موسم القطط السمان بالعراق

 

احمد عبد العال الصكبان

 

قد يتذكر المطلعون على الشأن المصري ما حدث في نهاية السبعينات عندما انتقد  السياسي  القدير المرحوم د. رفعت المحجوب انتشار الفساد ببلاده مع قدوم سياسة الانفتاح الاستهلاكي التي اتبعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، و وصفها الدكتورالمحجوب بأنها تعمل على تربية مزيد من المتاجرين بتطلعات المواطنين و الفاسدين  ليزداد هؤلاء غنى و تنتفخ حساباتهم المصرفية،و لعل الكل يتذكر وصفه لهذه الفئة بالـ" القطط السمان " لتغدو مثلا  يضرب فيما بعد عمن يتربح بغير حق على حساب مواطني بلاده، الدكتور المحجوب أطلق هذه الكلمة قبل أكثر من ثلاثين عام فكلفته الإقالة من منصبه كأمين للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي وأتمنى في 2005 أن مقالي هذا لن يكلفني رقبتي لأن المنصب يُعوض لكن لم أسمع برقبة تعاد للرأس بعد قطعها!

لقد كان وراء كل حرب مشروعة أو غير مشروعة - عادلة أم لا ، تجار يستفيدون من كل مراحلها ليغدوا قططا سمانا لا تتوقف أفواهها عن طلب المزيد، حتى أثناء فترة المناوشات الكلامية و الحرب النفسية ستجد لدى هؤلاء مصدرا ما للإثراء وقتها سواء ببيع المعلومات أو ترويج الشائعات، و ستجد تجار يهمهم أن تندلع الحروب و تستمر فهم منتجي سلاح و وسطاء في عمليات بيعه أو تهريبه للأطراف المتنازعة على السواء،وفي أثناء الحرب ستجد تجار حروب ينتظرون الطرف الفائز بأحر من الجمر ليصطفوا وراءه، و ستجد تجار حرب آخرين لا يبدأ عملهم إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، و هؤلاء لا تظن عملهم هو جمع جثث الضحايا و دفنها، إنهم تجار يسبقون حتى الدفانين و نابشي القبور و المتاجرين بالجثث، فهذه الفئة من التجار  يستغلون مناخ الفوضى الذي تأتي به الحروب لينهبوا كل ما تقع أيديهم عليه من غنائم، و هم قطعا ليسوا مثل مواطنينا البسطاء الذين سرقوا بعض الأثاث و السلع، تجار الحروب المعنيين ياسادتي يسرقون دولة بأكملها، و هناك نماذج صارخة ممن استفادوا من فوضى نهايات الحرب و ما تلاها بالعراق،إذ تربحوا وسرقوا المعدات و ما يمكن تخليصه من البنية الأساسية وآليات الجيش، بل وصل بهم الأمر للاستيلاء على المباني الحكومية وغيرها، و بالطبع كان هناك تجار آخرون أعملوا معولهم في العراق الجريح بطريقة أخرى حيث كان لهم نصيب في العقود الوهمية باسم إعادة الإعمار و التي أحيانا لم تكن تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به مما يذكرنا بعقود صدام في فترة مذكرة التفاهم – النهب مقابل الغذاء- عندما كانت عقود وهمية تُوقَّع و مواد رديئة تُصب في أسواق العراق لتجلب للمواطن المغلوب على أمره مزيداً من الأمراض غير أمراض الفقر و الحصار الموجودة أصلاً،  كانت الرشاوى والعمولات تتدفق بسخاء و خاصة في فترة العقود التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتهاء الحرب ،لتصب في جيوب تجار الحروب ، عرف العراقي وقتها مثلما عرف في عهد الطاغية الرشاوى للحصول على وظيفة ما، و كان الناس توقعوا انتفاء هذه السلوكيات بسقوط نظام صدام،تم إهدار النفط بدون رقيب أو حسيب تماما مثلما كان نفط العراق في العهد السابق يستفيد منه غير العراقيين، و تكررت ثنائية مبادلة النفط بالغبن الذي يحدث نتيجة لسرقة و تهريب النفط، تم الاستيلاء من قبل القطط السمان حتى على أموال المعونات الإنسانية و بعض القطط  السمان وجدها فكرة مربحه أن يؤسس منظمات إنسانية ليتلقى عن طريقها أموال المانحين و هبات الطيبين لتصب غالبها في أمعاء القطط إياها.

إننا إذ نعرض هذه الصورة التي قد تبدو للبعض متشائمة لا نملك إلا أن نأمل فيمن يكشف بعضا من هذه الجوانب لأنها سرقات مكنت سفهاء من الإثراء على حساب حقوق المواطن البسيط، و هؤلاء القطط السمان يواصلون نهبهم بطرق مختلفة للآن و بعضهم لا يكتفي بالحصول على الثروة المالية لكنه يتطلع لمكاسب أدبية و سياسية طالما لم يجد من يحاسبه أو يكشفه ظنا أنه بمأمن عن مراقبين من الداخل و الخارج لن يفوتوا لهم الفرصة للربح بالغنائم و لن يقفوا مكتوفي الأيدي على محاولة بعض القطط السمان الولوج لعالم السياسة بعد كل تاريخهم القذر في نهب العراق في أقل من أشهر أعقبت سقوط نظام صدام.

إنني أتوجه بكل ثقة و أمل إلى السيد رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري و لسنا نشك للحظة في طهارة يده ووطنية تاريخه و قدر حرصه على حقوق مواطني هذه البلاد، و نعلم أنه منتبه لأن اقتصار حملات مناهضة الفساد على من هم خارج حكومة السيد الجعفري لن يخدم حملته في شيء فالتفسير الأقرب لهذه الخطوة سيكون أنها اتخذت لإبعاد الأنظار عن أخطاء أخرى، و ستجعل العراقي يفقد المصداقية بالحكومة يوما بعد يوم، بل سيكون عدم ملاحقة بقية المسيئين و المتهمين مؤشراً على أنه ربما يكون  لهم نفوذ أو ضغط "ما"على الحكومة الحالية، و كلها أمور لن تفيد قطعا فيما نتمناه من توفير أجواء الثقة و تكاتف الجماهير  مع الحكومة الحالية للعمل على إخراج العراق من أزمته و تحقيق سيادته الكاملة.

 نتوقع من السيد الجعفري أن يدشن على الفور حملة تطهير شاملة تطال أي فاسد مهما علت مرتبته أو مكانته العشائرية أو الدينية، من أكبر مسؤول في الوزارة بالعاصمة بغداد و حتى أصغر موظف في الزبير،  ولدى الدكتور الجعفري حسب علمي شخصية مقربة منه جدا نظيف اليد وعراقي حريص قادر على أن يتحمل هذه المهمة.

 إننا نتوقع من الدكتور الجعفري ان يفعل قوانين الرقابة على الكسب غير المشروع و أن يتم تأسيس هيئة رقابة مالية و محاسبية تطرح سؤال "من أين لك هذا" على كل من تكسب بغير حق مستغلا أوضاع  البلاد التي كانت تعج بمخلفات و توابع الحرب و الفوضى،على أن تكون هذه الهيئة مستقلة مكونة من قضاه وقانونين ومحاسبين وخبراء مراجعة و متابعة و مراقبة مستمرة للذمم المالية للمسئولين العراقيين والموظفين العموميين وحتى المواطنين العاديين ممن اغتنوا بين ليلة وضحاها.

  ولا يخفى عليكم ستكون هذه مهمة شاقة ولكنها مطلوبة على الفور لتصحيح الخلل و الفساد و لإنقاذ  ما يمكن إنقاذه و لمحاسبة من بوسعنا الوصول لهم و ملاحقة الآخرين بالخارج، و بالطرق الدبلوماسية نستطيع  التعاون مع الأجهزة الرقابية في الدول الخارجية للحصول على الموقف المالي للذين هم خارج العراق و هو ما أعتقد أنه مفيد لاختبار جدية هذه الدول في موقفها من العراق الجديد و حكومته المنتخبة ، و إن لم تستطع الحكومه ذلك فهناك العديد من الطرق القانونية للحصول على هذه المعلومات،و بالحصول على هذه المعلومات نستطيع بحسبة بسيطة معرفة حجم الثراء المتحقق في فترة ما قبل الحرب و ما بعدها ،  وسؤالهم من أين لكم هذا، فإن اثبتوا طهارة مصادرها فخيرعلى خير "وأبوكم الله يرحمه" و إن لم يثبتوا شرعية الأموال فلسجن أبو غريب وبئس المصير  ومصادرة أموالهم أينما كانت.

 كما نشدد على استعادة أملاك الدولة والأرض والعقارات التي استولت عليها بعض الأحزاب و الحركات و الشخصيات و حتى الأفراد بعد سقوط صدام فهذه أموال الشعب العراقي وليست أموال صدام ،  وممتلكات البعث المنحل هي أموال الشعب وليست أموال "بنك العوجة"  لذلك يجب أن تعاد للدولة، وان أراد شخص  او حزب الاحتفاظ بها أو شرائها – بثمنها الحقيقي و ليس مبلغ أو إيجار رمزي - فليدفع ثمنها للخزينة العامة، و بديهي أن  الدولة غير ملزمة بإعطاء مقرات ومنازل للسياسيين ، و لو  كان  الحال كذلك فلتعامل الدولة الجميع سواسية وتعطي كل حزب ومنظمه مقر وبيت و سلاح للحراسة و سيارات الخ، وبحسبه بسيطة سنجد أن في العراق 18 محافظه وان العراق به مالا يقل عن 1000 حزب بينهم الحزب السياسي و الحزب العائلي وحزب المنشقين من الحزب الفلاني وحزب الزعلانين والمطرودين  و غير ذلك،و بذلك يصبح على الدولة أن توفر 18000 مقر لهذه الأحزاب  و إذا حسبنا قيمه كل مقر وتجهيزاته بمبلغ نصف مليون دولار سيكون المبلغ المطلوب 9 مليارات من  الدولارات !

9 مليار دولار ... هل تعلمون ياسادتي كم من مستشفى سيبنى وكم من مدرسه ستؤهل وكم من مريض  سيعالج وكم من امراه ستستر بهذا المبلغ ؟؟

 أكرر بالنهاية ثقتي في حكمة السيد الجعفري و حميته و حرصه على إعلاء الحق و ملاحقة الفساد و الفاسدين جميعا وبلا استثناء وعدم الصمت على هضم حقوق المساكين اقول له ياسيدي التاريخ يكتب مره واحده بحبر لا يمكن مسحه.

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com