مدرسة البعث لا تخرّج إلا أناس مجرمين..

 

احمد الخفاف / كاتب عراقي / هولندا

يبدو أن الإعلان عن استقالات مزعومة لديناصورات البعث السوري وبالأخص الحرس القديم وعلى رأسهم عبد الحليم خدام وما زُعم من صعود جيل شاب من البعثيين إلى سدة الحكم والسلطة في سوريا البعثية تدغدغ مشاعر وعقول فلول مثيلهم المنبوذين في العراق.. فلول البعث هذه بدأت اليوم تشعر بالحنين إلى النفايات الفكرية الماضية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي حكم الشعب العراقي بالحديد والنار مدة أربعين من الأعوام الماضية السوداء. وقد بدأت هذه الفلول تصدر الفتاوى حول تصنيفات بعثية جديدة وتتحدث عن أن هناك بعثي سيئ وبعثي آخر جيد.!!

 هذا الحنين إلى الماضي على الرغم من سقوط فكر حزب البعث النازي وقائده في قعر مزبلة التاريخ يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن زمر البعث التي سَلِمت من موجة الغضب العراقية بدأت تعلن جهارا عن حنينها لبعثيتها ولباسها الزيتوني وشواربها الغليظة وحديثها العنيف وخصالها الخسيسة وطبعها الغادر الجبان وصورتها الكريهة ومصطلحاتها القميئة.. لا شك أن البعض من أعضاء الخلايا البعثية النائمة قد استفاقت وأخذت تردد نغمة أن هناك بعثي خيّر وبعثي شرّير محاولين فتح الباب مجددا أمام أقذر حزب عرفه العراقيون وفسح المجال لشلة الإجرام أن تظهر على الساحة السياسية مرة أخرى في العراق الجديد.

 أن يتجرأ نفر من البعثيين الدفاع عن حزب البعث الدموي عبر نشر المقالات في الدكاكين البعثية على شبكة الإنترنت محاولين تحسين صورة الحزب الكريهة لدى الشعب العراقي ما هو إلا جهد منظم يستهدف تأهيل الحزب الدموي وإعادة الروح إليه.. إن هؤلاء يسعون من خلال استغلال هامش الحرية الفضفاض في العراق الجديد والتي منحهم إياها فضاء الحرية البعيد كل البعد عن مفاهيم الأحزاب الديكتاتورية ومبادئها السلطوية وممارساتها الإجرامية أن يطلوا برؤوسهم بين الفينة والأخرى ليشتموا القوى الوطنية ويخوّنوا المراجع الدينية وليخلطوا الأوراق وليزيدوا من معاناة الشعب العراقي ويضعوا العصي في دواليب النظام الفتي الجديد بالضبط كما كانوا يفعلون في بداية السبعينات عندما زحفوا على السلطة بالتهديد والقتل والوعيد.

 هؤلاء أكلة فتات موائد البعث الأوغاد عادوا ليدقوا الإسفين بين الصف الوطني الشيعي في محاولة قذرة منهم لشق عصا الشيعة وبث الفرقة بين أبناء المذهب الواحد وجعلهم يتناحرون بينهم.. هؤلاء الأنذال يثيرون الأطياف الشيعية بعضها ضد بعض بل السنة ضد الشيعة خدمة لأغراضهم المعروفة، فقد مارسوها في السبعينات والثمانينات وحققوا نجاحا باهرا فيها.. هؤلاء البعثيين يحاولون إثارة تيار السيد مقتدى الصدر وأبناءه ضد منظمة بدر وأنصارها.. يثيرون بسمومهم المفضوحة هذا على ذاك، ويحركون الأخ الشيعي على أخيه الآخر.. يحلمون أن تنطلق يوما حربا بين أبناء الطائفة الواحدة.. حرب شيعية شيعية شعواء ليتسنى لهم العودة تحت شعار أن الحكم إلا للبعث لإنقاذ البلاد..!! إنهم يسعون لخلط الأوراق تمهيدا لعودة أقرانهم البؤساء الى سدة الحكم عسى أن ترجع عجلة التاريخ إلى الوراء ولكن هيهات..

 عاد البعثيون إلى وتر الطائفية وعادوا مرة ثانية إلى تدوير اسطوانة المرجعية في حوزة النجف الأشرف والتي يسمونها تارة أجنبية وتارة أخرى فارسية ويضعونها بمواجهة المرجعية العربية وما يزعمون أنها مرجعية عراقية..!! هؤلاء البعثيين لا يعترفون أساسا بأي مرجعية دينية سواء كانت أجنبية أم عراقية.. ناطقة كانت أم صامتة.. شعبية كانت أن نخبوية.. فالمرجعية الدينية في قاموس حزب البعث هي جهات رجعية وليست تقدمية على شاكلة من يروجون اليوم لمبادئ حزب.. إن إحدى أهم أهداف قيام حزب العفن العربي الإشتراكي ومنذ تأسيسه المشؤوم كان محاربة الدين بكل مستوياته وشدته وأصوليته وبكل ما أوتي من قوة وللبعثيين تاريخ دموي طويل وحافل في قمع الحركات الإسلامية والجماعات الدينية الشيعية منها والسنية على حد سواء.

 إن حزب البعث حزب دموي فاشي فشلت تجربته في كل البلدان العربية بدأ من العراق وحتى موريتانيا.. إن حزب البعث هو حزب تآمري وجد للتآمر على الأمة العربية ومصالحها وكيانها وخطف الحكومات العربية من أيدي الوطنيين الحقيقيين.. فقد تآمر هذا الحزب في العراق ضد الوطنيين وتسلط على مقدرات الشعب عبر الدبابات والانقلابات الدموية وأراق دماء أبناء العراق الزكية.. تآمر الحزب ذاته في سوريا على الوطنيين وهيمن حتى يومنا هذا على بلاد الشام.. حزب البعث تآمر على المجتمع والدولة في كل من السودان وموريتانيا فطردوه من صفوفهم.. ونبذه الأردنيون.. وسخط عليه اللبنانيون.. وقلعه اليمنيون من بلادهم.. وداسه الخليجيون تحت أقدامهم.. وتقزم الحزب وقلع من الجذور في ليبيا.. وقتلوه في مصر الكنانة وهو في مهد الإجرام صبيا.. وقطع التونسيون رأسه.. ولعنه الجزائريون.. ومقته المغاربة.. وألقاه     الآخرون في مراحيضهم النتنة.. لم يبق للحزب أي تواجد إلا اللهم في عراق صدام حسين وسوريا الأسد.. أما في العراق فقد ورط الحزب وقادته العراق البلد الغني بالطاقات الجبارة في أقسى المحن وشتى أنواع الحروب الضروس أكلت الأخضر واليابس سالت منه أنهارا من الدماء فأقام صروح المقابر الجماعية وأهلك الحرث والنسل.. وكانت نتيجة سياسات حزب البعث وقيادته الخرقاء الهوجاء ما وصل إليه الوضع في يومنا هذا.. أما توأم البعث العراقي في سوريا فرأينا كيف أن مبادئ وشعارات الحزب الكاذبة كالوحدة والحرية والاشتراكية وأمة عربية واحدة تحولت إلى هياكل عظمية مهترئة.. فلا وحدة أقيمت بين القوى السياسية في سوريا ولا الحرية انتشرت ولا الاشتراكية تحققت.. بل تحول البلاد إلى إقطاعيات سياسية حزبية عائلية عشائرية صار الملك والحكم يدور بالتوارث من الأب إلى الابن ولا أحد يعير مبادئ حزب البعث أهمية لأن أصحابه يعرفون قبل غيرهم أنها دس وكذب، فالبعثيين جاؤا لنهب الثروات وليس لخدمة الشعوب..

 لا يعرف العراقيون من حزب البعث سوى الدماء والقتل والغدر وسحل المعارضين والإعدام والحروب والدمار والنهب والسلب وحكم العشيرة الواحدة والعائلة الواحدة.. إن كل محاولة لتحسين صورة حزب البعث المجرم لدى الشعب العراقي عقيمة وهي محاولة بائسة يشفق على عقلية القائمين عليها.. لقد افتضحت صورة هؤلاء الدجالين الذين يظنون أنهم بكلماتهم يستطيعون إعادة المشروعية ثانية إلى كلاب البعث الذين فعلوا الأفاعيل الخسيسة والجبانة ضد الشعب العراقي المظلوم. لقد بدا هؤلاء الفصح عما يجول في أنفسهم وبواطنهم وأخذوا يظهرون على حقيقتهم ويبرزون دواخلهم وسرائرهم من النوايا الشريرة الكامنة التي كانوا يخفونها ليوم حصادهم ويظن البؤساء أن يوم الحصاد قد أزلف واقترب..

 إن الترويج لبضاعة البعث الفاسدة عمل لن ينطلي على العراقيين الشرفاء مرة أخرى ولن يجد من يشتري بضاعة البعث المزجاة من بين الشعب العراقي حتى ولو أثاروا الناس بعضهم على بعض. فالعراقيين أدركوا بالقطع أن حزب البعث لم ولا يلد منه خيرا ولن يلد منه الا فاجرا كفارا..

 ليس هناك بعثي جيد وآخر سيئ لأن مبادئ حزب البعث تمثل الشر ذاته وهو الإجرام والغدر بعينه.. لقد تعلم العراقيون طيلة أربعة عقود من حكم البعث في العراق أن مفاهيم البعث ترتكز أساسا على الخيانة والغدر وسفك الدماء والخسة والنذالة والقتل ونهب أموال الآخرين.. إن حزب البعث ليس حزبا فكريا وطنيا وقوميا حتى يتبناه الوطنيون وينتمون إليه بل هو حزب قوامه عصابات الإجرام ومافيا التخريب يسعى للهيمنة على مقدرات البلدان وإذلال الشعوب أينما كان وكل ما يقال خلاف ذلك هو عين الدجل وكذب فاضح وعقم فكري واحتيال ونصب على الشعوب والعباد والهيمنة على مصائر البلاد. منذ متى كانت مدرسة البعث تخرج أناسا أسوياء جيدين يريدون الخير لعامة الشعب.. هل كان من يعتبر شعار "نفذ ثم ناقش" وبعدها ينفذ الجرائم بحق أخيه بعثي سوي وجيد..؟!

 إن البعثيين الذين يروجون لعصابات البعث على المواقع العراقية يريدون في الواقع جعل صوت البعث المبحوح المخنوق صوت طبيعي في المجتمع العراقي ساعين لتسويقه مرة أخرى وتأهيله في المجتمع السياسي متناسين أن الشعب العراقي ألقى حزب البعث ومكوناته وأفكاره وقيادته في مزبلة التاريخ ووضعه في قمامة المتحف العراقي بجانب القاذورات والنفايات والأوساخ ليكون مكانه الطبيعي هناك..

 إن شر الدواب عند العراقيين هو دواب البعث والبهائم البعثية التي ترعى اليوم على الأموال التي سرقتها عصابات البعث قبل سقوط الصنم جرذ العوجة الطاغية صدام.. فأي مستقبل بائس يروج له البعثيين لحزبهم الفاشي والذي أثبتت الأحداث أنه حزب لا يمارس الا الهمجية بحق الشعوب عندما يتسلطون عليها..

إن العصائر الفكرية والممارساتية لحزب البعث في العراق طيلة عقود أربعة من الزمن الموبوء من حكمه المشئوم كانت كلها حمراء بلون الدم القاني ويأتي اليوم بعض من شذاذ الآفاق من يريد أن يقنعنا أن هناك بعثي جيد وآخر سيئ ويقسم المرجعيات الدينية إلى أقسام تشتهيه نفسه المريضة ويصنف المقاومة بأن هناك مقاومة شريفة وأخرى غير شريفة.. وبعثى صدامي وبعثي غير صدامي.. وموال لعزت الدوري فهو بعثي سيئ ويسيئ للمقاومة!! وموال للقيادة الجديدة فهو بعثي جيد..! وما إلى ذلك من سكرات آخر الليل.

 لقد أعلنت الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي بكل طوائفها العرب والأكراد والتركمان وسائر الأعراق وكذلك كافة المذاهب الشيعة والسنة والمسلم والمسيحي براءتها القاطعة من حزب البعث ومبادئه وأسسه وأركانه وقيادته الساقطة والتي تحاول الآن أن تحبو ومن كل أمر يرتبط بحزب الغدر والخيانة ويتبرأ من كل عاة أخرق يروج لعصابات البعث النازية ليمنح المشروعية لطاعون العراق الذي أزيل من صدر العراق في عملية جراحية راقية في التاسع من نيسان وإن من يرى غير ذلك فهو شاذ عن الشعب العراقي الأبي وسيحاسَب أمام الضمير الوطني.

 إن من يريد إرجاع عقارب الساعة في العراق إلى الوراء هو واهم وسائر وراء سراب يحسبه الضمآن ماء.. يخطأ من يرى أن بضع مقالات هنا أو هناك يستطيع من خلالها محو الجرائم المهولة التي ارتكبها حزب البعث من ذاكرة العراقيين.. واهم من يرى أنه يستطيع أن يعيد الحياة إلى جثة البعث الهامدة المتفسخة والتي تقيأ عليها البعثيون أنفسهم قبل غيرهم عندما ضرب رجل العراق الأسطوري أبو تحسين بنعاله الشريف على وجه قائد البعث ورمز البعثيين جرذ العوجة صدام حسين يوم التاسع من نيسان يوم انهيار قلعة البعث في أرض الرافدين العريق.

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com