وسط  الحياة العراقية ، وهذا التغلغل وأن كان دخيلاً على الحياة العراقية ، الا انه سيكون عقبة وحجر عثرة أمام مسيرة العراق بأتجاه  الحياة الديمقراطية والفيدرالية التي تفتقدها الحياة الآيرانية وقد تتعارض معها  .

فللشعب الأيراني خصوصيته وحقه في اتخاذ شكل الحكم الذي يناسبه ، وهو قطعاً يختلف عن شكل السلطة التي يريدها العراقيين ، فللعراق خصوصيته الدينية والقومية التي لاتماثلها الطبيعة الايرانية ، بالأضافة الى أن طبيعة السلطة وأسلوب الحكم لدى الجارة أيران لايتناسب بأي شكل كان مع الطبيعة العراقية .

ويقينا أن علاقات التجاور ولغة التفاهم والأحترام لهذه الخصوصيات وعدم التدخل في الشأن الداخلي لكل من أيران والعراق هي التي ستدعم العلاقات الأنسانية وأواصر العلاقة المستقبلية بين الشعبين ، بالأضافة الى التعاون المثمر بين الحكومات للقضاء على الارهاب في كلا الدولتين بالنظر للأضرار التي تتحملها الشعوب جراء الجرائم والأفعال التي يتم ارتكابها من قبل التنظيمات الأرهابية والأجرامية المتطرفة .  

سنترك لغة التفاهم الجديدة التي تسود اوساط التعامل التجاري وسط الأسواق العراقية حيث تحولت اللغة الفارسية الى لغة مسموعة وتملأ الأذن حين تمر وسط هذه الأسواق ، وستكون هذه اللغة الوسيلة التي يمكن معها التعامل في هذه الأسواق يوما بعد يوم ، حيث تنتشر الشائعات التي تقول أن التاجر لن يتفاهم الا باللغة الفارسية مما يوجب على المواطن العراقي أن يتعلم اللغة الفارسية أو أولياتها على الأقل بديلاً عن اللغة الكردية التي يفترض انها لغة الشقيق المرتبط مصيريا والتي لم يتعلمها عرب العراق بينما تعلم الكرد لغة اشقائهم العرب وأجادوها وأصبحوا من معلميها في المدارس العربية والكردية  ، وهذه السيطرة تمثل نوعا من انواع الفرض والقسر الذي لايجد أي مبرر او قبول .

في الأضرحة المقدسة الموجودة داخل  المدن العراقية  ثمة من يقوم بتنظيم زيارة الناس لهذه الأضرحة  ، ولهذا وحرصاً على تكريس الظاهرة الأيرانية في مثل هذه الزيارات يعمد المسؤولين الى تقسيم الناس حسب اجناسهم ، فللرجال صفوف وللنساء صفوف بعيدة عنهم ، فالأختلاط في الزيارة يمكن ان يتم تفسيرة من قبل القائمين على الأشراف على مراسيم الزيارة اباحة ينبغي الوقوف ازائها ووضع الخطط المعارضة لها ، مع أن القصد هو تأدية الزيارة لذلك الرمز بالأضافة الى أن مراسيم الحج الى بيت الله الحرام يفتقد لذلك التصنيف الجنسي ، ولم يكن العراق في أي زمن يعرف هذا التقسيم القائم على الأختلاف الجنسي بين الرجال والنساء في الزيارات الدينية .

وفي صفوف زيارة النساء تحدث قصص طويلة وليس لها أخر ، فالقائمات على تنظيم وتفتيش النساء هن من النساء الذين يعملن في مجال المراقبة الأمنية وتنظيم الزيارة وتم توكيلهن بمهام مثل هذه مقابل اجور من قبل المؤسسات المشرفة على حماية الأضرحة وتنظيم الناس لقاء مايقمن به من جهد  ، وغالباً ماتتعرض النساء العراقيات القادمات من المنافي الأوربية الى تساؤلات غريبة من هذه النسوة ، منها على سبيل المثال أن العباءة التي ترتديها الزائرة خفيفة ينبغي ان تجد الزائرة عباءة اكثر سمكا ، أو أن خصلات من الشعر ظاهرة ينبغي اخفائها ، أو ان أظافر الزائرة طويلة أو مطلية باللون الأحمر مما يوجب ازالتها ، مع سؤال طريف عن حقيقة لون عيون الزائرة عما أذا كانت عدسات أصطناعية لاصقة  أو انها عيون  حقيقية ، مع حفنة من القرارات بالممنوعات التي يصدرها الأشخاص من اجل منع الزائرات والزائرين من أداء مراسيم الزيارة التي يسعى لها أغلب اهل العراق  ،  وفي كل الأحوال تعود الزائرات وهن متبرمات من الأسئلة التحقيقية التي تمطرهن بها الأخوات المراقبات في العتبات المقدسة أو من قرارات المنع والقاطعة الصادرة من بعض القائمين بالأشراف  ، غير أن الأكثر غرابة وأيلاماً أن تكون لغة التخاطب والتفاهم بين فرق التفتيش في هذه العتبات اللغة الفارسية بديلاً عن أية لغة أخرى  وهي حالة تدعو للأحباط والأستغراب وسط أتهامات تحاول بعض الجهات من خلالها النيل من شيعة العراق وعلاقتهم مع آيران .

وفي مدينة البصرة ثغر العراق الباسم صار سوق الهنود المشهور ببيع التوابل الواردة من الهند الى اهل العراق سوقاً أيرانيا واللغة التي نسمع رطانتها وسطة هي اللغة الفارسية مما حدا بالبعض لأطلاق أسم سوق العجم بديلاً عن أسمه السابق ، غير أن رفع أعلام مكتوب عليها أسم الشهيد الحسين ( ع )  فوق سارية علم من اعلام مراكز الشرطة يجسد غرابة تلك البدعة التي لامبرر لها ، فلم يكن الشهيد الحسين بن علي يليق أن يرفع أسمه فوق مركز للشرطة ، وأن تحجيم هذه الرموز الأنسانية لتصير مؤسسات وجمعيات يمثل الأساءة الكبيرة لهذه الأسماء حين يتم تسويق أسمائها  المقدسة والتاريخية لغايات دنيوية تحتمل  الخطأ مع الصحيح والظلم من التصرفات الأنسانية بالأضافة الى الحق والباطل  .

أن وجود عراقيين يتحدثون بالفارسية لايشكل مشكلة للعراق ، كما أن وجود عراقيين من أصول فارسية لايشكل منقصة أيضاً ، فقد انتهى زمن الطاغية والشوفينية وصار العراق للعراقيين مهما كانت اصولهم وقومياتهم  ، المشكلة تكمن في تغليب اللغة الفارسية على لغة البلد وأعتبارها لغة التخاطب التجاري أو السياسي ، ولايمكن القبول بزعم أن هذه المدن هي مدن حدودية ، فقد بقيت الموصل وهي مدينة حدودية تعتز أيما اعتزاز بأصالتها وعراقيتها ولم تسمح لأحد أن يتغلب على اللغة العربية والكردية التي يتحدث بها اهلها بالرغم من المحاولات العديدة للاتراك في أيجاد حيز للنفاذ وسط هذه المدينة التاريخية العريقة .

ومن يقرأ تاريخ  الاحزاب الدينية في العراق سيتعرف أن هذه الأحزاب هي أحزاب عراقية ناضلت من أجل المستقبل العراقي ، وضحت وقدمت العديد من قرابين الحرية والشهداء ضد الطاغية والزمن الدكتاتوري البغيض ، وهذا الأنتماء العراقي الأصيل لايمكن أن يلغيه التقليد والأعجاب الذي يبديه بعض ازاء التجربة الايرانية ، مثلما لايمكن الأساءه الى أصالتها وأعتزازها بأستقلاليتها وأنتمائها للعراق .

أن يكون هناك من يعيش تحت سارية العراق الديمقراطي والفيدرالي ينبغي ان يعرف انه يسيء الى وطنية العراق وكرامته حين يحاول ان يعكس تجربة وافدة مهما كانت اصولها وجذورها اذا لم تتكيف وفق الوضع الانساني للعراق ، أما أن تكون الحالة  ليس لها جذر ولاأساس  في العراق ، أما أن تكون تلك الحالة مجرد تقليد دون أساس ولاتتطابق مع واقع الحياة العراقية فتلك جناية بحق اهله ووطنه ،  وأن يحاول  بعض أن يشيع قيم وأعراف من الممكن ان تكون متناسبة مع المجتمع الأيراني أو الافغاني أو الباكستاني  ولكنها لن تكون مطلقاً متناسبة مع التنوع القومي والديني والمذهبي في العراق فأنه يعاكس منطق الحياة العراقية .

البصرة وكربلاء والنجف هي مدن عربية ولكنها  ليس مدناً خاصة بالعرب الشيعة مثلما أن أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك هي مدن كردستانية ولكنها  ليست مدنا خاصة بالسنة الأكراد ، ولهذا لن تجد أية مشكلة حين تزور اربيل أو السليمانية رغم أن اهلها من الكرد ويتحدثون الكردية ، غير أن الأمر يبدو غريباً حين  تكون لغة التفاهم في مؤسسات تشرف على الأمن والمراقبة والتفتيش في العتبات المقدســـة لغة غريبة عن البلد أمراً يدعو للأستهجان  ، كما أن اشاعة لغة غير لغة اهل البلد في الأسواق التجارية أمراً يدعو للأستغراب  وهي حالة شاذة لايمكن القبول بها ، كما أن رفع الأعلام والرايات التي تحاول تجيير مؤسسات أمنية وتنفيذية بأسماء الانبياء والأولياء والأسماء التي لها قدسية دينية أمراً يتعارض مع حلم العراقيين في دولة تتسع لجميع العراقيين ومن كل الأديان التي يتباهى بها العراق ، ومن كل القوميات التي يفتخر بها العراق .

فأسماء سبط الرسول ورمز الشهداء لايمكن ان يكون حصراً على مركز للشرطة أو مطعما لبيع المأكولات ، لنجعل لهذه الأســماء مايليق بها من تبجيل وأن نحترمها ونترفع عن أستغلالها ، وأن لانقلد غيرنا في مثل هذه الأمور .

حري بالأحزاب العراقية الدينية منها أن تلتفت لمثل هذه الظاهرة وتحاول التثقيف بما يعزز عراقيتها وأصالتها .

ومن أجل ان يكون المستقبل واضح ومضيء لكل العراقيين مهما كانت أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ينبغي ان تكون لغة الأنسجام وعدم الغاء الاخر وعدم الاستخفاف بالآخر مهما كان دينه اومذهبه  هي اللغـــة التي تناسب مستقبلنا المنشود ، مستقبل العراق الديمقراطي والفيدرالي .

 

 

 











 
 

 

 

 

 

      

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com