|
علاقة الوطن بالمواطن علاقة طردية متبادلة الحقوق والواجبات، تتطور من خلال احترام كل طرف مهامه والتزاماته. يزدهر الوطن وينظف جسده من كل امراضة اذا كان المواطن قوي، متماسك، ومتمتع بكامل سلطته. لذلك ترى الوطن يبتسم وتنموا حقوله وتزداد خضرته وانهاره تجري بسرعة تروي حقولة واشجاره ليتحول الوطن الى حديقة ممتعة المنظر جملية تسُر كل من يعيش فيه وتفرح كل زائريه. الوطن مفهوم جغرافي سياسي مكون من ثلاث كلمات ابعادها كبيرة تتسع لكل ابنائه واحزابه وساستهم. اليوم جائت الدبابة الأجنبية لتسقط في شباكها اخطر مفهومين من مفرداته هي الوطنية والرجعية تحت اسم الوطن. لذلك بات من الصعب تحديد سمات اي حزب عراقي تحت مظلة الديمقراطية المسلحة التي سرقت بريق الوطنية المنمقة. ان من اهم اسباب تخلف العراق عن ركب الحضارة هو غياب دولة القانون والدستور الدائم وسيادة سطوة الأحزاب والعسكر. هؤلاء الذين اسقطوا مفهوم الوطن بين شهواتهم واستباحوا الوطن والمواطن بعيدا عن القانون والشرعية ليتحول الوطن الى سجن مظلم لابنائه ويغترب المواطن في حدود بلده. ما ابغية من دستورنا الجديد ان يعيد تعريف الوطن بمفهومه الصحيح وان يمنح السلطة العليا اولا للمواطن صاحب الحق الشرعي في الدفاع عن الوطن وليس الأحزاب التي تتاجر بممتلكاته ولا الحكام الذين يثرون من خيراته. ان اغناء صلاحية المواطن في فقرات الدستور تعتبر حجر الاساس لبناء عراق موحد خالي من كل الأمراض الطائفية والقومية. ان الدستور الذي يضمن سلطة المواطن باعتباره الراعي الحقيقي والحاسم لحماية الوطن واناطة بالأحزاب وموسسات الدولة مهام تنفيذية وتنظيمية سيوفر لنا بلد مزدهر متعافي، قراراته حاسمة، بيد ابنائه من خلال الأستفتاء الشعبي العلني على القضايا المصرية. لقد تطورت الشعوب الأوربية حالما رجحت السلطة لصالح كفة المواطن واعتبرت الأحزاب وموسسات الدولة هم المنظمين والمنفذين لقراراته. خير دليل على ذلك هو لهاث حكام واحزاب فرنسا وهولندا وبريطانيا وغيرهم من الدول الوربية الى الموافقة على دستور مشترك للسوق الأوربية. لكن كل مؤمراتهم ذهبت مع ادراج الريح عندما قال المواطن لا للدستور الاوربي المشترك. اننا وللاسف الشديد لانزال نرهص بمفردات الوطنية بكل مناسبة رسمية ووطنية ونطوعها لطموحاتنا الحزبية الضيقة او للطائفية العمياء او القومية البغيضة. بالوقت الذي يفترض كل تلك المصطلحات الضيقة ان تدخل ضمن حدود الوطن وتسخر نفسها لرعايته وتطويره. لقد اُستلبت حدودالوطن ودنس ترابه وضاعت خيراته بين حانه ومانه ليس بسبب اخطاء القادة والحكام فقط، بل بسبب ان المواطن لايشعر بانتمائه الكامل له، لذلك ساهم الكثير من المواطنين مع الدولة والأحزاب في حملاتها الوطنية لاغتصاب الوطن وابتلاع ثرواته واهدار حدوده. اعود من حيث ابتدئت. ان دستورنا القادم يجب ان يشدد على اعادة اعمار افكار المواطن التي لوثتها سادية الساسة وشعارات الأحزاب وقمعية السلطات مما ابعدته عن وطنه. ان اعمار ثقافة المواطن اولا ومن ثم اعمار ثقافة الولاء للوطن قبل كل الولاءات بحيث يكون ولاء الوطن فوق ولاء المذهب والطائفة والحزب. ومن اجل ان نحقق جزء من هذه الثقافة يتطلب البدء باعمار عقل قادة الوطن الجدد الذين يظلمون الوطن بافكارهم الحزبية والطائفية متهالكين على تقاسم غنائم الوطن لمصالحهم الضيقة. ان تحسين اداء واجبات المواطن واستكمال حقوقه في الدستور ستطور علاقته ببناء الوطن واعماره بكل نكران ذات عالية. استوقفتني فكرة هذه المقالة عندما كنت اتمشى في شوراع احد المدن الاسكندنافية النظيفة. احترقت سكارتي على عجل، اسرع من همومي، ووجب علي ان ارمي عقب السيكارة في الحاوية التي تبعد عدة امتار . حملت نفسي الى هناك، لكي انسجم مع ايقاع قوانين المدينة التي تحفظ نظافتها وتجعلها مفرحة، ليس لاني متمدن او اتظاهر بالحضارة اطلاقا بل لان هذا الوطن فرض قوانية الأنسانية على المواطن وتصالح المواطن مع مقدسات الوطن. ادركت حجم الفارق بين هذه البلدان وبين وطني. الخطا ليس بالمواطن العراقي فقط بل ان غياب الدستور الذي ينظم حقوق الوطن والمواطن هو الذي يسمح لكل من هب ودب ان يتجاوز على حقوقهما. عندما يلمس المواطن ان الوطن يحكم بدستور يحمية من كل الأمراض الأجتماعية والسطوة والأمتهان ويؤمن له مستقبله سيشعر انه ملزم ان يحافظ على مصالح الوطن. سيشعر عندها المواطن انه منتمي لهذا الوطن، وهو الذي معني به اولا، وعندها سيدخل الوطن الى البيت العراقي ويسهر المواطن على رسم حدوده وبناء مدنه المهدمة ويعتني بحدائقة المدمرة وانهاره الجافة وثرواته الضائعة. ختاما ارى من واجب الدستور ان يثبت فقرة اساسية بكامل حقوقها هي ان الوطن ملك الجميع والمواطن هو المالك الوحيد له بعيدا عن اشعارات الطنانة. غير ذلك لن نرى وطنا معافاَ ومواطن صالحاَ.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |