|
يقول الضالعون في الفقه والفتوى ما معناه أن من سكت عن بعض الحقيقة متحدثاً عن الصواب وتاركاً الخطأ بطلت كل فتواه، لا أدري لماذا قفزت هذه المقولة إلى ذهني وأنا أتابع التصريحات النارية المتوالية يوما وراء آخر من قبل هيئة النزاهة العراقية ومطالبتها بمحاكمه وزراء في الحكومة السابقة، وهذا مبدئياً حق لها نحترمه ونتمنى لها بصدق التوفيق فيه، ولكن لتكتمل الصورة سأطرح عليكم سؤال سيتبادر لذهن اي مواطن عراقي بسيط سواء من سوق الشيوخ بالناصرية ومن الكاضميه ببغداد ومن شارع الستين بأربيل، وهو "و ماذا عن فساد ما قبل الثلاثين من حزيران؟" أي الفساد الذي مورس بالبلاد منذ سقوط صدام في التاسع من نيسان وحتى تشكيل حكومة الدكتور اياد علاوي في الثلاثين من حزيران 2004، أليس في هذه الفترة ما يغري السادة القائمين على هيئة النزاهة بتقصي الحقائق والمطالبة بمحاكمة السارقين والسارقات؟ أعلم أن هناك من هو جاهز للرد على هذا المطلب بحجة قانونية مفادها أن الرؤوس الأكبر لهذه المرحلة - ولفسادها - من جارنر وسلفه بريمر لن ينطبق عليهم قانون هيئة النزاهة - والذي صدر بالمناسبة ضمن قانون الدولة الانتقالي المذيل بتوقيع بريمر نفسه -، ولكن بريمر لم يكن وحده يحكم، كان هناك مجلس الحكم الانتقالي وكانت هناك حكومة مؤقتة في آب 2003، ونحن هنا نتحدث عن فترة قريبة نسبياً ومن السهل الوصول إلى ملفاتها، وهناك شهود عيان لازالوا بالبلاد يسعدهم تقديم شهادتهم على ما رأوه من سرقات تمت على يد مجموعات منتظمة ومنضوية تحت لواء أحزاب بعينها، ولازال بعض هؤلاء يجاهر بسرقاته ويسكن فيها- باعتبار أن الحواسم شملت استيلاء بعض الأحزاب على مقار مملوكة للدولة ومن ثم مصادرتها وأحيانا إهدائها للأهل والأحباب، والأدهى انه تم تحويل بعضها لمديريات امن ومراكز اعتقال. و نتمنى ألا نوصف بالخروج عن الآداب العامة ونوصف بتهمه البعثيه الجاهزه لكل من يعارض - إذا سألنا مثلا عن مصير سيارات المقبور عدي التي دفعت الخزينه العراقيه ثمنها ولم تكن من تركه صبحه طلفاح التي أُخذت - حتى لا نقول سرقت - من قبل بعض الشخصيات المحسوبة على احد الجهات الحزبيه ووضع جزء منها في مزرعة بالراشدية، وإذا سألنا عن الآلية التي تم بمقتضاها توزيع بعض عقود الإعمار بالبلاد في فترة بريمر على شركات لم يتوافر فيها الحد الأدنى المطلوب ناهيك عن ايفائها بالمواصفات المطلوبة والمدونة بالعقود، وما حدث في عقد الهاتف الخلوي عراقنا (سراقنا) الذي اعطي لشركة اوراسكوم خير دليل على هذا الفساد، المدهش أن هناك أشخاص من أحزاب لها ممثلون بالبرلمان والحكومة الحالية متورطون حتى النخاع في تلقي رشاوى من شركات أجنبية عاثت في العراق فسادا وقدمت مطالبات مالية مقابل خدمات رديئة، والبعض كان عرابا لشركات بعينها لتحصل على عقود في عهد بريمر أما التعاقد مع شركات توريد المواد الغذائية التي أتت لنا بالسيء والرديء فهو يذكرنا بفساد ما قبل التاسع من نيسان،و لسنا ندري كيف يمكن الغش في طعام المواطن البسيط وحليب الأطفال ولا يقدم مسئول للمحاكمة. فإذا وجدت الهيئة بعض الحرج في توجيه اللوم ومقاضاة بعض هؤلاء باعتبار أن منهم من يشغل اليوم مناصب عليا بالبلاد في السلطة التشريعية والتنفيذية، فلنقل أنه يتوجب على هيئة النزاهة رصد حجم هذا الفساد ومسألة تحريك دعاوى قضائية ضد القائمين به نتركه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وهذا أضعف الإيمان؟ وإذا كان الحرج بالحرج يذكر فسأدعو وأنا متيقن من أن أحدا لن يستمع لدعوتي- لكنها شهادة حق ليس إلا – ألا يأخذنا الاستغراق في محاكمة وزراء الحكومة السابقة فقط للدرجة التي تناسينا بعض الفساد المستمر للآن وآخرها مطالبة وزارة "سيادية" خزانة الدولة بتسديد فواتير شراء كباب لبعض كبار موظفيها. إن عمل أي جهة رقابية في العراق الجديد يجب أن يكون منزها حقا عن أي اعتبارات شخصية وحزبية وطائفية،و يجب ألا يعوق حملة التفتيش على الأوراق القديمة التي تضطلع بها هيئة النزاهة الآن أي عائق، وعليها النظر للتاريخ العراقي لترى أن أول قرار أصدره البكر في 1968 كان منع الوزراء من السفر لاتهام بعضهم بالفساد وكذلك فعل صدام 1979 بعد استلام السلطة ومذبحته الشهيره ،و لنسأل الآن هل منع السادة أعضاء مجلس الحكم ومستشاري بريمر ورؤساء الهيئات الخاصة التي أسهمت في إدارة البلاد وكان تحت أيديها ملايين من مالية الدولة العراقية الجديدة تنفقها بلا رقيب وحسيب، من السفر ولعلنا نذكر أن الاخ السيد جلال الماشطة مثلا انسحب من إدارة هيئة البث الإعلامي مصرحا أن الفساد بها أكبر مما يطاق فهل حقق أحد في استقالته المسببة ؟، و من المؤكد أن إدارات أخرى ومنظمات كثيرة شابها الفساد ذاته وأنفقت الملايين من اموال يتامى العراق وابنائه على أنشطة لا معنى لها وقدمت حسابات وهمية لأنشطة لم تحدث على ارض الواقع ونحن ننتظر من يصرح أن أنفه لم تعد تتحمل رائحة الفساد. فلنحيل للمحاكمة جميع المتورطين في الاستيلاء على ممتلكات الدولة بعد سقوط صدام وتحويلها للاستخدام الشخصي والحزبي، لنحيل كل من استولى على أرصدة عراقية موضوعة ببنوك الخارج بعد استيلائهم على الشفرة الخاصة للوصول لهذه الحسابات التي هي حق للشعب العراقي سرقه صدام من قوت أولادنا وعرق جباهنا لتدور الأيام ويأتي سراق جدد ويستولون عليها وتضاف لحساباتهم الشخصية بضغطة زر واحد على جهاز حاسبهم الالي .
إن سرقة ممتلكات
الدولة ومواردها وتبديد الأموال العامة بالإنفاق الترفي والتلاعب بالمخصص من
ميزانية لتصب في جيوب البعض وحساباتهم البنكية في جزر الباهاما، مثلاً لهي أشد
جرما من سرقة بيت مواطن وحافظة نقوده، فهي سرقة لمستقبل العراق كله الخارج لتوه
من ثلاث حروب مدمرة والمتطلع لمستقبل جديد لأبنائه لا يعانون فيه شظف العيش
الذي لاقاه آباؤهم، والاهم أننا نريد ان نقدم للجميع وبالأخص للجيل الجديد من
الشباب مثالاً لعراق جديد يؤمنون به وأن فيه مباديء المساءلة والشفافية
والاهتمام بصحة وحقوق المواطن كها أولويات مقدسة لا تسقط بالتقادم ولا تتراجع
المطالبة بها لأي سبب كان، ببساطة لا نريد أن يفقد حتى الجيل الجديد ثقته في
أنه يمكن أن يكون هناك عراق جديد يتساوى فيه الوزير والغفير أمام القانون
وأمام هيئة النزاهة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |