تعلقت بالفجر أكثر
موسى حوامدة
الجريمة البشعة , الجريمة ذات
الرائحة النتنة ,الجريمة التي تكشف العطب الذي يقيم في الروح العربية , تلك
الجريمة تتكرر بشكل وآخر , حدثت مرة بينما كنت صغيرا وأتابع جريدة الفجر التي
تصدر في القدس في السبعينات , كنت أعشق رائحة الحبر وأحب لون الصفحة الاولى
وأمسك الجريدة كأنني أمسك يد محبوبة ضائعة , وشاء القدر أن أرى اسمي أول مرة
مطبوعا في تلك الجريدة , فتعلقت بالفجر اكثر , كان للإسم طعم ونكهة جميلة ,
تذكرني بالفدائيين الذين كانوا يحملون سلاحهم ملثمين وهم يعبرون الحدود ,
ويزحفون حاملين الفجر ورايات النصر , صورة رومانسية لكن هكذا كانت أحلام
الطفولة التي تكسرت فيما بعد .
ولم أعرف ما الذي جرى لرئيس تحرير تلك الجريدة يوسف نصري نصر , الذي كان يكتب
على الصفحة الاخيرة مقالات جريئة وناقدة , قرأت فيما بعد أنه خطف , وظلت
الجريدة تكتب عن اختفائه وفهمت أنه قتل لأنه كتب عن شخصية فلسطينية معروفة ,
وحتى اليوم لم يعرف المجرم الحقيقي الذي قتل ( نصر ) وعلق فردتي حذائه في عنقه
, ولكن عرفت بيني وبين نفسي أن مهنة الصحفي وظيفة خطيرة وقاتلة ومميتة, صار اسم
الصحفي عندي مقرونا بالخطف لأنه يقول الكلمة الحرة والجريئة وبينما شاء الحظ أن
أنخرط في هذه المهنة شاءت المصيبة أن احتفظ في نفسي بهلع شديد تجاه حرية الكلمة
التي يخافها العالم العربي خوفا شديدا ويكرهها الناس في بلادنا قبل السياسيين .
سليم اللوزي مات بعد أن تم تعذيبه , وحرق أصابعه بالأسيد , حنا مقبل تم اغتياله
في قبرص , ميشيل النمري , منصور الكيخيا , والقائمة لم تتوقف ياغتيال سمير قصير
في بيروت , ولا بتعذيب ضيف الغزال في بنغازي , ومطاردة الصحفيين في مصر
والسودان والصومال وليبيا والجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا والعراق ولبنان
وسوريا والسعودية وقطر والبحرين واليمن وفلسطين والأردن وكل دولة عربية بلا
استثناء .
صحيح أنها في بعض البلدان تبدو بكل بشاعة وبلا ديكور لكن الصحيح أيضا أنها تجري
في كل بلد عربي وبشتى السبل والوسائل بهدف وحيد وهو حنق الرأي الآخر والمخالف .
وإذا كانت تبدو عنيفة واضحة في بلد فإنها تبدو خبيثة وبأساليب متعددة في بلدان
أخرى , تستطيع تمويت الصحفي وتحنيطه وخنق قلمه وإسكات صوته للأبد . فماذا ذنب
ضيف الغزال لكي يعذب وتقطع يديه وأصابعه ثم يرمى ميتا في الشارع؟؟
ألأنه رفض سياسة السلطة في بلده ورفض أن يكون في جوقة المهللين بحمد نظام بلده
؟؟ هل يجب أن نكون جميعنا قطيعا من المنافقين المدجنين والمنافحين عن الأنظمة
التي لا تقيم وزنا للإنسان قبل الصحفي والكاتب والمثقف !
وبعد ذلك يسألونك ولماذا تطالبنا أمريكا بالإصلاحات , سأقولها بجرأة إن امريكا
مقصرة تماما في هذا المجال فهي تطالب بخجل وحين يتعلق الأمر بمصالحها تسكت هي
الأخرى وتنافق وسأكون أكثر جرأة وأقول إن الإصلاح تعبير جديد عن الإنقلاب
العسكري لكنه صار ضروريا للخلاص من أطنان العفن والقهر , وأنا مع امريكا في هذا
الطلب بالتحديد حتى يأتي من يكون أكثر تشددا منها في هذا المجال .
.
|