مع صنوي كافكا

 

حزيران 2005

صالح الرزوق

كنت محروما من صحبة النساء لفترة طويلة . و قد رفضت صداقتي عدة سيدات صغيرات اعتقدت يوما أن لدي ما أقدمه لهن. طبعا كان إحساسي غامضا حيال هذا الموضوع. لم أكن على يقين ماذا أريد منهن على وجه التحديد . و لكن ذلك ، برأيي ، ليس بعيدا عن براءة أتصف بها إلى درجة الحمق أحيانا

في الواقع لا زلت أعاني من هذه المعضلة . لا أعرف كيف أتصرف حيال أنثى . و ربما لهذا السبب أميل إلى الانطواء على الذات ، و أجد التعويض دائما في القراءة و الكتابة .

لقد شاءت الأقدار أن أغترب لفترة من الزمن ، و أتوه في أزقة أوروبا ، من ستارو مياستي و حدائق بيت مدام كوري ( السيدة الذرية في بولندا ) ، و حتى متاهات أحياء سوهو اللندنية ، المصبوغة بالدم ، موطن جاك الخناق ، سفاح النساء الغامض .

و في هذا الجو الذي قوامه اغتراب وجودي ، اكتشفت صنوي كافكا.

لم يدلني أحد على مستر ( ك ) الذي كان مثلي دائم الترحال بين البلدان و اللغات و الثقافات ، دون أن يتحرر من القيود. في أية بنية مستويات لا يحق لها أن تقلع خارج الدائرة التي تتكون فيها . و هي غالبا ما تؤلف القطاع المعتم من النفس البشرية ، أو إن شئنا الدقة من الذات الكلية . إن النفس إذا تعددت أشكالها تتحول إلى نوع من ذات موضوعها هو بنيتها. لقد كان كافكا اختزاليا في مقاربة العالم ، و هو لا يستطيع أن ينظر إلى ما وراء عتبات المرحلة الروحية الخاصة به. لذلك تطابقت بصيرته الفردية مع الوجود الذي يفكر بنا.

بهذا الخصوص أظن أننا لم نزيف ( و على نحو تعسفي ) صورة كافكا فقط . لقد فعلنا هذا أيضا مع أستاذنا الجليل جورج سالم ، الظل التراجيدي و الوجودي لصدقي سماعيل على الأرض ، و سيد المغامرات الفاشلة.

لقد شئنا أن نعتقد أنه يسافر بعربة يجرها حصانان . أحدهما هو الرهان الخاسر على الخطيئة الأصلية . و الآخر بئر الفصول الأربعة  ، مهما تعاقبت تجد أنك داخل رؤيا ثابتة و مكتملة. و لكنه كان في حقيقة الأمر فارسا مغامرا تآمرت عليه أقداره

**

لقد انسحبت من معترك الذكورة الضروري في البحث عن مقومات أنوثة فانتازية ، و اكتفيت بفتح باب للحوار مع أطياف كافكا. و هذه كانت بالضرورة عنيدة و دونكيشوتية ، تجاه عالم تحددت أبعاده القصوى. و ذلك يتوازى عندي بأهميته مع بداهات التكوين الأول ، أو الحكمة من الخلق.

و إنني أعتقد الآن أن ما يعزى إلى كافكا من عصاب الحضارة هو مفروض عليه من الخارج. فقد كانت رحلته ( التي تسير على خطا سيرفانتس في المحاكاة المعكوسة ) ذات طابع بروميثيوسي و تراجيدي و ملحمي و فجائعي. لقد اختار طريق المواجهة مع مصيره  ، و مع مقومات عناصر أفكاره ، سيرورته الذهنية ، لا أسلوب الفرار من الواقع.

و لهذا السبب لم يزدهر بين جدران البيت العائلي ، و لم يفلح في إقامة علاقة مع أنثى ، هي المعادل الموضوعي فلسفيا لمفهوم الأسرة الآمنة.

إن كافكا هزم النيران التي كان يفترض أن تلتهم بعد وفاته أوراقه. لقد فر من تجربة الجحيم على الأرض.

و النصب التذكاري الذي أزيح عنه الستار في ساحة براغ عام 2004 هو إشعار آخر أن النار لم تهزم الروح.

 

**

عود على بدء .

أعترف لكم أن دائرة تأنيث الواقع قد قربتني من جحيمي الخاص. ألسنة نيران كان وقودها بين أضلاعي . و قد استمر ذلك لعدة سنوات مجدبة عاطفيا.

غير أن الأصدقاء الذين لم أتنازل عنهم ، و هذه إشارة إلى كافكا وصف آخر من الرواد تمردوا على القوانين الموضوعة و أبحروا في محيطات لا اسم لها ، ساعدوني على الاحتفاظ بمؤهلاتي الفطرية ، المحبة و الرغبة بالتواصل.

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com