الإرهابيون من خلال اعترافاتهم المتلفزة

حميد الهاشمي

درج تلفزيون الفضائية العراقية على بث اعترافات الإرهابيين الذين أمسكت بهم قوات الأمن العراقية يوميا في برنامج يحمل عنوان "الإرهاب في قبضة العدالة"، وكذا قناة الفيحاء الفضائية العراقية في برنامج مماثل بين فترة وأخرى.

وهذه البرامج تستحق أن تكون مادة علمية لدراسة كل من الإرهابيين والمحققين معهم فضلا عن الوضع في العراق إلى حد بعيد.

فعملية تتبع الإرهابيين من خلال ردودهم واعترافاتهم وتجاوبهم وانفعالاتهم ومزاجهم تعطي انطباعات وأحكام مفيدة لكل متابع ومهتم بالشأن العراقي.

إن من ضمن السمات الهامة التي يمكن تأشيرها بسهولة على هؤلاء الإرهابيين من هذه المقابلات هي إعطاء الاعترافات بسهولة ويظهر هذا حالتهم الصحية الجيدة وخلوهم مما يمكن أن يقال أنهم قد تعرضوا لتعذيب ما من شأنه أن ينتزع هذه الاعترافات، وعلى الأقل مقارنة بما رأينا وسمعنا عما كانت تفعله أجهزة نظام صدام البائد. وان اغلبهم استدرجوا إلى حالهم الإجرامي هذا بداعي محاربة الاحتلال أولا ثم محاربة عناصر قوى الأمن العراقية ووصولا إلى الإيغال بالعنف الطائفي والقتل على أساس الهوية والاغتصاب والتخريب. وهو ما يعني أن هناك قوى ذات تمويل كبير (خارجي على الأرجح)، وهم من التكفيريين الذي يساعدهم البعثيون من الموالين لصدام، حيث يوفرون لهم الدعم اللوجستي والمعلوماتي. ويتناوب هؤلاء على عمليات غسل الدماغ والتوريط ومن ثم استخدام الترغيب والترهيب معهم. وان معظم جرائمهم قد ارتكبت بدم بارد حيث اعتادوا الجريمة والعنف المبرمج والعشوائي.

كما أظهرت بعض الاعترافات دور المخابرات السورية في عمليات تدريب وتنظيم بعض الشبكات الإرهابية وتسهيل مرور الكثير من الإرهابيين الأجانب إلى العراق عبر أراضيها.

إن معظم الإرهابيين هم من قليلي التعليم ومن العاطلين عن العمل والذين يسهل استدراجهم وتوريطهم بمثل هذه الأعمال التي عززها ضعف أداء الأجهزة الأمنية العراقية في المرحلة السابقة من عدة نواح ليس اقلها التدريب والمناورة والتسليح وغياب العقاب الصارم بحق الإرهابيين الذي يمثل حكم الإعدام قمته. كما اتضح تورط بعض العاملين في أجهزة الشرطة أو الوظائف الحكومية وهو ما زاد فداحة الخسائر.

بدا الإرهابيون من خلال اعترافاتهم أن أفعالهم جزء من الصدمة التي تعرض لها المجتمع العراقي عامة والتي تمثلت في سقوط نظام صدام وانهيار أجهزته العسكرية والأمنية بسرعة غير متوقعة تبعه انهيار أجهزة الدولة الحكومية وجعلت عرضة للنهب والسلب، وبات البلد شبه غابة، يحكم فيه القوي الضعيف. وهكذا ظن الكثير ممن تورطوا بهذه العمليات أنهم بمنأى عن العقاب أو التوهم بعدم قيام أي قائمة لدولة أو حكومة قوية. يغذي هذه النزعة أجهزة الإعلام العربية المغرضة التي لا يسرها استقرار العراق.

إن عملية إظهار الإرهابيين يدلون باعترافاتهم أفادت كثيرا في رفع معنويات الشارع العراقي فضلا عن الأجهزة الأمنية وأنارت صورة المشهد العراقي من أن العمليات التي تجرى في العراق ليست موجهة أصلا ضد قوات الاحتلال بل تستهدف المواطن العراقي أولا وأخيرا.

خاصة وأنها تدار بأيدي الصداميين الذين يطبقون "نظرية صدام في ترك العراق ترابا"، والتي كان يعلن عنها وقت حكمه كلما شعر بتهديد ما، وما هذه الأفعال إلا جزء متمم لهذا المخطط القذر. ويتم تنفيذ هذا المخطط بالتعاون مع هؤلاء التكفيريين والواهمين ب"الجهاد" القادمين من خارج الحدود.

 لم يظهر من أعداد هؤلاء الإرهابيين من انهار باكيا نادما إلا عدد محدود جدا منهم، مما يعزز "فرضية الصدمة" التي اشرنا إليها. حيث من المرجح جدا أن اغلب هؤلاء لم يكد يصدق انه سوف يقع في قبضة العدالة، وسوف يعرض بهذه الصورة، لان الكثير منهم اعتاد الجريمة والفعل الإرهابي. كما بدا أن غالبيتهم ليس لها علاقة بالدين ولم تفقه شيئا من "الجهاد" بل أن رؤوسا أخرى تديرهم بعضها من شيوخ المساجد من التكفيريين الذي شاركوا هؤلاء بأفعالهم الشنيعة هذه ومنها الاغتصاب الذي طال عددا من الفتيات العراقيات ومنهن قاصرات بالسن !!

هذه هي صورة الإرهابيين من خلال اعترافاتهم المتلفزة رغم أن المحققين الذي أداروا عمليات التحقيق مع هؤلاء يبدون غير محترفين وغير متخصصين أو مطلعين على أساليب الحرب النفسية في مثل هذه الأمور، اللهم هناك بعض الامتياز لمحققي لواء الذئب. وظهرت أسئلة البعض منهم بمستوى يقترب من السذاجة. ولا نقصد هنا الأسلوب الإنساني في التعامل الذي كان السمة السائدة في التعامل معهم، فهو شئ يحسب لهم ويعطي وجه العراق الجديد مهما يكن. إن البعض يناشد المحققين باستخدام الشدة أو العنف اللفظي معهم، وأنا لا اتفق بهذا. بل إن الأصح أن يتبع هذا التحقيق نقل أوراقهم إلى المحاكم المختصة لتصدر أحكاما قاسية بحقهم وبدون أي رحمة خاصة من أجرموا بحق الشعب العراقي، وهو ما يشفي غليل الضحايا ويطمئن المواطن البسيط وأجهزة الأمن نفسها ويرعب الإرهابيين أنفسهم.

في السعودية نشهد بين فترة وأخرى عملية تطهير للبلد من مثل هؤلاء، وفي سوريا تمت عملية إعدام من تورطوا بعملية تفجير سيارة راح ضحيتها شخصان فقط دون أن نرى أو نسمع أي ضجة تذكر من أجهزة الإعلام العربية، وهناك الكثير من هذه الأمثلة في بلدان المنطقة، فلماذا لا يطبق حكم الإعدام بحق هؤلاء في العراق؟!!

إن مثل هذا البرنامج (الإرهاب في قبضة العدالة) المهم يجب أن يخضع على الأقل لنصائح وإرشادات خبراء علم النفس الاجتماعي، حيث الحرب النفسية والإعلامية تشكل جزءا لا يستهان به في مقارعة الإرهاب عامة وإعادة استقرار العراق خاصة. وحيث الغرض المتوخى منها هنا هو مزدوج يستهدف كل من الإرهابيين في الداخل والخارج من جهة والمواطن العراقي من جهة أخرى، ويوصل رسائل مدروسة لكل هؤلاء .

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com