|
نقابة المهندسين العراقية...الى اين ؟
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
للمهندسين العراقيين شأن وأي شأن في الإسهام الرفيع في تاريخ العراق المعاصر ، سواء عن طريق مهنة الهندسة ذاتها ، كمهندسين محترفين ، أو من خلال أدوارهم السياسية كمواطنين مشاركين في الشأن العام . .وامتلك مهندسو العراق التاريخ الوطني الحافل بالنضالات في سبيل الحريات العامة و الديمقراطية والوطن الحر والشعب السعيد .. ويبرز في هذا السياق الدور السياسي لطلاب هندسة بغداد ابان الوثبات والانتفاضات الشعبية اعوام 1948، 1956 حيث تفجرت الجامعات العراقية ــ وفى مقدمتها كلية الهندسة ــ بموجات من الغضب العارم . وكان دور المهندسين العسكريين العراقيين غير خافٍ في تفجير ثورة 14 تموز المجيدة والتصدي لانقلاب شباط الاسود 1963 .. وكان لهم دورا مشهودا في حروب 1948 ، 1967، 1973 ضد اسرائيل ... لكن ما حل بالمهندسين العراقيين في العقود الثلاث الاخيرة كان عن جهد واع وتصميم مسبق لسياسة الطغمة الحاكمة لتحويل أبناء الشعب إلى قطيع من الأرقاء مغسولي الأدمغة يسهل تسخيرهم لخدمة الدكتاتورية والى بوق في الفيلق الميكافيلي الإعلامي المهلل للنظام .... وبينما لجأت أعداد متزايدة من المهندسين إلى ترك النشاط السياسي والانخراط في العمل الحر الخاص والأخطر المساهمة في مشاريع التصنيع العسكري الضخمة للدكتاتورية ، آثر قسم آخر إلى ترك الوطن والهجرة في حين تعرض القسم المتبقي للاضطهاد والقمع والإعدامات والانضمام لمعارضة الدكتاتورية عمليا عبر الأحزاب السياسية في شمال الوطن وبلدان الجيرة والمهجر .. حينها تعاظم خراب النقابات الهندسية وتآكل المراكز الأكاديمية الهندسية. وقد تعمدت الدكتاتورية الفصل المصطنع بين الأنشطة السياسية والثقافية والهندسية بهدف إذابة المهندس في الجسم السياسي الحاكم أو دمجه بالنشاط الإنتاجي اليدوي ليبتذل ويفقد استقلاليته . والناتج هو تدني الثقافة الهندسية العلمية كونها سلطة معرفية ، وفقدان الاستقلالية الهندسية ، والتبسيط الجامد لإشكاليات الوسط الهندسي . أما المهندسون العاملون في القوات المسلحة والتصنيع العسكري فقد أرهقوا في النشاط الحربي المستمر خارج الحدود وداخل الوطن لقهر الشعب وتثبيت مواقعهم في معسكر أعداء الشعب . وقد استخدمتهم الدكتاتورية وقودا باهض الثمن لتطوير أسلحتها التدميرية التقليدية والمتطورة وبذل الجهد لتاطير سايكولوجيتهم للركوع أمام الطاغية وخدمة مآرب الأسياد في النزعة الحربية والتوسع العدواني والفاشية وغرست فيهم عقدة الذنب جراء استخدام الأسلحة الفتاكة لا لتهديد جيران العراق بل ضد الشعب العراقي والشعب الكردي وليبقوا في هذا الشرك القاتل .. وانضم عدد واسع من المهندسين في مشاريع الدولة الكلانية العراقية وخلق الأرباح الطائلة للعائلة التكريتية الحاكمة بالعقود السخية مع الشركات الاحتكارية الغربية ... وفي مكاتب وشركات القطاع الخاص والمقاولات التي ازدهرت بطابعها الطفيلي . وبعد حرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي تهمش دور نقابة المهندسين العراقية إلى درجة كبيرة وبات نشاطها شبه مجمد .... الا إن طابعها كونها وكرا للتآمر والتجسس المخابراتي استمر ، إذ لم تتغير قياداتها المرتبطة أصلا بالأجهزة الحزبية والأمنية للنظام . وانشغلت جميع طبقات وفئات الشعب العراقي بالحصول على القوت اليومي عبر الحصة التموينية المحددة من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي . وساعد التهريب غير القانوني ونهب المال العام اغتناء حفنة من مهندسي النظام العراقي ليبقوا في خدمة مآرب الدكتاتور وسياسته الحمقاء الرعناء . وكان لهم ما أرادوا من ثراء فاحش وانعزال مقيت . وتنفس هؤلاء وسط شلة من مهندسي الميكافيلية والتهليل الإعلامي المضلل ... أما الأغلبية الساحقة من المهندسين العراقيين فواجهت أعباء العيش اليومي الثقيلة متحدية الإرهاب والحرمان والابتزاز . وواصلت العمل والإنتاج في ظروف قل نظيرها في القسوة . كما اضطر قمع النظام المئات من المهندسين للجوء إلى بلدان المهجر تفاديا لبطش الدكتاتورية . من المعروف إن تاريخ النشاط الهندسي التنظيمي النقابي الاجتماعي والعلمي يعود إلى سنة 1938 حين تقدم لفيف من المهندسين بطلب تأسيس جمعية المهندسين حسب قانون الجمعيات لعام 1922 . وقد باشرت الجمعية نشاطها عام 1940 . وارتفع عدد المهندسين المنتمين إليها من (42)عضوا عام 1950 إلى (58) عضوا عام 1951 . وبعد إقدام الحكم الملكي على إلغاء الجمعيات والاحزاب سنة 1954 فقدت الجمعية شرعيتها . ومن جديد تقدم المهندسون بطلب إجازة الجمعية في الشهر العاشر من نفس العام مستثمرين صدور مرسوم الجمعيات رقم (19) وأجابت الداخلية العراقية بالإيجاب . كما صدر العدد الأول من مجلة (المهندس) عام 1956 . وبعد ثورة 14 تموز دعت الهيئة الإدارية للجمعية أعضاءها للاجتماع العام في 20/11/1958 لانتخاب الهيئة التحضيرية مهمتها أعداد لائحة قانون نقابة المهندسين العراقيين . وقد ترأس اللجنة المنتخبة الدكتور جميل الملائكة وكان الأستاذ عبد الرزاق مطر سكرتيرا لها . ونسوق هذه المقدمة الطويلة كي نصل في النهاية للقول أن مهندسي العراق الذين لهم هذا التاريخ العريض الذي أشرت إلى شذرات عابرة منه فقط ، يعانون الآن من مشكلة مستفحلة عمرها نحو سنتين ونقابتهم تنوء تحت وطأة حراسة حكومية ،مجمدة عن العمل مشلولة عن الإنجاز تدار بواسطة هيئة عينتها أجهزة الدولة( انتخابات صورية) هي بالحقيقة تعبر عن تبوء البيروقراطية الادارية لجماعة طائفية محسوبة على الحزب الاسلامي والشرائح الطفيلية الصاعدة .. وتتنافس معها بيروقراطية ادارية أخرى لما يسمى قيادة ائتلاف المهندسين العراقيين ذو الطابع الوطني شكلا والذي يضم قوى متطرفة واصولية وثيوقراطية في لعبة – مهزلة مشتركة هدفها تغييب جموع المهندسين الذين يبلغون قرابة خمس المليون ، وهو عدد ضخم يضم صفوة الصفوة من العقول العراقية ...، ثم عصفت بنقابتهم رياح السموم ، فباتوا على الهامش لا بيت لهم يحميهم ويحمى مهنتهم ويسعى لتطويرها وتقديم الخدمات للمنتسبين لها ، ويعبر عن مواقفهم في الشأن العام ، وبالذات في القضايا ذات الطابع الهندسي وما أكثرها وأفدح الأخطاء المرتكبة في غيبة رأى نقابة المهندسين الواجب الاحترام . وعليه مشكلة نقابة المهندسين ليست جديدة وتعود إلى العهد القوماني المندحر الذي جد لمواجهة المد اليساري في الجامعات العراقية وفي البلاد تنفيذا لأوامر اسياده خارج الحدود والنخب الماسونية واختلاق واجهاته الطائفية ... لكن الدولة تدخل بنفسها اليوم مباشرة المعمعة عبر " شهر العسل العراقي الموحد " بتكوين " الجماعات الدينية " من أشياعها في الكليات الجامعية والتي عاثت ضربا ً وطحنا ً في المعارضين اليساريين لسياسات النظام .. الامر الذي مهد اضافة لأسباب أخرى لتقدم ظاهرة الإسلام السياسي في الجامعات والمجتمع ، وتصاعد الإرهاب باسم الإسلام. وبعد مرور عامين من فرض الحراسة كان لابد من فعل إيجابي لتحرير نقابة المهندسين من مصيرها المؤلم والضار جدا ً بأعضائها وبالعراق أيضا ( تحريك البركة الراكدة وتنشيط الوعي بخطورة استمرار أوضاع النقابة على ما هي عليه وتجميد مصالح أكثر من مائة ألف مهندس عراقي بهذا الشكل السلبي ً) ... فتحركت الحركة الهندسية الديمقراطية النقابية " اليسارية الاتجاه " لكشف خبايا قرار مجلس الحكم المبجل المرقم (27 ) في 25 / 8/2003 عشية انتخابات نقابة المهندسين بايقاف الحركة الانتخابية النقابية في العراق الى اجل غير مسمى بحجة اعداد دساتير و لوائح داخلية وبرامج عمل تنسجم مع مرحلة ما بعد الدكتاتورية ... وتحرك ائتلاف المهندسين العراقيين ( تحركات قانونية وإعلامية ومؤتمرات وندوات . . الخ) ايضا في هذا الاتجاه ، ودعى الجميع لرفع الأمور إلى القضاء العراقي .. وأثمرت ضغوط وتحركات ائتلاف المهندسين العراقيين على اصدار أمر من مجلس الوزراء قاضي بتشكيل لجنة تتابع تنفيذ قرار مجلس الحكم رقم (3) لسنة 2004 ومراعاة المقترحات الواردة في مطالعة الدائرة القانونية لمجلس الوزراء. ننحاز للعمل المشترك مع كل القوى السياسية في معركة استعادة النقابات المهنية وبضمنها قوى الإسلام السياسي ...كمعركة ديموقراطية حول قضية محددة لا تعني تحالفا او ائتلافا حيث أن التحالف يعني الاتفاق على برنامج مشترك وعمل مشترك خلال مرحلة نضالية معينة. وننحاز في الوقت نفسه إلى رفض التحالف الانتخابي مع قوى الإسلام السياسي ليس فقط انطلاقا من أنهم لا يلتزموا باتفاقاتهم الانتخابية ومن الممكن أن يضربوا عرض الحائط باتفاقهم معنا إذا لوحت لهم الحكومة بإمكانية الاتفاق معهم، وليس فقط لأن سيناريو التمثيل الشكلي (الديكور) الذي يطرحوه على القوى الأخرى ليس أفضل من عدم التمثيل بالنسبة لنا، بل نضيف إلى ما سبق هذه الأسباب: 1. إن منهج الاتفاق الانتخابي بين القوى السياسية في قوائم انتخابية مغلقة يتعارض بشكل جوهري مع ما نطالب به من ديموقراطية واستقلالية النقابات ليس فقط عن الحكم بل وعن كل القوى السياسية، وأفضل ما يمكن أن يسفر عنه هو استبدال سيطرة تحالف أحزاب بسيطرة حزب واحد، وهي نتيجة أسوأ. 2. إن التحالف الانتخابي مع قوى الإسلام السياسي عبر قائمة موحدة وبرنامج موحد يحرم اليسار من فرصة الدعاية الانتخابية الواسعة المستقلة ومن عقد الاتفاقات والتحالفات مع القوى النقابية الديموقراطية المستقلة. أن مسألة الاتفاقات الانتخابية المحددة (مثل الاتفاق على عدم المنافسة على بعض المقاعد، أو التكاتف من أجل إسقاط مرشح معين) تختلف عن مسألة التحالف الانتخابي والقائمة الموحدة، التي نرى أنها في اللحظة الراهنة –على الأقل- خسارة صافية لليسار ومكسب صافي لقوى الإسلام السياسي. الديموقراطية حرية للمجتمع ككل لكن ديمقراطية الاحزاب الدينية أشبه ما تشبه فريق كرة قدم بعدما يسجل هدفاً يصير هو الحكم، ويقوم هو وجمهوره بتحطيم أرجل الفرق المنافسة ليقول بعدها "هيا نكمل باقي المباريات".من هنا فان " معركة تحرير نقابة المهندسين " هي في الواقع معركة الديمقراطية في بلادنا ككل . ونجاح المهندسين العراقيين في كسب هذه المعركة هو مؤشر لانتصار النزوع للديمقراطية في بلادنا ، والقدرة على تجاوز كل الحسابات وبناء آلية للنضال الديمقراطي في سبيل تخليص النقابة من قيودها . ولغرض قطع الطريق على وصول من لا يمثلكم ويمثل حقوقكم ومصالحكم في السيطرة على النقابة من جديد نناشد كل المهندسين العراقيين ، بصرف النظر عن دينهم أو انتمائهم السياسي بالانضمام إلى طابور المناضلين في سبيل تحرير نقابتهم وخوض الانتخابات القادمة بكل أبعادها ومراحلها في بغداد وفروع المحافظات آملين مؤازرتكم والترشيح لعضوية المؤتمر العام وانتخاب من يمثلكم وفرض أجواء ديمقراطية على عمليات الترشيح والانتخاب أصولياً والتحضير لها والإشراف عليها. واذ تحتفظ الحركة الهندسية الديمقراطية العراقية بحقها في سبيل العمل النقابي الحر بعيدا عن التدخل من قبل الحكومات الرجعية المتعاقبة ... فانها تدعو الى تشذيب ائتلاف المهندسين العراقيين وصقل وحبك مواثيقه وتفعيله ليكون ظهيرها وسندها داخل المؤسسات والهيئات النقابية الهندسية العراقية والكردستانية . هذه معركتكم ولا وقت للتخاذل أو للتعلل بأي سبب حتى نؤخر المساهمة في أداء دورنا تجاه نقابتنا وتجاه الوطن .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |