|
القيادة والإمامة قميص لا يرتديه إلا أهله.. احمد الخفاف ALKHAFAFAHMAD@YAHOO.COM يبدو أن حمى "القيادة" و"القائد" آخذة في التصاعد هذه الأيام في المجتمع العراقي لا سيما بعد أن سقط نظام الطاغية صدام في التاسع من نيسان المجيد وانتهت معه أسطورة احتكار "القيادة" للعراقيين حيث أوجد فراغا هائلا في قيادة تيارات الشعب المختلفة فبرز بعض الانتهازيين من الناس العاديين متسلقين على أكتاف الجماهير وشلة الأتباع ظانين أنفسهم بحسن ظن أنهم "قادة" وفوق ذلك "مقدسون" لا يرى الناس إلا ما يرون!!.. فبعد أن كان يحق لجرذ العوجة الصنم فقط أن يسمي نفسه "القائد" وأن يكون "ضرورة" و"فذ" و"عز العرب" و"الأسطورة" و"الزعيم" والإله" وما إلى ذلك من الألقاب المزخرفة وأن يحتكر هذه الألقاب لنفسه دون غيره، بات اليوم كل من هب ودب على الساحة السياسية يحلم أن يناديه الناس وشلة الأتباع "بالقائد" بل ويحلوا له أن يكون "فذا" و"مفدى" و"مقدسا" "ومولى".. وهكذا فالساحة باتت مفتوحة على مصراعيها لتقمص هذه الألقاب ولا من يمنع ويمانع أو ينقد وينتقد.. وبالمقابل صار الأتباع الذين يجيدون بحق صنع الطواغيت بامتياز يسعون لوصف أناس عاديين بأنهم "قادة" ولو كانوا يقودون بضع عشرات من الصبيان في الشوارع!!.. ويبدو أن أسماع العراقيين مع الأسف تعودت طيلة عقود من الزمن على سماع نغمة عبارة "القائد" حيث تبعث القشعريرة في أبدانهم لسحر وقعها وجبروتها الخلاب وهالتها المقدسة الطاغية.. وصحيح أن النظام البعثي الصدامي المارق سقط وانهار وزال إلى الأبد إلا أنه مازالت المخلفات النفسية والثقافية لهذا النظام الشمولي الديكتاتوري المنحرف باقية في ثنايا الأنفس وإن لم يكن من النوع البعثي منه بحيث ما زلنا نرى بعض الناس يروق لهم أن يوصفوا "بالقائد" و"الإمام".. وبذلك تصح مقولة ذهب "قائد" وجاء بعده "قادة" وهم جميعا يعتبرون أنفسهم خلفاء للقائد الضرورة صدام في مجتمعنا العراقي الذي ورثوه رثا ومتهالكا.. وبعد أن تبددت جميع محاولات البعثي السابق الدكتور أياد علاوي اليائسة من تصوير نفسه كقائد جديد للعراق والعراقيين أثناء توليه الحكم وقد أنفق الكثير من الجهد والمال والدعاية في هذا المجال إلا أن الشعب الذي تنفس الصعداء من الديكتاتورية لفظه كليا عبر صناديق الاقتراع ذلك لأن الشعب وعى كيف أن عصر "القادة" كأشخاص آمرين وناهين ولى دون رجعة.. فعراق اليوم عراق المجتمع المدني والمؤسسات المدنية والأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات والانتخابات والشورى والتشاور والتوافق، لا عراق القائد "الضرورة" و"الفذ" و"المفدى" و"الأعلى" و"المقدس" و"المولى".. وفي هذه الأيام يخرج علينا بعض الذين اعتمروا عمامة الدين سواء كانت سوداء أم بيضاء لينصب نفسه "كقائد" للعراقيين ومنهم من قضى على سمعته وهو كظيم وخف وهجه ومنهم من ينتظر للتأصيل له بأنه "قائد" المرحلة.. ومن الفئة الأخيرة السيد البغدادي حيث أصدر مكتبه الإعلامي بيانا وصف فيه البغدادي بأنه "القائد" في معرض استفتاء وجه إليه حول رأيه عن أحداث عنف جرت في بعض المدن العراقية في العام الماضي وجاء في عبارة مخاطبته التالي.. ((سماحة السيد القائد آية الله العظمى المجاهد احمد الحسني البغدادي دام ظله.. إلخ.)) أما قائد لمن ولأي فئة ومجموعة لا يُعرف.. هكذا "قائد"..!! وآخر يقدم نفسه بأنه "إمام" ويصفه مكتبه بأن ((الإمام الشيخ محمد مهدي الخالصي..)).. أما هؤلاء لمن أئمة وعلى من قادة فهذا هو مربط الفرس في كلامنا.. وإذا أردنا أن نلوم الظاهرة، فاللوم أولا وأخيرا يوجه للشخصيات أنفسها التي تسمح أن تتم مناداتها بهذه الألقاب.. فواحد منهم يطلق مكتبه عليه عبارة "قائد" و"مفدى" و"مقدس" و"مولى" فينبسط وتنشرح نفسه.. والآخر يعرفه أتباعه بأن "إمام" فترتاح نفسيته، وهم يعرفون المعرفة التامة بأنهم لا أئمة ولا قادة ولا هم يحزنون، بل هي مخيلة المتملقين من الأتباع الذين يصنعون الطغاة والجبابرة ويولوهم على رقاب الناس ليستحمروهم.. وقديما قالت هذه النوعية من الشخصيات في مجالسها الخاصة جدا قولة مأثورة.. "إذا كانت الجماهير تنحني لنمتطيها فلماذا لا نمتطيها إذا وهي راغبة بذلك"؟؟!! إن ما يهمنا هنا أن نوضح أن أعلام الشيعة في حوزة النجف الأشرف لم يوصفوا أنفسهم يوما بأنهم "قادة" بل ما نسمعه ونراه عبارات تصف شخصياتهم ورتبهم العلمية كلفظ "المرجع الديني" أو "المجتهد" وقد اختص بلفظ "الإمام" كل من السيد الخوئي والسيد الخميني رحمهما الله وذلك لخدماتهم الجليلة التي قدماها للإسلام وللمذهب.. وأخيرا نقول رحم الله من عرف نفسه فعرف قدره.. فالقيادة والإمامة الحق قميص لا يرتديه إلا أهله، وأهله غائبون عنا اليوم والسلام..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |