يحكى انّه كانت توجد هناك في الماضي مدينة كبيرة
تعيش حياة الرفاه الاجتماعي و الدعة و الطمأنينة و
الامان, وكان يأتيها رزقها رغداً, اذ يتعاون الناس
فيما بينهم, تضللهم رعاية السماء حيث يتعاملون
فيما بينهم بالحسنى و بسماحة الدين الحنيف.
وعلى حين غرّة غزى هذه المدينة جيش جرّار قادماً
اليها من خارج الحدود , فسقطت كلّ المدينة في
قبضته.
و كان قائد هذا الجيش رجلاً ذا حنكة و دهاء, وله
باع و تجربة في ممارسة حكم البلدان التي تسقط في
امرتة, .... و بعد مرور وقت ليس بالقصير على حكم
هذه البلدة , الا انه لم يصادف ان يأتي اليه احد
ليشتكي من جاره او شريكه او صاحبه.
ولم تحدث اية منازعات او خصومات لتطرح عليه.
ارسل هذا القائد على وجوه القوم و زعماء القبائل و
سألهم : كيف لهم ان يتدبروا كلّ شؤون مدينتهم
الكبيرة هكذا و يعيشوا هذا الرغد و الدعة والامان
فيما بينهم بحيث لا توجد شكاوات و لا خصومه و لا
عداوات فيما بينهم ؟
فأجابوه : نحن قوم اذا جاع فينا احد اشبعناه, واذا
افتقر احد فينا اغنيناه, واذا ترمّل احدنا او كان
اعزباً زوّجناه ..... يرحم كبيرنا صغيرنا, ويوقّر
صغيرنا كبيرنا !!!
فسألهم : مالي ارى ابوابكم مفتوحة حتى الصباح و
بدون حراسة ( حتى اني لا اجد عندكم من يمتهن مهنة
الحراسة ) ؟ اما تخافون السرقة ؟
فأجابوه : لا يوجد فينا من هو بحاجة الى السرقة او
اكل المال الحرام, واذا صادف ان وجد مثل هكذا
معتوه او ناقص عقل فنحن نحرس بعضنا بعضاً!
فسألهم : مالي ارى قبوركم امام بيوتكم ؟
فأجابوه : لنتذكّر الموت بمشاهدتها فنزهد في
الدنيا !!!
فقال لهم : لقد جئت لمساعدتكم و انقاذكم و تنظيم
اموركم وهذا قصري و مضافتي و سرايي مشرعة ابوابها
لخدمتكم في كل الاوقات.
فاجابوه : لنا قادتنا و زعمائنا و علمائنا و لا
حاجة لنا بك!
من كلّ ذلك حزّ في نفس هذا القائد و اراد ان يلقن
هؤلاء القوم درساً يجعلهم يحتاجون اليه و يرضخون
لسطوته , فقال لهم : انكم منّ الله عليكم بالخير و
البركة في حال وجود مناطق فقيرة و محرومة من
الجوار الواجب المساعدة وان لديه مشروعاً خيرياً
لمساعدة هذه الدول و المدن الفقيرة و المنكوبة , و
اقترح عليهم ان يساهم الجميع بهذه المساعدات وان
يجلب كل واحد منهم بيضة وكف طحين .
واصبح الصباح التالي فاتي كلّ واحد منهم جالباً
معه بيضة وكف طحين الى مكان التجميع .
و بعد فترة من التجميع رجع ليقول لهم : لقد انتنفت
الحاجه الى بيضكم و طحينكم , فقد سبقكم الى
نجدتهم قوماً غيركم , فهلمّوا ارجعوه اليكم فلا
حاجة لهم به.
و بالفعل رجع كل واحدمنهم ليسترجع بيضته من البيض
الذي جلبوه و كفّاً من الطحين الذي جلبه .
ولكن الذي حصل بعد ايام من ارجاعهم للبيض و الطحين
ان بدأت المشاحنات و العداوات تنخر بمجتمعهم.
اتدري لماذا حصل ذلك يا عزيزي القارئ الكريم:
ذلك لان الحرام وسوء النوايا دخلت الى مجتمعهم,
فذلك ان الذي اتى ببيضة كبيرة اذا استرجع لنفسه
اصغر منها فقد ظلم نفسه, واذا استرجع اكبر منها
فقد ظلم غيره , و كذلك الحال في كفّ الطحين .
وهذا بالضبط ما حصل في زمن طاغية العراق صدام حسين
الذي فرّق بين شعبنا العراقي ما بين الطوائف و
الاعراق , لقد تعمّد هدام العراق بان جعل بعض
العراقيين يأكلون السحت الحرام ابتداء ثم اجبر
البعض الآخر اكراهاً , اكل البعض اموال من صودرت
اموالهم و بيعت بالمزادات الخاصة ابتداءً ثم
المزادات العامّة.
استولى نظام هدام على ما نهبه من دول الجوار في
حربيه الخليجيتن ( ايران و الكويت ) و باعها
كغنائم حرب.
فرّق الناس و جعلها شيعاً و احزاباً ,
فالتفوق العلمي لا يؤهّل المواطن العراقي للدخول
الى الجامعاات او الى الدراسات العليا بقدر ما هو
اخلاصه للحزب الحاكم.
التوضيف , الترقية , العلاوة و الحوافز و المكرمات
كلها وفق التقييم عن مدى اخلاصه للحزب الفاشي
الحاكم حتى اذا كان هذا الاخلاص يتمثل في تصفية
الاخ او الصديق و القريب و الرفيق.
من كل ذلك تشكلت احدى الاسباب التي جعلتنا نقف
عاجزين عن ازاحة هذا الكابوس الذي نصّبه الغزات
الغرباء ليجثوا على صدر شعبنا العراقي الذي جبل
على التسامح و التآخي و التوحّد و التآزر , و
المعروف ان حساب العاقل اضعاف حساب الجاهل , و
عهدنا بشعبنا هو سيد العاقلين و العارفين .
و شاءت ارادة الله جل و على ان اسياد هذا النظام
وصلت بهم القناعة لتغييره و الاطاحة به لنفاذ مدّة
صلاحيته.
و اتيحت اليوم الفرصه لمعارضة هذا النظام الظالم
باستلام مقاليد البلد , ( و تلك الايام نداولها
بين الناس )..... و لو دامت لغيرك ما وصلت اليك!
فيا ترى كم نحن بحاجة الى مراجعة انفسنا و هذا
امام المتقين علي بن ابي طالب ( ع ) يقول :
ميدانكم الاول انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على
غيرها اقدر !
( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ... وزنوها قبل ان
توزنوا ... فليس منا من بات و لم يحاسب نفسه ) .
ودمتم لاخيكم