|
سارعت حكومة د. ابراهيم الجعفري لتشكيل حكومة توافقية ليس على اساس نتائج الأنتخابات، وانما على اساس التمثيل الطائفي والقومي معلنه طلاقها الاول مع احزاب اليسار من طرف واحدة وقبل اكتمال شهر عسلها. فهي قد استبعدت ،اهم القوى اليسارية السياسية العراقية التي ساهمت في زفة عرس الحكومة، من خلطتها الوزارية لارضاء من لهم مصلحة في ابعاد تلك القوى المخلصة. ان هذا الطلاق العرفي ماهو الا محاولة لتشتيت التاخي الفكري والتلاقح المذهبي وابعاد المسافات بين الأحزاب السياسية المختلفة فكريا في سبيل تعميق الخلاف وترسيخ مبدء سيادة فكر على بقية الأفكار. ان هذا النهج يتقاطع مع مفهوم الديمقراطية الذي لايقتصر فقط على حكم الأغلبية وانما ايضا على مشاركة الأقلية في الحكم . ان هذا اسلوك قد يكشف الوجة الحقيقي لحكومة الأتلاف المتلاحمة في خطابها السياسي الحماسي والمتباعدة عمليا عن الأحزاب اليسارية الذين ساهمو معهم بشكل فعال ومؤثر في طرد المحتل والوقوف في وجه اعتى ماكنة دموية فاشية لاكثر من ثلاثة عقود مضت. جائت الطلقة الثانية ( وخوفي من الطلقة الثالثة وهي ستكون لا رجعة فيها) في وجه الأحزاب اليسارية العراقية عشية تشكيل لجنة صياغة الدستورالمزمع اقرارها قريبا والتي تتكون من 55 عضو من داخل الجمعية الوطنية فقط، منهم 28 عضو من كتلة الأتلاف و15 عضو من التحالف الكردستاني و8 اعضاء من الكتلة العراقية و4 اعضاء من بقية الأحزاب والكتل الأخرى. ان موافقة حكومة د. الجعفري والجمعية الوطنية على ان تكون المحاصصة فقط على الأحزاب الفائزة في هذه اللجنة يعتبر تجاوز خطير على العمليةالديمقراطية وحرمان الكثير من مفكري البلد من بقية الأحزاب والأقليات من المشاركة بناء الوطن. ان كتابة الدستور مهمة وطنية تهم كل العراقيين ، فكما هو معروف ان الأنتخابات لم تعكس مزاج الواقع السياسي العراقي وانما حصدت الأصوات بفتوة مستغلة الولاء الديني وعطش الشعب العراقي للحرية والعملية الأنتخابية. لكن تعميق نهج الحكومة والأحزاب الفائزة لغلبة الحصص التصويتة في لجنة كتابة الدستور، هذا مالا ينسجم مع كل الطروحات الوطنية التي تنادي بها حكومة الجعفري والأحزاب الفائزة. فمن هو حريص عمليا على بناء عراق حر ديمقراطي تعددي فيدرالي مطلوب منه ان يسهر على تمثيل كل اطيافة السياسية والأجتماعية والفكرية ليخرج هذا الدستور متعدد المذاهب والمعتقدات يجد فيه كل ابناء العراق حقوقهم متساوية. فكما هو معروف للكل ان لجنة صياغة الدستور هي لجنة قانونية حقوقية مهنية علمية استشارية سياسية يفترض ان تشكل من مختصين ومستشارين من داخل وخارج الجمعية الوطنية في مجال القانون والقضاء والتشريع وحقوق الأنسان و مؤسسات المجتمع المدني، وفلاسفة وعلماء نفس وبيئة ، ومن مختصين في الصياغة اللغوية، واخيرا من الأحزاب السياسية. ان ممثلي الأحزاب في الجمعية الوطنية مسحتهم الأولى هي سياسية ومن ثم هناك اخصائيين واكاديميين لكن هذا لايكفي لكتابة الدستور فهناك خامات عراقية وطنية خارج الجمعية الوطنية مشهود لها بالكفائة والخبرة ممكن توظيفها لخدمة الدستور. ان الدستور هو تلاقح افكار وليس تلاقح قوميات اوطوائف فهو سيكون المرشد ودليل مستقبل العراق السياسي فقط. اننا امام سطوة كبيرة من الأحزاب الفائزة للأستئثار والهيمنة على مصير الديمقراطية في العراق. فان كُتب الدستور من قبل اغلبية ممثلي الأحزاب الفائزة فقط سيكون دستور ناقص وغير معبر عن طموح كل الشعب العراقي لان الغلبة ستكون لهم في التصويت على اقرار مشروع مسودة الدستور ولن يمرروا اي فكر او مبدء مناهض لافكارهم اثناء الكتابة والصياغة بأستخدام التصويت على اي فقرة وبعد ذلك سيكون استحالة اجراء اي تعديل على مسودة المشروع الذي يطرح للمناقشة، لذلك فهم يخططون بعناية فائقة وشفافة من اجل تشكيل الأغلبية في اللجنة اولا ثم اقرار الصيغة الاولية لمسودة المشروع ومن ثم اقراره في استفتاء عام يعرض على الشعب العراقي ممكن ان يمرر بفتوى دينية غير رسمية من المرجعيات مثلما فعلت عشيةالأنتخابات. ان نجاح الأحزاب الفائزة في اقرار المسودة سيتسنى لهم خوض نضال تحالفي داخل الجمعية الوطنية لاقرار مسودة مشروع الدستور الدائم وبالتالي سيقر الدستور الدائم بسطوة الأغلبية الفائزة وسيكون السجن الحقيقي للديمقراطية في داخل القفص الطائفي والقومي. ان مايجري حاليا هو المحاولة الشفافة والديمقراطية من قبل حكومة الأتلاف لتمرير مبادئها وهيمنة افكارها على الدستور بعد ان استحوذت على الجمعية الوطنية والحكومة ليتسنى لها مستقبل واعد كما تتنمني. لكن بودي التنبيه الى موضوعة مهمة وهي ان مستقبل العراق السياسي يدخل ضمن السياسة العليا لصناع القرار الذين لم ولن يسلموا مستقبل العراق السياسي الى احزاب طائفية متقاطعة مع سياستها العليا. لذلك فالأحزاب الدينية، شانها شان الاحزاب اليسارية العراقية، هي مشاريع سياسية مؤجل تصيفيتها وتحجيمها من قبل تلك القوات وتحت جنح الديمقرطية. كان من الأجدى ان لاتحلق الأحزاب الفائزة عاليا لوحدها في سماء الديمقراطية الأمريكية، المليئ بالمفاجاءات الغير سارة، وتستبعد احزابها العراقية المناضلة الذين هم حماة ودرع واقي لمستقبل العراقي السياسي. فالبيت العراقي السياسي، منذ قرابة القرن من عمر العراق السياسي، هو فسيفساء فكري بين الأسلاميين والقوميين والشيوعيين والمستقلين ومن يرى غير ذلك فالتأريخ اصدق انباء من الجدد. لهذا على قادة الأحزاب الفائزة اعادة قراءة مستقبل العراق السياسي بهدوء ومعرفة من هم اصدقاء الغد في المعترك السياسي القادم. فلازالت هناك معارك وطنية مشتركة مطلوب ترتيب البيت العراقي وتقليل المسافة الغير متباعدة بين اركان مكوناتها وعلى الأحزاب الفائزة ان تقصر من تلك الفجوة مع احزابها الوطنية بسلوك عملي وطني مشترك. فالعراق القادم تفترض ان يكون ملك الجميع ومتعدد المذاهب الفكرية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |