|
من أجل عيون العراق.. نُقوم الخطأ ..!!
هادي فريد التكريتي 8 مايس 2005
منذ أن تحرر العراق من حكم الطاغية، لا فك الأمريكان أسره، برزت إلى الوجود أقلام عراقية ما كان لها أن ترى النور وتأخذ مكانها في ظل حكم الحزب الفاشي ونظامه القمعي، وهذه ظاهرة أبهرت العالم العربي قبل العراقي لكثرتها وتعددها وتنوعها، وساهمت هذه الأقلام، بغض النظر عن موالاتها أو معاداتها للنظام الجديد، في نقد وانتقاد وتقييم المرحلة الراهنة التي يمر بها العراق حديثا، كما برزت إلى الوجود عشرات المواقع ألألكترونية العراقية التي أفسحت في المجال لهؤلاء الكتاب أن يكتبوا الغث والسمين على حد سواء، سواء أكانت كتاباتهم في السياسة، ضد أو مع الحكومة والوضع الراهن، أم كانت نتاجاتهم أدبية، وكذلك باقي الفنون الأخرى، كل هذا بغض النظر عن المحتوى، الجيد والرديء، استمراره مرهون بوعي القارئ وثقافته وحرصه على خدمة الغرض الذي يهدف إليه، وهذه ظاهرة إيجابية، وعلينا تشجيعها، كما علينا مسؤولين أم أفرادا، وأن لا نقف حكاما حاملين هراوات القمع، هذا جائز وهذا غير جائز تحت أي ذريعة كانت، ضد من يبدي نقدا أو تصحيحا لفكرة أو تقويما لطروحات في نهج خاطئ، فالحقيقة لا يملكها زيد من الناس مهما كان ذا علم وبصيرة، ولا يتضمنها فكر دون آخر، وإن شرعنا للآخرين شرعتهم ونيابة عنهم سيؤول واقعنا إلى ما كنا عليه زمن الفاشية أو أشد، ومن هذا المنطلق كتبت السيدة علياء الأنصاري، مديرة موقع ألكتروني جديد أطلق على نفسه " بنت الرافدين " كتبت مقالة تحت عنوان " لأجل عيون العراق" على الصفحة الأولى من موقعها ألألكتروني، ومن القراءة الأولى يتضح للقارئ أنها تريد أن تقنن وتحدد خياراتها لكتاب موقعها،وهذا ليس في صالح موقعها كما ليس في صالح الإسلام الذي تهدف إليه، رغم تعدد الطروحات والمفاهيم الإسلامية، إلا أن هذا ليس هو ما يعنينا في الوقت الحاضر، فعلى العكس كلما تعددت الرؤى والأفكار وتصارعت حضاريا، عن طريق القلم والقرطاس، وليس عن طريق السيف والإكراه، كلما حققنا نصرا على ضيق الأفق والمتزمتين، وهذا ما لم نجده في بدايات مسيرة الموقع، فلنقرأ ما كتبت السيدة علياء الأنصاري : (..وزالت دولة الظلم والاستبداد لتأتي دولة الحق والإصلاح ..ألم يكن هذا هو حلم كل عراقي وأمنيته داخل العراق وخارجه ؟ ألم يدفع ثمن هذا الحلم خيرة شبابه وأرواح علمائه ومفكريه وخيرة رجاله ومصلحيه ؟ ألم يسعى العراقيون جميعهم بكل مذاهبهم وقومياتهم وطوائفهم ومدارسهم الفكرية والثقافية إلى تحقيق هذا الحلم ودفعوا ثمن ذلك الكثير من التشرد والضياع في البلاد المختلفة والعيش تحت ضغوط الخوف والإرهاب وثقل السلاسل والقيود فما حدث ؟ هاهي الحكومة العراقية المنتخبة تتسلم زمام الحكم من خلال ممارسة ديموقراطية رائعة قل نظيرها في العالم ...وهذا هو الحلم العراقي يتجسد في واقعنا المتعب ...فإذا بالبعض يحاول تضعيف وتقليل شأن الحكومة الجديدة وإثارة الأقاويل إن لم نقل الفتن .إحدى الفضائيات العراقية تطل علينا بنشرة أخبارها المعنونة الجعفري يفشل في تشكيل الحكومة ..وفلان من الناس يقول أن هذه الحكومة ليست من صالح العراق وثالث يقول هي ليست حكومة وحدة وطنية ورابع هي لا تمثل العراقيين وهكذا..لماذا ؟ نعم بودي أن أصرخ بملء الفم الذي كان مكبلا سنين طويلة حرام عليها حتى النفس ! لماذا أيها العراقيون ...؟) طبعا ليس كل هذا ما قالته السيدة مديرة الموقع ولكن هناك الكثير مثله وأشد منه، فماذا تعتقد السيدة علياء هل انتهت معاناة العرقيين بمجرد أن تشكلت الحكومة وجاء بمن ترضى هي عنه ؟ كلا أيتها العزيزة، فما ناضل من اجله العراقيون لم ينته بمجرد أن جاءت حكومة منتخبة بشخص تؤيدين أو بحزب تدينين له بالولاء، بل قولي الآن بدأت مهمات العراقيين من كتاب ومثقفين، والجماهير هي صاحبة المصلحة في التغيير، وعليهم جميعا أن يراقبوا خطوات حكومتهم التي انتخبوها بملء إرادتهم، لخوفهم عليها من الانحراف عما أعلنت عنه من مبادئ وأهداف واجبة التحقيق، وحرصهم على عدم سقوطها في الفساد الإداري المستشري الذي أعلن عنه رئيس الحكومة في خطاب القسم، وهل على العراقيين أن يغمضوا عيونهم عن هذا الفساد وهم لم يلمسوا بعد صدق المزاعم من أن هذه الحكومة هي أفضل من سابقتها، فهل لك أن تعطينا الدليل على ذلك ؟ وإذا كان قد سعى العراقيون جميعهم وبكل مذاهبهم وقومياتهم وطوائفهم ومدارسهم الفكرية والثقافية إلى تحقيق هذا الحلم، كما تقولين، فلماذا لم تسألي السيد رئيس الوزراء الجديد لم تجاهل تضحيات الكثير من هؤلاء العراقيين الذين ذكرتهم، وهل هناك من مبرر واحد تسوقينه من أجل أن لا يوجه نقد للحكومة، ومهما كانت هذه الحكومة المنتخبة إن جانب رئيسها الصواب أو إن أخطأ وزراؤه في معالجة القضايا التي تهم الشعب والوطن ؟ ولم الخلط بين من هو معاد للحكومة الجديدة أصلا، وبين من هو مؤيد لها، الذي دفع أجمل سني عمره وتشرد هو وعائلته من أجل أن يرى حكومة منتخبة وديموقراطية تمثله وتعمل لصالحه، إلا أنه واع لما يرى ويسمع، وحريص عليها أن لا تنزلق لمهاوي ما انزلقت عليه حكومات كثيرة سابقة نتيجة لتنظير وتبرير لواقع يشبه ما ذهبت إليه السيدة مديرة الموقع ..ثم لم الخوف من النقد وكلام الناس إن كان الواقع مجافيا للإشاعات أو تضليل الفضائيات المعادية، فالنقد المخلص والمبني على الحقائق لا يخيف أحدا" يا سيدتي، فهل إن قلت أنا، كما قال غيري كثيرون، وممن هم في الموقع المناهض للدكتاتورية وللفاشية، من أنهم لا يؤيدون السيد رئيس الوزراء فيما ذهب إليه من أن هذه الحكومة هي ليست حكومة وحدة وطنية، وفعلا هي ليست كذلك، هل أصبحنا معادين للحكومة، بنظر السيدة علياء الأنصاري ؟ فماذا يضيرك أو يضير رئيس الحكومة لو سميت الأشياء بمسمياتها ؟ وهل إذا كان رئيس الحكومة منتخبا من قبل العراقيين عليهم أن يتبنوا طروحاته ومفاهيمه حتى وإن كانت خاطئة، وهي فعلا، كما أزعم ويعتقد غيري كذلك، أنها خاطئة وتستوجب النقد والتصحيح !...لست أدري لم هذا الانفعال، هل هو لمجرد أن وجه عراقيون نقدا لرئيس حكومتهم لم يكن موفقا في تسمية كل العراقيين الوطنيين الذين ساهموا في صنع العراق، وحكومته لم تبرر بعد ثقة الشعب بها ؟ أم أنك من خلال موقعك تريدين أن تروضي الآخرين لما هو قادم من خطوات وأفعال يُخطط لها ولم يحسم بعد أوان تنفيذها ؟ فمن أجل ألا يعود علينا كابوس جديد لكتم أنفاسنا، هو أقسى وأشد، وأكثر سوداوية من الذي سبقه، ولأننا لم نعد نحتمل القهر والظلم وخصوصا من عهد شاركنا نحن فيه، ليس عليك أن تصرخي بوجوهنا وتتهمي كل من ينتقد بأنه طامع في كرسي كما تقولين ( ..كل من تحدث وشكك في مصداقية الحكومة ونزاهتها لأن كرسيا من كراسيها لم تكن له ..) فهل هذا هو معيارك للنقد بكيل التهم الجاهزة التي هي من موروث النظام الفاشي ؟ أم ترين أن حكامنا الجدد سيتحولون بقدرة قادر إلى آلهة أو أنصاف آلهة معصومين عن كل خطأ أو رذيلة ؟ لا معصومية لإنسان ما في القرن الواحد والعشرين، ولن يسكت العراقيون عن خطوات بدايتها تشير، ومؤداها يؤدي، إلى اتجاه بدايته تُؤسس لنظام يكمم الأفواه عن قول الحقيقة ويحجبها عن الشعب، وسيقول العراقيون نعم لمن ينهج ويسلك في الحكومة الطريق الوطني الذي لا يفرق بين عراقي وآخر، نعم لمن لم يغمط حق عراقي ساهم في بناء العراق ويساهم في الوقت الحاضر بإعادة بنائه، نقول لا بملء الفم لمن يريد أن يختصر نضال العراقيين وشهدائهم بفئة دون أخرى، ونقول لا عالية لمن يريد أن يحتال على الحقائق ويزور وقائع التاريخ ويسمى الأشياء بغير مسمياتها، نقول لا لكل نهج خاطئ يهدف لتأسيس واقع يعود بالعراق إلى الدوامة الأولى التي أقصت العراقيين عن وطنهم وأهلهم وأحبتهم، نقول لا لمن يريد أن يكرر تجربة الدكتاتورية، بشكل أو بآخر أكثر انحطاطا وهمجية منها، نقول لا لمن يريد أن يعود بنا إلى النفق المظلم الذي كلفنا الآلاف من الضحايا والشهداء، وجراء الدكتاتورية الفاشية لا زلنا ننزف دما، فمن أجل تحصين حكومتنا يتوجب علينا أن ننتقد الخطوة الأولى، وكل خطوة لاحقة، تؤدي إلى مسار مهلك .. نصححها نقدا بالكلمة والأسلوب الديموقراطي قبل أن يستفحل أمرها، ويصار إلى تصحيحها دما وعنفا.، هل عرفت سيدتي لِمَ نبادر إلى كشف الخلل قبل أن يطل منه الخطر، وقبل أن يتمادى ويستشرى ويصبح نهجا متأصلا فيمن يقود .؟ أعظم شيء حصلنا عليه، بعد سقوط النظام، هو حرية الفكر والرأي والكتابة والاستماع للآخر ولما يريد، كما أنت في موقعك، بنت الرافدين، وهذا ليس منة من حاكم بل حق ناضلنا طويلا من اجله وقد تحقق بمساندة ومساعدة " آخرين "، فلم تحاولين أن تكممي الأفواه بهذه الحجة أو تلك، ونحن في بداية الطريق، فمن اجل عيون العراقيين، علينا أن نسهم بفاعلية وصدق في بناء العراق من دون مزايدات على الغير، ولنمارس النقد لكل ظاهرة سلبية، ولندافع عن كل كلمة أو فعل يشد لحمة العراقيين لبعضهم، يوحدهم ولا يفرقهم، ومن أجل أن تنجح الحكومة في مهمتها عليها أن تلتزم المواطن وتستمع له وتسعى لأن تقدم له الأحسن والأفضل ولا تعتبر أنها متفضلة أو سيدة عليه، فمن أجل عيون العراق وكل العراقيين علينا أن ُنقَوم الخطأ ولا نسكت عنه ...
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |