أزمة التحليل السياسي في راهن العراق ومستقبله

 

سليم رسول

Srh113@yahoo.com

 

لا يختلف إثنان على أنّ الوضع الراهن في العراق معقد جدا وفيه الكثير من التحديات وما تزال أبواب الإحتمالات مفتوحة على مصراعيها مع نسب متفاوتة لكل إحتمال، ولعل التحليل السياسي الذي يريد ان يقترب جداً من إستشراف المستقبل سوف يجابه بالكثير من المعضلات نظراً لتوالد الأحداث بصورة سريعة فوق العادة.

فإذا أراد المحلل السياسي أن يشرع بتشريح الواقع العراقي فإنه سوف يصطدم بالكثير من الحيثيات التي لابد له من الوقوف عندها وإستجلائها، وبالتأكيد الوقوف على جميع تلك الحيثيات سوف يؤدي الى عرقلة إنجاز العمل في وقت يراد إنجازه به ، وهذا يؤدي الى ان هناك أحداثا أخرى توالدت وعلى المحلل أن يقف عندها وهكذا دواليك دون ان يخرج بنتيجة.

ليس ذلك من باب تهويل مهمة المحلل السياسي أو توصيف المهمة بالخطورة وعدم الدقة مهما كان المحلل حريصا عليها ، ولكنها إشارة الى ما عليه الواقع العراقي، من ثراء في الحدث ومن وفرة بالتصريح والتصريح المضاد ومن إنعكاسات المواقف المختلفة وغير ذلك.

هذا الذي قدمته في موضوع التحليل أرمي من خلاله الإشارة الى إنعدام التحليلات السياسية الدسمة التي لابد من أن تتوفر عليها وسائل الإعلام العراقية و لاسيما الصحافة وربما هو عذر للمحللين وربما يعد تحديا لمواهبهم في تقديم رؤى جاهزة للقاريء العراقي والمهتم بالشأن السياسي.

غير انّ هناك ما يمكن تسميته بالإنجراف الجهوي نحو الجهة والتأثر بما تطرحه على فكر المحلل وهذه ظاهرة بدت شائعة جداً عندما نرى المحللين العراقيين السياسيين يدلون برؤاهم من على المنابر الإعلامية، وليس هناك من المحللين من يستطيع الجزم بأنه بعيد عن هذا الإنجراف نحو الجهة، وقد يعد ذلك من باب التنوع في الطرح حسب معطيات الساحة السياسية، غير أنّه في الوقت نفسه مؤشر على أنّ هناك قيود غير منظورة تقيد الفكر التحليلي العراقي، وتؤشر على أنّ هناك تحزب تحليلي يطرح ما تؤمن به الجهات العاملة على الساحة السياسية العراقية.

وربما قادت هذه الظاهرة بعض المهتمين بالشأن العراقي من غير العراقيين الى الجزم بأنّ التحليل السياسي العراقي المحايد معدوم وليس له وجود على أرض الواقع، فكل من يحملون صفة التحليل هم أعضاء في الأحزاب العاملة في الساحة العراقية ومن غير شك فإن الطرح الذي يطرحونه ليس حياديا ولا هو مشتمل لكل الحيثيات التي لابد من شمولها ليكون الطرح سالما من الإنحياز الى جهة.

ولكنّ الإدعاء هذا تصيبه عاهة عدم الدقة لسبب ظاهر وفي الوقت نفسه غير ظاهر ، فهو يحتاج الى تأمل، فليس كل محلل عراقي هو بالضرورة منتمي الى جهة أو حزب، وهذا شيء معروف ومؤكد ولعل الإجابة على سؤال التوافق في طرح الرؤى نفسها التي يتحدث بها التحليل العراقي من مختلف مشاربه يكمن في أنّ هناك تحديا بارزا يمر به العراق ليس بمقدور احد أن يتجاوزه دون أن يكون له موقف إزاءه ألا وهو تحدي الإرهاب الذي لا يميز بين العراقيين ، هذا التحدي جعل المحللين تتفق رؤاهم في مواجهة هذا التحدي وبالتأكيد فإن للإرهاب علاقة بملفات أخرى والحديث عنها ربما يتفق مع رؤى الكثير أو أغلب الجهات والأحزاب العراقية و هذا هو الذي يولد الظن غير  المستقيم الذي يعتقد البعض غير العراقي بأن ليس هناك في العراق تحليل محايد.

وقد ينصب الفكر التحليلي على أمهات المواضيع المسيطرة على الساحة فيكون التحليل مركزا عليها دون غيرها كما يحصل الآن من تركيز على قضية الدستور المقبل، وهذا ليس له علاقة بإنصراف التحليل العراقي عن الواقع وعدم تعاطيه معه بصورة فاعلة، بل هو تحليل يأخذ بعض الصورة لأنه يعتقد انّها تحمل المفردات الاخرى الكامنة في صورة المشهد العراقي.

العقل التحليلي لا يمكن أن نربأ به عن الإصابة بأمراض أصيبت بها الجهات السياسية أصلاً، فليس عجيباً في راهن العراق أن تجد تحليلا يعتمد الطائفة كمحور يدور حوله في حين تعاني المواطنة لديه غيابا تاما متعمدا أو غير متعمد، وأيضا الحال نفسها يمكن أن تقال عندما يتم التركيز على القومية في ظل غياب المفردات الأخرى، وكذا في التركيز على الدين وتغيب باقي المفردات.

هذه أمراض أصيبت بها بعض الجهات الحزبية قبل أن تصاب بها العقلية التحليلية العراقية، فإذا علمنا أن المحلل السياسي حتى يكون في عين الحدث لابد له من علاقات كبيرة ووطيدة مع مصادر القرار في الدولة فإنّ عدوى المرض تنتقل إليه عن طريق مصادره التي يعتمد عليها في رؤية ما خلف الكواليس.

أزمة التحليل السياسي أزمة قائمة ليس من المنطقي إنكارها بل الذي لابد له أن يحدث هو التحول نحو إنضاج التحليل العراقي الصرف وغلق الباب أمام التحليل الخارجي الذي يبني وفق معطيات مخطوئة ومؤدلجة تتناسق مع أجندات غير موافقة لما يريد العراق الجديد.

الحاجة ماسة لمراكز الدراسات الستراتيجية وتفعيل دور المؤسسات المستقلة التي تعنى بمتابعة الوضع ومجريات الساحة وتقديم التصورات الناجعة لما يمكن ان تكون عليه صورة البلد في مستقبل الأيام، وهذا الأمر لا يمكن أن يستغني عنه السياسي سواء كان مسؤولا حكوميا أو غير حكومي ، حيث أن ترتيب الأوراق يعتمد على ما تتفق عليه الرؤى المستقبيلة التي يطرحها التحليل النزيه.

 

 

 

 

 

                                                                                  

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com