|
صور صدام المهينة: ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
د.هادي المالكي
لو دامت لغيرك لما وصلت لك . هذا القول الشائع والمتداول لدى جميع الناس ، لا يعرف بالضبط لماذا يخفى على الحكام الطغاة ، حتى في هذا العصر والذي يفترض بأهله أن يكونوا قد استوعبوا الدروس التاريخية المشهورة وهي كثيرة وربما من اشهرها قصة فرعون وكيف انه طغى وتجبر وكان من العالين ، ثم أغرقه الله سبحانه وتعالى وجنوده ونجّاه ببدنه ليكون عبرة لمن خلفه من الطغاة والجبابرة : { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } (92) سورة يونس . ولكن من الواضح ، أن لا هذه الآية العبرة ولا غيرها من الآيات وعبر التاريخ ودروسه كانت قد وعاها الطغاة التي مر بهم التاريخ العربي والإسلامي الذين كان من المفترض بقادته أن يكون القران الكريم كتابهم الأول الذي يستمدون منه الحكمة الإلهية البالغة . كان من الواضح إن الهم الأول لطاغية بغداد يرتكز على إبراز عظمته وهيبته المزعومة وجبروته وتفرده التاريخي الموهوم . فمن الصور والتماثيل - الأصنام التي ملأ بها ساحات العراق ، إلى ألقاب التعظيم والتفخيم التي أسبغها على نفسه ، إلى محاولاته المحمومة لربط نفسه بالقادة التاريخيين ، حمورابي مرة ، ومرة نبوخذ نصر وأخرى صلاح الدين ، حتى وصل به داء العظمة ( البارنويا ) وهوس المجد والسلطان والجبروت إلى أن يأمر زبانيته بان يعدوا له قائمة من الأسماء الحسنى من مائة وواحد اسما لينافس بها الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى . العراقيون يعرفون ويتذكرون بالتفصيل ممارسات ويوميات الطاغية التي كان يتكبر فيها ويتجبر ، فمرة سجن مدير احد المستشفيات العراقية لأنه خاطبه بكلمة " أستاذ " ؛ فأذله الله سبحانه وتعالى أيما إذلال وجعل الملايين من الناس حول العالم يرونه وهو يتذلل إلى القاضي العراقي وهو يقول له " من فضلك " . ومرة أخرى بعد قمعه لانتفاضة آذار المباركة ، أمر بان يأتيه شيوخ العشائر والقبائل العراقية ليعتذروا له عما اعتبره منهم خيانة له ، فجلس يومها على علو مرتفع عنهم جاعلا قدميه بمستوى رؤوسهم ؛ فأذله الله سبحانه مرة أخرى و أيما إذلال فانزله في الجحور والحفر وجعل أقدام أعدائه تقف على رأسه . واليوم قد رأى الناس من حول العالم هذا الطاغية المتجبر بملابسه الداخلية ، ولا احسب ذلك إلا جزاء من الله سبحانه وتعالى على انتهاك هذا الطاغوت لحرمات الناس وأعراضهم وتسليطه لأبنائه وزبانيته على نساء الناس ليستحيونها . والله ما أرى هذا الإذلال الذي يتعرض له هذا الطاغوت يوما بعد يوم إلا جزاء على ما قام به من إهلاك للحرث والنسل بحروبه التي ادخل بها البلاد من غير طائل .فحق عليه العذاب والإذلال الذي توعد به الله سبحانه وتعالى أمثاله في محكم كتابه العزيز إذ يقول جل جلاله : { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } (205) سورة البقرة ؛ ويقول عز من قال :{ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (33) سورة المائدة ؛ ويقول الله سبحانه وتعالى : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } . (49) سورة الدخان وبعد كل هذا ، فقد صدق فيه علم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ( ع ) الذي أخذه عن النبي الأكرم محمد بن عبد الله ( ص ) من قبل ألف وأربعمائة سنة فيمن أراد من الجبابرة سوءا بالكوفة (وهي إحدى التسميات التي كانت متداولة آنذاك للعراق ) حين قال : ( كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَ تُرْكَبِينَ بِالزَّلَازِلِ وَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلَّا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَ رَمَاهُ بِقَاتِلٍ ) . نهج البلاغة ، شرح الشيخ محمد عبده ، الجزء الأول ، صفحة 122 .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |