الخادمة الاندونيسية شاهدة على انهيارنا الاخلاقي

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

 

منذ حوالي شهرين نشر موقع العربية-نت الخبر التالي:" أدى تعذيب وحشي تعرضت له خادمة إندونيسية من رب عملها السعودي وزوجته لمدة شهر كامل إلى حالة موت كاملة لأعضائها ترتب عليها قرار الأطباء في مستشفى الشميسي بالرياض بتر أطرافها الأربعة (اليدين والقدمين) بعد إصابتها بالغرغرينا. وحسب المعلومات المتوفرة فقد قام صاحب العمل بربط خادمته فناء المنزل الخارجي لمدة شهر كامل تحت أشعة الشمس، وقام خلال تلك المدة بضربها بأسياخ الحديد وتكسير أسنانها وقطع شفاهها. وقد تبنت عضوتان في لجنة الرصد والمتابعة بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قضية الخادمة الإندونيسية وزارتاها في المستشفى، وقالت إحداهما وهي الدكتورة نورة الجميح لصحيفة "الوطن" السعودية التي نشرت الخبر إنها ستجتمع برئيس اللجنة الدكتور راشد المبارك صباح غد وستعرض عليه التقرير الذي أعدته والدكتورة ثريا عابد بشأنها، مؤكدة أنه ستتم متابعة هذه القضية مع الجهة التي تقوم بالتحقيق مع صاحب العمل وزوجته. وأشارت الجميح إلى أنها وجدت الخادمة في حالة صحية متدهورة... "وكان واضحاً عليها آثار التعذيب البشع"، وتساءلت: كيف يستمر التعذيب لمدة شهر كامل دون أن يسمع الجيران أصوات صراخها؟ مستنكرة أن يكون الجيران بهذه السلبية".

بعدها بأيام نشر الموقع نفسه متابعة للخبر جاء فيها :وصلت الخادمة الإندونيسية "نور مياوتي" التي بترت بعض أطرافها جراء تعرضها للتعذيب على يد مكفولها -كما تقول- إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض لتلقي العلاج فيه، وذلك بناء على توجيهات خاصة من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز حسبما ذكرت صحيفة "الاقتصادية". وأكد وزير الصحة السعودي حمد عبد الله المانع أن الأطباء والاستشاريين في مجمع الرياض الطبي، أدوا عملهم بالشكل المطلوب وقاموا بجميع الإجراءات الطبية المتعارف عليها مع تقديم الرعاية الصحية اللازمة في مثل هذه الحالات دون تقصير، مؤكدا أن نقل ''نور مياتي" لتلقي العلاج والرعاية في مستشفى الملك فيصل التخصصي سيكون له انعكاسات إيجابية على صحة المريضة من الناحية النفسية.

في نهاية شهر مارس نشرت صحيفة "القدس العربي" خبرا جاء فيه: أصدرت وزارة الداخلية السعودية تعليماتها إلي المشرف العام علي مجمع الرياض الطبي الدكتور عدنان العبد الكريم بمنع الزيارات عن الخادمة الإندونيسية التي تعرضت للتعذيب علي يد ربة المنزل الذي تعمل فيه مما أدي إلي إصابة أطرافها الأربعة بالغرغرينة وهو ما ينذر ببترها جميعا.وأكدت وزارة الداخلية في توجيهها للمشرف علي المجمع بمنع أي من وسائل الإعلام (تحديدا) من زيارة الضحية أو تصويرها نتيجة ما أحدثه الخبر من ضجة لدي جمعيات حقوق الإنسان حيث قامت علي اثره بنبش قضايا معاملة الوافدين في السعودية. وفور صدور القرار تم وضع حراسات مشددة علي مدار الأربع وعشرين ساعة علي غرفة العاملة الإندونيسية منعا لتسلل أي من الصحافيين أو المصورين. وقال تقرير طبي معلق علي فراشها اعتداء بدني. غنغرينا في اليدين والساقين . وهناك تقرير اخر يذكر تفاصيل الكدمات المحيطة بعيني مياتي وشفتيها وكتفيها وأذنيها وباطن احدي قدميها. وجاء في الخبر" وبعد أربعة أيام من نقل مياتي الي المستشفي كانت من الضعف بحيث لم تتمكن من أن تشرح بالضبط ما حدث لها. لكن العاملين الطبيين والدبلوماسيين حكوا بالنيابة عنها قصتها. كانت تلك المرأة القادمة من جزيرة سومباوا بوسط اندونيسيا تعمل في الرياض لمدة 18 شهرا مقابل 600 ريال شهريا (160 دولارا) ولكنها لم تتلق هذا الراتب قط. وقال محمد سوجيارتو الملحق العمالي في السفارة الاندونيسية بالرياض اول مرة طلبت الحصول علي راتبها... حينئذ بدأت المشكلات. لم يكن الرجل وحده هو الذي يضربها ولكن زوجته أيضا .ذكر ممرض أنها أصيبت بغنغرينا في يديها وقدميها وقد يكون ذلك بسبب جروح أو كدمات ملوثة. وأضاف أنه عندما بدأت الغنغرينا تسبب رائحة غير طيبة أجبرتها الاسرة التي كانت تعمل لديها علي النوم في حمام خارج المنزل الرئيسي. ولمدة شهر كانوا يحبسونها كلما خرجوا من المنزل. ومضي سوغيارتو يقول ان 4582 اندونيسيا شكوا من سوء المعاملة من جانب مخدوميهم في السعودية العام الماضي. وقال نحو ربعهم انهم لم يتلقوا رواتبهم. وشكا 800 اخرون من التعذيب أو سوء المعاملة وقال 400 انهم تعرضوا لتحرشات جنسية".

أخيرا أكدت إمارة منطقة الرياض في بيان بثته وكالة الأنباء السعودية (واس) أن الخادمة الإندونيسية "نور مياتي" ضللت التحقيق وأن ادعاءاتها بأن كفيلها عذبها وحبسها غير صحيحة. وأشارت الإمارة إلى أن الخادمة اعترفت في آخر التحقيق أن سبب إصابة يديها وقدميها هو إحساسها بالألم والمرض، وكذلك حصول حكة بيدها وقدميها لكثرة استخدامها المنظفات الكيميائية وأنها لم تطلب من كفيلها الذهاب بها إلى المستشفى إلا عندما تفاقم الأمر وأنه لم يقم أحد بتعذيبها أو تربيطها أو حبسها أو منعها من الأكل، وقالت إن إصابة في وجهها تسببت فيها زوجة كفيلها بعد أن شاهدتها تسير في المنزل دون ملابس داخلية . وقالت الإمارة إن قضية الخادمة أحيلت لهيئة التحقيق والادعاء العام التي قامت بالتحقيق مع كفيل الخادمة (الذي أوقف بتاريخ 11-  2 - 1426هـ) وزوجته وابنه البالغ من العمر 15 عاما فأنكروا جميعا الاعتداء عليها أو ضربها أو حتى تعذيبها بأي وسيلة من وسائل التعذيب، وبرر الأب عدم ذهابه بالخادمة إلى المستشفى بأنه كانت ترفض ذلك، وقالت زوجته إن الخادمة سبق أن سقط عليها دولاب الملابس، في حين قال الابن إنه لاحظ أن الخادمة كانت تقوم في الفترة الأخيرة بارتداء القفازات داخل المنزل. وقالت هيئة التحقيق إنها أعادت استجواب رب الأسرة وتمت مواجهته بالخادمة فأصر كل منهما على أقواله إلا أنه لوحظ ارتباكهما، ولكن الزوجة اعترفت في الاستجواب الثاني بأنها قامت بالفعل بضرب الخادمة بحذائها على وجهها وذلك بعد ملاحظتها انحلال أخلاقها وذلك من حيث الملبس. وأضافت أنه لما أعادت اللجنة –مرة أخيرة- استجواب الخادمة ومواجهتها بالتناقض في أقوالها وبما جاء في التقارير الطبية أقرت أنها لم تتعرض للضرب من قبل كفيلها وأن سبب إصابة يديها وقدميها هو إحساسها بالألم والمرض، وكذلك حصول حكة بيدها وقدميها لكثرة استخدامها المنظفات الكيميائية وأنها لم تطلب من كفيلها الذهاب بها إلى المستشفى إلا عندما تفاقم الأمر وأنه لم يقم أحد بتعذيبها أو تربيطها أو حبسها أو منعها من الأكل أو خلافه وأن الإصابة التي في وجهها هي بالفعل من زوجة كفيلها بعد اختلافها معها عندما شاهدتها الزوجة وهي تسير في المنزل بدون ملابس داخلية.

العدالة في السعودية والتي يفترض انها تُحكّم شرع الله تحول الضحية وفي فترة قياسية الى جانية, الخادمة المسكينة التي تعرضت لإبشع انواع التعذيب والتنكيل تحولت الى فاسدة اخلاقيا تسير في البيت من غير ملابس داخلية, فلماذا تعذبها صاحبة البيت عوض ان ترحلها لبلادها؟ كما ان لجان التحقيق السعودية خرجت وبسرعة قياسية بنتائج علمية باهرة تستحق ان تنشر في المجلات العلمية الرصينة, المنظفات الموجودة في الاسواق السعودية تؤدي لإصابة النساء بالغرغرينا. لا بد إذا من ملاحقة وزارة التجارة السعودية التي تسمح بدخول تلك المنظفات دون ان تفحصها ومن الضروري ان تقاضي السلطات السعودية شركات التنظيف وان تعطينا اسماءها حتى لا تستعملها الرعية في بيوتها. الكفيل الحنون كان يريد ان يذهب بالخادمة الى المستشفى غير ان الخادمة  رغم الآلام الرهيبة كانت ترفض وبإصرار. الظلم ظلمات يوم القيامة وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنما تنصرون بضعفائكم. كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع العبيد والخدم ويلاطفهم,  خدمه أنس بن مالك تسع سنين فلم يقل له لما فعلت او تركت ولم يقل له أف ابدا. كُتب السيرة والتي تتحدث عن التعذيب الوحشي من قبل مجرمي قريش للمستضعفين من المسلمين من الارقاء والخدم كتعذيب امية بن خلف لبلال بن رباح وتصف إجرامهم لم تنقل لنا وحشية كهذه والتي تؤدي الى قطع الاطراف الاربعة.

اين علماء السعودية وعلماء العالم الاسلامي والحركات الاسلامية والاصلاحية من هذا الظلم والقهر؟  في تموز (يوليو) الماضي قال تقرير من منظمة هيومان رايتس ووتش (مراقبة حقوق الانسان) ان الكثير من الملايين من العمال الاجانب في السعودية يعملون في ظل ظروف تشبه العبودية وذكر أن وضع العاملات الاجانب المهاجرات يثير قلقا خاصا. فهل اصبح الملاذ الوحيد للمظلومين في بلادنا والمضطهدين والاصوات المدافعة عنهم هي منظمات حقوق الانسان الغربية والتي لها أجندة خفية وبالنهاية اصبحت تمتلك من السلطات الادبية والمعنوية على الحكومات الاسلامية والعربية اكثر من مجالس الشورى والبرلمان المعينة او المنتخبة على القياس. رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الهلاك فيقول إنما اهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد. ترى كيف يكون هلاكنا وهواننا ونحن نعاقب الضعيف وهو المظلوم والمضطهد. إن دولنا تحتاج الى الاصلاح الاجتماعي كحاجتها للاصلاح السياسي او اشد ضرورة. ثقافة النفاق والالقاب الفارغة والمظاهر الخادعة وظلم المستضعفين والتعالى على عباد الله تنتشر في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم. اصبح همنا كهم ملك مصر إذا ثبت له خداع زوجته ومحاولاتها مروادة يوسف عليه السلام عن نفسه فكان مقصده الاساسي ان لا يطلع الناس على التجاوزات الاخلاقية لزوجته اكثر من موضوع الاغواء والانحراف الاخلاقي. وها نحن نعيش في مجتمعات تموج بالظلم والتجاوزات الاخلاقية وما نصبوا اليه ليس الاصلاح الحقيقي  ولكن الاصلاح الظاهري. في عددها الصادر يوم السبت11 من ديسمبر من العام الماضي نشرت صحيفة "الرياض" السعودية خبرا جاء فيه ان السلطات المحلية كشفت 30 وكرا للدعارة في مدينة الطائف السعودية والتي لا يتجاوز عدد سكانها ربع مليون نسمة وهي مدينة تخلوا من النشاطات التجارية والسياحية كجدة والظهران على سبيل المثال.

لو كانت الخادمة الاندونيسية تمتلك جنسية غربية فهل كان يجرؤ مخدومها على معاملتها بهذه الوحشية والهمجية؟ وهل كانت السلطات المحلية لتتناول قضيتها بهذا الاستهتار والكوميديا السوداء؟ ان الانحطاط السياسي الذي تعانيه امتنا والدونية السياسية والتي تتخبط فيها على الصعيد الدولي والتسلط الكبير امريكيا واسرائيليا لم ينتج عن فراغ او كان محض صدفة. إننا نعاني من أزمة اخلاقية وعلى كافة الاصعدة. لقد تحول الكثير من العلماء واهل الرأي والمثقفين من دور الشيطان الاخرس الصامت عن الحق الى شياطين فصحاء يزينون الباطل ويداهنون السلطات بحجج اوهى من خيوط العنكبوت. أكتب هذه الكلمات والتي قد لا ترى طريقها للنور معذرة لله ورفضا لكل اشكال الظلم والاضطهاد ان كانت بأيدي امريكية او تحت مسميات اسلامية.

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com