القانون اذ يصبح اداة للاسقاط السياسي

 

احمد عبد العال الصكبان

 

لازلنا مع موضوع الفساد المتشعب كالأخطبوط ببلادنا العراق، وكأن فساد عهد صدام الطويل وحقبتي جارنر وبريمر لم تكن كافيه لاستنزاف خيرات هذا البلد، وبداية سرنا أن تباشر مفوضية النزاهة بالعراق عملها رغم النص على تشكيلها كان منذ قانون الدولة الانتقالي ويشمل النظر في ممارسات حكومه بريمر وحتى اعضاء مجلس الحكم ورغم وجودها الفعلي بعد انتقال السلطة في الثلاثين من حزيران، لكن لا بأس فما لا يدرك كله لا يترك كله، والمتابع الآن لحملة ملاحقة الوزراء بتهمه الفساد في الحكومة العراقية السابقة، سيلاحظ أن التصريحات تكاد تركز بشدة على هؤلاء الوزراء المنتمين لحركه الائتلاف الوطني العراقي الذي يقوده الدكتور أياد علاوي، وهو رئيس الوزراء الذي لم يعد بالسلطة اليوم والذي لم تفز قائمته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالنسبة الأعلى من الأصوات لعده اسباب سنتناولها في مقال مستقل، وكان يمكن لهذه النقطة أن تمر مرور الكرام لو أن فساد آخرين ممن كانوا في عهد مجلس الحكم والمرشحين عن كتل أخرى غير قائمه الدكتورعلاوي قد تم تناوله والتصدي له بنفس الدرجة من الشدة، لكن ما حدث هو شهر السيوف لامعة فقط من أحزاب بعينها ضد مسئولين سابقين من حزب آخر لم يعد بالسلطة، وهكذا استقبل  الناس اقتصار الحملة ضد الفساد على هذه الأسماء كسابقاتها في العراق بعد كل انقلاب عسكري  واعتبرها المواطن تصفيه لاختلافات حزبية وتنافس سياسي لا أكثر، وضاع  هنا المطلوب ترويجه بالنظر لهذه الاتهامات باعتبارها حملة لليد النظيفة وحماية لحق المواطن العراقي الذي أهدر على يد هؤلاء الفسدة المُفترضين، وبالطبع القيمة المفترضة لمثل هذه الحملة ( أن كل اهتمام الحكومة الجديدة هو مصلحة الوطن والمواطن) قد تلاشت تماما وحل محلها فهم الأمر كما لو أنه تصفية حسابات مع حزب لم يعد بالسلطة .

شيء آخر صاحب هذه الحملة وأساء لها من حيث قصدوا العكس، وهو أنه تم السماح بالهجوم على المتهمين باعتبارهم مُدانين بالفعل، بل وحتى قبل أن تصدر بحقهم قائمة الاتهامات ويخضعوا للتحقيق الأولي ثم إذا وجد ذوي الاختصاص في صفحتهم ما يدفعهم لتصعيد الأمر يتم محاكمتهم قضائياً وحتى في هذه المرحلة فإنهم يبقون متهمين لا يجوز تسقيطهم سياسيا.

 إن أهم ركائز أي نظام ديموقراطي أن يكون للقضاء الكلمة العليا فيه وأن تكون للسلطة القضائية اليد العليا في الكثير من النزاعات والمشاكل والتعارض، سواء بين المواطنين بعضهم البعض (قضاء مدني وجنائي)، وبينهم وبين الدولة (قضاء إداري)،أو بين أجنحة الدولة نفسها كالسلطة التنفيذية والتشريعية اختلافا على تفسير نص
أو حدود صلاحيات (قضاء دستوري)،أو بين هيئات حكومية(مجالس الدولة القضائية)،و حتى عند محاسبة واتهام من كانوا يعتلون مناصب سيادية من قبل، فللقضاء الكلمة النهائية في تقدير حجم الجرم وإعطاء العقاب المناسب، وبين كل هذه الأجنحة من القضاء التي قد تتداخل في عملها، يبقى لها قدسية كبيرة تعلو بقية السلطات، ولكن ما حدث أن هذا المبدأ تم وأده قبل أن يرى النور بالعراق الجديد، فالضوء الأخضر قد أعطي لتسقيط المتهمين، ولم ينتظر أحد كلمة القضاء،و بالرغم من أن البعض قد تثبت عليه التهم الموجهة، لكن استباق حكم القضاء بهذا الشكل من التسقيط السياسي، يفقد القضاء حياده وبالطبع يقلل من قيمتة ومرجعيتة لأنه يصور الضغط السياسي والإعلامي بأنه هو من حرك القضاء لاتخاذ حكم بعينه ومدى هذا الحكم، إننا لا ندافع عن أي من المسيئين ان وجدوا ونصطف وراء أي من المتهمين لأن أوراق القضية الآن في يد هيئة للتحقيق، والقضاء سيرى ويفصل، والمفترض أن نتعلم قليلا عن هذه الإجراءات المتبعة حتى في أعتى الديموقراطيات وأكثر البلدان في حرية الإعلام، فلا أحد يصدر حكمه وقضية ما مرفوعة أمام القضاء فما بالنا والأمر لازال في مرحلة التحقيق ؟

 و إذا ارتأى القائمون على الحكومة الجديدة ببلادنا أن تفتح كل ملفات الفساد فأهلا وسهلا،  ونحن متيقنون أن هذه الخطوة ستزيد من مصداقية الحكومة الحالية وتظهرها بالنزاهة الحقة والموضوعية والنقد الذاتي، وعند فتح الملفات جميعا فاننا نجزم بان رؤوس كثيرة ستقع ومن بينهم من هو الان في مركز رسمي.

 ان القائمون على أمر الحكومة قد لايعلمون أن المواطن العراقي بدء يفسر الدعاية الضخمة لتوجيه الاتهامات لمسئولين سابقين بأنه في الواجهه كان لمصلحة الشعب وصيانة لما يفترض أنه أهدر من موارد هو أحق بها ولكن في الوقت ذاته فانه ونتيجه لمايراه من انتقاء عشوائي للملفات وترك بعض الفاسدين يمرحون بدء يشعر بان هذه الحمله هي نوعا من التغطية على أمور أخرى من بينها الوعود الوردية التي اطلقت في جوالانتخابات وفساد آخرين خاصة هؤلاء ممن أصبح كل همهم ليل نهار هو الهجوم على المتهمين وتفرغوا لهذه المهمة ناسين حتى القيام بالأعمال المتوقعة منهم سواء كبرلمانيين منتخبين لكتابة الدستور ومسئولين تنفيذيين يديرون البلاد

 و بالطبع هناك من يذهب لأبعد من هذا ليرى أن هذه الحملة قدمت بكل هذا الزخم والتركيز الإعلامي للتغطية على مخالفات ما تجري في الخفاء من قبل البعض،ولا داعي هنا للتذكير بمقولة" ان الهجوم هو أفضل وسيله للدفاع" فالاهتمام بتشويه سمعة الآخرين بهذا الشكل دون انتظار لكلمة القضاء قد يخدم لإبعاد الرقابة عن فساد آخر حالي وسابق وبالطبع سيخدم تصوير الآخرين - مهما كانوا - بمظهر الأخيار ونظيفي اليد فكل نقطة من الهجوم على من سبقوا هي لصالح من يمسكون بمقاليد الحكم الآن، ولمجرد الدعاية السياسية الطنانة لتحقيق مكاسب لصالح أحزابهم،أي أن هذه الحملة "النبيلة" يتم فيها استغلال للقانون لكسب سياسي أيضاً.

 ولكن السؤل هو هل العراقيين من البساطة والغفلة بحيث يتم تعبير هذه الأمور عليهم بسهوله؟، فالافتراض أن المواطن العراقي بهذه الدرجة من السذاجة لتنطلي عليه هذه  الفرضية، خاطيء من أساسه متناسيا طبيعة المواطن العراقي وما تعرض له من تجارب سياسية عدة لعل آخرها ما تعلمه العراقي في فترة صدام وما رآه من حملات دعائية لم تكن تنطلي على الأطفال حتى، وباختصار فان العراقيين اليوم كما يقول الاخوان في مصر"لا أحد أكل ولا سيأكل بعقله حلاوة ".المواطن العراقي عانى الكثير ولعل في هذه الفقرة من قصة قرأتها مؤخرا لصديق عراقي يصف فيها مشهدا من حياة مواطن عراقي بسيط قد تفسر لماذا أراهن على ذكاء العراقي العادي وكشفه لما وراء التصريحات وغيرها.

 "  فلقد وجد مواطن  كان يبحث عن وجبه اكل لاطفاله محلا مزدحما اقترب منه فوجد ضالته ولما جاء دوره اشتري أخيراً بعض حبات من  الفلافل وضعها له البائع داخل وعاء ورقي لفّه على شكل قمع وحمل الطعام ونشوة النصر تُسيطر عليه من أعلى رأسه إلي أخمص قدميه وانطلق بالمفاجأة إلى أطفاله الجياع، فتح الباب وهو يشعر بالتعب وكان صغاره يشاهدون مظاهرات احتجاجيه فنادى علي صغاره الذين حضروا بالحال وأعينهم مشدودة إلي ما يحمله "

طبعا يُفاجأ الأطفال أن والدهم لم يجلب لهم ما يريدون ويمنون أنفسهم بعه وصرخوا بصوت واحد هم فلافل"، ان المواطن العراقي سيستيقظ يوماوحال صوته ينادي كافي.....كافي....كافي،فالمواطن مطحون ومشغول بقوت يومه وامنه ويشعر بالخجل أنه لا يلبي حتى أدنى المطالب التي يحتاجها أطفاله، وسيأتي يوم ينتفض ويرفض الوضع القائم ويطالب بحياة أفضل ؟؟ ولن يرضى أن تصبح المعايير السياسية وتصفيه الخلافات الفكريه هي التي تحكم مقاضاة من تسببوا في استمرار معاناته وهو يرى كل يوم على التلفاز الوطني حياة مسئولين عراقيين حاليين لا تختلف كثيرا عن حياة مسئولي العهد البائد، وهو يعلم بما يتابعه من أخبار أن هناك وزراء ومسؤلين في مجلس الحكم مثلا سافروا لأشهر خارج البلاد مصطحبين عوائلهم بحجة لقاءات لوزارتهم، وعادوا ليؤسسوا مراكز ومشاريع خاصة بهم لأنهم كانوا يعلمون أن أدائهم لم يكن بالمستوى الذي يسمح باختيارهم، وطبعا هؤلاء لم يحاكموا على ما أنفقوا بالخارج لحساب مشاريعهم الخاصة، ويمكن للمواطن العادي أن يستشعر الذاتية في اختيار المتهمين بالفساد عندما  يتابع ما ينشر الآن وحتى هذا اليوم وبالجرائد العراقية – وليس العربية والأجنبية – من الشكاوى والمهازل التي تحصل كل يوم بالعراق، نقمة المواطن العراقي ستنصب وقتها على الساكتين على هذا الفساد المستمر، وبالطبع سيسعد بتقديم متهمين بالفساد للمحاكمة لكنه لن يقبل أن يستثنى غيرهم منها .

 مواطننا العراقي مطحون بما يكفي، وهو ببساطة  لن تنطلي عليه ألاعيب الساسة وهو يعلم بفهم حقيقي أن هناك كثيرون مشتركون في تفاقم مشاكله مازالوا يمرحون في شوارع بغداد

 

خاتمة :

قال شكسبير في يوليوس قيصر:

 ليس العيب في طالعنا يا بروتس.. إنما العيب في أنفسنا.

  

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com