|
أسباب تخلف القضاء العراقي عن مواكبة الواقع الإجرامي في العراق
محمد الموسوي / باحث قانوني
شهد العراق في الآونة الأخيرة تزايدا مرعبا في نسبة الاجرام على صعيد الاشخاص وهم فرادى أو عصابات مؤقتة او منظمة مستمرة ويعود ذلك الى جملة من الاسباب الداخلية منها او الخارجية ، ومن هذه الجرائم ما هو مألوف في الواقع الاجتماعي العراقي وما هو طارئ عنه ، وقد يكون الانفلات الأمني أحد الأسباب المهمة في تزايد نسبة الإجرام وهو الأمر الذي سهّل الكثير من فرص الجريمة وامكانية الإفلات من العقاب ، وعلى أية حال لسنا هنا بصدد تحليل أو تفسير أسباب تزايد الظاهرة الإجرامية - وهو ما سنخصص له بحثا مستقلا- وانما نحاول البحث هنا في أسباب تخلف القضاء العراقي عن مسايرة هذا الواقع الإجرامي الخطير ويعود هذا التخلف إلى أسباب عديدة منها أن القضاء العراقي ومنذ زمن غير قصير تعوّد الترهل والجمود بفعل الواقع السياسي الذي عاشه العراق في الستين سنة المنصرمة وشخصنة الدولة التي تعتمد المزاجية والنرجسية في إدارة شؤون المجتمع فظهرت قوانين لاتمّت للمنطق القانوني بصلة ألغيت قوانين أساسية كثيرة وقسم آخر كبير من هذه القوانين المهمة بات معطلا حتى إن القضاة أنفسهم لايعلمون بوجوده لانه حبيس بقايا المكتبات القانونية المتهرئة ، إضافة إلى ما اعتمده النظام الدكتاتوري من ترهيب وصل إلى أفئدة القضاة وجعلهم يمشون كا لمسطرة لا يخالفون مزاجية النظام بل إن بعضهم اصبح بوقا قانونيا للاستبداد يشرّع له ويبرر، كذلك الإهمال الذي أصاب كافة مرافق المؤسسة القضائية في كل ما يتعلق بالمجتمع فقضية سرقة عادية قد تغيب في المحاكم سنوات لكن قضايا سبّ الرئيس تفصل في دقائق وطبعا بالإعدام وهو الأمر الذي احدث واقعا إجرائيا محزنا غابت فيه كل الضمانات القانونية وأدى إلى تخلف نظم الإجراءات القانونية المتبعة في القضاء، هذا التخلف القانوني والإجرائي رافقه داء آخر اعتمده الدكتاتور وهو تعيين القضاة المحسوبين منه فقط واقتصار الأمر على شلة من المتفيقهين الأمنيين وليس القانونيين ( وانوّه إلى أن ذلك لايعني خلوّ اروقة القضاء من قضاة بارعين ترجموا حضارة العراق لكن مع الأسف غاب دورهم وحوربوا ) . كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى أن يكون القضاء العراقي مجرد مراكز أمن للنظام تصدر أحكام الإعدام وتجيز التعذيب وليس لها علاقة بالقانون ناهيك عن ما تسرب له من الفساد من خلال انتشار الرشوة وبشكل مزري بين صفوف العاملين وحتى قسم عظيم من القضاة حتى إن الناس صاروا يعرفون لكل قاض سعرا محددا يتعامل به واصبح المحامون وسطاء أو وكلاء بالعمولة. وإذا ما عرفنا كل ذلك أدركنا أسباب تخلف القضاء العراقي عن مواكبة الواقع الإجرامي ،وبناء على ما تقدم فان المعالجات التي يجب اجراؤها لايقاف هذا النزيف القانوني تكمن في اتباع الاساليب العلمية لاعادة تشكيل مؤسسة القضاء من خلال الاتي: 1: فتح باب الدخول إلى المعهد القضائي وعلى أسس قبول تعتمد الكفاءة العلمية والنزاهة فقط وليس العشيرة أو الطائفة مع تحديث كامل لمناهج المعهد لتلائم العصر. 2: إرسال المتخرج إلى دورات خارج البلاد للدول ذات الواقع القضائي المتطور للاستفادة منها. 3 : إدخال القضاة العاملين الآن في دورات مكثفة وبإشراف خبراء محليين أجانب لاعادة تأهيلهم . 4 : توفير البنى التحتية لدور القضاء بما يتلاءم وطبيعة عملها . 5 : توفير كل ما يحتاجه القاضي من أمور الحياة كالسكن والمرتبات وغير ذلك ما يعينه على العمل والابداع. 6 : إقرار نظام متكامل للمؤسسة القضائية بما ينسجم وبدأ الفصل بين السلطات . واعلان مبدأ القضاء الوطني وليس حكام السلطان. 7 : تحديث كافة القوانين التي يجب أن تنسجم والواقع القانوني الجديد وألغاء قوانين الدولة المركزية او السلطة الدكتاتورية ، وهذا يتطلب خلية نحل قانونية لاتقتصر على الحكومة او مجلس القضاء بل من خلال مؤتمرات قانونية عامة تشترك فيها كل الجهات ذات العلاقة في البلاد من أساتذة الجامعات والممثلين القانونيين للنقابات والاتحادات ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الخبراء الأجانب. واخيرا قد تبدو المعالجات في جزء منها تحتاج إلى زمن لكن لاسبيل أمامنا غير ذلك والبناء يحتاج إلى وقت فكما تقول أمي دائما ( بيت الله ما ابتنى بفرد يوم ) والى هذا فليعمل العاملون .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |