|
الحزب الشيوعي العراقي والتحالف الكوردي ..إلى أين ..؟!!
هادي فريد التكريتي
قراءة في بلاغ صادر عن الاجتماع الاعتيادي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الصادر في 22نيسان 2005
صدر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بلاغ عن اجتماعها الأخير في 22نيسان 2005 ، وبطبيعة الحال يشير البلاغ ، كأي بلاغ ، إشارات مقتضبة عن القضايا والمسائل التي تناولها البحث في اجتماع اللجنة المركزية ، تاركا التفاصيل للوثائق وللتقارير التي قدمت وأقرت ، أثناء الاجتماع والتي تكون عادة تحت تصرف الحزب وقيادته ، وتعميم هذه الوثائق ضمن الحزب مرهون بتوجيهات الاجتماع ، حسب أهمية هذه الوثائق أو التقارير ، وبما أن الكثير من الشيوعيين المتقاعدين لا تصلهم مثل هذه التقارير والقرارات التي نوقشت ، فليس عليهم قراءة البلاغ الصادر عن الاجتماع فقط بل قراءة ما بين السطور لتخمين ما انطوى عليه البلاغ من أمور لا يريد الاجتماع أن يفصح عنها خارج صفوف التنظيم ، كما هو حال القرارات المتخذة لمعالجة النواقص والسلبيات لتوجهات الحزب المستقبلية هي الأخرى تبقى ضمن هذا الإطار، وهذا بالتأكيد حق مشروع ، رغم مبدأ الشفافية الذي يحاول الحزب أن يجسده في غير هذه الحالات ، لأن الكثير من التقارير أو القرارات المتخذة تفقد حيويتها إن أُُعلن عنها قبل أوانها أو قبل الشروع في تنفيذها، وأنا هنا لا أريد أن أتطرق لما تطرق إليه البلاغ من قضايا تمت دراستها ومعالجتها ، لأن هذه قد وردت لها معالجات كثيرة وانتقادات أكثر من كتاب ومحللين في وقت سابق ، وإنما أردت أن أتعرض لقضية لا زالت تشغل بال الكثيرين من رفاق وأصدقاء الحزب الحريصين على سمعته ونجاحه وتقدمه ، بل شغلت حتى أعداءه الذين تفاءلوا بزوال تأثيره عن الساحة بعد الخسارة الغير متوقعة له في الانتخابات ، كما أردت أن أعرف لم تجاهل هذا البلاغ من ذكر أي إشارة له عن تحالفاته السابقة واللاحقة مع القوى السياسية العراقية بشكل عام ، والكوردية بشكل خاص ، فالحزب الشيوعي كان حجر الزاوية في كل جبهة أو تحالف وطني، وهذا دليل على صدق منطلقاته الفكرية وتوجهاته العملية من أجل بناء عراق لكل العراقيين ، ليس بعد زوال صدام بل كان قبل ذلك أيضا ، ولأن الآن لم يتم الحديث عن تحالفاته مع القوى السياسية العراقية القومية ، العربية منه بشكل خاص ، والطائفية بشكل عام ، فهذا أمر مفروغ منه لأن هذه القوى لا ترى سوى اللحظة التي هي فيها من جهة ، ومن الجهة الأخرى فهي تعتقد ، خطأ، في الوقت الحاضر ، أن لا شيء يربطها بالعمل المشترك مع الحزب الشيوعي مستقبلا بعد أن سقط صدام وحزبه وبعد أن تسلمت هذه القوى السلطة ، رغم أن الحزب لم يطرح مشروعا سياسيا للعراق خاصا به ، غير ما هو معلن ومتفقة عليه كل القوى السياسية قبل سقوط النظام ،وإعادة بناء ما خربته الفاشية والقوى الأجنبية بعد سقوط النظام ، واقع الحال يدعم أن كل القوى السياسية من غير التيار الديموقراطي ـ وحتى بعض هذا التيار ـ تَحْذَر من التحالف مع الحزب الشيوعي إن لم أقل تعادي نهجه ، وتحاول أن تعرقل مسيرته وتشوه أهدافه بمختلف الأشكال والصور ، وهذا ما ظهر جليا في الانتخابات العراقية ..أما تحالفاته مع القوى الكوردية فهذا لم يكن طارئا ، كما لم يكن ابن لحظتها ، فمنذ أربعينيات القرن الماضي والتحالف الشيوعي الكردي حجر الزاوية في سياسة الحزب الشيوعي العراقي ، ويخطأ من يظن أن هذا كان بتأثير من بعض قياداته الكوردية في بعض مراحله ، فمنذ قيادة الرفيق فهد ، مؤسس وباني الحزب ، كانت شعارات الحزب تتلازم تلازما مصيريا مع حرية وحقوق الشعب الكوردي، فهو أول تنظيم سياسي عراقي رفع شعار حق تقرير المصير للشعب الكوردي ، بما فيه حق الانفصال ، وبذلك نالته سهام القوميين العرب ، حكاما وقوى سياسية ، فحاربوه ونكلوا به وتجنبوا التقارب معه ، وحتى في جبهة الاتحاد الوطني عام 1957لم توافق أحزاب الجبهة على قبول الحزب الديمقراطي الكوردستاني ضمن الجبهة ، وبذلك دخل الحزب الشيوعي والديموقراطي الكوردستاني في تحالف ثنائي ، خارج إطار الجبهة .. كما كان الحزب أول من رفع شعار الحكم الذاتي لكوردستان العراق ، وكذلك هو أول من رفع شعار الفدرالية لكوردستان ، ما أسوقه هنا هو مجرد إشارة مقاربة ومختصرة جدا لموقف الحزب الشيوعي من التحالف مع الكورد ، فكان ولا يزال، ويعتبر ، موقفه الأممي من القضية الكوردية وحلها حجر الزاوية في علاقاته الوطنية العراقية ، والعربية ، إضافة على رفقة السلاح التي عمقت من التلاحم العراقي الشيوعي مع العراقي الكوردي ، رغم كل هذا التاريخ المشترك الذي عمَد الدم العلاقة بينهما ، إلا إننا نجد بعد أن تحقق الانتصار على الفاشية ، بمساعدة قوى أخرى ، نرى التعاون الكرد ي ـ الشيوعي تخف وطأته وينحسر تأثيره ليصل إلى أدنى مستوى له ، رغم ما يعلن ويصرح به أن العلاقة بين الحزب والقوى الكوردية هي علاقة جيدة .. ومن وجهة نظرنا أن العلاقة الجيدة لا بد أن تأخذ أبعادها في العمل المشترك ، وخصوصا أثناء الانتخابات وبعدها ، وعند تشكيل الحكومة ، وهذا ما لم نره متجسدا في موقع مشترك حتى الآن ، وإن كانت هناك علاقة بين الحزب الشيوعي الكوردستاني والقوى الكوردية على نطاق كوردستان، فهذا مختلف وله مبررات كثيرة يسوقها الشيوعيون والقوميون الكورد على حد سواء ، ولن يكون بديلا عن العلاقة مع الحزب الشيوعي العراقي الفاعل على ساحة مختلفة ، والتي تحاول هذه الساحة ،بكل قواها القومية والطائفية، ليس تحجيمه بل إخراجه من ساحة العمل والتأثير في الشعب العراقي ، طبعا هذه أمنيات وأحلام المعادين للشيوعية ، فهذا الأمر لن تقرره رغبة أو أمنية هذا الطرف أو ذاك ، فديمومة الحزب وانتشار أفكاره المتأصلة والمتجذرة في المجتمع العراقي هي التي تفرض نفسها على الواقع السياسي والاجتماعي للظرف الذي يعيشه العراق في الظرف الراهن ، والذي اثبت أن العراق بدون حزب شيوعي ستتقاسمه كواسر الفاشية ، أيا كانت قومية أو طائفية ، وهذا ما يزيد في المسؤولية الملقاة على عاتق الحزب الشيوعي العراقي وحلفاؤه من الكورد والقوى الديموقراطية العراقية، لإيجاد قواسم مشتركة للعمل الموحد ولتشديد لحمة التفاهم والتقارب لمقاومة أي نهج يتفرد بالسلطة و يحولها لمحاصصة طائفية وعشائرية تعيدنا إلى نقطة البداية عهد الدكتاتورية البعثية ... ولعلي أعتقد أن القوى الطائفية والعنصرية في مجلس الحكم السابق بالتعاون مع حاكم سلطة الاحتلال المستر بريمر ، قد أعدوا فخا نُصب بعناية وإحكام للحزب الشيوعي العراقي عندما أوكلوا لسكرتيره ، الرفيق حميد مجيد موسى ، لجنة لدراسة وأعداد تقرير لحل إشكالية مدينة كركوك المتنازع عليها بين القوميات العراقية ، وتعيين هويتها قبل الحكم البعثي ... صحيح أن رآسة لجنة لمثل هذا الأمر تدلل على الثقة والأمانة التي يتمتع بها سكرتير الحزب الشيوعي ، إلا أنها تستبطن وقيعة يروح ضحيتها ليس رئيس اللجنة ومن معه بل الحزب الشيوعي العراقي بذاته ، وهو بيت القصيد في هذا الفخ ، من منطلق أن المشكلة هي مشكلة قومية ـ عراقية يتجاذبها طرف كردي ، وآخر ( عراقي ) يدخل في تركيبته التركماني والكلدوآشوري والعربي ، إن لم تكن هناك أطراف أخرى ، فمشكلة بهذا التنوع ، لا شك من أنها تكون معقدة ، لأنها تخص أقواما (بشرا ) توالدوا وانشأوا علاقات إنسانية من الصعب جدا إيجاد حلول لها دون أن تحدث هزة في المجتمع ، لذا فهي تحتاج الى تشكيل لجنة محايدة من تكنوقراط وأكادميين ، يوافق عليها المتنازعون سلفا ويرضون بالحكم الذي ستصدره هذه اللجنة لاحقا ، فسكرتير الحزب الشيوعي العراقي لم يكن محايدا بالمرة باعتباره يمثل حزبا ، وهذا الحزب هو الحزب الشيوعي العراقي ، الذي كان على امتداد التاريخ العراقي الحديث منحازا إلى الشعب الكوردي وقضيته ، فهل من المعقول أن سكرتيره سيكون محايدا في دراسته وفي تقريره الذي سيقدمه ، وإذا كان محايدا وموضوعيا في ما يتوصل إليه من نتائج فهل ستقره كل الأطراف ، من هنا تبرز إشكالية من السهل جدا الطعن بها ، وسيبقى الحزب الشيوعي متهما بالتواطؤ بل مدانا من قبل كل الأطراف التي سيكون التقرير لغير صالحهم ، سواء أكانوا هؤلاء كوردا أم من القوميات الأخرى ، ومن التاريخ القريب لنا عبرة وعظة ، فاللجنة الدولية التي رسمت حدود العراق مع جيرانه بعد الحرب العالمية الأولى كانت موضع اتهام ولعنة حتى اللحظة ، من قبل كل الأطراف العراقية ، العرب والكورد والتركمان والكلدوأشور ، وكذلك من قبل دول الجوار التي تعتبر أن أراضيها قد اغتصبت ، فهل وضع الحزب الشيوعي سيكون أحسن حالا من تلك اللجنة ، رغم انعدام المصلحة في انحيازه لأي طرف ، وهل الأطراف المتنازعة ستبرؤه من الانحياز للطرف الذي سيكون الحكم لصالحه .؟ إنه فخ نصبه أعداء الشيوعية ، لتلويث سمعة الحزب في قضية ليست في صالحه تحمل مسؤوليتها ، وأقترح عليه رفضها ، وعلى الأخوة الكورد من موقع التحالف التاريخي بين الحزب الشيوعي والشعب الكوردي ان يساعدوا الحزب في اتخاذ قرار مثل هذا ، لصالحهم أولا ولصالح حليفهم ثانيا ..!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |