|
بيتهوفن وسمفونياته التسعة
الفنان مازن المنصور Oslo.Norway
من العوامل التي عملت على النهوض بالفن الكلاسيكي إلى مرحلة رومانتيكية جديدة نهظة إوربا، مما جعلها تتطلع من جديد إلى الفنون القديمة. اليونانية والرومانية ‘ من شعر وتمثيل وموسيقى فأخذ الغرب منها مصادر هامة وقصصا شائعة في السحر والخرافة، كما لحن البعض منها تلحينا موسيقيا رائعا، يصور بصدق وإخلاص مظاهر الكون الخلابة. فهاهو بيتهوفن يفصح في سيمفونيته الثالثة عن الثورات الفرنسية، فسيمفونية البطولة لبونابرت تعتبر فتحا جديدا في عالم الموسيقى الرومانتيكية. ثم اتبعه. بقية الفنانيين امثال شوبرت، فون فيبير، فيليكس ماندلسون، وفردريك شوبان، وروبرت شومان وغيرهم وسأكتفي بذكر نبذة موجزة عن حياة فطاحل العصر الرومانتيكي مع ادراج تحليلات لبعض مؤلفاتهم الهامة.
1. لودفيج فان بيتهوفن (1870_1827) ولد في المانيا عام 1770، من عائلة موسيقية، فتلقن دروسه الأولى على يد إبيه وقد عكف إلصبي منذ الخامسة من عمره على دراسة الة الكمان والبيانو.وفي سن الحادية عشرة وضع إلحانآ من المارشات والتحولات تحت اسم(variations). وقد تقابل في سن السادسة عشرة مع هايدن وموتسارت، فأعجبا بنبوغه وعبقريته، حتى ان موتسارت قال جملته المأثورة ( اهتموا بهذا الصبي فسيكون حديث العالم في المستقبل). بدأ بيتهوفن يشيد شهرته الفنية بالعزف في إوساط فيينا وغيرها، ولاكن داء الصم لازمه منذ عام 1798، واشتدت به العلة حتى افقدته السمع تماما في الخمس سنوات الأخيرة من حياته. وعندما بلغ الفنان الثلاثين من عمره سلك حياته كمؤلف له إسلوب خاص، يختلف به عن هايدن وموتسارت. ويرجع هذا الأسلوب الجديد الى النظريات التي اقتبسها بيتهوفن من كليمنتي وكروبيني، كذلك كتاب الثورة الفرنسية الذي تأثر بهم بيتهوفن إلى حد كبير، فوضع سيمفونيات رائعة تعتبر إعظم ما إنتجته اليد البشرية حتى وقتنا هذا. وتتجلى لنا إعمال بيتهوفن كالصرح العظيم، شيد فوقه تسع سمفونيات. الفها الفنان العبقرى في مدة تقرب من ربع قرن.وظهرت هذه السيمفونيات التسع لتقتحم الصالونات الفاخرة، وبزغت في صورة جديدة فلسفية، عميقة في التعبير وقوة التفكير، فضلا عن روعة ألحانها وأ نغامها.
حركات الأ لحان والعواطف في سمفونيات بيتهوفن. السمفونية الأولى: إلفت عام 1800 وكان عمره ثلاثين عاما. وعملت من مقام ال( دو ميجر) وكأنت مهداة إلى البارون( فان سويتن) وهذه السمفونية ذات فكرة موسيقية مرحه تصور لنا كيف يحس المرء بالأمل والرضا في بدأ حياته، وكثيرا ما نفاجأ فيها بنغمات منخففظة قاتمة كأنها تنذر بمأساة قادمة. وكان نهجه في وضع هذه السمفونية كلاسيكيا بحتاً، منبعثا من طابع موسيقى هايدن وموتسارت، فلم يكن بيتهوفن في ذلك الحين قد اهتدى الى طريقته الخاصة في تصوير الحقائق وتجسيم المعاني بالأ لحان الموسيقية، تصويرا عميقا كما فعل في سمفونيته الثالثة ( البطولة). السمفونية الثانية : الفت عام 1802 من مقام ال( الري ميجر) وهي تمثل لنا حب بيتهوفن الى الجموح والشهرة، إنه يقاوم تلك الأ فكار الحزينة التي تتراكم عليه من حين لآخر، إنها موسيقى تصور البطولة الفائقة التي يرفض صاحبها الهزيمة والانكسار. إن بيتهوفن يرغب في السعادة، ولا يود الخضوع الى مصيبة الصمم إلعضال. السمفونية الثالثة : الملقبة بسمفونية ( البطولة ) إلفت عام 1804 من مقام ال ( مي بيمول ميجر ) لتخليد حياة نابليون بونابرت وبطولاته في الحروب الفرنسية. كان بيتهوفن يريد لفرنسا الاستقلال، وكان يأمل في نابليون ان يضع أسس الحرية والمساواة بين شعوب العالم إجمع. إن هذه السيمفونية تصور لنا بألحانها الثورة الفرنسية، وما يتجلى فيها من حوادث عظمى. تسمع في الحركة الثانية منها مارش الجنازة يصاحب نابليون إلى مقره الأ خير. إما موسيقى الحركة الثالثة ذات الطابع البهيج فهي قبس من الأ مل يظهر من جديد للبشرية فتتسابق الأنفس إليه فرحة مغتبطة. السمفونية الرابعة : الفت من مقام ال ( سي بيمول ميجر) نتخيل في موسيقاها انبثاق السعادة إمام عيني بيتهوفن. ففي عام 1806 خطب بيتهوفن تلميذته المفضلة تريزا، وكأن تريزا وردة طاهرة يتنسم بيتهوفن فيها عبير السعادة والحب والطمأنينة. السمفونية الخامسة: ألفت هذه السمفونية من مقام ال( دو ماينر ). وهي عبارة عن دراما موسيقية من إربعة فصول، تعبر لنا بألحانها الفلسفية عن خلجات النفس البشرية، وما يعتريها من محن. فالحركة الأ ولى تمثل لنا ضربات القدر يطرق باب الإ نسان. ثم يبدأ الصراع بين الإنسانية، وبين الرذائل والفضائل. وكأنها معارك موسيقية دامية. تتدرج تارة بين اللين والشدة، وتارة تتلاشى ضرباتها في فضاء الكون. وهاهو الإنسان يرفع صوته إلى السموات العليا، ولاكن صوته الضعيف يضيع بين العواصف الهوجاء. إما الحركة الثانية فهي تعبير صادق لتقلبات الإنسان مع القدر، تارة يضهر كشاعر متأمل، وتارة موسيقي ملهم انجبته الطبيعة المتغيرة. والحركة الثالثة نغمات يأس دفين يرزح الإنسان تحت عبئها، طارقا إبواب النجدة، ولاكنه لايرى امامه غير إشباح تحوم حوله، تسخر منه وتهزأ به، وكأنها موسيقى شيطانية تبعث في النفس الرهبة والخوف. إما الحركة الرابعة فهي نغمات حارة تصور لنا انتصار الفنان على عوامل اليأس، فالإنسان الذي لم يتذوق طعم السعادة في الدنيا، سينعم بزحيقها المختوم في العالم العلوى بعد موته، وهذا اكبر انتصار له. كذلك الشخص الذي لازمه الفقر طول حياته، فإ ن أعماله الخالدة ستكون بلا ريب إكبر فوز له بعد الممات. السمفونية السادسة : لحنت من مقام ال ( فا ميجر ) وعزفت لأول مرة في فيينا في 22 ديسمبر عام1808، وهي تصوير واضح لمشاعر الفنان وحبه للريف والاستمتاع بمناظره الخلابة. فالحركه الأولى نحس فيها بهدوء القرية إيام فصل الخريف، فالرعاة يجوبون المرعى، ينصتون إلى تغريد الطيور والبلابل، وينظرون فوقهم فيرون السحب تتجمع وتتفرق. بينما تصور الحركة الثانية مياه الجدول تتدفق فوق العشب الأخضر. إما الحركتان الثالثة والرابعة فتصفان جلسات الفلاحين، يرقصون ويطربون على ترنيمات الناي، وقد إرادت الطبيعة إن لاتدوم هذه اللحظات والجلسات السعيدة، فأخذت السحب تتجمع وتتوافد من كل حدب، ثم أعلن الرعد قدومه بزمجراته، وبدأ المطر يتساقط رويدا، ثم ازدادت العاصفة تدوى برياحها وأخذت تطارد العازفين والراقصين. والحركة الخامسة والأخيرة تنبؤنا با نتهاء العاصفة بسلام، وقد بزغت الشمس بأشعتها الذهبية من جديد على الريف الباسم، فخرج الريفيون من إكواخهم رافعين إياديهم الى السماء يقدمون الشكر والعرفان إلى المولى عز وجل. السمفونية السابعة: إلفها بيتهوفن عام1812 من مقام ( لا ميجر ) وتسمى بالسمفونية الضاحكة إذ يظهر فيها بيتهوفن كأنه رجل ممل، مفكوك الأ زرار، لا يعبأ بالمجتمع الارستقراطي إنها إلحان تخلط بين المرح والنقمة، إنها انفجارات عميقة تغمر ’’ جوته ‘‘ وأشباهه بجو من الهلع والرعب عند مرور الامبراطور وحاشيته بالقرب منهم. اما الحركة النهائية فيها فتمثل لنا ’’ ديونيسيوس ‘‘ يتقدم مواكب الحرية. السمفونية الثامنة : لحنت من مقام (فا ميجر ) وكانت مهداة إلى امبراطورة روسيا، وقد تم انجازها عام 1812، وتلقب بالسمفونية الصغيرة، فلم يحاول بيتهوفن اعطاء تعبيرات خاصة عن موضوع معين، ولربما كان اهتمامه بها منصبا على الناحية الإنشائية فقط. السمفونية التاسعة : لحنت من مقام ( ري ماينر ) وقدمت عام 1824، إستغرقت عشر سنوات كاملة، تصور بيتهوفن وهو ينتقل من هاوية الحزن إلى قمة الفرح، إنها عبقرية ملموسة، تمثل لنا الفرح يهبط من السماء يتحسس بعذوبته القلوب النقية الطاهرة، وما إسرع مايجتاح الفرح الكون بأسره، يعلن الحرب على الأ لم بجيوشه الجبارة، فالأناشيد القدسية تسمو إلى العالم العلوي، تمتزج نغماتها بأنفاس بيتهوفن وهتافاته العميقة، ثم تتبدل النغمات بأخرى، تصور الفنان الملهم يرتاد الحقول والمراعي، يسجل مؤلفاته الجنونية تحت رذاذ المطر، ومنها تعبر إلى جنون الحب العذري، حيث تمثل الموسيقى ملكا طاهرا يمد ذراعيه إلى السماء، يهتف من أعماق قلبه، فيستقبله الفرح من جديد، ويضمه إلى صدره الحنون. وعندما قدمت هذه السمفونية في فيينا إثارت حماسة الكثيرين، فصفق من صفق، وبكى من بكى، وأغمى على بيتهوفن من قوة الانفعال فحملوه إلى دار صديقه ’’شنيدلر‘‘ وظل فاقد الوعي طوال الليل وصباح اليوم التالي،إ ن النجاح كان عظيما ولاكن الربح كان قليلا، فلم تتبدل حياته المادية، وظل يائسا وحيدا إلى إن توفي عام 1827 إثناء عاصفة ثلجية، وكأن الطبيعة إرادت ان تودع ابنها الموسيقار الأ لماني العظيم في جو من موسيقاها العاصفة الحزينة يحوطه الاجلال بالتقدير.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |