بغداديات... (اختلفت النية)

 

بتوقيع بهلول الكظماوي / امستردام

 bhlool2@hotmail.com

 

يحكى انّه كانت توجد هناك في الماضي مدينة كبيرة تعيش حياة الرفاه الاجتماعي و الدعة و الطمأنينة و الامان, وكان يأتيها رزقها رغداً, اذ يتعاون الناس فيما بينهم, تضللهم رعاية السماء حيث يتعاملون فيما بينهم بالحسنى و بسماحة الدين الحنيف.
وعلى حين غرّة غزى هذه المدينة جيش جرّار قادماً اليها من خارج الحدود , فسقطت كلّ المدينة في قبضته.
و كان قائد هذا الجيش رجلاً ذا حنكة و دهاء, وله باع و تجربة في ممارسة حكم البلدان التي تسقط في امرتة, .... و بعد مرور وقت ليس بالقصير على حكم هذه البلدة , الا انه لم يصادف ان يأتي اليه احد ليشتكي من جاره او شريكه او صاحبه.
ولم تحدث اية منازعات او خصومات لتطرح عليه.
ارسل هذا القائد على وجوه القوم و زعماء القبائل و سألهم : كيف لهم ان يتدبروا كلّ شؤون مدينتهم  الكبيرة هكذا و يعيشوا هذا الرغد و الدعة والامان فيما بينهم بحيث لا توجد شكاوات و لا خصومه و لا عداوات فيما بينهم ؟
فأجابوه : نحن قوم اذا جاع فينا احد اشبعناه, واذا افتقر احد فينا اغنيناه, واذا ترمّل احدنا او كان اعزباً زوّجناه ..... يرحم كبيرنا صغيرنا, ويوقّر صغيرنا كبيرنا !!!
فسألهم : مالي ارى ابوابكم مفتوحة حتى الصباح و بدون حراسة ( حتى اني لا اجد عندكم من يمتهن مهنة الحراسة ) ؟ اما تخافون السرقة ؟
فأجابوه : لا يوجد فينا من هو بحاجة الى السرقة او اكل المال الحرام, واذا صادف ان وجد مثل هكذا معتوه او ناقص عقل فنحن نحرس بعضنا بعضاً!
فسألهم : مالي ارى قبوركم امام بيوتكم ؟
فأجابوه : لنتذكّر الموت بمشاهدتها فنزهد في الدنيا !!!
فقال لهم : لقد جئت لمساعدتكم و انقاذكم و تنظيم اموركم وهذا قصري و مضافتي و سرايي  مشرعة ابوابها لخدمتكم في كل الاوقات.
فاجابوه : لنا قادتنا و زعمائنا و علمائنا و لا حاجة لنا بك!
من كلّ ذلك حزّ في نفس هذا القائد و اراد ان يلقن هؤلاء القوم درساً يجعلهم يحتاجون اليه و يرضخون لسطوته , فقال لهم : انكم منّ الله عليكم بالخير و البركة في حال وجود مناطق فقيرة و محرومة من الجوار الواجب المساعدة وان لديه مشروعاً خيرياً لمساعدة هذه الدول و المدن الفقيرة و المنكوبة , و اقترح عليهم ان يساهم الجميع بهذه المساعدات وان يجلب كل واحد منهم بيضة وكف طحين .
واصبح الصباح التالي فاتي كلّ واحد منهم جالباً معه بيضة وكف طحين الى مكان التجميع .
و بعد فترة من التجميع رجع ليقول لهم : لقد انتنفت الحاجه الى  بيضكم و طحينكم , فقد سبقكم الى نجدتهم قوماً غيركم , فهلمّوا ارجعوه اليكم فلا حاجة لهم به.
و بالفعل رجع كل واحدمنهم ليسترجع بيضته من البيض الذي جلبوه و كفّاً من الطحين الذي جلبه .
ولكن الذي حصل بعد ايام من ارجاعهم للبيض و الطحين ان بدأت المشاحنات و العداوات تنخر بمجتمعهم.
اتدري لماذا حصل ذلك يا عزيزي القارئ الكريم:
ذلك لان الحرام وسوء النوايا دخلت الى مجتمعهم, فذلك ان الذي اتى ببيضة كبيرة اذا استرجع لنفسه اصغر منها فقد ظلم نفسه, واذا استرجع اكبر منها فقد ظلم غيره , و كذلك الحال في كفّ الطحين .
وهذا بالضبط ما حصل في زمن طاغية العراق صدام حسين الذي فرّق بين شعبنا العراقي ما بين الطوائف و الاعراق , لقد تعمّد هدام العراق بان جعل بعض العراقيين يأكلون السحت الحرام ابتداء ثم اجبر البعض الآخر اكراهاً , اكل البعض اموال من صودرت اموالهم و بيعت بالمزادات الخاصة ابتداءً ثم المزادات العامّة.
استولى نظام هدام على ما نهبه من دول الجوار في حربيه الخليجيتن ( ايران و الكويت ) و باعها كغنائم حرب.
فرّق الناس و جعلها شيعاً و احزاباً ,
فالتفوق العلمي لا يؤهّل المواطن العراقي للدخول الى الجامعاات او الى الدراسات العليا بقدر ما هو اخلاصه للحزب الحاكم.
التوضيف , الترقية , العلاوة و الحوافز و المكرمات كلها وفق التقييم عن مدى اخلاصه للحزب الفاشي الحاكم حتى اذا كان هذا الاخلاص يتمثل في تصفية الاخ  او الصديق و القريب و الرفيق.
من كل ذلك تشكلت احدى الاسباب التي جعلتنا نقف عاجزين عن ازاحة هذا الكابوس الذي نصّبه الغزات الغرباء ليجثوا على صدر شعبنا العراقي الذي جبل على التسامح و التآخي و التوحّد و التآزر , و المعروف ان حساب العاقل اضعاف حساب الجاهل , و عهدنا بشعبنا هو سيد العاقلين و العارفين .
و شاءت ارادة الله جل و على ان اسياد هذا النظام وصلت بهم القناعة لتغييره و الاطاحة به لنفاذ مدّة صلاحيته.
و اتيحت اليوم الفرصه لمعارضة هذا النظام الظالم باستلام مقاليد البلد , ( و تلك الايام نداولها بين الناس )..... و لو دامت لغيرك ما وصلت اليك!
فيا ترى كم نحن بحاجة الى مراجعة انفسنا و هذا امام المتقين علي بن ابي طالب ( ع ) يقول : ميدانكم الاول انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر !
( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ... وزنوها قبل ان توزنوا ... فليس منا من بات و لم يحاسب نفسه ) .
 

ودمتم لاخيكم
 



 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com