|
المرحلة المنصرمة ..ودروسها ..! هادي فريد التكريتي
شكلت هزيمة اليسار
والديمقراطيين في أول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام صدمة
عنيفة ليس لكل القوى اليسارية والشيوعية بل ولكل لقوى
الديموقراطية والعلمانية ، والحقيقة أن هذه القوى باجمعها كانت
تعيش على أمجاد تاريخية سابقة ، ولم تدرس بشكل واع واهتمام
كبير للمرحلة التي ابتعدت عنها خلال حكم البعث عن الساحة
العراقية ، وما أحدثته هذه الفترة من تحولات في الواقع العراقي
ونفسية الشعب ، كما أن هذه القوى لم تمارس عملا سياسيا ، عندما
كانت تعيش بالمنفى ، بالمفهوم العملي للمعنى السياسي مع القوى
المعارضة العراقية ذات الاتجاهات الفكرية المتناقضة ،
والمختلفة الأهداف ، التي كانت تعمل معها في جبهة موحدة من أجل
اسقاط النظام ، فبمجرد سقوط النظام ، إنفرط عقد هذا التحالف
الهش ، والغير مكتوب في أكثر الأحيان مع أغلب هذه القوى ، وما
كانت قد وضعت ثقلها عليه في تحالفاتها الستراتيجية مع القوى
القومية الكوردية قد انهار قبل غيره مع القوى غير العلمانية
والطائفية ، عندما فضلت القوى الكوردية في الانتخابات الانفراد
بقائمة قومية كوردية ، والتي لم تكن تحلفاتها ، آنئذ ،معها سوى
وحدة المصاب وشمولية الظلم الذي مارسه النظام السابق والذي
ألحقه بكل القوى السياسية العراقية ، علمانية أم دينية منذ
بداية تبلور النهج الشوفيني لحكم البعث .. السياسة فن اقتناص
الظروف الملائمة للوصول إلى الهدف ، وهذا ما كانت عليه كل قوى
المعارضة العراقية ، ما عدا الحركة الديموقراطية واليسارية
بشكل عام والحزب الشيوعي بشكل خاص ، فهو من بين كل القوى
الوحيد الذي كان يحمل الهم الوطني العراقي ولا يزال ، متجاوزا
عن موقعه الحقيقي وواتخلي عن مكانته للآخرين ، سواء أكان هذا
قبل قيام النظام البعثي كما كان قبل سقوطه ، وعند سقوط النظام
، والبدء باقتسام المغانم ، الكل أشاح بوجهه عنه وتخلى عنه
أقرب الحلفاء ، القوميون العلمانيون والديموقراطيون ، فكيف
الحال بمن يختلف عنهم في الرؤيا والفكر والإيمان .. وقبل دخول
قوات الاحتلال الأمريكية العراق كما هو الحال بعد دخولها ،
كانت أمريكا قد عارضت تواجد الحزب الشيوعي ضمن المعارضة
العراقية ، وهذا الواقع أكده السيد مسعود البرزاني ،عند عودته
من أمريكا ، أمام آخر اجتماع للجنة العمل المشترك قبل انفراطه
في دمشق ، وتأسيس مؤتمر صلاح الدين بديلا عنه ، لذا كان
التأكيد على الطائفية وإبعاد الحركة السياسية العراقية
وتاريخها عن فقرات قانون إدارة الدولة ، وإحلال المحاصصة
الطائفية بديلا عن الحركة الوطنية والديموقراطية العراقية ،
لكون الحزب الشيوعي ، وعموم الحركة اليسارية والديموقراطية ،
العمود الفقري للحركة الوطنية العراقية والأكثر عداء لأمريكا
ولعموم القوى الإمبريالية من أي حركة سياسية أخرى في العراق
والمنطقة منذ بدايات ظهور الحزب الشيوعي على المسرح السياسي
...من هنا تأتي أهمية وحدة أو تقارب الحركة الديموقراطية
واليسارية والشيوعية في إعادة تقييم كل السياسات التي مارستها
هذه القوى مع بعضها ، و مع الحلفاء والخصوم على قدم المساواة
واستخلاص العبر والنتائج لصياغة ستراتيجية أخرى ، على ضوء حركة
المجتمع والمتغيرات العالمية ، بعيدا عن الجمود والصيغ
الكلاسيكية والجامدة ، فالماركسية لم تكن نظرية لقرن أو لزمن
ما ، كما لم تكن نصوصا مقدسة ومنزهة لا يحق لجهة ما اغناءها أو
تجاوز نص من نصوصها ، إنما هي مرشد علمي لقراءة الواقع ورسم
الآفاق للمستقبل الذي يحقق للإنسان حريته ورخاءه ، فامتلاك
الرؤية الواقعية على ضوء واقع متجدد ومتطور ومتغير باستمرار ،
هي ما يجب توظيفه في دراسة المجتمع ووضع الحلول الناجعة
للمشاكل التي يعاني منها الفرد والمجتمع على حد سواء ، والتي
هي متغيرة ومتطورة كذلك ، فتحقيق تقارب ومصالحة بين قوى التيار
اليساري خاصة والعلماني عامة هي ما تعيد لهذا التيار تأثيره
وموقعه بين الشعب وبين القوى السياسية العراقية ، فالشعب
العراقي بمختلف طبقاته الاجتماعية وقومياته وفئاته يلتف حول
القوى الواعدة التي تتبنى همومه في حياة إنسانية وعصرية ، تحقق
له الأمان والرخاء والسلم ، كما تضع أمامه قوانين تحميه وتجسد
له مبادئ دستور ديموقراطي وعلماني وتعددي يقر بحقوق الإنسان ،
يهتم بصفة المواطنة وحقوقها ، قبل أن يعطي الحق للطائفة أو
للدين أو للقومية ، مع الاحترام الشديد لكل القيم التي يتمسك
بها المجتمع العراقي ، إن الجرائم التي اقترفها النظام السابق
، بحق المواطن العراقي ، هي نتيجة لدستور تضمن وتمسك بمبادئ
وأفكار قومية عنصرية وشوفينية وطائفية ، دمرت حياة الإنسان
وشوهتها ناهيك عما ألحقه من خراب باقتصاد وثروات البلاد ، وهذا
ما يتطلب من القوى العلمانية ، على الرغم من اختلاف رؤاها في
تحقيق أهدافها الخاصة في تطوير المجتمع ، والتي رفضت ما انتهجه
البعث الساقط ، أن تقف موحدة ، تجاه المسعى الطائفي في رسم
دستور يخل كثيرا في المبادئ التي تؤمن بالإنسان وبقدرته على
الخلق والإبداع ، فالطائفية في المحصلة ، ذات نهج دكتاتوري ،
لم تكن رؤاها غائبة عن رسم ملامح ديكتاتورية طائفية بديلة ، في
النتيجة تهدف لصياغة دستور معاد لكل القيم الحضارية والمدنية
التي يتطلع لها شعبنا في إعادة بنائه من جديد ، وفق أسس وقيم
حضارية ، تتماشى مع التطور الهائل لتقنيات الحياة ، تعيد
للمواطن العراقي ، ذكرا أم أنثى ، كرامته وثقته بنفسه وقدرته
على العطاء .. فتضافر جهود كل العلمانيين من أجل إقرار دستور
علماني ، يبعد الدين عن السياسة ، هو الطريق المفضي إلى بناء
العراق الذي ينشده الشعب العراقي ، يكون أساسا في وحدته وتلاحم
أطيافه وهذا هو الهدف الأول من تقارب وتوحد القوى المتماثلة في
خلاصها من زج الدين بالحكم ، والموسومة بالعلمانية ..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |