العراق الفيدرالي

 

نزار حيدر

nazarhaidar@hotmail.com

 

 

   مع اقتراب موعد الانتهاء من تدوين مسودة الدستور الدائم للعراق الجديد، لتقديمه للاستفتاء الشعبي العام، منتصف آب القادم، يحتدم النقاش أكثر فأكثر حول نوع النظام السياسي الإداري الأنسب لهذا البلد الذي عاش أسوأ تجربة مع الأنظمة الشمولية الديكتاتورية، خاصة في ظل نظام الطاغية الذليل صدام حسين.

   ويحتدم النقاش أكثر، حول مفردة (الفيدرالية) التي تعني النظام الاتحادي، والتي ظلت تتردد في الخطاب السياسي لحركة المعارضة العراقية (سابقا) منذ أن تبنى برلمان كردستان مشروع النظام الفيدرالي لعراق ما بعد الديكتاتورية عام (1992)، ولحد الآن، لترد أخيرا في القرار الدولي رقم (1546) بعد أن كانت قد وردت، قبل ذلك، في قانون إدارة الدولة العراقية المؤقت للمرحلة الانتقالية.

   والعراقيون، إزاء الموقف من الفيدرالية، ينقسمون إلى أربع فئات:

   الأولى؛ هي تلك التي لا زالت ترفضها جملة وتفصيلا، فهي تعتبر الفيدرالية مقدمة مشروع لتقسيم العراق إلى دويلات، لإضعافه، ومن ثم ليسهل السيطرة عليه من قبل الأطراف الدولية الطامعة فيه.

   الثانية؛ هي التي تتمسك بالفيدرالية القومية، رافضة كل أنواع الفيدراليات الأخرى، فهي بالتالي تنادي بفيدرالية كردية في الشمال (كردستان) إلى جانب العراق.

   الثالثة؛ هي التي تذهب إلى نظرية فيدرالية الأقاليم، أي أن تقسم محافظات العراق إلى عدة أقاليم، في إطار فيدراليات متعددة، كأن تكون خمسة أو ستة، مثلا.

   الرابعة؛ هي التي تذهب إلى فكرة فيدرالية المحافظات، من دون إلغاء فكرة الأقاليم، أي أن يتشكل العراق من (18) فيدرالية أو اقل، إذا ما رغبت بعض المحافظات في الاندماج، بعضها مع البعض الآخر، لتشكل إقليما فيدراليا لها، كما هي، مثلا، رغبة الكرد في المحافظات الشمالية، حتى الآن على الأقل.

   شخصيا، أنا مع فكرة فيدرالية المحافظات، ولقد كنت قد ذكرت ذلك قبل عامين في مقالتي الموسومة (دستور جديد، لعراق جديد) ولكن، قبل أن أشرح وجهة نظري وأدافع عنها، أود أن أشير إلى النقاط التوضيحية الهامة التالية:

   ألف؛ للأسف الشديد، فان قسم من الناس ينبري لمناقشة الفكرة، من دون الإطلاع على حيثياتها، أو فلسفتها، كما انه لم يحمل نفسه حتى عناء الإطلاع على نماذج من الأنظمة الفيدرالية في هذا العالم، والتي هي تجارب إنسانية قبل أن تكون قومية أو وطنية أو إقليمية، وكلنا نعرف، فان من لم يمتلك الخلفية المناسبة لفكرة ما، لا يمكنه أن يناقشها بشكل منطقي معقول، ولذلك نرى الجاهل بأمر ما يتهجم على الفكرة المطروحة للنقاش ويشتمها، أكثر مما يناقشها نقاشا علميا ومنطقيا رزينا، فهو يميل إلى العاطفة عند الحوار، أكثر من اعتماده على العقل والمنطق، وصدق أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إذ يقول؛ (الناس أعداء ما جهلوا) و؛ (لا خير في القول بالجهل).

   لا يجوز أن نناقش الفكرة، خاصة إذا كانت مهمة واستراتيجية للغاية، بخلفيات ضعيفة، أو بأحكام مسبقة، أو بمواقف متشنجة، أو بالاعتماد على الشائعات وعلى القيل والقال، فقد يكون الخير كله فيها، فنخسرة ونحرم أجيالنا منه.

   ليس العيب في أن نسأل ونقرأ ونصغ للآخرين، خاصة الخبراء منهم، لنتعلم، قبل أن نناقش أو نبدي وجهة نظرنا، ولكن العيب كل العيب، إذا ما تعصبنا لصالح فكرة أو ضد أخرى، لا فرق، من دون أن نعرف على ماذا ندافع أو لماذا نتهجم ؟ .

   باء؛ إن النظام الفيدرالي في العالم، متعدد الأنواع، وإنما اختارته الشعوب لنفسها، من أجل حاجة معينة، وليس (عليك يا الله) كما يقول المثل العراقي، إذ لابد لكل بلد اختار نوعا معينا من الفيدرالية، إنما اختارها لتلبي حاجة معينة، وليحل بها مشكلة أو عقدة كان قد تضرر بها، ولذلك لا يمكن أن نقارن حاجة العراق بنموذج محدد، بكل تفاصيله، أبدا، إذ يبقى هناك مقدار من المناورة والخيارات، يتسع ويضيق، حسب الحاجة.

   جيم؛ على العموم، فان الفيدرالية هي مشروع وحدة، وليس مشروع تقسيم أبدا، وفي حالة العراق، أحب أن أطمئن المتخوفين من مشاريع التقسيم، وأقول لهم، وبالفم المليان، أن العراق غير قابل للتقسيم والتجزئة، أبدا، لأسباب تاريخية، وأخرى متعلقة بالتركيبة الجغرافية للشعب العراقي، وثالثة متعلقة بموقع العراق الجغرافي، ورابعة متعلقة بالوضع الإقليمي والدولي.

   حتى الدول الاستعمارية، لا تريد تقسيم العراق، فهي، إن أرادت أن تلتهمه، فستفكر بالتهامه دفعة واحدة، وليس على دفعات.

   وبصراحة أقول، هناك سبب استراتيجي مهم، هو الذي لا يشجع كل دول العالم (العدوة منها، قبل الصديقة) على تبني مشاريع تقسيم وتجزئة العراق، والسبب هو كالتالي: 

   كلنا يعرف، إذا ما قسم العراق، فسيقسم إلى ثلاث دول، شيعية في الجنوب، وكردية في الشمال، وسنية في الغرب.

   وكلنا يعرف كذلك، بأن أقوى هذه الدول الثلاث، ستكون الدولة الشيعية في الجنوب، لأسباب جغرافية واقتصادية معروفة وواضحة للجميع، ولهذا السبب على وجه التحديد، لا يريد العالم تقسيم العراق.

   أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت إلى كل المتخوفين من مشاريع التجزئة، من دون الاضطرار إلى الولوج في التفاصيل أكثر فأكثر، فالحر تكفيه الإشارة، والعاقل يقرأ ما بين السطور.

   دال؛ إن جذر فلسفة الفيدرالية، يعود إلى فكرة النظام اللامركزي، الذي هو بالضد من النظام المركزي، فهو إذن محاولة للتقليل من سلطة المركز لتوزيعها على الأطراف، للحيلولة دون تمركز السلطة في المركز، من جانب، وللحيلولة دون تكرار تجارب الانقلابات العسكرية التي تكون عادة اقرب للتنفيذ في الأنظمة المركزية منها في الأنظمة اللامركزية، من جانب آخر.

   إنها نظام يعتمد على فلسفة تفويض السلطات، من المركز إلى الأطراف، لتحقيق اكبر قدر ممكن من الشفافية والمساواة والاكتفاء الذاتي.

   كما أن النظام اللامركزي، يساعد على تحقيق عدالة اكبر في توزيع الثروات، إلى جانب أنه يشجع على المشاركة الشعبية في الشأن العام، أكثر فأكثر.

   كذلك، فان النظام اللامركزي يساهم في إزالة كل المخاوف التي تشغل بال الأقليات، بمختلف هوياتها، كالتهميش والتجاوز على الحقوق بمختلف أشكالها.

   وفي حالة كالعراق، أعتقد أن النظام اللامركزي هو أفضل وأأمن وصفة يمكن أن يتبناها العراقيون، للتخلص من كل المخاطر التي ذاقوا ويلاتها على مدى نيف وثمانين عاما الماضية، أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الآن.

   نعود للحديث عن وجهة النظر التي تتبنى مشروع فيدرالية المحافظات، والتي أتبناها شخصيا، لعدة أسباب، يمكن إجمالها بما يلي:

   أولا؛ إن النص على حق كل محافظة (أو أكثر) في إقامة فيدرالية، يعني:

   ألف؛ عدم اغباط حق أي واحدة منها في تحقيق رغبتها، في إقامة مثل هذا النظام الإداري، من دون أن نضع عوائق في طريق أية مجموعة من المحافظات، إذا ارتأت أن تشكل إقليما فيدراليا فيما بينها، ما يعني أننا سنلبي حاجة وطموح كل محافظة على حدة، من جانب،  وكل مجموعة محافظات في آن واحد، وبهذا نكون قد منحنا الحق للجميع وبالتساوي، ومن دون أن نظلم أحدا، إذ كيف يجوز لنا أن نلبي طموح من يرغب في تشكيل إقليم من عدة محافظات، ونسلبه من آخرين لا يريدون ذلك، بل يرغبون في إقامة فيدرالية لمحافظتهم من دون الاندماج مع الآخرين ؟ .

   باء؛ منح كل محافظة الحق في تشكيل الهيكلية الإدارية ذاتيا، بدءا من تسمية حاكم الفيدرالية إلى تشكيل الحكومة الفيدرالية، فالمجالس البلدية في إطار المحافظة (الفيدرالية)، وانتهاءا بأصغر الوحدات الإدارية حسب الحاجة.

   هذا يعني، أن المحافظة (الفيدرالية) ستدار من قبل أبنائها حصرا، من دون الحاجة إلى الاستعانة بآخرين من خارجها، كما كان يفعل نظام الطاغية الذليل، عندما كان يعين، مثلا، شخصا من هيت، محافظا للبصرة، أو آخر من الدور، محافظا لكربلاء، وهكذا، وكأن كل محافظة، ليس فيها من الكفاءات والطاقات والخبرات، ما يؤهلها لإدارة نفسها بنفسها، ومعلوم جيدا، فان ابن المدينة، إذا ما عين محافظا لها (أو حاكما للفيدرالية)، سوف يتفهم مشاكلها وحاجاتها وتطلعات أهلها، أفضل بكثير من غيره، كما انه سيكون أحرص من الآخرين على النهوض بواقع محافظته، أو (فيدرا ليته).

   ثانيا؛ إن لكل فيدرالية حقوقا من مواردها الذاتية، وأخرى من الميزانية العامة، وفي حالة فيدرالية المحافظات، فان كل فيدرالية، بدلا من أن تأخذ حاجاتها من المحافظة المجاورة، ستأخذها من المركز، وبذلك نكون قد ساعدنا كل محافظة على حدة، للنهوض بمستواها، ليس على حساب أية محافظة مجاورة، وإنما من الميزانية العامة التي يتصرف بها المركز، كما أننا سنحول بذلك، دون تراكم المال العام في المركز، وإنما سنضمن توزيعه بشكل عادل على جميع الفيدراليات.

   ثالثا؛ كذلك، فبدلا من أن يحصل الإقليم المكون من ثلاث محافظات، مثلا، على حصة واحدة من المركز، فانه سيحصل على ثلاث حصص، إذا شكلت كل محافظة، فيدرالية لوحدها.

   رابعا؛ لقد أثبتت تجارب الأنظمة الإدارية الناجحة في العالم، أنه، كلما كانت الوحدة الإدارية أصغر، كلما أمكن إنجاز مشاريع التنمية، وعلى مختلف الأصعدة، بشكل أفضل، مثل مشاريع التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتنمية المهارات، وغيرها.

   كذلك، فان تفعيل قواعد الرقابة الشعبية والمحاسبة والمساءلة للمندوبين والنواب، ومتابعة حركة المال العام، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، والجريمة المنظمة، وغير ذلك، في الوحدات الإدارية الصغيرة، أكثر فاعلية منها في الوحدات الإدارية الكبيرة، ولهذا السبب تسعى الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الاميركية مثلا، إلى تقليص حجم مسؤوليات الوحدات الإدارية لتقتصرعلى نفسها فقط، من أجل تركيز جهدها، وعدم تشتيته، ما يساعد على التنمية بشكل أفضل.

   خامسا؛ إن هذا النوع من الفيدرالية، يساعد على أن تأخذ كل محافظة، خصوصياتها الذاتية بنظر الاعتبار، عند التخطيط لبرامج التنمية، وعلى مختلف الأصعدة، من دون الحاجة إلى الانصياع (عنوة) إلى خصوصيات المحافظات الأخرى.

   وكما نعرف، فان لكل محافظة في العراق، خصوصيات تتميز بها عن زميلاتها الأخريات، كالتنوع القومي والديني والمذهبي وطبيعة المناخ وعادات أهلها، وغير ذلك، فلماذا نجبر كل العراق على أن يتحمل كل الخصوصيات ؟ وما الفائدة من ذلك ، سوى المزيد من المشاكل ؟.

   سادسا؛ إن فيدرالية المحافظات، ستحل الكثير من المشاكل المستعصية التي ورثها العراقيون من النظام الشمولي الديكتاتوري البائد، كقضية كركوك، مثلا، وكذلك، الأزمة المزمنة (النائمة) بين الحزبين الكرديين الكبيرين اللذين يتقاسمان السلطة في المحافظات الشمالية، فان فيدرالية المحافظات، يمكن أن تكون مشروع حل لهذه الأزمة، في المستوى المنظور على الأقل، لحين تطبيع الأوضاع بشكل كامل بمرور الزمن، وعندها، بامكان هذه المحافظات أن تتحد لتشكل إقليما فيما بينها، متى ما أرادت ذلك.

   سابعا؛ في هذا الإطار، أقترح تقليص الحدود الجغرافية للعاصمة العراقية بغداد، التي ستعجز عن حل مشاكلها العويصة، والتي طالما ظلت أطرافها، الضحية الدائمة، محرومة ومسحوقة، بسبب التخمة التي يعيشها المركز.

   ويمكن تحقيق هذا التقليص، من خلال منح بعض الأطراف، كمدينتي الكاظمية المقدسة والصدر، حق إقامة الفيدرالية، أسوة ببقية المحافظات الاخرى، ليتمكن أهلها من

النهوض بواقعهم المزري، والذي تعمد الطاغية الذليل تكريسه لأسباب طائفية معروفة.     إن بغداد، عاصمة العراق الأبدية، ستكون أكثر قدرة على تحمل مسؤولياتها إزاء العراق، لو تقلصت جغرافيا، فالعبرة في العاصمة، ليس بحجمها الجغرافي، وإنما برياديتها وبقدرتها على أن تكون لكل العراق، بالتساوي، فالعاصمة الاميركية واشنطن، مثلا، لعلها من أصغر مدن الولايات المتحدة الاميركية من ناحية المساحة الجغرافية، إلا أنها من أكثرها، ربما، حيوية ونشاطا، ولذلك فهي لكل الولايات، وبالتساوي، بقدر ما هي لنفسها، أما أن تكون العاصمة ظالمة لأطرافها، عاجزة عن القيام بمسؤولياتها إزاءها، كيف يمكنها أن تكون لكل العراق، وبالتساوي ؟ .

   إن من مصلحة العراق وعاصمته، أن تكون بغداد صغيرة بمساحتها الجغرافية، كبيرة بدورها ووزنها، وهذا هو شأن جل عواصم العالم، حتى الكبيرة منها، تسعى الحكومات لتقليص مساحاتها الجغرافية، أو على الأقل تقسيمها إلى مناطق إدارية أصغر، مستقلة.   

   يبقى أن أناقش بعض الملاحظات التي ترد على نظرية (فيدرالية المحافظات)، والتي منها:

   من تقول أن محافظات العراق صغيرة المساحة الجغرافية والتعداد السكاني، فكيف يمكنها أن تؤسس فيدرالية لوحدها ؟ .

   وأجيب بالقول:

   أولا؛ أن أكثر من عشر ولايات اميركية، مثلا، كان تعداد سكانها اقل من أصغر محافظة من محافظات العراق، يوم أن تشكلت، ولازال عدد منها حتى الآن، لا يربو تعداد سكانها على النصف مليون، وعدد آخر منها لا يربو تعداد سكانها على المليون، مثل ولايات (ألاسكا)(ايداهو)(مين)(دلور)(مونتانا)(فيرمونت)(نورث داكوتا)(ساوث داكوتا)(ويومنك)، وغيرها.

   ثانيا؛ إن أصغر محافظة عراقية، هي أكبر من عشرات الدول في العالم كالبحرين وقطر ومدغشقر وجزر القمر وغيرها الكثير الكثير.

   ثالثا؛ إن النظام الإداري لا علاقة له بالمساحة الجغرافية أو عدد السكان، بقدر ما يتعلق أمره بالحاجة التي بمقدورها أن تنهض بالوحدة الإدارية.

   وبالمناسبة، ففي النموذج الاميركي، فان لولاية (دلور) التي لا يربو عدد سكانها على النصف مليون، عدد مساوي من الأعضاء في مجلس الشيوخ، مع ولاية كاليفورنيا التي يزيد عدد نسمتها على الثلاثين مليون، وهو(2) لكل ولاية، بغض النظر عن مساحتها أو عدد نسمتها.

   أما في مجلس النواب، فان التمثيل يختلف بين ولاية وأخرى، لأن الأمر يعتمد على النسبة، أي على عدد سكان كل ولاية، وبذلك ساوى النظام الفيدرالي بين الولايات، من جانب، وميزها من جانب آخر، وبهذه الطريقة لم يغبط النظام الفيدرالي الاميركي حق أية ولاية من الولايات الخمسين، واني أتمنى أن يطلع العراقيون على نماذج مختلفة من الأنظمة الفيدرالية، ومنها النموذج الاميركي، من دون التعصب ضد أو مع أي من النماذج، إذ تبقى للعراق خصوصيته في ذلك.

   ومن يقول بأن هذه الطريقة، هي أقرب ما تكون إلى مشروع التقسيم منها إلى صيانة وحدة العراق.

   وأجيب:

   على العكس، فان هذا المشروع هو الضمانة الحقيقية لصيانة وحدة العراق، أرضا وشعبا، إذ ليس من المعقول أن يقسم العراق إلى (18) دولة، بل انه أأمن على العراق حتى من فيدرالية الأقاليم، التي قد تبعث الريبة والشك عند البعض، في كونها مقدمة مشروع تقسيم العرق.

   إن نظام فيدرالية المحافظات، الذي سيقضي على المركزية التي ابتلي بها العراق، والذي سيضع حدا للعبة الانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة) هو الذي سيحول دون تفكير العراقيين في تقسيم بلادهم، ومن دونه فان أي تكرار للمركزية أو لانقلاب عسكري، فانه سيكون، هذه المرة، وبكل تأكيد، المسمار الأخير في نعش الوحدة العراقية، لان الضحايا سوف لن يسكتوا هذه المرة، وهم يتفرجون على عودة نظام المقابر الجماعية، الذي ما كان ليرسخ جذوره في العراق، لولا النظام المركزي المطلق الذي كان قد سيطر على كل شئ.

   ومن يقول، بأن هذا النوع من النظام الإداري، يكرس المناطقية.

   وأقول:

   على العكس، فان فيدرالية الأقاليم هي التي تساعد على تكريس الطائفية والاثنية والمناطقية، عندما يرى مواطن محافظة ما، وقد تأمر عليه حاكما من محافظة أخرى، أما عندما يشعر مواطنو كل محافظة (فيدرالية) أنهم يديرون أنفسهم بأنفسهم، ويتمتعون بخيرات فيدراليتهم هنيئا مريا، من دون أن يقاسمهم بها الآخرون عنوة، إلا في إطار قانون تقاسم الثروة الذي سيحدده الدستور الجديد، فعندها سيبحث مواطنو كل فيدرالية

عن سبل التكامل مع الآخرين، وبكامل إرادتهم، ومن دون غصب أو إجبار.

   كما أن هذا النوع من الفيدرالية، يثير عند الناس قيمة التنافس المحمود، من أجل تنمية أفضل، وصدق الله العظيم الذي قال في محكم كتابه الكريم؛ (وفي ذلك، فليتنافس المتنافسون).

   ومن يقول، بأن بناء مثل هذا النظام السياسي الإداري، بحاجة إلى وقت طويل جدا، حتى يستوعبه العراقيون، ويكتمل بناءه ؟ .

   وأقول:

   أولا؛ يمكن الشروع بتشييد بناء النموذج، بالاعتماد على ما هو موجود حاليا، من لبنات إدارية، كمجالس المحافظات، وما أشبه، بعد توسيع صلاحياتها، ولذلك، فنحن لسنا بحاجة إلى أن نبدأ من الصفر، بل يمكن البدأ بما هو موجود، ثم تطويره شيئا فشيئا، باتجاه التكامل.

   ثانيا؛ أن يأخذ بناء نظام إداري ما، زمنا طويلا، تكون نتيجته الاستقرار والازدهار، خير من الاستعجال في بناء نظام إداري هش، ينهار عند أول اختبار.

   إننا لا نبني اليوم لأنفسنا فحسب، وإنما للأجيال القادمة، كذلك، فلماذا لا نفكر في أن ترث عنا نظاما سياسيا سليما وقويا ومستقرا ؟.

   لنتذكر دائما، بان عراقا جديدا قيد التأسيس، فالمرحلة التي يمر بها العراق اليوم، تشبه إلى حد كبير، تلك المرحلة التي مر بها مطلع القرن الماضي، فكما أن تلك المرحلة بنت الدولة العراقية الجديدة (بغض النظر عن سلبياتها) فان هذه المرحلة تعيد صياغة بناء العراق الجديد، فماذا نحن فاعلون ؟ .

   ولنتذكر كذلك، بان الإنجاز يجب أن يساوي الثمن الباهض الذي دفعه العراقيون من دمائهم وخيرات بلادهم، ليشعروا بأن التضحيات الكبيرة، أنتجت بالفعل إنجازا كبيرا، وان الظرف الذي يمر به العراق اليوم، وهو بمثابة الفرصة التي ستساعد على تصحيح تراكمات الماضي، قد لا تتكرر أبدا، ولذلك يلزم أن نستغل الفرصة، من أجل تشييد بناء استراتيجي، فـ (الفرصة غصة) كما في الحديث الشريف المروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com