البطالة في العراق

 

 

المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة

s_i_kubba@yahoo.com

 

 من الضروري ربط خطط التنمية والاعمار واستراتيجية معالجة الفقر والبطالة بفرص احترام حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية الحقة للشعب في بلورة السياسات ، وعملية اتخاذ القرارات ...ولسوء الحظ لم تكن هذه وليست هي اليوم جزء من النهج الحكومي. وفي الواقع لا يمكن معالجة الفقر والمعضلات الاجتماعية الأخرى دون معالجة المسببات. وفي العراق كان الافتقار الى الحكمة السياسية والمضي قدما في القمع والاضطهاد والسياسة اللاديمقراطية واللاانسانية من قبل الدكتاتورية البائدة من جهة ، والحظر الاقتصادي المنهك المستمر من جهة أخرى .. كانا قد حجما الجهد المبذول لتقليص المعاناة الإنسانية ودفعا بالوضع الاجتما- اقتصادي من سيء الى اسوأ! وتسببت السياسة الاقتصادية التي أنتهجها النظام الدكتاتوري على تعميق معاناة الشعب... وفشلت السلطات العراقية - كما أكد مسؤولو الامم المتحدة - مرارا في تلبية الاحتياجات الأساسية في ميادين الصحة، التعليم، المياه الصالحة للشرب، الصرف الصحي، والصناعة النفطية ، وكان الاستثناء الوحيد الإيرادات الغذائية . وأشاروا الى ان استثمارات القطاعات أعلاه بلغت إجماليا سبع ما خصص لها أصلا . وهذا يثبت بوضوح ان النظام لم يتصرف بمسؤولية فحسب ، بل وظف معاناة الشعب وتدني مستوياته المعيشية للأغراض السياسية.

 

· التدهور المريع بالارقام

 وقد أغلقت العديد من المصانع والمنشآت الصناعية أبوابها قبل تاريخ التاسع من نيسان 2003 بحكم التدهور المريع المستمر في الأوضاع الصحية والاجتماعية وعموم الأوضاع المعيشية بسبب العقوبات الاقتصادية اللاانسانية وسياسات القمع والانتهاك الفظ لحقوق الإنسان الأساسية ... فإغلقت العديد من المصانع والمعامل والورش ابوابها والتي قدر عددها عام 1990 ب( 59413) وحدة صناعية ليصبح العدد الإجمالي (30) ألف عام 1994 و( 17500) سنة 2001 . تزامن ذلك مع سياسة الخصخصة الموجهة للقطاع العام والنتائج السلبية المباشرة على مستلزمات وشروط العمل وعرقلة وتخريب الدورة الإنتاجية الاقتصادية السلمية.وغطى الإنتاج الوطني- المحلي - 20% فقط من الطلب الداخلي على السلع للمستهلكين، وارتفعت البطالة الى مستويات 60% من اجمالي القوة العاملة بينما هبط صافي الدخل القومي الى ثلث ما كان عليه عام 1990 ... وخططت وزارة الشؤون الاجتماعية عام 2000 فقط لتشغيل (150) ألف شاب في الخدمات والوظائف الحكومية لكنها لم تفلح حتى نهاية العام في تشغيل سوى (20) الف أي 13.5%من السقف المخطط. وارتفعت معدلات البطالة الى مستويات عالية خاصة بين الذكور. ومع الهبوط الحاد لقيمة الرواتب ( بلغ معدل الدخل الشهري (3) مليارات فقط) ترك العديد من العراقيين أعمالهم الأصلية لينخرطوا في النشاط الواسع غير الإنتاجي ودفع المتخصصين والمتعلمين للهجرة. وعكس هذا الوضع آثاره على التدهور في مستويات البطالة في البلاد، وخاصة بين الشباب، وكان احد عوامل ازدياد الهجرة الى خارج البلاد. ولم يسع النظام إتباع سياسة تقليص معدلات البطالة ولا تنفيذ خطط التأهيل والتدريب اللازمة.

 مستويات الفقر في السنوات الخمس الأخيرة قبل سقوط الطاغية لم يطرأ عليها أي تغيير . واستنادا الى تقارير الامم المتحدة فان ما يقارب (4) ملايين مواطن عاشوا دون المستوى المحدد عالميا. وقد تواجد (70- 80) % من ابناء الشعب دون مستوى الفقر المحدد عالميا، بينما أمتلك العراق احد اكبر معدلات النمو السكاني 3.2% رغم الوضع الاقتصادي المتدهور للشعب... كما انخفض الإنتاج الزراعي وترك الفلاحون أراضيهم.. وارتباطا بالمعدلات العالية للبطالة، والأسعار المرتفعة، والتضخم الواسع ( أكثر من 7000%) وانعدام السياسة الحكومية اللازمة لمعالجة الفقر بلغت معدلات الفقر في بلادنا مستويات كارثية لقطاعات عريضة من الشعب العراقي. واعتمدت الغالبية العظمى من أبناء الشعب على الحصة التموينية الشهرية لبرنامج النفط مقابل الغذاء.

 شهدت الأعوام المتأخرة مساهمة متزايدة من النساء في قوة العمل بسبب من الصعوبات الاقتصادية التي عانت منها معظم العوائل والحاجة الماسة لمزيد من الدخل. رواتب النساء هي الأقل وأفتقرن لعقود العمل المماثلة والضمان الاجتماعي... بالنتيجة خضعت المرأة للاستغلال المزدوج في المجتمع والمنزل.وتقدمت ببطأ مساهمة النساء في الحياة السياسية والاجتماعية. وانعدمت سياسات وبرامج رعاية النساء وإكسابهم الدور اللائق في عملية التقدم الاجتماعي او الاهتمام بهم على قاعدة من المساواة العامة.

 الى ذلك وسعت السلطات الحاكمة من الضغط على غالبية الشعب وخاصة أصحاب الدخل الواطىء والمتوسط بإصدارها المراسيم والتعليمات التي رفعت بموجبها الضرائب على الكهرباء والماء وعموم الخدمات الاجتماعية.ولأول مرة في العراق يعمل التعليم على قاعدة الربحية، ويحظر التعليم المجاني الحر عبر الرسوم التعجيزية على كل المستويات ابتداءا من الكليات وحتى المدارس المسائية ... وبينما كانت الكتب والقرطاسية توزع مجانا أصبح على الطلبة دفع ثمنها. وشكلت المصاريف الجديدة عبئا ثقيلا على أكتاف الفقراء والمعدمين!...هكذا وببساطة خلق الدكتاتور الاجرب الارتفاع في الأسعار والهبوط في القيمة التبادلية للعملة العراقية والانخفاض في الدخل والرواتب، وسبب التدهور الاقتصادي والفقر في الغذاء والرعاية الطبية مزيدا من الوفيات بين المسنين والأطفال.

 

· البرنامج السياسي لحكومة الجعفري والنتفة التجميلية

 يعتبر التاسع من نيسان عام 2003 عيدا وطنيا لأنه شهد سقوط أعتى الدكتاتوريات في الشرق الأوسط الا انه ليس العيد الوطني الوحيد في العراق . جوهر مفارقتنا أن هذا التاريخ شهد ايضا دخول القوات الأميركية العاصمة العراقية والشروع بالاحتلال المباشر لتمر البلاد بالمرحلة الاستثنائية - الانتقالية او الكارثة الوطنية بعينها. لم يسقط النظام ولكن ايضا سقطت الدولة وانهارت، وادى فقدان الحكم الى اعطاء سلطات كبيرة الى المحتلين رغم تأسيس مجلس الحكم وتشكيل الحكومة المؤقتة ورفع العقوبات الأقتصادية واجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الانتقالية والجمعية الوطنية والشروع بصياغة الدستور الدائم . ومجد القرار 1483 للأمم المتحدة سلطات الاحتلال وأكد على الدور الاستشاري فقط للعراقيين والسلطات الكاملة للمحتلين. واقرت قرارات الأمم المتحدة 1500 ،1511 بمجلس الحكم العراقي، وبسلطات الاحتلال الأميركي التي هي فوق كل اعتبار.والقرارات 1483،1500،1511 بالنهاية هي مشاريع اميركية - بريطانية‍ ‍‍‍! لقد حطم صدام حسين شعبه والمدنيين العراقيين العزل باسم (مقاومة الأحتلال) التي لم تستهدف الأحتلال بقدر مااستهدفت الشعب العراقي باطيافه... وفشلت السلطات العراقية الجديدة هي ايضا كما يؤكد مسؤولو الامم المتحدة في تلبية الاحتياجات الأساسية في ميادين الصحة، التعليم، المياه الصالحة للشرب،الكهرباء ، الصرف الصحي، والصناعة النفطية.. وساهمت مرجعيات اقتصاد التساقط بالتهاون في معالجة ملفات الأمن والإرهاب الأصولي وغيره ، وفي نشر ثقافة المناسف ومحاولة غسل ذاكرة الشعب العراقي الوطنية ، وفي تكريس الفساد والافساد منهجا بحكم تقاطع مصالح الشرائح الطبقية الفاسدة مع الولاءات الرجعية والجهد لشرب كؤوس نتانة الاقتصاديات المريضة للبلدان المجاورة . واتسم البرنامج السياسي لحكومة الجعفري الموقرة للمرحلة المقبلة الذي عرضه امام الجمعية الوطنية بالضبابية والنفعية والتخبط واللاهوتية وطغيان الخجل البورجوازي الامر الذي يؤكد تمثيله المصالح الطبقية لتجار العراق بتفاني... ولا غرابة ان لا يتضمن البرنامج سوى نتفة تجميلية عن معالجة البطالة " ستعمل الحكومة على مكافحة البطالة من خلال ايجاد فرص العمل للعاطلين القادرين على العمل، وفق نظام الضمان الاجتماعي "!!.

 تعاني بلادنا الغنية بالنفط والتي تحتل المركز الأكبر الثاني في العالم من حيث الاحتياطي النفطي ( ويضعها بعض الخبراء في المركز الأول إذا أخذت بنظر الاعتبار الاكتشافات النفطية الجديدة ) .. تعاني اليوم من الارتفاع اللامعقول في معدلات البطالة ، سوء التغذية ، الفقر ، الاستعصاء في توفير الخدمات الاساسية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي وبقية الخدمات الصحية والاجتماعية.. تجاوزت هذه المستويات معدلاتها الكارثية ابان العهد الاغبر رغم مضي عامان على اندحار الصدامية والفكر القومي البائس ...ليعاني ربع اطفال العراق من سوء التغذية الحاد ،ولتبلغ احتمالية الوفاة قبل سن الاربعين لمواليد اعوام(2000- 2004) 3 اضعاف معدلاتها في بلدان الجوار،ولتستمر معاناة ثلاثة ارباع العوائل العراقية من انقطاعات التيار الكهربائي ومعاناة 40% من العوائل العراقية في المدن من مياه المجاري التي تغمر شوارعها وافتقار 722 الف عائلة عراقية لمياه الشرب واسالة الماء . وفي بغداد وحدها تعاني 92% من الدور السكنية من انقطاعات التيار الكهربائي ... بينما يعاني 70% من الريف العراقي من توفير المياه الصالحة للشرب.

 وصل معدل البطالة بين الشباب المتعلمين وحدهم عام 2005 ال37% ،وال33.5% بين الاطفال دون السن الخامسة عشرة !! ( 39% من ابناء الشعب دون السن الخامسة عشرة).. وازدادت معدلات عمل الأطفال وتورطهم بالجرائم... خاصة الجرائم المنظمة والأعمال اللااخلاقية ( JUVENILE DELINGUENCY ) والارهاب. وينتشر البغاء بين الشباب من الجنسين وتتفكك الحياة العائلية ويتهشم النسيج الاجتماعي.وبينما يستلم افقر 20% من العوائل العراقية 7% من اجمالي دخلها فان اغنى 20% يستلم 44% من الدخل ... وهذا التباين في ازدياد متسارع ليتعمق الاستقطاب الاجتماعي ويصل مدياته القصوى مع استمرار الاحتلال والنهج الحكومي في السياسات الانتقائية العشوائية التي لا تنسجم مع حاجات ومتطلبات المجتمع والمواطنين ،وسياسة خصخصة القطاع العام وتخريب الدورة الاقتصادية السلمية ، وضعف وانعدام الرقابة الحكومية واللامبالاة من قبل الموظفين الحكوميين في تلمس المصاعب الحقيقية التي يعاني منها الشعب، وانتشار مظاهر الفساد وسرقة المال العام والرشوة والولاءات اللاوطنية ، وفوضى السوق(Chaotic Market) وتأثيراتها السلبية على عموم المواطنين . ولم تشهد أعوام (2003- 2005) أية خطوة تغيير ملموسة في السياسة، كما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الفقر والسير على مسار محدد للتنمية الاجتماعية يقلل من مآسي الشعب بل انشغلت الحكومات بالمغانم السياسية ...

 

· المواجهة العقلانية – العلمانية للبطالة

 يشكل عنصر العمل بمستوياته المختلفة ، أهم عناصر الإنتاج ، باعتباره العنصر القادر على تحقيق التفاعل بين باقي عناصر الإنتاج لخلق الإنتاج السلعي والخدمي. وقوة العمل هي الشرط الضروري لتحقيق الاعمار والتنمية الاقتصادية والتقدم الشامل في أية دولة. وعمل وتعطل قوة العمل ذوأبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية ، بينما تشكل إنتاجيتها العامل المحدد الرئيسي للقدرة التنافسية لأي اقتصاد .وتتحدد الانتاجية بمستواها التعليمي والمهاري وبمدى حداثة الفن الإنتاجي الذي تعمل في إطاره وبالذات مدى حداثة الآلات التي تستخدمها ومدى كفاءة النظام الإداري ومدى تطور البنية الأساسية والخدمات المساعدة. وتتزايد الوطأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبطالة، كلما تركزت في المتعلمين وفي الفئات العمرية التي تندرج تحت تصنيف الشباب، حيث تكون الطاقة المهدرة من عنصر العمل أكثر كفاءة وقدرة على العمل، كما أن حيويتها السياسية تكون أعلى ويكون استعداد هذه الفئات للعنف السياسي والجنائي أعلى بحكم السن الصغيرة والخبرة الحياتية المحدودة والإحباط الشديد الذي تولده حالة التعطل التي تصدم كل طموحات التحقق للشباب، بعنف وبلا هوادة.... فضلا عما تخلقه من نقمة من جانب الشباب المتعطلين تجاه الدولة المقصرة في حقهم وتجاه المجتمع عموما، وأحيانا، تجاه الطبقة العليا من رجال الأعمال الذين ينظر إليهم الكثيرون على أنهم يملكون الكثير وتقدم لهم الدولة الكثير في الوقت الذي لا يقومون فيه بدور مؤثر في تشغيل الاقتصاد وخلق فرص العمل.

 العاطلون عن العمل هم المؤهلون للعمل والقادرون على العمل والذين يطلبون العمل ولا يجدون عملا.. ارتفاع معدلات البطالة في العراق يعنى أن العاطلين يتحولون إلى عالة على أسرهم،وبالتالي شيوع الاضطرابات الأسرية والصراعات على الميراث والتزايد في مستوى العنف والجريمة في ظل البطالة وعدم وجود دخل متجدد لعدد كبير من أبناء المجتمع، وهم في سن الشباب. تنشأ الشبيبة العراقية اليوم في بيئة وصل فيها الفساد أوجه على مختلف الأصعدة وفي مختلف المجالات . إن أعداد كثيرة منها محرومة من مكان تحت شمس الوطن الذي يضمن لهم الكرامة والشعور بالصفة الإنسانية ويمكنهم من تصور الغد المشرق. وشباب اليوم يعيش في بيت لا يخلو من عاطل واحد على أقل تقدير من حاملي الشهادات، وفي شارع يقبع فيه شباب أنهوا دراستهم ولم يجدوا عملا، وفي مدرسة وجامعة أضحت آلية من آليات تخريج المهمشين والمقصيين من دائرة الإنتاج والمساهمة في بناء مستقبل البلاد، وفي مجتمع لا يضمن الشعور بالمواطنة الكاملة غير المنقوصة. أعداد كثيرة من الشباب تعاني الإحباط تلو الإحباط ويحكم عليها بالتهميش.و تعنى بطالة الشباب المتعلمين أن هناك إهدارا للأموال التي أنفقت على تعليمهم، وإهدارا أكثر ضررا لعنصر العمل الذي يشكل أهم عنصر من عناصر الإنتاج . وتفتقد الحكومة الانتقالية الى برامج مواجهة البطالة والتزامها بتعيين الخريجين الجدد والتحكم الايجابي بعدد الداخلين الجدد لسوق العمل. ولازال دور القطاعات الخاصة والاهلية والتعاونية في هذا المضمار ضعيفا لتواضع طاقتها على التشغيل في ظل الظروف الراهنة . اما التشغيل الحكومي بالمرتبات المتدنية للغايــــة، فلا يعنى سوى تكديس المزيد من البطالــــة المقنعة المعطلة للأعـمــال والمشوهــــــة لمستوى إنتاجية العمالة. ويتراجع البعض عن التقدم للتوظيف بسبب ضعف المرتبات التي قد تقل في بعض الأحيان عن نفقات الانتقال والترتيبات الحياتية اللازمة لشغل الوظيفة، أو بسبب اليأس من إمكانية الحصول على هذه الوظيفة أصلا في ظل محدودية فرص العمل التي أعلنت عنها الحكومة مقارنة بعدد المتقدمين لها، أو بسبب التصور بأن الواسطة سوف تقوم بدور مهم في تحديد من يشغل الوظائف المعروضة، وبالتالي فإن من ليس له واسطة يتنحى عن التقدم للوظيفة... او بسبب الترهل البيروقراطي وبقاء الطلبات فوق الرفوف العالية للتعجرف الحكومي الطائفي اللاوطني . وتبقى البرامج الحكومية حول التدريب التحويلي للخريجين على الحرف المختلفة إهدارا لكل ما أنفق على تعليمهم وتدريبهم على حرف لا تحتاج لأي تعليم. هذا فضلا عن أن هذا التدريب لا يعنى تحقيق التشغيل للمتدربين لأن ذلك يتوقف على حاجة سوق العمل، وعلى فرص العمل المتاحة فعليا في القطاعات التي تم تدريبهم للعمل فيها. معدل البطالة في العراق يواصل الارتفاع والبيانات ما زالت مضطربة .

 يعتبر المستوى العلمي لقوة العمل مؤشرا على مستواها المهاري وإنتاجيتها، ومؤشرا على حدود قدرتها على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة. فى هذا الصدد يعتبر التكوين العلمي والمهاري لقوة العمل العراقية متدنيا إلى حد كبير ويحتاج لتطوير حقيقي في التعليم والتدريب سواء لرفع إنتاجية قوة العمل في الوحدات الاقتصادية القائمة فعلا، أو لتأهيلها للتعامل مع تقنيات أكثر حداثة في المجالات عالية التقنية.

 لم تزل قضية البطالة هى الكابوس المزمن الذى يعانى منه المواطنين من كل التخصصات. ولا يحلو للمسؤولين سوى تحميل الأسباب وكذلك الحلول على المواطنين....مثل اتكال الباحثين عن عمل على الوظائف الحكومية، وانخفاض كفاءتهم ومهاراتهم، وافتقاد روح الإبداع الخلاق لديهم في أعمال من نوع جديد بخلاف الوظائف، وضرورة اتجاه الشباب لأنواع حديثة من العمل خارج المدن وسبر غور المجالات الجديدة بجرأة ... الخ. وبذلك تضع الدولة قضية البطالة في صورة أنها قضية تجرى خارجها ولا صلة لسياستها الاقتصادية أو الاجتماعية بخلقها أو زيادتها، وأن دورها ينحصر في المساعدة على حلها والمساعدة في خلق فرص عمل متطورة للشباب الواعد المتحمس فقط... وترجع أسباب فشل المشروعات المتناهية الصغر إلى عدم الجدية، عدم الكفاءة، عدم الخبرة بالسوق، ... إلى آخره من العدميات التى تلقى بالمسؤولية مرة أخرى على الأفراد وليس على الأداء الاقتصادى للمجتمع الذى هى تديره وتكيفه. نلاحظ عدم وجود بدائل حقيقية لدى الحكومة العراقية.

 إلى جانب ذلك تستمر الدولة في التخطيط للخصخصة وبيع الشركات الصناعية الكبيرة والكثيفة العمالة وتحويلها إلى كيانات صغيرة بعد تصفية أعداد كبيرة من العمالة المنتجة وتباع للمستثمر العراقي أو الأجنبي الذين يقوم بالمزيد من التسريح للعاملين للحصول على أكبر أرباح ممكنة. لا يتم النظر للعاطلين من زاوية أنهم قوة اجتماعية بإمكانها الإنتاج ولكنها معطلة رغم إرادتها. ولا ترى الحكومة الخلل في توجهاتها الاقتصادية التى تعيد إنتاج البطالة. حيث يتم النمو باتجاه القطاعات غير المنتجة مثل الخدمات والسياحة والتجارة والقطاع المالى والاتصالات والمعلومات في مقابل ضعف الاستثمار في القطاعات الإنتاجية .

 اما القطاع الخاص العراقي فلازال ذو نهج ضيق قائم على جنى أكبر الأرباح بأكبر ساعات من العمل مقابل دفع أقل الأجور لأقل عدد من العمالة في ظل انعدام القوى النقابية للضغط وانتزاع حقوق العاملين بهذا القطاع. ويساهم القطاع الخاص في إعادة إنتاج البطالة عن طريق تشغيل عمالة الأطفال أو استبدال المؤهلات العليا بالفنيين ذوى الأجور الأقل.... وبإطالة عدد ساعات العمل لنفس عدد العاملين فإنه يساهم فى زيادة أعداد العاطلين. وتفتقد المنشآت الصغيرة والمتوسطة الى وجود إدارات الجودة والبحوث والتطوير التى يمكن للبعض من التخصصات المهنية الاشتغال فيها بالإضافة لكونها ضرورية لنقل هذه الصناعات إلى مستوى المنافسة العالمية وتطويرها إلى منشآت أكبر.

 من الضروري تدقيق البيانات للوقوف على الوضع الحقيقي لحجم ومعدل البطالة في بلادنا كأساس لأي خطة حقيقية لمواجهة البطالة في العراق... والتركيز على القطاعين : الاهلي والعام لخلق الوظائف الحقيقية ، وتغيير السياسة المصرفية لتنحاز لصغار ومتوسطي المقترضين من القطاع الاهلي والمعنى بإقامة المشروعات الصغيرة بصفة عامة والصناعية بصفة خاصة، بما يعنيه ذلك من اتباع سياسة نقدية تتيح تخفيض سعر الإقراض، وتقديم ميزات مالية ونقدية لهم بالارتباط مع تشغيلهم للعمالة، مع رعاية هذه المشروعات من خلال بناء حضانات وطنية حقيقية للمشروعات الصغيرة تسهم في عمل دراسة جدوى لكل منها وفى التنسيق بينها وفى ضمان التسويق طويل الأجل لها بربطها بمشروعات عملاقة أو بضمان التصدير ومراقبة مواصفات منتجاتها.... وإعادة هيكلة الإنفاق العام من أجل خلق فرص عمل حقيقية ومستمرة في مشروعات إنتاجية دون الخضوع لأي ابتزاز آيديولوجي حول ضرورة انسحاب الدولة من النشاط الاقتصادي المباشر.

 ويلاحظ قصور نقابي لمعالجة البطالة وهو لا يفقه تبني مطلب بدل البطالة، حيث أنه حق يجب للدولة دفعه للباحثين عن العمل من الجنسين والدفاع عن كسب هذا المطلب ، والتدخل النقابى لحماية العاملين من التصفية ضمن مشروعات الخصخصة في شركات الحكومة، وقطاع الأعمال، وكذلك الفصل التعسفى في القطاع الخاص ، وتبنى برامج لحل قضية البطالة منها ما يمكن تحقيقه حاليا، ومنها ما يرتبط بإجراء تغييرات في هيكل الاقتصاد العراقي على المدى البعيد ليرتكز على القطاعات الإنتاجية التى وحدها يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من العمالة، وتبني مقاومة التمييز الصارخ ضد المرأة العاملة الذي يبشر به بعض رجال الدين في العراق ممن يريدون حبس المرأة في سجن أسود وفرض قواعد وضعية لم تعد مقبولة في القرن الحادي والعشرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com