على أي أساس سيختار العراقيون في الانتخابات القادمة؟

بين الانتماء المذهبي و صدقية الوعود و البرامج..
التحدي الذي ينتظر الساسة و المرجعيات..

 

احمد عبد العال الصكبان

 

تحديان كلاهما أصعب من الآخر سيواجهه العراقيون قبل نهاية هذا العام عندما يكررون ملحمتهم البطولية التي قاموا بها في الثلاثين من كانون ثانٍ من هذا العام عندما اصطفوا بشجاعة صوب مراكز الاقتراع لاختيار أول مجلس تشريعي سيضطلع بكتابة الدستور الجديد للبلاد،و صوتوا للقوائم التي انبثقت عن نتائجها حكومة البلاد حالياً، أقول في نهاية هذا العام سيكرر العراقيون ملحمتهم،مواجهين تحدي اختيار الناخب الأفضل بناء على برنامجه و ليس انتماءه أو تأييد المؤسسة الدينية له، ثم تحد الحكم على الفائزين بالانتخابات الماضية وفق تطبيقهم الفعلي على أرض الواقع لما وعدوا به.
و بين التاريخين عام واحد لكنه حاسم في تطور العراق، مثلما هو محوري في تطور وعي المواطن العراقي بأسس و قواعد العملية السياسية التي لازالت تتخبط و تتأرجح بين كبوة و نجاح،ففي هذه الأيام يدرك مواطنونا بالخبرة العملية المزيد من قوانين اللعبة السياسية الجديدة، لن يتلقوا هذه القواعد في المدارس أو الجامعات أو دور العبادة و لكن وفق أسلوب التجربة و الخطأ، أو مقولة \"دعنا نجرب هذه المرة و لنر\" و هو أسلوب مكلف في خطورته و الخسائر التي يتوجب على الناس أن يلقوها ليتعلموا منها، لكن نتيجته سترتسم راسخة كالوشم على الجباه، سينظرون لتطور الأحوال ببلادهم و سيراجعون قرارهم بالتصويت على أسس أخرى غير البرنامج الانتخابي، و سيراقبون أداء الحكومة و سيقارنون المطبق من برامج بالمعلن من وعود، سيقارنون أداء هذه الحكومة المنتخبة بسابقتها الأبعد عن هذا الوصف باعتبارها حكومة توافق اختيرت من 24 عضو من مجلس الحكم السابق، و سينتظرون نهاية هذا العام لتكتمل في أذهانهم الصورة،و عندما يحين موعد الانتخاب لن يكون نفس المواطن الذي أعطى صوته و غمس إصبعه باللون البنفسجي هو ذاته، فلا يلدغ المرء من جحر مرتين.
أشياء عدة سوف تتغير لدى الكتلة التصويتية بالبلاد ،فبالإضافة لاحتمال اشتراك المواطنون السنة في الاقتراع بعد شبه المقاطعة التي حدثت في انتخابات الثلاثين من كانون ثان، حيث أنهم إما ضللوا بفتاوى تحريم المشاركة أو أرهبوا لكيلا يمارسون حقهم بالتصويت، و هذه كتلة تصويتية ليست بالقليلة و ربما ستختار مرشحها على أساس تلبيته لمطالبتهم بقدر من الحياة الكريمة و الرفاهة بين مرشحين عدة حتى لو كانوا كلهم من السنة و ستفاضل حتى من بين المرشحين الشيعة على هذا الأساس بجانب عوامل أخرى، و حتى نهاية العام ستكون هناك متغيرات عدة يمكن رصدها باعتبارها مؤشرات على مدى تقدم العملية الديموقراطية بالبلاد، و كذلك على ارتقاء وعي الناخب ، و على اختبار احترام المرشح لوعوده معه ،فمثلاً لن يكون نفس المواطن الذي اقترع على أساس قوي و طائفي في كثير من محافظات البلاد على استعداد لأن يغلب مرة أخرى انتماءه الأولي على معايير صدقية الوعود المعلنة من الناخبين، إنه سيفكر فيما إذا كان من أنتخبهم على هذه الأسس قد خدموه أم لا ،فإذا كانت الإيجاب هو الرد فسيعيد انتخابهم بسبب تفانيهم في رفع حالته المعيية و تأمينه من مخاطر الإرهاب و العنف، و إذا كان الرد سلبا فإنه سيعيد التفكير تماما في أهمية النظر لديانة أو مذهب أو نوع المرشح حتى يعطيه صوته،و ربما لن يسأل المواطن عن انتماء المرشح حتى يجود عليه صوته، فالأمر سينتقل لما يشبه العقد الاجتماعي بين الناخب و المرشح- يقول الثاني للأول اعطني صوتك فيرد الأول مقابل ماذا ؟ ماذا ستوفر لي من خدمات ؟ مم ستحميني من أخطار ؟ فإذا رد الناخب بوعود معسولة سيكون الدور على المواطن الناخب بسؤاله و كيف ستطبق هذه الوعود ؟ من أين ستحصل على ميزانية لتحقق لي كل هذه الأحلام ، و حتى يصل الناخب للمرشح الأفضل و حتى يحسن المرشح تقديم برنامج - عملي قابل للتطبيق - تدور المساومة السياسية المعروفة حتى الوصول لتوافق ما و هذا السيناريو معروف لدى ديموقراطيات عدة و يكتسب فيه الطرفان خبرة مع طول التراكم في تكرار هذه اللعبة الديموقراطية حتى إذا ما فاز مرشح ما يبدأ النصف الثاني من العقد و هو جدية هذا المرشح في تنفيذ ما التزم به أمام ناخبه و النائب هنا لا يصبح مرشحا عن دائرة واحد بل عن عموم الأمة ،لذا فإن المرشح الذي يبالغ في تصوير ما سيقدمه من خير عظيم لهذه البلدة أو المحافظة يسقط في فخ عدم إدراكه لفكرة الديموقراطية النيابية و بالطبع يخرج هذا الشخص تماما من حسابات الناخب.
أمر آخر -ربما - سيستجد على ذهنية العراقي خلال هذا العام و هو أنه لن يسأل في الانتخابات القادمة عن القائمة المباركة أو القائمة الملعونة ، و اللبيب تكفيه الإشارة ! اعتقد و ربما بشيء من التفاؤل أن المواطن العراقي سيستوعب درسا كبيرا في الديموقراطية الحقة خلال الأشهر الجارية و حتى الاستحقاق التشريعي القادم، هذا المواطن الذي لديه بالفعل من الاهتمام بعالم السياسة الكثير، سوف يؤمن بقواعد جديدة في العملية الديموقراطية ربما لم يكن وعيه مدركا لها من قبل و لم تكن الظروف تسمح بشرحها له.
و ربما أوصلنا كل هذا الاستدراك إلى تطبيق ذلك على أرض الواقع ، فهناك بالفعل تحد قائم الآن أمام حكومة الدكتور الجعفري الذي نكن له التقدير والاحترام ، و هو أنها رشحت على أسس ما و في ظروف معينة ومحاربه من قبل أشخاص في داخل القائمة تريد له الفشل ليتسلقوا ثانيه على نضالات شهداء الدعوة والعراق، و لكن لازال لديها الفرصة أن تثبت أنها لم تأت على قطار العاطفة المذهبية أو التصريحات الدينية بل جاءت لأنها تستحق هذا المكان و عليها أن تقوم بما يثبت أنها تستحقه بالفعل لا القول.
الدكتور علاوي - مثالاً- والتحدي الانتخابي:
تحد جديد يفرض الآن أمام رئيس الوزراء السابق دكتور أياد علاوي الذي يتوجب عليه أن يثبت أنه كان لديه برنامج عمل قابل للتطبيق و أنه رغم عدم مشاركته بالحكومة الحالية لكنه لم يطلق السياسة و أنه اختفى بعض الشيء عن الإعلام لأنه كان يفعل شيئا يستحق هذا الانزواء، عليه أن يرينا ماذا بجعبته و هل اعد العدة الصحيحة للانتخابات القادمة من برامج وقيادات جماهيرية محبه ومخلصه للعراق لا تعرف التلون وليست من طراز (على حس كرسي الوزارة خفي يارجليه)،و هل كان قرار تفرغه للإعداد للانتخابات القادمة - حسب المفهوم من تصريحاته الأخيرة- يستحق عدم الاشتراك بالحكومة الحالية؟ و متى سيعلن برنامجه الذي يفترض أنه قضى في إعداده الفترة من إعلان حكومة السيد الجعفري و حتى اقتراب موسم الانتخابات القادمة على الأبواب، هل سيكون على قدر اختياراته و لا يتراجع؟،و هل سيحافظ على أفكاره التي أعلنها و طبق بعضها في أثناء ترأسه الوزارة السابقة من عدم إقصاء أحد أو استثناء أحد على أساس قومي أو ديني؟ هل سيشكل حكومة ظل ؟ هل سيبشرنا مثلا بإقامة جبهة عراقية وطنيه تضم العراقيين جميعا تلتحم مع الشعب و ليس مع فصيل سني أو شيعي ولكن مع كل تيار عراقي يبغي الصلاح للبلاد ؟ هل يقبل الدكتور علاوي التحدي بأن يقدم نفسه ليس كسياسي طامع في منصب و امتيازات و لكن كشخصيه قادرة على القيادة لأجل إخراج العراق من محنته؟ باعتبار أن المواطن العراقي لم يعد بحاجة لمزيد من المنتشين بحراسهم و خدمهم ،أو بانتمائهم العائلي و العشائري و المذهبي،بل بحاجة لمن يحل لهم جبل المشاكل الذي يعانون منه ليل نهار.
ومن الإنصاف رغم وجود ملاحظات عديدة على أداء بعض المسئولين في حكومة الدكتور علاوي السابقة أن نقول أن الرجل كان بوسعه التزلف و التقرب للناس في الحسينيات و الجوامع، لكنه لم يفعل و هو أمر يحسب له و لصدقية رغبته في عدم استغلال الدين في متاهات و دروب السياسة رغم أن هذا الخيار كلفه الكثير، مثلما يحسب له استشرافه بلا جدوى أو لنقل لا فعالية اشتراكه في الحكم الآن و أنه لن يتاح له العون الكافي للقيام بشيء في ظل التقسيمات فارتضى بمد يد العون دون اشتراك بالحكومة ، مثلما يحسب له أنه لم يعارض الحكومة الحالية و ترك لها الفرصة للعمل لصالح المواطن .
فرصة الدكتور علاوي تكمن في أن المواطن لن يقبل المواطن في مرشح الانتخابات القادمة بأقل من سياسي يعدهم فينفذ ،و يحاصر الزمن و العنف ليخرج العراق من كبوته سريعا، لن يقبل العراقيون بانتقال الولاءات و الدعوة مثلا لعراق ديموقراطي و علماني ثم الارتماء في أحضان دول أصولية أو الدفاع عن جماعات متطرفة أحرجت الحكومة و عرضت أمن المواطن للخطر،بل و محاولة استغلال ما لدى هذه الجماعات من زخم في المناطق المهمشة و الفقيرة ليكسب أصوات هؤلاء، لن يقبل المواطن أن يعلن السياسي أنه مع تعقب و فصل القتلة و المجرمين و البعثيين من مناصبهم ،ثم يقرب منه مساعدين عليهم علامات استفهام،و تورط بعضهم في عمليات نهب و سلب بالعاصمة بغداد بعد سقوط صدام في التاسع من نيسان، أو تورطوا في إرهاب المواطنين و تهديدهم .
دور المرجعيات الجماهيرية المنشود في الانتخابات القادمة:
و الآن لنضع النقاط فوق الحرف بدون مجاملات ، نقول أن هناك تحدٍ آخر و هو مطالبة المرجعيات والقوى المستنيرة و الوطنية و التقدمية و ذات التاريخ في النضال بالبلاد أن تكون سندا حقيقا و محايدا للعملية الديمقراطية،و عندما نقول المرجعيات فإننا لا نقصد فقط المرجعيات الدينية بل كافه المرجعيات ممن يعتقد المواطن في حكمتهم و صواب رأيهم، خاصة في ظروف الأزمة، نعني كل المرجعيات الحكيمة بالمجتمع، نعني المفكرين و العلماء و الشخصيات العامة هم مرجعيات بصورة أخرى، هل سيصطف هؤلاء نحو توعية المواطن أكثر بطبيعة العملية الديموقراطية و بعدم نفي الآخر و بعدم التعصب و بالاختيار على أسس عقلانية لا عاطفية لأشخاص يفترض أنهم مرشحين أيضا على أسس موضوعية لكي يقوموا بمهام إدارة البلاد أي مهام سياسية و أمنية و اقتصادية.
دور خاص ننتظره من السيد السيستاني (حفظه الله).
أمر أخير لا نظنه سيستعصي على أن يتحقق، و هو أننا نتمنى على المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني (حفظه الله) أن يكمل ما بدأه من جهد و توصيات لوقف العنف بالبلاد و إشاعة جو الانتماء و المحبة بين طوائف و ملل العراق، ندعوه بكل رجاء ألا يسمح لأحد بتكرار ما حدث في الانتخابات السابقة من إعلان و نفي ثم تلميح فصمت عن أنه يبارك قائمة بعينها، لأن هذه الإشاعات لم تكن تتناسب مع ما عرف عن مرجعيته التي نجلها ونقف احتراما لها،هذه المرجعية التي نتعشم مثلما عودتنا أن تساند من هو قادر على إعادة الأمن والأمان، فإذا ما أشيع سابقاً أنها ساندت المجلس الأعلى للثورة إسلامية أو حزب الدعوة أو تيار الإسلام السياسي فهذا حق مشروع ونستطيع تفهمه لكنه مناقض لما هو معروف عن مرجعية النجف من رفض للتدخل في السياسة و إعلائها قيمة تكافؤ الفرص، و إذا كان سبب المساندة التي تمت من قبل المرجعية - أو أشيع أن قوائم البعض مباركة من قبل السيد السيستاني - لأنه رأى فيهم الأقدر على حل مشاكل البلاد،ـ فإننا ننتظر من المرجعية الحكيمة مراجعة هذه التوقعات و هل نفذ المباركون ما وعدوا به و ما توسمته المرجعية فيهم و ما توقعه الناس منهم ؟ و في الانتخابات القادمة نطالب صراحة أن يكون رأي المرجعية معلن من السيد السيستاني نفسه فرغم ثقتنا في كثير من وكلائه لكن هناك من لا يفهم أمانة النقل و يجري على لسان السيد ما يريدونه هم فنجد كما حدث في الانتخابات حيث سمعنا العديد من التصريحات المتناقضة من قبل السادة وكلاء المرجع ،وحبذا أن يكون إذا أراد السيد السيستاني أن يوجه دعمه لفصيل يراه الأقرب لمصلحة البلاد أن يصبح دعما واضحا لمن ينفع الناس و ليس لمن يرفع المصاحف و يبرز انتماءه المذهبي، حتى يتسنى للمواطن العراقي البسيط تبين الخط الأبيض من الخيط الأسود و حتى لا تحدث بلبلة من جديد.
أننا نتمنى في فترة التحضير للانتخابات القادمة ألا يستغل بعض الذين لا ينتمون للتيار الإسلامي مشاعر البسطاء فيركبون الموجة مره أخرى للوصول على أكتاف المناضلين، وان يكون دعم المرجعية دعما للشعب واختياره وعدم ترك الباب للمتطفلين أن يستغلوا اسم المرجعية في ترويع البسطاء أو تلقي أصواتهم دون أن يكون ذلك خيارهم النابع من التفكير و المقارنة.
فالحاصل صراحة بالعراق أن أبناء الطائفة الشيعية في العراق يتنازعون بكرة المرجعية ، و هذه ظاهرة ربما من الصعب تجنبها الآن في ظل المشاعر الدينية لدى المواطن العراقي المحروم لعقود حتى من ممارسة طقوسه الدينية البسيطة، لكننا نكرر أن هناك من يلعب على هذه النقطة و يحسن استخدامها و توظيفها، و هو بهذا يخرج عن قواعد اللعبة السياسية النظيفة .
ثم إنه مع الوقت سيعود المواطن العراقي - سني و شيعي و مسيحي و أيزيدي و صابئي- للنظر للأمور برؤية لا تثقلها العواطف و الحساسيات فيختار الأكفأ ، و هنا فقط سيكون تحد حقيقي للساسة العلمانيين حتى الشيعة منهم لأنه سيتوجب عليهم تقديم طرح مغاير يكون المواطن العراقي ككل هو محورها،و سيبتعدون تماما عن أي توظيف للمشاعر الدينية للحصول على أصوات الناخبين لأنه سيفقدهم مصداقيتهم و يظهرهم بمظهر المتلاعب بالدين للوصول لمقعد الحكم كما حدث من قبل.

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com