حقائق التاريخ العراقي بالرغم من كل محاولات
التزوير والتلفيق تبقى دائمة متألقة
وناصعة لايستطيع المطبلون والمزورون أن يغيروا
الوقائع ، ويمتلأ التاريخ العراقي بالعديد من
هذه المحاولات التي تساقطت وبان صدأها فسقطت
قشورها ، وبقيت الحقيقة ناصعة .
ويمكن ان يتم تلبيس العقل الشعبي العديد من
الأقاويل والأحداث التي لاتمت للواقع العراقي
بصلة ، ويمكن ان تنطلي بعض الأكاذيب والتخرصات
على السذج من الناس ، وقد انتبهت الجهات
الأستخبارية في الزمن الصدامي لمثل تلك الأمور
فأحسنت أستغلالها .
وليس أكثر من الأيزيدية الذين تعرضوا للأكاذيب
والتخرصات والأقاويل في هذا الجانب ، فقد
امتلأ تاريخهم بالدجل والدس والتخرصات التي
اطلقها اعدائهم واعداء الله والأنسانية ،
قدرهم انهم كانوا دائماً يفوضون أمرهم الى
الله ، قيل عنهم انهم لايعبدون الله فصدقهم
بعض وشنوا عليهم حروباً ضروس فتكت بهم وقتلت
منهم مئات الالاف ذبحوا أطفالهم الرضع دون ذنب
والأديان لاتقر جرائمهم مطلقاً ، وقيل عنهم
انهم يمارسون الفحش والحرام في الأماكن
المقدسة ، بالرغم من كونهم عشائر كردية أصيلة
تتمسك بأعراف وقيم حالهم حال كل المجتمعات
العشائرية وهم يعرفون تلك الحقيقة ، وقيل عنهم
أن لهم ذيول يخفونها تحت ملابسهم ، فرفعوا
اياديهم الى الله بالدعاء فهو الواحد الأحد
الذين يمنع أجتثاثهم وابادتهم من الوجود ،
طالما تمسكوا به وتباركوا به دون سواه ، ولم
تزل الأيادي مرفوعة بأن تهدي الجميع وتحقن
الدماء وتوقف النزيف .
كتب التاريخ عنهم انهم كانوا يتقبلون الذبح
بالسيوف والخناجر بصمت لكونهم لايملكون
الشجاعة وتلك فرية ساذجة ، وكانوا يستقبلون
الجيوش حين تطبق عليهم المدافع والبنادق وهم
محاصرين مع اطفالهم في المغارات وشقوق الجبال
أملاً بالخلاص من الموت ، وحين تطارهم
الجندرمة والعساكرالمدجج بالسلاح ، كانوا
يبيتون الليالي في عز الشتاء في العراء تحت
رحمة الله فليس لهم سواه ، ولم يكتب عن شجاعة
ابنائهم ولارد فعل رجالهم ، ولم يكتب عن
ملاحمهم ولامروئتهم وشهامتهم وكرمهم ، ولم
يكتب عن وقفاتهم للدفاع عن انفسهم فتلك امور
لم يجز لأحد ان يكتب عنها وقد لاتجدها الا في
كتابات متناثرة .
التاريخ العراقي هو الاخر كان ضحية بعض كتبة
السلاطين ، فكتبوا عنهم سلباً مالم تكتبه أمة
الهند بحق الهندوس ، وسخروا منهم حين أحترم
القانون الهندي عبدة البقر بنص قانوني يحرم
السخرية والأستخفاف حين لم يزل بعض من يدعي
الفهم يسخر منهم ويستخف بمجموعهم .
وبعد زمن مرير عانى فيه الأيزيدية معاناة لم
يستطيع احد ان يكتبها أو ينقلها بأمانة ،
فوجعهم لايمكن أن تصفه الأقلام وحزنهم الأحمر
بلون دمائهم الجارية منذ زمن دون سبب ، فقد
مورست بحقهم مذابح ومجازر لم يدركها العقل
والمنطق ولايقرها دين او شريعة ، جميعها كانت
تعبيراً عن الحقد الأعمى والمرض الذي يجيش في
نفوس بعض حين يسلط كل امكانياته ضد الأيزيدية
فيصدرهاعلى شكل فرمانات وفتاوى تستبيح دمائهم
وتسلب حياتهم !! ولم تزل مقولة الأمـــام علي
بن ابي طالب عليه السلام (( الناس صنفان ، اما
أخاً لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق )) ،
لم تزل تنطلق في فضاء الأنسانية الرحب ، كان
الظلاميون يريدون السوء بأهل هذه الديانة ،
فصورتهم السلطات البائدة انهم أعداء للشيعة ،
وصورهم بعض انهم يعبدون يزيد بن معاوية ،
وصورهم أخرين انهم يعبدون عدي بن مسافر ،
وصورهم أفاكون انهم يعبدون الشيطان ، وتلك
والله افتراءات يحاسبهم الله عليها أكبر
الحساب حين يحاولون طمس أسم ( الله – خدا )
الذي يوحده الأيزيديون دون سواه .
أو حين تحاول السلطات البائدة ان تفتري عليهم
أنهم يشتركون في قمع انتفاضة العراق في العام
1991 ، والحقيقة غير ذلك فهم كانوا ضمن هذه
الأنتفاضة مع اخوتهم في كردستان العراق
، وهم كانوا مضطهدين ومظلومين من هذه السلطة ،
وهم كانوا مرحلين ومتجمعين في معسكرات ، وهم
كانوا قد تخربت قراهم وهدمت بيوتهم وأعطوا من
التضحيات البشرية مايشرفهم ، وهم كانوا يجبرون
على تغيير قوميتهم من الكردية الى
العربية قسراً ، ولكن أفواه الدجل لم تزل
تمارس دجلها في محاولة أعماء الحقيقة .
وتطرق القانون الجنائي العراقي في قانون
العقوبات ضمن المادة 372 معاقبا من اعتدى
بأحدى طرق العلانية على معتقد لأحدى الطوائف
الدينية أو حقر من شعائرها بالحبس مدة لاتقل
عن ثلاث سنوات .
فهل يعقل ان يفتري احد رجال الدين بعد كل هذا
على هذه الشريحة العراقية النابعة من صميم شعب
كردستان في العراق ؟
فهل يعقل أن يحاول أحد رجال الدين من خلال
قناة فضائية عربية أن يفتري على مجموعة بشرية
تؤمن بالله وتقر بوحدانيتها ، لتسلخها من
حقيقتها دون ان تتعرف عليها ؟
المأساة ان بعض رجال الدين لايعرف مطلقاً
بحقيقة الأيزيدية وتلك مأساة مابعدها مأساة !!
المأساة أن بعض رجال الدين لم يزل متلبساً بما
أطلع عليه من كتابات ظالمة ولايريد ان يتقبل
الواقع أو يصدق الحقيقة فنفسه المريضة الحاقدة
والتي تتعارض مع سماحة الأسلام والمحبة التي
يحملها المسلم لأبناء الديانات الأخرى لاتنسجم
مطلقاً .
أن الأقرار بحقيقة التعايش العراقي بين كل
الأديان الأسلام منها والمسيحية واليهودية
والصابئة المندائية والأيزيدية يصبح موجبا من
موجبات الوطنية والمستقبل العراقي ، ويستوجب
أن يقر الدستور العراقي القادم بهذه الحقيقة
والتي هي مصدر فخر وأعتزاز لأهل العراق ، وكل
تهميش لأي من الأديان الأخرى لن يجعلنا نتعايش
بدستور عراقي منسجم مع حقيقة مكونات العراق .
فالحقيقة التي ينبغي ان يقر بها عقل أمثال رجل
الدين ، أن الصابئة المندائية لها وجود وحضور
، وأن للأيزيدية لها وجود وحضور ، مثلما أن
للمسيحيين ولليهود حضور ووجود أيضاً ، وأيضا
للمسلمين السنة والشيعة لهم وجود وحضور ، ومن
المعيب ان نخفي رؤوسنا في الرمال .
من يريد ان يفتري على الأيزيدية سيكون خارج
سياق التاريخ العراقي الجديد ، فلم يعد لتاريخ
السلاطين أثر في العقل الجمعي العراقي ، ولم
تعد الحقائق تنسجم مع رغبات السلاطين ، فقد
انقلب الزمان وعاد التاريخ يكتبه اهل العراق
للعراق .
ويكفي التاريخ العراقي ما لفقه كتبة السلطان
ومازوره قلمهم ، فيصبح المنتحر شهيداً والشهيد
لاقبر له ، ويصير رؤوساء وزارات دون ان نتعرف
على أسماء أبائهم وأجدادهم ،وأن تحشو أسماء
أضرت بالعراق من بين الأسماء التي يجري
تمجيدها والأحتفاء بها ، وأن تصير الحقائق
مقلوبة ندرسها في المدارس دون ان نعترض او
نتوقف ، فقد ملأوا أسماعنا وعقولنا الصغيرة
بأكاذيب وأفتراءات ارادوها ان تتحول الى حقائق
، لكنها عادت عليهم بعد ان كشفها الناس
فتركوها خائبة .
في العراق اليوم قوميات عديدة ينبغي ان يقر
التاريخ بوجودها ، وأن في العراق أديان عديدة
ومثل ذلك مذاهب عديدة ، وهذا التنوع القومي
والديني والمذهبي لن يستطيع أحد ان يشطبه أو
يأمر بالغاءه ، فالسماء لاتحجبها الغرابيل ،
والشمس لايمكن ان تغطيها السحب الى الابد
وتحجب نورها .
فأذا كان الأيزيدية يوحدون الله ويقرون
بربوبيته وبأنه خالق السموات والأرض وماعليها
من كائنات ، فلمصلحة من يجري نكران ذلك عليهم
وأتهامهم بما ليس فيهم ؟ الأفتراء على
الأيزيدية في مثل هذه الظروف لايخدم مستقبل
العراق ، ومثلما يتمسك الأيزيديون بحقوقهم
الدستورية ، فان لهم واجبات وطنية ومن يستعرض
تاريخ العراق السياسي سيجد ان لهم تاريخاً
نضالياً زاخراً بالبطولات وبأسماء عبقة من
الشهداء ، وبشراكة حقيقية في القتال ضمن قوات
البيش مركة للدفاع عن حقهم في أقامة الحكم
الديمقراطي والفيدرالي .
ليس دفاعاً عن الأيزيدية الذين وقفت معهم
القلة الخيرة من ابناء العراق ، وتفهم حقهم
القليل من الكتاب والمتابعين لهذا الشأن ، ليس
دفاعاً فهم يحتاجون وقفة مع الضمير ليس لرد
كيد الأفاعي والحاقدين ، وليس للتصدي للتخرصات
والأتهامات التي باتت بلا ملح ، وأنما لأنهم
يستحقون أن يقف معهم اخيار العراق لفداحة
الظلم الانساني الذي لحق بهم ، وللضرر الجسيم
الذي لحق بهم من كل السلطات التي تعاقبت على
حكم العراق ، ومن يريد أن يشاهد مدن وقرى ما
قبل التاريخ فليزر قرى الأيزيدية حتى يعرف أن
الحكومات كانت غائبة عنهم طيلة الزمن المرير ،
فقد كانت
تهتم بمجمعات لسجنهم وتحديد اقامتهم ، وكانت
تهتم بتهديم قرآهم لأتخاذها مقرات لقيادات
الفرق العسكرية ، وكانت تخرب مزارعهم
وبساتينهم حتى تكون مقرات للوحدات العسكرية ،
وكانت تراقب بيوتهم لتقبض على من يشترك في
جحافل البيش مركة المطالبة بحقوق شعب كردستان
في العراق . لن يزيد من ظلمهم أن يتصدى لهم
رجل دين يفتري عليهم دون ان يعرف انهم يعبدون
الله ، فعدم المعرفة يجوز ان يشكل عذر وذريعة
، ولكن المصيبة في معرفة الحقيقة والأصرار على
قول الباطل ، وينكل بهم في هذه الفترة الصعبة
التي يمر بها العراق والتي تتطلب منا جميعا
التوحد والتآخي والأنسجام وجمع الكلمة فقد
عرفوا الظلم وقارعوه وانتصروا عليه في بقائهم
ووحدتهم وتمسكهم بديانتهم وعبادتهم لله الواحد
الأحد .