|
ها هي الأصوات التي طالما تصاعدت منددة بالتدخل الإيراني في الشأن العراقي ومتوعدة له قد خمدت فجأة، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة أصبح مؤشر الاتهامات والحملات متجها غرباً تجاه سوريا، وأصبحت اعترافات المتهمين تملأ الشاشات العراقية دون حوار وخبر عن إيراني واحد مثلاً يقبض عليه وبحوزته مخدرات وأسلحة رغم أنها أحداث يومية يعرفها القاصي والداني، وربما السبب في ذلك أننا نتسامح مع القتله والمجرمين الإيرانيين بأسلحتهم ومخدراتهم، وأن الرشاوى على الحدود لتهريب البترول لإيران وتهريب المتسللين منها أصبح أمرا عاديا لا يستحق التجريم ! ورغم أن بيوت العراقيين لازالت تعتمد على المولدات ولا نجد سيارات المواطنيين البنزين ويضطر العراقي أحيانا للعودة للـ"لالة" وبالمقابل تنعم شوارع طهران بالإضاءة ليل نهار، ربما هذا هو مبدأ حسن الجوار الذي نطبقه الآن مع تدخلات ايران في بلادنا فنكافئها عليها بالبترول المهرب ولا مانع من أخذ بعض الرشاوى منها على سبيل الهدايا! حقاً لا ندري هل هناك قاعدة جغرافية تقول أن هذه الهجمات الإعلامية والدبلوماسية على سوريا غرباً وتنسينا تماماً استمرار تدخلات إيران شرقاً، وهل لتشكيل الحكومة الجديدة دور في تغيير البوصلة بين يوم وليلة، لو كان الأمر كذلك فسنتوقع في الحكومة المقبلة نهاية هذا العام أن يتناسى الجميع الدورين الإيراني والسوري وتدخلاتهما المستمرة في الشأن العراقي تصريحاً وتلميحاً وفعلاً لتتجه الأنظار هذه المرة شمالاً نحو تركيا، وسيقال فيها ما لم يقله العرب في الخمر، أما الحكومة التي تليها فسنراها بالتأكيد تنسى الدول الثلاثة وتتجه جنوبا نحو الكويت والسعودية " لضرب عصفورين بحجر" خاصة أن كثير من القتلة هذه الأيام هم رعايا هذه الدول لكن أحدا لم يهاجمها وعلى الأقل يطلب منها وبأدب ضبط حدودها ومراقبه مواطنيهم الذاهبين لسوريا فاليس من الاجدر التنبيه على دول المنشأ لهولاء القتله وليس فقط دوله العبور. الحقيقة أن الطريقة التي تدار بها حملات رفض التدخل الخارجي من دول الجوار جميعها - وهو أمر معروف وملموس من كل مواطن عراقي عادي- هذه الحملة تفقد معناها عندما يزور مسئول عراقي لدولة ويطلق تصريحات رنانة عن التآخي وغلق ملفات الماضي والتصريح الشهير ببدء صفحة جديدة، ثم وفي ليلة عودته لبغداد وعشية خروجه من عاصمة هذه الدولة الشقيقة لعاصمة جديدة تنتظر هي الأخرى دورها من التصريحات الأخوية والصفحة الجديدة التي ستُفتح، فجأة يخرج علينا مسئول عراقي آخر بحملات هجومية ضد العاصمة الأولى وتتكرر القصة من جديد مع العاصمة الثانية وهكذا دواليك،و هذا التخبط يؤكد للمتابع الخارجي أنه لا توجد توزانات ولا تنسيق بين أعضاء الحكومة الحالية فيما يخص الشأن الخارجي،و بالطبع العواصم المحيطة تدرك ذلك جيداً وتلعب على هذه النقطة لمواصلة تدخلاتها مدركة أن هناك من سيلعنها وهناك من سيباركها ويسكت على دورها القذر ببلادنا، وأحيانا يلمس المتابع وجود تبدية للمصالح الحزبية والطائفية الضيقة والعلاقات والتربيطات مع دولة بعينها وطبعا كل هذا على حساب مصلحة الوطن، وهي مأساة أكبر. لقد كان مثلاً قرار رئيس الوزراء السابق د.أياد علاوي في عدم زيارة إيران قرار جيد في حينه لأن الكل كان يلمس مؤشرات صارخة على دعم أجنحة بالحكومة الإيرانية للإرهاب بالعراق، وصرح وقتها الدكتور علاوي وبدبلوماسية أنه لم يتلق دعوة رسمية بزيارة طهران،لكن ما يحدث الآن من هرولة في زيارة كل بلد وعاصمة وإطلاق تصريحات المجاملة ثم لا شيء تلمسه على أرض الواقع، إذ لم تغير العواصم المعنية من تدخلاتها في حياتنا واقتصادنا، الأدهى أن يصرح البعض في الحكومة الحالية أن التعويضات الضخمة التي تطلبها ايران من العراق هو حق مشروع لها، ولست أدري من يخول الوزير فلان وعلان بالبت في تقدير التعويضات بل والحكم بمشروعيتها وأن المبلغ المطلوب رقم عادل،فوفق أي قاعدة يطلقون هذه التصريحات المجانية؟، العامةً يقولون أنه لا جمارك على الكلام ومسؤلينا بالطبع لن يدفعون فلسا من جيوبهم، لكن الكارثة ان تتحول هذه التصريحات لاتفاقيات وتُمرر للموافقة عليه بالبرلمان لتُسبغ الشرعية على إعطاء أموال لحكومة طهران التي تورد لنا بالمقابل الأسلحة والمخدرات، والأهم أن كل ما سيُدفع لن يكون من جيب الوزير والمسئول الحزبي الذي صرح بأحقية ومشروعية المطالب الإيرانية، فهذه الأموال ستدفع من ميزانية العراق أي من رصيدنا كمواطنين لدى الدولة ومن رصيد الأجيال القادمة التي تنتظر حياة أفضل ومستقبل أكثر أمناً. و إذا كان الهجوم على سوريا الآن له ما يبرره وفق ما عرض من اعترافات وقرائن، ورغم أنه من المفترض أن تقل حدته لأن هناك نوايا من حكومة دمشق على وقفها لأي عمل يورطها اكثر في المستنقع العراقي،فإننا نطالب بالحزم ذاته مع كل تدخلات دول الجوار لنصل لردود فعل واستجابات على ارض الواقع منهم وليس حلو التصريحات ومعسوةل الكلام، ولنسأل أنفسنا بصراحة ما الفرق بين تدخلات سوريا وبين تدخلات ايران ؟ربما يكون المفاضلة بين الفستق الإيراني والبلح الشامي واردة هنا، لكن لا تنسوا رجاء أن تستعيدوا تصريحات قائد حرس الحدود بجنوب العراق بوجودعناصر إيرانية تدير عمليات واسعة لتهريب النفط العراقي وأحيانا سرقته وأن لهم دور في عدم الاستقرار في محافظات الجنوب والتي كانت هادئة نسبيا في أعقاب الحرب، بدءً من تهريب المخدرات والأسلحة لبعض الفصائل وحتى تدريب عناصرهم وصولا لتسلل المئات عبر حدود العراق المترامية مع ايران خاصةً في مواسم الزيارات الدينية العديدة، وكيف أن بعض هؤلاء ينسقون مع فصائل عراقية كل همها هو مزيد من الفوضى والقلاقل. إننا نطالب بأن تفتح كل الملفات بما فيها ملف منح الدول المجاورة ومنها الاخوه في الكويت ووالجاره تركيا حق التعويض، فالمدهش أن تركيا مثلا تريد من العراق أن يدفع لها تعويضات عن الحصار الاقتصادي المفروض عليه من قبل مجلس الأمن الدولي، أي أن أنقرة تريد من مواطني العراق المغلوبين على أمرهم والذين كانوا أول من ذاق الأمرين من هذا الحصار الجائر أن يتبرعوا لتركيا بتعويضات عن أضرار مفترضة لم يكن لهم أي دور فيها. و عندما نطالب بتبدية معايير الوطنية والشفافية عند فتح ملفات العلاقة بدول الجوار فإننا بذلك نطالب بحفظ قدسية وحرمة دم الشهداء، هؤلاء الذين ماتوا بل ولازال عددهم يزداد يوماً تلو الآخر بسبب التدخلات المستمرة لتلك الدول، إننا لا نطلب الكثير من الحكومة الحالية عندما نقول لها ضعي مصلحة المواطن قبل روابطك السياسية والطائفية والتاريخية مع الدولة س وص، إننا لا نطالب بالكثير عندما نقول للجميع ليكن قيمة الانتماء للوطن أعلى من أي انتماء اخر
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |