لم أكن بعد قد أفقت من بانوراما سقوط الصنم، بين فرح غامر بإنهيارأبشع دكتاتورية عرفها التأريخ، وبين ألم على مناظر الخراب والنهب والفوضى، بين كل ذلك رأيت وسط الحشود كف البيان توميء وتؤشر لي بأن أتقدم نحوها!

كنت قبل ذلك جليس البيت، فالنظام البائد كان قد إعتبرني من غير المرغوب فيهم أو إنني أشكل خطراً محدقاً بكرسي البعث ولذلك أرغمت على ترك وظيفتي السابقة بسبب المشاحنات مع المدير العام.

لم أكن أعرف بعد عملاً غير ما كنت أعمل، فكيف تطلب مني البيان اللحاق بركبها؟! ربما فرحة النصر، وحب الإطلاع على عالم الصحافة دفعاني كثيراً إليها فرحت مهرولاً لها.

لقد دخلت..إذن ها أنا في رحاب البيان..أنا أحمل هوية الصحافة..أنا أعمل ضمن طاقم الإعلاميين ولا أعرف منهم غير واحد فقط حيث كان هو صاحب الفضل علي للعمل في البيان.

لم ينقطع مسلسل المفاجآت فها أنا لأول مرة في حياتي أقود سيارة الأوبل الحديثة العهد بالدخول الى العراق! وها أنا ألتقي وجهاً لوجه مع إبراهيم الجعفري (الشخص الذي إستطاع كسب محبة وثقة الشعب) إلتقيته بوجهه الممتليء بسمة وأملاً لا ينقطعان حيث كلما تنظر إلى وجهه تحس بمستقبل العراق الآمن وكل هذا حدث في مدة وجيزة! وها أنا أحمل كاميرا (مينولتا) كمصور رسمي للبيان، وها أنا أدخل مجلس الحكم لأصور بريمر والقيادات العراقية والشخصيات العربية والدولية وأرى وأسمع ما يتمنى غيري ولو حلماً ان يراه..! كل ذلك في مدة وجيزة..ترى كيف أقابل ذلك!!

ليس لي بد من أن أعتزل الراحة وأنسى كل شيء من مشاغل الدنيا غير البيان وربما يشهد لي بذلك غيري ان في غضون عامين لم أنقطع عن البيان من الصباح حتى ساعات متأخرة ليلاً.

ولأني كذلك لم تكن البيان بخيلة معي، فها هي تعطيني المزيد والمزيد و تمنحني الثقة أكثر فأكثر..

لقد دخلت في صلب السياسة وصورت مختلف الوجوه وبمختلف تقاطيعها وإلتقطت النوادر من المواقف، والمآسي التي مر ويمر بها شعبنا المظلوم فصار لدى البيان أرشيف ضخم من الصور سجلت تصويراً لتأريخ العراق الجديد.

وزادتني البيان محبة وزدتها اكثر، فكافأتني ومنحتني ثقتها وتشرفت بإختيارها لي لأول سفرة ضمن وفد رسمي خارج العراق على اكبر المستويات ترى هل وفيت برسم صورتي مع البيان يا ليتني إستطعت أن أصور نفسي الآن مع البيان بكاميرتي الجديدة (البينتاكس)