|
الغاء التعاون الزراعي في كردستان .. ابعاد خطيرة وضارة تستلزم المراجعة واعادة النظر
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
التعاونيات اداة دفاعية لاصحاب الملكية الصغيرة امام هجمات الملكية الكبيرة في السوق المفتوحة ، واداة دفاعية عن المستهلكين ضد استغلال التجار والوسطاء، واداة دفاعية للمحتاجين للمال ضد جشع المرابين ... ويسهم المدخل التعاوني في ترسيخ القواعد الديمقراطية في التسيير الذاتي للمؤسسات ويعلم اعضاء التعاونيات مناقشة امورهم وانتخاب ممثليهم في ادارة شؤونهم والنشر العلني للبيانات والمعلومات التي تمكنهم من تقييم الاداء ومكافأة المجدين ومحاسبة المقصرين... التعاونيات شكل لتنظيم العمل اقتصاديا واجتماعيا مقترن بمبادرة الناس المعنيين بالذات، وبدعم وتوجيه ومراقبة من اجهزة الدولة المختصة والسلطات الممثلة لمصالحهم ! ويزيد التجميع التعاوني غير المشوه من انتاجية العمل الاجتماعي ويسمح بعدالة توزيع اعبائه وثمراته بين اعضائه اعتمادا على تقدم العلم والتكنيك والادارة . وعليه تعتبر التعاونيات الاطار المناسب للمشاركة الشعبية الواسعة في تحديد الاتجاهات التنموية واولوياتها المعبرة عن مصالحها بالتوازن مع مصلحة تقدم المجتمع .. القطاع التعاوني تنظيم ( اجتمااقتصادي ) يمتلك خاصيته التي تتميز عن التشكيلات المساهمة والمختلطة والمشتركة لأغراض اقتصادية بينما كان تطوير الجمعيات التعاونية استجابة لحاجات وضرورات اقتصادية اجتماعية .. القطاع التعاوني هو الركن الرابع في التعددية الاقتصادية والاكبر ضعفا وتغيبا والاقل اهتماما ورعاية . والتعاونية منشأة جماعية تشجع الديمقراطية وتقيم اسواقا مفتوحة وترفع من الكرامة البشرية . لكن التعاون ليس شكلا للنشاط الحرفي الصغير فقط او شكل خاص لتجارة المفرق بل شكل يمكن ان يتجسد في المنشآت الصغيرة والكبيرة معا في الانتاج السلعي والخدمات بانواعها . والتعاونية ليست جمعية خيرية بل مؤسسة اقتصادية تعمل وفق مبادئ الربح والخسارة ضمن اقتصاد السوق وتجمع المزايا الايجابية للملكية الخاصة وملكية الدولة ومؤهلة للعمل بكفاءة وجدارة . وترفض التعاونية القسرية الاجتما – اقتصادية والالزام الحكومي بينما تتوافق الملكية التعاونية مع الطابع الاجتماعي للانتاج وتزيل التناقض بينه وبين الطابع الفردي للتملك . التعاون وسيلة لحماية مداخيل العامة من النهب ولتحسين احوالهم الاقتصادية ويهدف الحد من الاستغلال وحماية الاعضاء من سطوة الاحتكار الكبير وزيادة الرفاهية . وتنظم المؤسساتية التعاونية وهي جزء من المؤسساتية المدنية النشاط التمويني والتسويقي للفلاحين وتستخدم الارباح المتحققة من نشاطاتها الخاصة لتأسيس النوادي والمطاعم ورياض الاطفال في مناطق العمل ولمصلحة سكان الريف واعضاء التعاونية ذات العلاقة . تخضع المؤسساتية التعاونية باعتبارها جزءا من المؤسساتية المدنية لآليات عمل هذه المؤسساتية في خلق قنوات المشاركة الاجتماعية وضبط السلطات وتطوير القدرات المعيشية وتنمية الموارد البشرية .... كل ذلك اساس العلاقات والقواعد الاجتماعية والرأسمال الاجتماعي للامم واقامة مجتمعات التكافل والتعاضدية – السينرجية . ابتلى التعاون الزراعي في العراق بالتسلط والنفعية وانعدام النزاهة من جانب القيادات التي اختارها حزب السلطة . واسهم الجوهر الطبقي لسلطة البعث واتباع السياسات الخاطئة في التعاون عموما لاسيما فيما يخص الجانب الديمقراطي في العمل التعاوني واتباع مبدأ الالزام في الانضمام الى الجمعيات التعاونية بدلا من الطوعية والاقتناع وقوة المثل ... اسهم في تدني قيمتها الاجتما – اقتصادية .. ترافق ذلك مع التركيز على التوسع الافقي للتعاون دون التخصصي واستغلال قروض المصرف الزراعي لتنمية الرأسمال الخاص في الزراعة ، ثم تربع اغنياء الريف قمة القيادات التعاونية ( ابو نيران / التعاونيات الزراعية وسلطة البعث / الثقافة الجديدة/ عدد 133 ). توجت سياسات النظام العراقي بحل التعاونيات الزراعية عام 1981 ، ارضاء للقطاع الخاص والخصخصة ! وكانت الصحف اليومية في الثمانينات تطالعنا باعلاناتها في بيع وتأجير الاراضي الزراعية والحقول والدواجن واسواق الخضر وعلاوي الاسماك والخضراوات وغيرها من موجودات القطاعين العام والتعاوني ( حسين واثق / الثقافة الجديدة / اعداد 189-191 ) . وبعد انتفاضة آذار المجيدة كانت السلطات الاقليمية رغم المصاعب والعراقيل تدير شؤون منطقة الملاذ الآمن وتجهد في حماية الشعب الكردي من تخرصات الدكتاتورية والمصالح الاجنبية واطماعهما .... لكنها فاجأتنا بقراراتها الارتجالية في الغاء التعاون الزراعي في الاقليم في توجه خالف مسيرتها الوطنية والديمقراطية ، وعكس مدى اضطراب ولا استقرارية العلاقات الزراعية في الاقليم سابقا وحاليا لتشابك القوانين والمراسيم والتعليمات ... فخلق فوضى العلاقات والسوق الزراعية ( chaotic ) وبروز الاثرياء الجدد عبر التطبيق غير الجاد لقانون رقم ( 90 ) عام 1975 وقرار الجبهة الكردستانية رقم (2) لسنة 1992 .... وصولا الى الغاء التعاون الزراعي بحجة فشله وايقاف العمل بقانون الجمعيات التعاونية رقم (43) لعام 1977 في اقليم كردستان العراق وتحويل كل ممتلكاتها المنقولة وغير المنقولة الى وزارة الزراعة والري ولتسجل بأسمها . وكانت الجمعيات الفلاحية التعاونية قد جمدت نشاطها منذ عام 1992 رغم رصيدها في المصارف الزراعية التعاونية الا ان قانون اتحاد فلاحي كوردستان الصادر في 22/11/2001 من برلمان كردستان العراق في اربيل الغى هذه الجمعيات . ولم تبادر السلطات الاقليمية الى وضع اليد على الاسباب الحقيقية لاخفاقات السياسات السعرية والتسويقية وتفتت الملكيات الزراعية وعلى عشوائية تأسيس المزارع والمجمعات التعاونية اصلا واخفاقاتها في التنمية الزراعية . ( ملا خوشناو / ريكاي كوردستان / عدد 214 ) .
المدخل التاريخي النظري ظهر الفكر التعاوني على يد الاشتراكية الطوباوية ... ويعتبر ( روبرت اوين ) الأب الحقيقي للتعاون لكن تجاربه انتهت الى الافلاس في انكلتره . اول نموذج تعاوني ناجح كان استهلاكي النمط عام 1844 في روتشديل – انكلتره وبمبادرة عمالية صرفة اعقبها التعاون الانتاجي الحرفي في حينها . لا يمكن اطلاق النعوت الاعتباطية على التعاونيات كقوة تقدم اجتماعي اطلاقا او تكتسي الطابع المحافظ .... كما وجب التمييز بين نظريات الاشتراكية التعاونية الاصلاحية ابتداء بالطوباوية الاوينية(1771- 1858) وكتائب شارل فورييه(1772- 1835) والشركات التعاونية للكنجية ( وليم كنج 1786- 1865) والحركات البلانية – اللاسالية ( لويس بلان 1811- 1882 ، فردنياند لاسال 1825 - 1864) وبرامج التعاون البوخزية ( 1796 – 1865 ) وخلايا النحل الخلبورادية (1839 – 1911) والمدرسة الالمانية الجيدية ( 1847 – 1932 ) والبارانوفسكية ( توكان بارانوفسكي (1865- 1919 ) ونظريات الربح التعاوني في القرن العشرين واهمها البرونينية ، ونظريات الرأسمالية التعاونية المرتبطة بمروجها ( ميلر ) والتعاون الصهيوني الكيبوتسي . كان البعث العراقي اسير ( النظريات اللاتعاونية ) التي دعت الى الحرية الاقتصادية والملاكين الاحرار والى ان التقدم في التعاون لا يتحقق الا بمبادرة اصحاب الملكيات الفردية الخاصة انفسهم . وقد لقت هذه الشعارات الرواج في امريكا اللاتينية بدعم من الرأسمالية المحلية . كما استمد البعث العراقي من التعاون الصهيوني سياسة العسكرة الاجتماعية والاستيطان البشري... وعليه كان التعاون العفلقي انتقائي من النظريات اللاتعاونية والتعاون الاشتراكي الصهيوني .ويلاحظ ان غالبية النظريات التعاونية تقف معارضة لنمط التعاون الزراعي الانتاجي والملكية المشتركة الجماعية لوسائل الانتاج والاستخدام الزراعي الجماعي للارض . كان النقل التعسفي للاسر الفلاحية من منطقة الى اخرى لاسباب امنية واقتصادية وسياسية مزعومة كالتهجير القسري للعشائر والعوائل ذات الاصول القومية – الاثنية غير المرغوب فيها من العوامل المعيقة لتطبيق الاشكال التعاونية للاستثمار لاسيما التعاون الزراعي وتطوير تربية الماشية والابقار . وعليه ترتبط السياسة التعاونية بالموقف الاجتما- الاقتصادي للسلطات الحاكمة وتوجهاتها الديمقراطية وتطور المؤسساتية المدنية وهذا ما افتقر له العراق الذي عانى من سياسة الاضطهاد الشوفيني للكرد والتركمان والاشوريين والتغيرات الجيوسياسية القسرية بسبب كلانية القيادات الحاكمة ! . تأسست اول جمعية تعاونية استهلاكية في العراق عام 1937 في مزرعة الزعفرانية بمبادرة من بعض الموظفين .وفي عام 1944 اصدرت السلطات قانون حركة التعاون والجمعيات التعاونية رقم (27 ) ... وتأسست اول جمعية تعاونية زراعية بموجب القانون في منطقة الدورة قرب بغداد عام 1946 ... وفي عام 1956 تأسس البنك التسليفي التعاوني . وقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية (132) جمعية حتى عام 1958 ضمت (70) جمعية سكنية و( 21) جمعية تسليفية و(31) جمعية استهلاكية و(10) جمعيات زراعية ... بينما يؤكد ( نصير الكاظمي ) انه حتى ثورة تموز 1958 بلغ عدد التعاونيات الزراعية (16) جمعية تعاونية ارتفع الى (436) جمعية حتى تموز 1968... ( الكاظمي /الثقافة الجديدة / عدد 138 )، كما تنامى في هذه الفترة عدد التعاونيات الاستهلاكية. وعموما ساد التعاون فيها – اي فترة حتى تموز – 1968 ضعف اداء الاتحادات المركزية والترابط بين الاصناف التعاونية وعمليات التسويق التعاوني ، وضعف دور الدولة ومديرية التعاون العامة . وفي هذه الحقبة اي منذ بدايات التأسيس التعاوني العراقي وحتى تموز 1968 ، ورغم صدور قانون جديد للتعاون رقم (73) عام 1959 يلاحظ ان الحركة التعاونية في العراق استندت على (3) خلفيات : التراث الاسلامي – سجلت الدولة العباسية انتماء جيل البداوة وانطلقت القوى الاجتماعية الجديدة بوتيرة اسرع من السابق على قاعدة اقتصاد مديني تغلب عليه التجارة وتحتل فيه الحرف مكانة كبيرة نسبيا . وكان الدخول في جماعات اصحاب الحرف المسلمين في الشرق يقوم على شعائر رمزية بينما رسم نظام الفتوة قواعده في صيغ شيعية عربية وفارسية وتركية . وكان ( سلمان الفارسي ) الشيخ الاكبر للنقابات الاسلامية . كانت النقابات الاسلامية وتسلسلها ، والمراقبة من قبل الدولة ، تحت اشراف الامناء وهي تحافظ على حرية وحماية المهن وتسهر على اقرار السعر العادل والاجر العادل وعلى تشجيع المساعدة والتعاون وكان الامناء يتصرفون بنوع من الجماعية والتضامنية بأسم الاخلاقيات الاقتصادية ورفض الامتيازات الوراثية .وفي الحضارة العباسية ظهر المزارعون والرعاة والبساتنة. وكانت اسلمت الارياف ابطأ من اسلمة المدن . لكن عصور الانحطاط عملت على تحجير وتمجيد تنظيم المهن وعرقلت خلق وابداع تقنيات جديدة .
التراث التعاوني الاصلاحي والطوباوي والرأسمالي . التراث التعاوني في الاشتراكية القائمة سابقا – في الاتحاد السوفيتي السابق وفي بلغاريا : اعتبرت الملكية التعاونية والتعاونيات الزراعية ملكية ثانوية وتحتل المركز الثاني على الصعيد النظري والوعي العام بعد الملكية العامة ، وجرى التضييق على الديمقراطية التعاونية الزراعية وتصفية الجمعيات التعاونية للحرفيين وقيدت اقتصاديا واداريا الاستثمارات المساعدة لسكان الريف !. وجرت تصفية هذه الاستثمارات والحيازات الزراعية الى جانب تصفية التعاونيات الاستهلاكية وتدويل التعاونيات الخدمية في اطار سياسات زراعية خاطئة . التعاون الزراعي في كردستان ترجع فكرة التعاون الزراعي في العراق الى عهد حمورابي وتشريعاته واخذ شكله الحديث اوائل العشرينات مرورا بتجربة النقابات الاسلامية والتجارب الاوربية الغربية بمبادرات فشلت حتى صدور التشريعات الحكومية لتنظيم التعاون .. وبعد تموز 1968 صدرت تعليمات مكثفة من المجلس الزراعي الاعلى لمعالجة المزارع الجماعية والتعاونيات الزراعية واتبعت سياسات خاطئة لتنظيم الريف والمجتمع الريفي ... وظهرت عمليا مفاهيم تعاونية مثل : الجمعية التعاونية ، صندوق التعاون، اللجنة التعاونية في المحافظة ، معهد الاعداد والتدريب التعاوني ، الاتحاد العام للتعاون ، الاتحاد التعاوني الخدمي .. الانتاجي .. الاسكاني .. النوعي الخدمي من موقع ادنى .. وصدرت قوانين تعاون برقم (58 ) لسنة 1982 ، ورقم (15) لسنة 1992. انحسر الطابع الشعبي الذي ميز الحركة التعاونية في العراق في بداياتها ومساهمة الحزب الشيوعي في دعمها بعد ان صارت تحت المظلة الحكومية . في عام 1935 سنت الحكومة قانون تشييد القرى الحديثة وبقى التنفيذ معطلا ، وفي عام 1958 صدر قانون رقم (30) الا ان الفلاح رزح تحت وطأة الديون الحكومية مما دعاه الى ترك الارض والهجرة الى المدن .. وحل محله قانون رقم (117) لسنة 1970 . ولم تحد هذه القوانين مع قانون رقم (90) لعام 1975 من النفوذ العشائري رغم انها وجهت ضربات قاسية للمنتفعين من قوانين تسوية الارض رقم (50) لسنة 1932 وحقوق وواجبات الزراع رقم (38) لسنة 1933 .. ( محمد حسين ابو العيس / الفكر الجديد /عدد (5) ) . انخفض عدد التعاونيات من (1635) تعاونية اعضاؤها (23109) عام 1975 الى (713) نهاية عام 1988 .. وهبط عدد المزارع الجماعية من (79) الى (7) والتعاونيات المتخصصة من (173) الى (52) وتهاوي الاقراض للتعاونيات التي يقدمها المصرف الزراعي من (21.5) مليون دينار عام 1985 الى (91) الف دينار عام 1988 . الغت اصلاحات عام 1983 الربط بين منح الاراضي والانضمام للتعاونيات ... وتوجهت السلطات الى تشجيع الرأسمال الخاص ورؤوس الاموال العربية لاستثمارها في العراق عبر سن قوانين ارتدادية بارقام (35) لسنة 1983 و( 32) لسنة 1986 . واستهدفت السياسة العشائرياتية او احياء القيم العشائرية في الريف والمدينة الانكفاء والاحتماء بها في الحالات الاستثنائية ، ثم الغيت التعاونيات الزراعية ... وقد ولد الركود الاقتصادي العام التذمر في الاوساط التعاونية الحرفية والزراعية .. وهو تذمر محافظ ولم يولد ردود فعل تقدمية بسبب غياب النشاط السياسي المكثف . هكذا عجزت التعاونيات عن تقديم الخدمات وتسببت فعلا في التأخر الزراعي . ولم تسعف تعليمات المجلس الزراعي الاعلى عام 1972 وقانون الجمعيات الفلاحية التعاونية الصادر في 17/2/1977 طريق دعم تأسيس التعاونيات المتخصصة والجمعيات الفلاحية التعاونية المشتركة بسبب الركود الاقتصادي وانعدام الديمقراطية السياسية والاقتصادية وغياب التأسيس المدني . وجاء قانون 1977 بعد (20) عاما من خبرة العمل التعاوني والزراعي وانعقاد مؤتمرين تعاونيين زراعيين ... من المعروف ان اتحاد فلاحي كردستان قد تأسس في الستينيات من القرن العشرين ولم يكن يوما تابعا للحكومة المركزية . وجرت اعادة تأسيس له عام 1991 وتوزع الى اتحادين عام 1997 .وارتبط عمل الاتحاد بوزارات الزراعة والري ومنظمة الفاو ( FAO) التي تطبق بنود القرار (986) في الجانب الزراعي والاروائي، ولا زالت مشكلة الارض من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الفلاحون رغم توالي صدور القوانين والتشريعات . لقد خلفت الحرب الاهلية آثارا ضارة على وحدة السياسة الزراعية المتبعة في اقليم كردستان . وقبل ذلك الغت الجبهة الكردستانية تبعيات القوانين الحكومية المركزية رقم (35) لسنة 1983 واعترفت فقط بأوضاع الملكية الزراعية والحيازة ( حسب تعليمات رقم (3234) لعام 1991) ولغاية عام 1987 .ولكن السلطات الإقليمية الكردستانية لم تدرس أوضاع الملكية الزراعية وأتبعت سياسات زراعية أنتقائية بسبب ضعف المرجعية القانونية، والنفوذ الحزبي والعشائري والميليشياتي! وسادت الأستثمارة الفلاحية الصغيرة حسب تعليمات رقم (2) لسنة 1992 الصادرة من الجبهة الكردستانية ووزير الزراعة والري. عموماً يعتبر الطابع الزراعي في أراضي كردستان العراق أعقد شكل للملكية الزراعية بعد مشكلة البستنة في العراق. وترجع جذور هذا التعقيد إلى عام 1858 الذي أسس نظام الطابو العثماني حسب قانون الأراضي مستهدفاً إلغاء الإقطاع العسكري... ثم جاءت القوانين في ظل سلطات الأحتلال البريطاني لصالح إرساء الاقطاع وتمجيد العشائرية . ولم تعالج مجمل القوانين السابقة للأصلاح الزراعي قضية الأرض بل تعقدت مع دكتاتورية صدام حسين وحروبه الكارثية ضد الكرد وأنفالياته الكيمياوية. كما ساعدت خصوصية منطقة إقليم الجبال وتنوع الأنتاج وتبعثر القرى والتباين الحاد في مساحة الملكية وتداخل الطابع القومي مع الطابع الطبقي والديمقراطي في النضال.. ساعدت على إبقاء المشاكل وتأخر حلها . والفئات الفلاحية كانت ولا تزال تتوزع إلى: الملاكين العقاريين وموقفهم مع الحكام دائماً علناً أو سراً وضد الفلاحين ... وتحول منهم إلى رؤوساء جحوش (فرسان)، أغأغنياءءأألانتلنتلأغنياء الفلاحين وطبيعتهم المتذبذبة، الفلاحون المتوسطون والفقراء، البروليتاريا الريفية في المنطقة .. كانت تصفية المزارع التعاونية ونهب ممتلكاتها وتقسيمها لصالح رموز النظام والسلطات الحاكمة من أخطر حلقات سياسة النظام الدكتاتوري في هدم الريف وتخريب العلاقات الأجتماعية الأقتصادية فيه ،وجرت تصفية التعاونيات وتحويل الجمعيات التعاونية إلى واجهات ميكافيلية فقط، وأوقف سبل الدعم الحقوقي للفلاحين وتسهيلات الحراثة والبذور وتطهير مشاريع الري وألغيت المستوصفات البيطرية وفرق المكافحة البيطرية السيارة، وتمت تصفية العديد من المضخات وتحويلها إلى من يستطيع أستئجارها وتدهور الأنتاج الزراعي بسبب تحويل القوة العاملة الزراعية إلى جبهات الحرب.. وظلت مشكلة التسويق خاضعة إلى عملية العرض والطلب في السوق وتقلص حجم العلاوى الشعبية ويجري قدماً العودة إلى قيم المؤسسة العشائرية لكبح تطلعات جماهير الريف. أما ألغاء الجمعيات الفلاحية التعاونية في أقليم كردستان العراق، فجاء في سياق مختلف وتتويج للأضطراب والفوضى التي عمت كامل السياسة الزراعية وقصور السلطات الأقليمية في أيلاء قضية الملكية الزراعية الأهتمام المطلوب ... فمن جهة جرى التخلص من تبعات القانون الحكومي المركزي الصادر عام 1977 برقم (43) ، ومن جهة أخرى تم ربط ألغاء الجمعيات التعاونية حسب قانون رقم (18) لسنة 2001 الصادر من برلمان كردستان بتشريع قانون أتحاد الفلاحين . بعد التقديم التأريخي النظري للتعاون والتعاون الزراعي وأستعراض التعاون الزراعي في كردستان تبدو جلية الخطوة الخاطئة غير المدروسة ذات الآثار والأبعاد الخطيرة التي توافقت أصلاً مع سيادة الأستثمارة الفلاحية الصغيرة ... والتقت في النهاية بالسياق الحكومي المركزي وان أختلفت الواجهات ، باتجاه حماية مصالح أغنياء الريف الجدد ... كما يبدو جلياً أن التراجع عن هذه الخطوة ومعالجتها بالتي هي أحسن لا مناص منه فالأقتصاد الزراعي التعاوني يسعى لتحويل الأستثمار الضعيف المشتت المتناثر وسط بحر المزاحمة الكبيرة إلى الأستثمار الكبير القادر على المنافسة وزيادة الأنتاجية. * يشجع أعمار الريف الكردستاني الفلاحين على العودة إلى قراهم وزراعة أراضيهم من جديد . ويشجع التعاون الزراعي الفلاحين على الصمود في فوضى السوق متى وفر لهم ضمان سلامة الممتلكات التعاونية والتطبيق السديد للقواعد الأساسية للتعاون وتذليل نشر العمل والنشاط التعاوني الأنتاجي وأعتماد مبدأ الأستقلالية الأقتصادية والتنسيق الجيد مع المؤسسات التسويقية والتوافق مع حاجة الأسواق وتأمين التمويل اللازم بأفضل واكفأ معايير العدالة ورفع الأنتاجية كماً نوعاً. * التأسيس المدني والديمقراطي هو شرط العمل التعاوني السليم وتجنب فرض القيادات الحزبية والطائفية والعشائرية على الجمعيات التعاونية وبالتالي الأبتعاد عن البرقرطة وتدني مستويات الأستثمار والمردودية الأقتصادية .. * بيروقراطية الأجهزة الحكومية ودورها في التلاعب والغش وضعف المراقبة والأشراف ينسجم مع مصالح كبار الملاكين وبورجوازية وكومبرادور الدولة وبالأخص الشرائح القرابية ويتناقض مع التعاون الزراعي. * يتناسب النشاط التعاوني مع عموم الوعي القانوني وبالتالي يتأثر سلباً بالثغرات القانونية في الأصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية. * لم يرتق التعاون الزراعي في السلم التطوري في العراق وبقى يراوح في موقعه حتى افتقد المرونة والشفافية والتخصصية والتعاون الإنتاجي والتنسيق مع محطات الآلات والجرارات الحكومية والأساليب المتقدمة في التسويق والأقراض والتسعير وحتى أفتقد أعتماد التقنيات الحديثة في آليات عمله. * لا تشجع المنظمات الأجنبية غير الحكومية (NGOs) ووكالات الأمم المتحدة التعاون الزراعي وتدعم الأستثمارة الفلاحية الصغيرة .وتسود البرقرطة والفوضى آلية عمل منظمة (الفاو) في الأقليم وخدماتها حيث لا تمنح الفلاحين الآلات والمستلزمات الزراعية في الوقت المناسب مما يؤدي إلى تلف ودمار نسبة كبيرة من المزروعات والبذور الزراعية. وتقوم منظمة (الفاو) ببيع الآلات والمكائن للفلاحين بأسعار السوق.... أي أن الفلاح يدفع أجور الأرض أيضاً في هذه الحالة، وعليه يكون الحمل على الفلاح الفقير مزدوجاً – أستغلال مضاعف - .وتدفع (الفاو) مبالغ خيالية لسحب الموظفين الأكفاء الأختصاصيين من دوائرهم ليتحولوا إلى مرتزقة لأن نسبة الفرق في الراتب كبير جداً ... وتقوم (الفاو) بتنفيذ مشاريع مؤقتة وآنية مثل توزيع المياه بسيارات خاصة على القرى بدل توفير معدات حفر الآبار، وجلب كميات كبيرة من العلف ليؤثر على أسعار الشعير، وتوريد معدات زراعية لا تصلح والطبيعة الكردستانية وقديمة مستهلكة! .ويظهر بوضوح أن الفاو طليقة اليد غير خاضعة للمراقبة الحكومية وقد أستفادت كثيراً من إلغاء التعاون الزراعي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |