خطاب الورود البيضاء للرئيس بوش

 

 

بقلم : د. لميس كاظم

استمر الرئيس جورج بوش رحلته من موسكو الى تيبليسي بعد الانتهاء من الأحتفال بالذكرى الستين لنهاية الحرب العالمية الثانية والقضاء على النازية.

هذه الزيارة التي احرجت الحكومة الروسية واثارة حفيضة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه.

 استهل الرئيس بوش خطابه الذي القاه اليوم من العاصمة تيبلسي بالتحية لثورة الورود البيضاء التي اطاحت سلميا بالرئيس السابق ادورد شيفيرنادزة، منذ اكثر من سنة، الموالى للحكم في روسيا وسلمت الحكم للرئيس الحالي ميخائيل سكاشفيلي الموالي للغرب وامريكا.

لقد تناول خطاب الرئيس بوش اهم المواضيع الحساسة التي تقوي علاقة امريكا بجورجيا.

فخطاب الرئيس بوش كان مطمئن للحكومة الجورجية الجديدة وقد وعدها بالعمل والضغط الجدي على حكومة بوتين لسحب القوات الروسية من الأراضي الجورجية والتي دخلت الى الأراضي الجورجية بناء على طلب من الحكومة الجورجية السابقة عام 1999.

 حث خطاب بوش الحكومة الجورجية على استكمال كل الشروط اللأزمة من طرفها للأنضمام لعضوية حلف الناتو. إن قبول جورجيا في حلف الناتو هو محاولة امريكية لسحب البساط من تحت ارجل النفوذ الروسي العسكري على دول الكومنويلث الواحدة تلي الأخرى. وهو بحد ذاته دعم الحكومة الجورجية عسكريا وضمها تحت جناح الولايات المتحدة لكي تؤمن لها الحماية الكاملة من سطوة النفوذ الروسي مستقبلا . لقد بات اليوم احد مؤشرات الديمقراطية الأمريكية لاي بلد في العالم هو انظمامه لعضوية حلف الناتو العسكري لتامين السيطرة العسكرية الكاملة عليه وابعاده عن اي محور او حلف عسكري تعتزم روسيا او الصين او اليابان ابرامه مع تلك الدول مستقبلا.

 ان زيارة الرئيس بوش لجورجيا  وما تضمنه خطابه هو تثمين لدورها الداعم لسياسة الشرق الأوسط الكبير التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأقصى والأوسط. وبنفس الوقت هو دعم لمسيرة حكومة الورود البيضاء المتقاطعة مع حكومة بوتين.  فكما هو معروف ان الحكومة الجورجية ارسلت مئات الجنود الجورجيين لمساعدة الجيش الامريكي في حربه ضد الأرهاب في افغانستان والعراق.

 الخطاب اشار الى التجربة الديمقراطية في جورجيا من خلال ثورة الورود البيضاء التي اتاحت حرية للصحافة والأعلام  وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني. بالوقت الذي كانت تلك المؤسسات قد انشئت قبل ثورة الورود البيضاء. يبدو ان الديمقراطية اصبحت تفصلها امريكا لكل بلد حسب مواصفاتها . فالتغيير الذي حصل في جورجيا لايفضي الى اي نوع من الديمقراطية او التحرر. فالمشاكل لاتزال قائمة وابرزها البطالة والفقر ومسالة انفصال ابخازيا واسيتينا. لكن الديمقراطية الأمريكية قائمة على اثارة النزعات العرقية والطائفية بين شعوب تلك البلدان.  فخطاب الرئيس بوش يدعم حق الأبخاز والأسيتين في تقرير مصيرهم مما اثار حفيضة  الرئيس الحالي سيكاشيفيلي  الذي اضطر الى التعقيب بأنه لن يعطي حق الأنفصال للشعب الأبخازي الذي يمارس سياسة التطهير العرقي وانما ممكن التفكير بالحكم الذاتي.

 اكد الرئيس بوش في خطابة انه يرفض الحل بالدبابة لفرض الديمقراطية.  وهذا كلام جميل لكن السؤال هو لماذا دخلت الدبابة الأمريكية الى افغانستان والعراق؟ ام ان مواصفات الديمقراطية الأمريكية مختلفة من بلد لاخر. اليوم العراق حكومة شرعية منتخبة من قبل الشعب العراقي لكنها مكبلة الحرية والصلاحيات في مواحهة الأرهاب وتنفيذ الحكم بحق الأرهابيين. بالوقت الذي تصول وتجول الدبابة الأمريكية وتهدم المدن العراقية الواحدة بعد الأخرى بحجة محاربة الأرهاب بعد ان حولت العراق من بلد يحكمه نظام صمني شمولي الى بلد متمركز فية كل انواع الأرهاب في العالم واصبح المواطن العراقي خالي من اي حماية او حقوق الدفاع عن النفس وتحت رحمة الدبابة الأمريكية.

 ان الديمقراطية الأمريكية لاتتحدث عن الفقر والمجاعة التي يتعرض لها الشعوب القاطنة في جمهورية جورجيا. فنسبة البطالة مرتفعة لحد لم يسبق له مثيل في تأريخ جورجيا ولاتوجد اي خطط لتقليص البطالة في جورجيا وانما هناك خطط لزيادة الشبكات التلفزيونية والصحف والمجلات وتعمير الطرق والجسور وبناء الفنادق والمنتجعات السياحية الفارهة التي تمثل اهم وجوه الديمقراطية الأمريكية.

 الديمقراطية الأمريكية لاتتحدث عن بناء القاعدة الصناعية في جورجيا وتشجيع الرأسمال الوطني الجورجي  وتقوية الأقتصاد الوطني بل تسعى لفك  وتهديم كل القاعدة الصناعية الوطنية العملاقة في جورجيا وربط جورجيا بقوانين السوق الحر لتحويل البلد الى مستهلك لبضائعها وترسانتها العسكرية مثلما فعلت في الخليج العربي وافغانستان وحاليا العراق.

 الديمقراطية الأمريكية تحاول اقصاء كل الحركات والأحزاب اليسارية والتي لها صلة بالأفكار الشيوعية واليسارية من سدة الحكم لانها العدو اللدود للديقراطية الأمريكية لذا فهي تسعى جادة لتضيق الخناق وتجحيم تلك القوى بأسم الديمقراطية لانها متقاطعة مع سياستها الأحتلالية مثلما فعلت في افغانستان وحاليا في العراق. هذا لايفهم اني ضد التغيير الحاصل في جورجيا ، بالعكس تماما،  لتحل كل المشاكل بالطرق السلمية والحوار الديمقراطي، لكن وفق اسس سليمة وعادلة لكل مكونات الشعب نفسه بدون استبعاد او تحجيم قوىعلى حساب اخرى.

 ختاما كان على قادة الديمقراطية الأمريكية ان يلّموا بعادات وتقاليد الشعوب التي يزوروها او على الأقل يزودون بمعلومات اولية عن ابرز احداثها ومعالمها  كي لايقعوا في مطب او احراج كما حصل مع الرئيس بوش، فهو على حد قوله وقد نوه في خطابه، انه  كان من المفترض ان  يرقص الرقصة الجورجية اولا ثم ياكل الأكل الجورجي وليس كما فعل. ان هذه المفارقة تذكرنا بمقارفة اطرف، تلك التي ابهرت الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغن الذي زار موسكو في الثمانيات من القرن المنصرم. لقد وجد ريغن تمثال الكاتب الأمريكي العالمي ارنستي همنغواي في قلب موسكو والأهم انه احرج من قبل احد طلاب المدارس الأبتدائية المسكوفية الذي كان في استقباله، إذ اكتشف ان هذا الطالب يعرف الكثير من المعلومات والقصص عن الكاتب الأمريكي، والتي يجهلها الرئيس ريغن نفسه.

مفارقة اخرى تستحق الذكر لقد اعجب الرئيس بوش بساحة الحرية في تبليسي ومن المزمع زيارتها وقد نوه لها في خطابه باعتبارها تمثل منارا للديمقراطية الجديدة لكنه لايعرف ان هذه الساحة هي موجودة قبل ثورة الورود  البيضاء.

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com