بين كرازي وقادة "العراق الجديد"

ياسر سعد / كندا

yassersaed1@yahoo.ca

 

في مرحلة ما قبل الغزو والاحتلال الامريكي للعراق كان حديث المحللين والمعلقين السياسيين يدور حول من سيكون كرازي العراق , لأن حامد كرازي الرئيس الافغاني والذي لا ينتمي لتيار سياسي قوي او يقود حزبا له تواجده على الساحة السياسية الافغانية كان بالنسبة للمراقبين بمثابة الدمية والتي يسيطر عليها الامريكيون تحريكا وتوجيها. كان من المفترض أن وصم أي سياسي عراقي بأنه سيكون كرازي العراق يعتبر بمثابة تشهير وتعريض بذلك السياسي, غير ان اوضاع واحوال السياسيين العراقيين المتحالفين مع الاحتلال تدنت وهوت لدرجة ان صفة كرازي العراق اصبح شرفا لا يستطيع الكثير من السياسيين العراقيين الدائرين في فلك الاحتلال حيازته او إدعائه.

من لا يذكر اهانة كولن باول -وزير الخارجية الامريكي السابق- والذي قال فيها ان العراق يفتقد لقائد له إمكانات وقدرات الرئيس الافغاني حامد كرازي. بطبيعة الحال وكعادتهم ابتلع ابطال المقاومة السلمية السياسية الاهانة الامريكية دون ان يتجرأ سياسي واحد منهم على الاحتجاج ولو لفظيا اوشكليا. الاهانات الامريكية تطورت من الاقوال الى الافعال فهذا عدنان الجنابي وزير الدولة في حكومة علاوي يُوثق الجنود الامريكيون يداه على ابواب المنطقة الخضراء وهذا عضو الجمعية الوطنية فتاح الشيخ يبكي امام المجلس وهو يروي ما تعرض له على اسوار المنطقة الخضراء ايضا فيقول: "استوقفني جندي أميركي في إحدى نقاط التفتيش وقام بركل سيارتي بقدمه وبما أنني لا أتحدث الانكليزية قمت باخراج بطاقتي التي تثبت بانني عضو في الجمعية الوطنية"، وأضاف: "أخذ الجندي البطاقة مني وضربها بوجهي موضحاً أن الجندي أهانه كلاميا من خلال المترجم". وبطبيعة الحال لم تتخذ الجمعية الوطنية موقفا من اهانة أحد اعضائها على يد الجنود الامريكيين. وتوالت التقريعات والاهانات وعلى الملأ وفي وسائل الاعلام وما خفي بطبيعة الحال وما كان خلف الابواب الموصدة اشد وأنكى.

قادة العراق "الجديد" يشكون او ربما يستمتعون بمازوخية سياسية عجيبة, فهم قد أدمنوا الاهانات الامريكية بل وردوا عليها بمزيد من الالتزام والطاعة وترديد ما يحب الامريكيون ان يسمعوه. فبعد الانتصار "الانتخابي الكاسح" لبعض ادعياء المقاومة السياسية السلمية, اصبحوا يكرروا ويرددوا  التصريحات والتي تشدد على الحاجة لقوات امريكية لحماية البلاد من حرب أهلية هم في الواقع الامر يدفعوا إليها دفعا, والا ما معنى ان لا ترد الحكومة العراقية المتعاونة مع الاحتلال على البيانات المدعومة بالصور والتي تتحدث عن إقتحام مساجد السنة والاعتداء على المصلين وخطف الائمة وقتلهم بعد تعرضهم للتعذيب الوحشي. في بداية شهر شباط/فبراير الماضي وجه كل من ديك تشيني ورامسفيلد في مقابلات متلفزة تصريحات بل وتوجيهات للقادة العراقيين والذي كانوا ينتظرون نتائج الانتخابات الكرنفالية يحذرونهم فيها من تجاوز الخطوط الامريكية الحمراء, وقتها قال رامسفيلد، في مقابلة اجرتها معه محطة تلفزيون أن بي سي الأمريكية يوم الاحد 6/2/2005، إن "الشيعة في العراق عراقيون وليسوا ايرانيين، وما يقال عن انهم سيشكلون حكومة شبيهة بايران يسيطر عليها الملالي أمر مستبعد". أما تشيني وفي مقابلة مع محطة فوكس التلفزيونية الامريكية فقد قال: أنه ليس هناك ما يبرر الخوف او القلق الامريكي من أن العراقيين "سيقدمون بشكل او بآخر على أمر لا نحبذه". بدورها أعلنت هيلاري كلينتون السناتور الديموقراطية عن ولاية نيويورك لشبكة ان بي سي التلفزيونية الامريكية خلال زيارتها لبغداد بعد ظهور نتائج الانتخابات ان تعيين الجعفري في منصب رئيس الوزراء سيكون مصدرا للقلق بسبب علاقاته مع ايران. الجعفري رد على الاتهامات  التي وجهت له بأدب جم فقال في تصريح لراديو سوا "عندما غادرت العراق فاني رحلت من أجله ولكن هذا لم يؤثر على عراقيتي ولم يقطع صلتي بالعراقيين" واضاف " العراق يملآ وجودي والوطنية جزء من مبدئي وقيمي ووفائي لشعبي لا حدود له ورعايتي لكل العراقيين تمثل كل طموحي".

تعرض العراقيون بأطيافهم لإهانات وتجاوزات امريكية كثيرة -وحتى بريطانية بدرجة أقل- شملت التعذيب البدني في معتقل ابوغريب وسجن بوكا وغيرهما وانتهاك الاعراض والقتل الطائش وبالجملة والتجاوز على حرمات بيوت الله, غير اننا لم نسمع صوتا عراقيا واحدا لسياسيي العراق "الجديد" يندد بالتجاوزات الامريكية او يطالب امريكا وبشكل جدي وعلى اضعف الايمان احترام التزاماتها كقوات إحتلال, بطبيعة الحال فإن اصحاب العمامات السوداء لم يثأروا لكتاب الله ولو لفظيا او حتى من قبيل الاستهلاك الاعلامي.

من جهة اخرى طالب الرئيس الافغاني حامد كرزاي الولايات المتحدة باتخاذ إجراء بعد ظهور تفاصيل حول مزاعم بتعرض سجناء أفغان لاساءات على يد قوات أمريكية داخل أفغانستان. وقال كرزاي إنه أصيب بالصدمة وإنه سيثير القضية مع الرئيس الامريكي جورج بوش عندما يلتقيا الاسبوع المقبل. وأضاف كرازي إنه يجب معاقبة الجنود المسؤولين عن مقتل سجينين والانتهاكات المزعومة بحق آخرين. وكانت مزاعم التعذيب قد نشرت في صحيفة نيويورك تايمز التي استندت في ذلك إلى 2000 صفحة من الوثائق التي سُربت من تحقيق للجيش الامريكي. وقال كرزاي في مؤتمر صحفي قبل وقت قصير من سفره إلى الولايات المتحدة، "يتحتم على الحكومة الامريكية أن تتخذ عملا محددا وقويا". وزعم كرزاي أن هذه الاساءات هي ضد الانسانية، وعندما سئل إن كان سيتحدث بهذه الصراحة عندما يلتقي بوش رد الرئيس قائلا "بكل تأكيد".

من الواضح ان كرازي يحاول مجاراة الرأي العام الافغاني وامتصاص الغضب الشعبي والذي ينذر بتفجر مقاومة شعبية عارمة ضد الوجود الامريكي في افغانستان ومن والاه, خصوصا بعد مقتل ما يربو عن عشرين متظاهرا أفغانيا على يد القوات الامريكية والافغانية المتعاونة معها إحتجاجا على تدنيس القرآن في غونتاموا. من المؤسف أن قادة "العراق "الجديد" عاجزون حتى على إطلاق تصريحات سياسية من قبيل الاستهلاك الاعلامي الشعبي كما يفعل كرازي افغانستان. فهم مصابون ويعانون بشعور حاد من الدونية والتبعية  بإتجاه الامريكيين تجعلهم عاجزين حتى على الاقتداء بكرازي. هنا يمكن ان نستذكر ونتفهم تصريحات باول السابقة ان السياسيين العراقيين يفتقدون لرجل له إمكانيات وشجاعة كرازي.

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com