|
حزب التحرير د. عبدالله المدني
أحداث الشغب التي حدثت مؤخرا في أوزبكستان، ثم ما حدث في أفغانستان و باكستان من مظاهرات تخريبة على خلفية قصة تدنيس القرآن الكريم في غوانتنامو، أعادت إلى الواجهة ما يسمى بحزب التحرير، بعدما اتهم تحديدا بالوقوف خلف هذه الأحداث. ما يعرف عن هذا الحزب قليل. فهياكله و قياداته و أساليب تجنيده للأتباع و مصادر تمويله لا تزال لغزا. وهكذا فان المؤكد لا يتعدى انه تأسس ابتداء في القدس في عام 1953 على يد الشيخ الفلسطيني تقي الدين النبهاني وعلى خلفية نكبة فلسطين والتي زعم النبهاني أنها ما كانت لتحصل لو أن دولة الخلافة الإسلامية باقية. و وفق هذا المنظور اتخذ الحزب من مسألة إحياء دولة الخلافة هدفا مركزيا ، واستطاع عبره جذب الأتباع من البلاد العربية ، قبل أن تظهر له واجهات في دول عديدة و يصبح محظورا و هدفا للملاحقة في مختلف الأقطار الإسلامية. أحد التصورات تزعم أن التنظيم الهرمي للحزب مكون من خلايا كل أربع منها تشكل جسما محليا على رأسه "نقيب" ، وان الأخير عضو في مجلس إقليمي يتزعمه "معتمد"، وأن المعتمدين يعملون باستقلالية تحت قيادة أمير أعلى للتنظيم. أما عن مصادر تمويله فهناك اعتقاد بأنه يعتمد على أثرياء متشددين من الشرق الأوسط أو ممن يعيشون في أوروبا. كما قيل في وقت من الأوقات انه كان يتلقى أموالا من زعيم القاعدة الفار أسامة بن لادن. وحول أساليب عمله قيل انه يكفي النظر إلى الطريقة التي ينتهجها أتباعه في باكستان و ضمن الجاليات الإسلامية في بريطانيا و القائمة على تحريض المسلمين وشحنهم من خلال الجوامع و عبر المنشورات و شبكة الانترنت. وهذا يتوافق مع ما يقوله الناطقون باسمه من انه لا يتبنى العنف لتحقيق أهدافه. غير أن هناك شواهد كثيرة تدل على العكس. بحسب أدبياته وبياناته، يمكن القول أن الحزب لا يملك برنامجا سياسيا متكاملا للحكم ، مثله مثل غيره من الحركات الإسلامية التي تكتفي جميعها بشعار أن "الإسلام هو الحل". حيث أن التنظيم يختزل الحل لأزمات الأمة في إقامة دولة الخلافة الجامعة لكل المسلمين و المطبقة لأحكام الشريعة. وربما كان العنصر الوحيد الذي يميزه هو التركيز على باكستان كمنطلق مثالي للدولة المنشودة بسبب وضعها الجيوسياسي ومواردها الاقتصادية و قبل كل شيء قوتها العسكرية والنووية. وأفضل دليل على هذا هو انه سعى بنجاح إلى التسلل إلى مختلف مناحي الحياة في باكستان حتى قيل انه صاحب تأثير و أتباع كثر من طبقة المتعلمين على عكس التنظيمات الباكستانية المشابهة التي غالبا ما تعتمد على قواعد من الأميين. في خطبة في لاهور في عام 2003 لأحد رموزه و يدعى عطا أبو رشدة قال المذكور إن الإسلام يواجه محنة عظيمة في أماكن كثيرة لا يمكن الخروج منها إلا بإقامة دولة الخلافة. أما الناطق الرسمي باسمه في باكستان " نافيد بط " فقد دعا في خطبة أخرى إلى اغتيال الرئيس الباكستاني برويز مشرف بحجة انه أهان الإسلام بقوله أن نظام الخلافة لم يعد مناسبا للعصر. و المعروف انه بعد هاتين الخطبتين ألقت السلطات القبض على نافيد بط و غيره من رموز الحزب في باكستان و وضعت التنظيم على قائمة الجماعات المحظورة. وكان صمت إسلام آباد الطويل على أنشطة الحزب و تطاوله المتكرر على مشرف منذ ظهوره العلني الأول في عام 2000 مثار استغراب إلى الدرجة التي زعم معها البعض أن الحكومة تغض الطرف عن الحزب متعمدة لأسباب لا يتسع المقال لذكرها. رغم انه لم يثبت ضلوع الحزب مباشرة في حادثتي اغتيال مشرف الفاشلتين في ديسمبر 2003 و التي اتهم فيهما عناصر من الجيش و من تنظيم القاعدة ، فان البعض لا يستبعد تورطه مشيرين إلى أمرين: الأول هو أن الحزب دعا مرارا إلى التخلص من مشرف مستخدما حججا كثيرة من بينها، إعجابه بالنموذج التركي و مؤسسه أتاتورك الذي قضى على نظام الخلافة العثمانية عام 1923 ، والثاني هو أن الحزب شدد على أن نظام الخلافة المقترح سوف يفشل إذا ظل الجيش خارج هيمنة الجماعة، الأمر الذي يستنبط منه سعيه إلى زرع مناصرين له داخل المؤسسة العسكرية. لا يعني ما سبق أن الحزب غير معني بالتغلغل خارج باكستان. فهو بالتزامن نشط في أماكن أخرى. بل الحقيقة انه بدأ نشاطا قويا في تركيا قبل نشاطه في باكستان، وذلك في الستينات من القرن الماضي و عبر سلسلة من العمليات الإرهابية التي تصدى لها الجيش التركي بقسوة. وفي الثمانينات و ما تلاها من عقود تغلغل الحزب في صفوف المهاجرين المسلمين في الغرب و تحديدا في بريطانيا التي برز فيها احد أتباعه المعروفين و هو البريطاني من اصل باكستاني كليم صديقي الذي أسس ما يسمى بالبرلمان الإسلامي و تجرأ ذات مرة و أرسل خطابا إلى الملكة إليزابيث رأس الكنيسة البريطانية طالبا منها الدخول في الإسلام أو حسب تعبيره "اسلمي تسلمي". إلى جانب بريطانيا نشط الحزب في ألمانيا التي فرضت حظرا عليه قبل فترة، وفي الدانمارك التي اعتقلت سلطاتها المتحدث الرسمي باسمها فادي عبداللطيف بتهمة التحريض ضد اليهود، وفي روسيا التي حظرت أنشطته و اعتقلت 55 من أعضائه في يونيو 2003 و في حوزتهم قنابل يدوية و مطبوعات تحريضية. غير أن نشاط الحزب الأهم بعد باكستان كان و لا يزال في آسيا الوسطى. فهو استفاد من سقوط الاتحاد السوفياتي و ما تبعه من نشؤ كيانات مستقلة ضعيفة و ذات أغلبية مسلمة متحمسة للرجوع إلى الدين من بعد عقود من الحكم الشيوعي، بدليل أن الناطق الرسمي باسمها في بريطانيا عمران وحيد صرح علنا بأن المنطقة تشكل أرضا خصبة لتنظيمه. وهكذا بدأ حزب التحرير الانتشار في هذه الدول ابتداء من أوائل التسعينات. وسرعان ما استطاع التحول إلى قوة معتبرة، الأمر الذي تسنده التقارير المخابراتية القائلة بوجود كوادر للحزب قد تصل إلى 60 ألف عنصر. وكان لسقوط أفغانستان في قبضة حركة طالبان أثره الايجابي على أنشطة الحزب. إذ توفرت له لأول مرة ساحة خلفية آمنة للتدريب و التجمع و الاختفاء وشن الجهاد ضد نظامي أوزبكستان وطاجيكستان "الكافرين". و استمر هذا الوضع حتى 2001 الذي شهد سقوط طالبان، فهرب أتباع الحزب من الاوزبك و الطاجيك مع من هرب من عناصر طالبان والقاعدة إلى باكستان و إيران، و بعضهم عاد إلى بلاده سرا لمواصلة الجهاد من الداخل. و أفضل دليل على الشق الأخير أن طاجيكستان ألقت القبض خلال السنوات الأربع الماضية على أكثر من 400 من عناصر الحزب ، كما واستدعت نحو 1500 من طلابها في المدارس الدينية في باكستان و إيران والسعودية بعدما دلت التحريات على تأثرهم بفكر التنظيم. أما في أوزبكستان فتقول مصادر حقوق الإنسان الغربية و الروسية أن السلطات تعتقل نحو أربعة آلاف من نشطاء الحزب بموجب أحكام تتراوح ما بين 10-20 سنة. أثناء كل هذا ظلت تركمانستان ، رغم حدودها المشتركة مع أفغانستان، في منأى عن أنشطة الحزب ، مما يطرح تساؤلات عما إذا كان ذلك راجعا إلى تفاهمات سرية أو إلى القبضة الحديدية للسلطة أو إلى التعتيم الإعلامي المحكم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |