البعث عاريا حتى من ورقة التوت

وداد فاخر / النمسا

widad.fakhir@chello.at

 

الفكر الفاشي الانقلابي الدخيل على العراق، المسمى بفكر البعث، لم يجد تربة صالحة له في بداية نقله كما ينقل أي فيروس مرضي في العراق . فقد حدث وفي غفلة من الزمن استيراد ذلك الفكر الفاشي الدموي بغية إنباته في مهبط الرسل والأنبياء، لكن كعادة أي جسم حي فقد رفض الجسم العراقي الجسم الغريب، وظل مقتصرا على بضعة أفراد معدودين على الأصابع، بحيث أطلق عليهم في جبهة عام 1954 الانتخابية بجماعة البعث، وليس حزب البعث . لكن لظروف سياسية تطلبتها مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 الوطنية، وهلع القيادة المصرية من وجود منافس لها في المنطقة العربية، وطمع القيادة المصرية في الاستحواذ على نفط العراق، دعا جمال عبد الناصر إلى رمي كل ثقله خلف عصابات حديثة التكوين، لا ترعوي عن اقتراف أي جريمة مهما كان نوعه، مدعومة من قبل سياسة دولية عامة كانت ترى فيهم المنفذ الحقيقي لسياستها في المنطقة أيام الحرب الباردة. لذا بدأ هناك تعاون قوماني – رجعي – ديني –  لدعم تلك الشراذم المجرمة الممثلة بشقاوات، وسفلة من سقط المتاع ممن لفظهم المجتمع العراقي، أمثال (سكنْ) سيارة في كراج خانقين، وساقط خلقيا، ومجرم بالفطرة، مثل صدام حسين،  وأولاد طبرة، والشكرة، وجبار كردي، وغيرهم من حثالة الشعب العراقي ليقوموا وبدعم مصري، وبأموال خليجية، تحملت الكويت الجزء الأكبر منها، بالانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963 على حكومة الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم، بعد سلسلة غير ناجحة من المؤامرات الدموية قادها ضباط قوميون، انحدر اغلبهم من عوائل مستعربة تمسكت بالفكر القومي الشوفيني بديلا عن فكرها التركي الطوراني الشوفيني الأصيل الذي انحدرت منه .

لذلك فليس من المستغرب أن يعود البعث مرة أخرى في 17 – 30 تموز 1968 بعد أن انقلب عليه في 18 تشرين 1963 حليفه الرئيسي عبد السلام عارف، الذي يحمل نفس الفكر الشوفيني المعادي لكل ما هو خير في الدنيا . وقد عاد البعث مغلفا بورق سليفون مورد، بحيث انطلق خلفه وبدون وعي ضحاياه السابقين ممن جز رقابهم في 8 شباط الأسود 1963، وكان هذا التصرف احد العوامل الرئيسية في تماسك سلطة رجال القرية القادمين من خلف التاريخ، بإعطائهم صك تزكية لا زالت آثاره تتفاعل حتى يومنا هذا ويتحمل كل من زكى نظام البعث ووقع صك (أم الكبائر) في العام 1973، وأقصد بها هنا ما سمي في حينها بـ (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية)، وزر كل ما حصل من جرائم بحق الشعب العراقي، ويتطلب العرف والقانون محاكمته، وتجريمه للفعل المشين الذي خرب وطنا وشرد شعبا باسم (التحالف الجبهوي مع البرجوازية الوطنية)، وانصياعهم لكل مطالب البعث في كونه الحزب القائد، فكان ذلك من اكبر المهازل في التاريخ الحديث أن تنقلب النظرية رأسا على عقب وتكون البرجوازية الوطنية هي الحزب القائد بدل حزب الطبقة العاملة، ويقود حزبها الفاشي جماهير العمال والفلاحين !!! .

......

وما جرى من جرائم من قبل البعث الفاشي لهو ممارسة عادية لعصابة تحولت إلى طبيعتها الأصلية التي انطلقت منها (جماعة البعث) كما أطلق عليها في العام 1954، ولم يكن صدام حسين، أو طارق عزيز، أو على كيمياوي، أو متخلف وأمي مثل حسين كامل وآخرين لا عد لهم ولا حصر، أو أي من أفراد العصابة العفلقية هو نشاز لحالة غريبة اسمه(البعث)، بل هو نتاج ذلك الفكر الشوفيني الإرهابي الذي روج له شخصية مهزوزة فكريا واجتماعيا، من فاقدي ملكة الحديث السلس الذي كان لا  يملك مقدرة الحديث بين جمع من الناس، لذلك افرغ كل عوامل النقص فيه على شكل هذيان غير مفهوم لمن فقد قدرة السحر اللغوي، والنطق العربي الصحيح، والذي حاول التشبه بالخطباء الكبار وإيجاد موطأ قدم لشخصيته الكريهة بين سياسيين ورجال فكر في خضم عصر التطور العلمي والتكنلوجي الذي بهر البشرية وجعلها تخطو خطوات حثيثة نحو تطوير القدرات البشرية وفق التطور العلمي والبشري الحاصل في كل المجلات والصعد  .  لذا كان

(ميشيل عفلق) مشكلة عويصة لنفسه وحزبه الفاشي، فقد طرد من وطنه الذي سرق فيه حزب البعث من مؤسسيه الأصليين (زكي الأرسوزي ورفاقه)  من أهالي الاسكندرونه، أو القضاء السليب كما يطلق عليه السوريون . وكان طموحه أن يكون رئيسا لبلد يرى فيه ذلك البلد شخصا يخالف دينه دين الدولة . ولم يجد بلدا يؤويه بعد خوفه من بطش (رفاقه) الذين علمهم السحر، فكان عليه أن يختفي عن أنظارهم إلى آخر الدنيا مرة في البرازيل ومرة في باريس من باب الاحتياط خوفا من الفتك به فقد كان يدرك ماذا غرس في قلوبهم الميتة من مباديء لا إنسانية، إلا من القتل والتدمير .

وكان قرة عينه الحقيقية صدام حسين الذي وعى الدرس كاملا، ونفذ مقولة البعث (اقتل ْ قبل أن ’تقتل)، ومع ذلك كان يخافه حد الموت، ولم يكن استقدامه لبغداد بعد تسلم البعث للسلطة ثانية حبا بسواد عينيه، بل طمعا باسترداد ما سرقه (القائد المؤسس) من أموال البعث العراقي التي أودعها في احد البنوك السويسرية باسم (ميشيل عفلق)، ومات ولم يتم العثور عليها بسبب (حنكة)، و (أمانة) ميشيل عفلق .

......

ودرسْ صدام حسين هو تحصيل حاصل لنتاج حكام قتلة ومجرمين تعاقبوا على حكم شعوب المنطقة ومنها العراق طوال 14 قرنا، كان قانونهم الأساسي ولا زال (وأطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم)، وبقي التفسير الخاطيء لهذه الآية سيفا مسلطا على رقاب الناس بدءا من المغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه مرورا بكل الطغاة من بني أمية وبني العباس، ومماليك وخلفاء بني عثمان حتى آخر لحظة قبل سقوط حكم العفالقة في 9 نيسان 2003 المجيد .

ويرى كل معتنقي التفسير الكيفي لهذه الآية أن (الولاة من قريش)، إن كانوا من العرب أو من معتنقي الإسلام السلفي التكفيري، وفسر شيخهم ابن تيمية ذلك بمقولة فقهية هي غاية في الوحشية والغرابة فهو يقول (حكم مائة عام لحاكم جائر ظالم أفضل من حكم ليلة واحدة لحاكم غير مسلم) .

لذا فقد سارع البعثيون بعد أن  فروا من أمام قوات التحالف كالأغنام الشاردة يوم سقوط سلطتهم، إلى العودة للساحة السياسية ولكن على صورتهم الحقيقة وبدون رتوش إطلاقا، بعد أن امنوا العقوبة، ليرتموا في أحضان السلفيين التكفيريين عارين من كل شئ، وحتى من ورقة التوت التي لم تستطع ستر عوراتهم يوما ما، لثقتهم التامة بان ركوب الموجة الدينية هي الوسيلة الأفضل لهم، بعد أن خسروا كل أوراقهم في الملعب العراقي، ونشأ من اجل ذلك حلف كراهية بين البعث العلماني الذي لا يدين حتى بمقولاته عن العروبة، وبين السلفيين التكفيريين الذين يعيشون الماضي بكل تداعياته، وفكره المنغلق على التطور البشري . وبأموال مسروقة من خزينة الشعب العراقي، مضافا لها ما يتبرع به غلاة السلفيين من خليجيين وغيرهم . ونشأت في المنطقة دول حاضنة جراء السيولة النقدية تقف في مقدمة تلك الدول سوريه الجزء الإرهابي الآخر من البعث الذي كان حتى آخر لحظة قبل سقوط جزئه الآخر في العراق يكن له الكره والعداء .

وحاول الأمريكان في أول الأمر قبل أن تنفلت زمام الأمور من أيديهم، التغاضي عن تلاميذهم النجباء من عتاة القتلة والمجرمين البعثيين الذين تربوا في حماهم أيام الحرب الباردة، واقتصرت قائمة روؤس الجريمة على أسماء آل 55  مجرما يتصدرهم عراب القتلة في المنطقة صدام حسين، وهذا يعني أن التغيير الذي كان مخططا له أن يتم بإزالة قمة هرم السلطة وفق نظرية المؤامرة التي يتهم البعض كل من يقول بهذا القول بها، والاستعانة بباقي أجزاء الهرم لإعادة بنائه من جديد بنفس الوجوه السابقة، وبقيادات محسنة جديدة . وخير دليل على ذلك ترك صدام حسين ورجاله داخل معتقلات محمية من قبل قوات التحالف، وغض النظر عن محاكمتهم، وترك عتاة المجرمين والقتلة من قيادات الحرس الخاص والحرس الجمهوري، وفدائيي صدام، ورجال الأمن والمخابرات يسترجعون كامل نشاطهم بطريقة غريبة لا يصدقها العقل، ويتم إعادة الكثير منهم في مفاصل الدولة العراقية، خاصة في عهد حكومة الدكتور أياد علاوي .

.....

ونظرة سريعة لتاريخ حزب البعث ترينا مدى جبن، ولا مبدئية البعثيين عند أول ملمة تقع عليهم، بدءا من تنصل قائدهم المؤسس ميشيل عفلق من حزب البعث، وبراءته منه عند اعتقاله بعد انقلاب أديب الشيشكلي، وكذا فعل كل البعثيين في البراءة من حزبهم، وتسليم رشاش بورسعيد الذي كان بحوزتهم لأمهاتهم لكي يتخلصوا منه برميه في الشارع، أو في مقالب الزبالة بعد انقلاب عبد السلام عارف عليهم في 18 تشرين 1963 .

وأما (الأب القائد) كما كناه تلميذه صدام حسين، أي (احمد حسن البكر) فقد تبرأ من حزب البعث في الصحف الرسمية كقائده المؤسس، وأعلن عن تفرغه لتربية (الهوش أو البقر) .

لكن ما الذي حدا بفلول وعصابات البعث التي هربت علانية من مواجهة قوات التحالف، يوم اجتازت حدود العراق، وذابت هي وأسلحتها ومعداتها، وكامل حرسها الجمهوري والخاص وفدائيي صدام، وصدام نفسه، وجاهل لا يفقه الكتابة والقراءة كعبد حمود، ذابوا كملح في ماء يوم زلزلت الأرض زلزالها، لتعود متصنعة الرجولة بعد أن نزع الكثير منهم حتى سراويله ليستخدمها كعلم استسلام مع كل ما حمله له (القائد الضرورة) من نجوم ونياشين  ؟! .

ثم كيف تسنى لتلك الأعداد الكبيرة من الإرهابيين المتخلفين بالدخول للعراق، وأين كان دور الشعب العراقي من كل هذا ؟! .

وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي لا يشك احد آخر بوجودها، وثبوت نظرية الأرض البديلة لمحاربة الإرهاب  لكن اقل ما يقال إن (من امن العقوبة أساء الأدب)، وساعد على ذلك تصرف الحاكم المدني الأمريكي السفير بول بريمر، المقصود، أو المرتجل !، بحل وزارتي الدفاع والداخلية وتسريح كل منتسبيها، الذي أوجد فراغا امنيا استغله عتاة القتلة واللصوص، وقطاع الطرق بمساعدة كاملة من بقايا البعث وأنصار القاعدة، بدل أن تتم مراقبة العسكريين البعثيين داخل وحداتهم، واصطياد كبار قادتهم، وتقديمهم لمحاكم ميدانية سريعة للاقتصاص منهم .

وما يدور في الوقت الحالي هنا وهناك من أحاديث عن مفاوضات بين الأمريكان وبعض القيادات البعثية التي تدعي (المقاومة) من اجل مشاركتها في السلطة . مضافا لذلك ظهور تشكيلات بعثية جديدة بأسماء جديدة بغية غزو الساحة السياسية العراقية بوجوه بعثية قديمة جديدة، وعلى وزن (خوجه علي ملا علي) .

كذلك كان هناك غياب واضح لدور الأحزاب الوطنية العراقية في تنظيم الشارع العراقي ورص صفوفه، وتشكيل مجاميع شعبية في كل محلة وشارع ومنطقة لضبط الأمن، وملاحقة الخارجين عن القانون داخل مناطقهم، وحراسة المؤسسات الرسمية والبنوك، والحفاظ على وثائق الدولة من التلف والتخريب، وانشغالها بالمشاركة الحثيثة في السلطة بدل حماية الشعب والدولة وممتلكاتها .

ويدخل تجهيل الشعب العراقي طوال ثلاثة عقود ونصف من قبل النظام الدكتاتوري الفاشي  كعامل مهم في كره الدولة والتفكير بان تلف وسرقة ممتلكاتها هو انتقام منها ومن رموزها الضارية التي قاسوا كثيرا من عنجهيتها وجرائمها، بدل التفكير بالحفاظ على ممتلكات الدولة التي هي ممتلكات الشعب نفسه .

.....

وما يضحكنا أن يعود البعث بين آونة وأخرى لينعى نفسه في بيانات رنانة تفوح منها رائحة الدم والجريمة، والتحريض على القتل والتدمير للبنى التحية، متمسكا بـ (حقه التاريخي) في قيادة (الأمة)، و(مقاومة المحتل)، مؤكدا على حق (المقاومين) بسرقة أملاك الدولة وأموالها، وتخريب منشآتها الخدمية والنفطية على الطريقة البعثية في (النضال الدموي)، مذكرا العراقيين بـ (قائده الأسير) الذي انشغل عن حزبه أخيرا بغسل وتنشيف ما تبقى من سراويله المهترئة، والتفكير بما سيئول إليه مصيره فيما إذا سلم حقيقة بيد العراقيين؟؟ .

ولأن السياسة هي (فن الممكن) كما قال معلمها، فـ (نهج البعث) كما علمه (قائده) (اطلب السرقة ولو كانت في المحمرة أو الكويت)، لأننا وبصراحة مطلقة عرفنا البعث سارقا وقاتلا وجبانا، ولم نعرفه شهما، أو بطلا أو إنسانا . لذا فما تقيأ به حزب البعث في بيانه الأخير الذي اظهر فيه وجد (قائده) الجديد الأسطورة

(عزت الدوري) بالتحريض على سرقة أموال الدولة، وتخريب البنى التحتية لهو الفكر الحقيقي لعصابة دخلت بطريق الصدفة جسدا حيا سليما، وتركته مريضا مهدما، وهو دليل تام على سقوط آخر جزء من ورقة التوت التي حاول البعث طوال حياته التستر بها، وظهر البعث عاريا تماما حتى من ورقة التوت .

 

  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com