|
القيادة السورية تحسم أمرها ياسر سعد / كندا
حين يتعرض نظام لضغوط خارجية وتهديدات جدية, وحين يكون ذلك النظام دكتاتوريا قاسيا وسجله فيما يتعلق بحقوق الانسان اسودا كالحا وينتمي لاقلية عرقية لا تتجاوز عُشر السكان فإنه يجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما. أما ان يتوجه لشعبه وابناء بلاده فاتحا صفحة جديدة طالبا الصفح عما مضى ومطلقا سراح سجناء الرأي والفكر معززا الجبهة الداخلية وليتحول الشعب بوحدته الوطنية الى حاجز يعطل شهية الاعتداء وشن الحروب من خصوم الخارج. اما الخيار الثاني فيكمن في تعزيز قبضته الحديدية على المواطن المقهور في التوازي مع تنازلات وتراجعات امام الضغوط الخارجية لتنتهي بهزيمة فكرية وسيادية ومعنوية تسلم للقوى الخارجية بما تريد وكيف تريد فتكسب تلك القوى الحرب دون ان تخوضها وتحقق من الفوائد والمكاسب الكاسحة على حساب الوطن الاسير والمواطن المتقلب بين لظى القهر وجحيم الفاقه وفي نهاية المطاف ينتهي النظام والذي مات كلينيكيا وان كان يعيش على اجهزة التنفس الاصطناعي والتي ملك مفاتحها للقوى المتربصة بالبلاد والعباد الدوائر. النظام السوري وبفعل نشأته المفعمة بالصفقات ابتداءا من حرب الايام الستة والتي نقلت وزير دفاع خسرت بلاده حربا فاضحة ومواقع استراتيجية حصينة الى منصب الرئيس ومرورا بتحالفات حفر الباطن والاتصالات التي لم تنقطع مع العدو الاستراتيجي -اعلاميا-, وبفعل باطنيته السياسية وتوغله في تدمير الاقتصاد المحلي والذي من ابرز محطاته تجنب ذكر الموارد السورية النفطية في الموازنة, ولاسباب كثيرة مكتسبة واخرى تدخل في التركيبة الجينية للنظام فإن النظام إختار ودونما ادنى تردد ان يطأطأ راسه ويمعن في الانحناء المزمن امام الطلبات والاوامر الامريكية والتي لا تعرف لغة دبلوماسية او لهجة سياسية لكنها تدمن التعامل التكساسي الفظ وباسلوب رعاة البقر. في الوقت الذي تتصاعد فيه الاعتقالات في الداخل وتتبخر وعود الاصلاح وتتوارى احاديث المشاركة والانفتاح داخليا وتزدهر خارجيا لغة التداعي والانبطاح. أخر حلقة في سلسلة التداعي المتسارعة كانت تصريحات اطلقها السفير السوري لدي واشنطن قائلا ان بلاده لا يمكنها تصور سيناريو يتطلب اعادة قواتها الي لبنان وأن بلاده ستتجنب منح الولايات المتحدة أي ذريعة لمهاجمتها. وقال السفير عماد مصطفي في مقابلة مع رويترز ان سورية رحبت بزيارة مسؤولي الامم المتحدة الي لبنان للتأكد مما اذا كانت دمشق قد سحبت بالفعل جميع أفراد قواتها ومخابراتها من لبنان علي أمل تقليص فرص المواجهة مع الولايات المتحدة. وقال مصطفي سورية ليست حمقاء حتي تغادر لبنان بالفعل ثم تحتفظ ببعض العناصر هناك و(تدع واشنطن) تستخدم تلك العناصر كذريعة للاضرار بسورية . واضاف سفير النظام السوري ان بلاده ترغب في تجديد تعاونها في المجال الامني وغيره من المجالات مع الولايات المتحدة والذي تلاشي خلال الاشهر الاخيرة، واكد للمسؤولين بمن فيهم الرئيس الامريكي جورج بوش نفسه علي حسن نوايا سورية. واضاف انني أواصل تكرار نفس الرسالة لكنها تلقي اذانا صماء .وقال في اليوم الذي يرغب فيه الامريكيون في اعادة التعامل مع سورية فسنكون أكثر استعدادا منهم. اننا بلد صغير والولايات المتحدة قوة عظمي في العالم. لا نريد أن نضع أنفسنا في موقف نعتبر فيه مرشحين لان نكون الهدف التالي . الغريب ان النظام السوري لم يتعلم من التجربة العراقية والتي وضحت بجلاء ان التنازلات تجر اكبر منها وان اسلوب الانحناء يشجع الطرف الاخر على الامتطاء ومزيد من الاذلال دون ان يتراجع عن أجندته ولا اي من اهدافه, لم يستطع النظام السوري ايضا استيعاب ان الذي أوقف التوسع الامريكي ودفع آذاه عن كثير من العواصم العربية هو المقاومة الشعبية في العراق المحتل والتي اندفعت لتدافع عن وطنها وكرامتها. قد يحاجج البعض بأن النظام السوري محاصر وان الاسلوب الاجدى الان هو في الانحناء للعاصفة, وقد يتفهم المرء ذلك غير ان الامر الذي يستعصي على الفهم, لماذا هذا التهافت واللغة الكسيرة والمواقف الحسيرة وماذا سيتبقى للنظام من شئ يحتمي به او يفاوض عليه ولماذا لا يتصالح مع شعبه ويرد له بعضا من حقوقه المنتهكة. لقد أثبتت الاحداث الاخيرة ومنها ما يسمى المؤتمر القطري لحزب البعث ان النظام السوري عصي على الاصلاح وان صلاح سورية يكمن في رحيله بعد ان دمر الاخضر واليابس ونشر الفقر وعمم الخوف والقهر وانتهى المطاف به وبلغته الاعلامية العنترية الجوفاء الى التهافت والتمنى على امريكا ان ترضى به حجرا على رقعتها الشطرنجية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |