|
اعتقالات على مظاهرات الإخوان ، فلتحيا ديمقراطية مبارك !
د.هادي المالكي 09-05-2005 لطالما تشدق نظام حسني مبارك بالإصلاحات والإنجازات الديمقراطية وغير الديمقراطية التي يدعي إنها تمت في عهده في مصر .ولكن تأتي اليوم المظاهرات التي ينظمها الإخوان المسلمون في مصر لتفضح واقع نظام الحزب الواحد الحاكم في مصر ولتحشر هذا النظام في زاوية ضيقة وحرجة من الناحيتين الإقليمية والدولية . فيبدو من الواضح إن هذا النظام لا يقل دكتاتورية عن الأنظمة العربية الأخرى . نحن الليبراليون نختلف في الكثير من الطروحات والتوجهات عن الأحزاب والحركات الإسلاموية العاملة في الساحة العربية , ولكننا نبقى اقدر التيارات السياسية العاملة في هذه الساحة على التعايش والتفاعل الايجابي مع كل التيارات السياسية التي تؤمن باللعبة الديمقراطية وتحترم أصولها وآلياتها . وما ذلك إلا لكون الليبرالي هو ديمقراطي بحكم التعريف ، أو بعبارة أخرى ، فالديمقراطية هي الوجه الأخر من العملة الليبرالية . واليوم وفي ظل هذه المتغيرات الضخمة التي تشهدها المنطقة العربية نحو الديمقراطية ، ولعل ليس بأقلها أهمية ، اشتراك حركة حماس الفلسطينية المتشددة في الانتخابات بكل جدية وحماس ! ، أصبح من الصعب التشكيك في مدى وطبيعة إيمان الحركات الإسلاموية ، الأكثر ميلا للاعتدال ، والعاملة في الساحة العربية بقضية الديمقراطية وبأصولها وآلياتها . سابقا كان الكلام يجري عن التمييز بين الإيمان التكتيكي والإيمان الاستراتيجي من قبل الحركات الاسلاموية بقضية الديمقراطية . والإيمان الاستراتيجي يقصد به إيمان هذه الحركات بالديمقراطية إيمانا وجدانيا حقيقيا لا مواربة فيه ولا مداهنة ، أما الإيمان التكتيكي فيقصد به اعتقاد هذه الحركات بان الديمقراطية ما هي إلا وسيلة من الوسائل ، وربما ، أيسرها ، للوصول إلى الحكم أولا ، ومن ثم قلب نظام الحكم هذا لفرض نظام إسلاموي على وفق اعتقاداتها وإلغاء الديمقراطية وغيرها من مظاهر الحرية والتعددية السياسية ، وهذا النوع من الإيمان هو الذي أدى ، على ما اعتقد ، إلى إلغاء الانتخابات الجزائرية التي فازت فيها جبهة الإنقاذ في بداية التسعينات . وهو الأمر الذي حصل قبلا في التاريخ مع حركات أخرى غير إسلاموية في مناطق أخرى من العالم ، ولعل ابرز الأمثلة على ذلك ، فوز حزب هتلر بالانتخابات الألمانية واستلامه للحكم ثم إلغاءه للديمقراطية في البلاد وإقامته للتجربة النازية المأساوية . هذه الاعتقالات التي تحصل اليوم في مصر في صفوف حركة الإخوان المسلمين لهي شيء يجب أن يخجل منه حقا النظام المصري الحاكم ويجب أن يندى له جبينه ، إن كان ما زال في جبينه شيء من حياء . فلمﹶ هذه الاعتقالات ؟ أمر لا نستطيع أن نفهمه نحن الليبراليون . و إن كان أمرا وممارسة معتادة في عرف النظام المصري وغيره من الأنظمة العربية ، هذا النظام الذي يدعي إنه ، بالتعديل الدستوري الأخير ، الذي ما كان ليجيء لولا الضغط الأمريكي الواضح ، يتوجه نحو الإصلاح السياسي أو يتصور نفسه كذلك ؛ ولكنه لا يعلم انه بهذه الاعتقالات ، وبغيرها ممن الممارسات المضيقة للحرية السياسية ، يتوجه وبسرعة كبيرة نحو المنزلق الديكتاتوري الخطير ليجد نفسه في النهاية وقد أمسى نظاما فرديا لا يختلف عن بقية الأنظمة الفردية التي تحكم الدول العربية . فما هو المبرر لهذه الاعتقالات ؟ إنها مظاهرات ، مظاهرات سلمية وحسب . فيبدو إن النظام المصري لم يكتفي بالتضييق على المظاهرات التي تحدث في مصر بين الفترة والأخرى وحصرها في داخل الجوامع والجامعات ،ولكنه راح يعتقل المتظاهرين وبالجملة بعد أن تزايدت هذه المظاهرات وبدت أصوات مطالباتها المرتفعة بالإصلاح السياسي الحقيقي تصم آذان النظام المصري غير القادر على سماع صوت أخر غير صوته . فلمﹶ هذه الاعتقالات ؟ ألانهم إسلامويون ؟ ولكن الإخوان ليسوا الجماعة الإسلامية ،وهم بالتأكيد غير التكفير والهجرة . فالإخوان كانوا وعلى مدى تاريخهم اقرب إلى الاعتدال من سواهم من الحركات الإسلاموية العاملة في مصر . أم إن هذه الاعتقالات لكون الإخوان المسلمين جماعة محظورة ؟ جماعة محظورة ! ثم ماذا ولتتظاهر جماعة محظورة ، فما المشكلة في ذلك ؟ فحتى لو كان حظرها مبررا أصلا ، فهذا لا يمنع أتباع أي حركة أو جماعة محظورة من التظاهر سلميا ، فهو في النهاية تظاهر سلمي . فالدستور المصري ، كغيره من الدساتير العربية المطبقية جميعها بحذافيرها تطبيقا فعليا كاملا !! ، يكفل حق التظاهر لكل المواطنين ،وسواء أكانوا أعضاء في جماعة محظورة أو لم يكونوا . ومرة أخرى على فرض إن حظرها مبرر في الأصل . أم إن هذه الاعتقالات هي بسبب شماعة حالة الطوارئ ؟ ولكن أليست هذه الحالة هي شماعة حقا ؟ فقد علقت عليها كل حالات التضييق على الحرية والممنوعات المفروضة عليها ، ثم أي حالة طوارئ هذه التي تستمر لأكثر من خمس وعشرين سنة . ولكن حالة الطوارئ لا تمنع من التظاهر في العراق مثلا ولجميع التيارات السياسية . فهل من المنطقي أو المعقول أو المبرر أصلا أن تستمر حالة الطوارئ هذه ، ثم تجري في ظلها كل هذه الاعتقالات ؟ ويبقى السؤال ، لمﹶ هذه الاعتقالات وهي مجرد مظاهرات سلمية ؟ أمر لا نستطيع نحن الليبراليون أن نفهمه ،ولكنه سيبقى على ما يبدو ، والى أمد ليس بالقصير ، ممارسة معتادة في عرف النظام المصري وغيره من الأنظمة العربية الدكتاتورية .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |