|
ممثلو السنة العرب يريدون المشاركة في الحكم أم الاستحواذ على الحكم..؟ منذ أن سطعت نتائج الانتخابات الديمقراطية الحرة التي جرت في شهر يناير الماضي والتي أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن شيعة العراق والوطنيين معهم من أخوتنا السنة والأكراد والأقليات هم الأغلبية الساحقة في ساحة السجال السياسي في العراق الجديد.. منذ ذلك اليوم وزعماء الشيعة والأكراد والشرفاء العراقيين ينادون السنة العرب إلى المشاركة في الحكم والاندماج في العملية السياسية والمساهمة في اتخاذ القرارات والدخول إلى الجمعية الوطنية والمشاركة في كتابة الدستور على الرغم من مقاطعتهم لأول انتخابات حرة تقام في تاريخ العراق.. هذه الدعوات الواضحة والصريحة انطلقت من صميم المراجع الدينية والسياسية الشيعية من قناعة مفادها أن الآخرين الذين لم يشاركوا في الانتخابات، أو الذين قاطعوها، أو الذين وضعوا العراقيل على طريق إقامتها جزء لا يتجزأ من تركيبة الشعب العراقي ولهم الحق في المساهمة في دفة شؤون البلاد وتحديد مستقبله. وتصدرت هذه النداءات ومنذ اليوم الأول لإعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الباهرة نداء المرجعية في النجف الأشرف المتمثلة بالسيد علي السيستاني وكذلك مراجع الشيعة الكبار الآخرون، ثم تواصلت النداءات من أعلى الهرم السياسي الشيعي في العراق.. جاءت على لسان السيد رئيس الوزراء السيد إبراهيم الجعفري ثم السيد عبد العزيز الحكيم وكذلك علماء دين آخرين ومراجع كبار في النجف وكربلاء والكاظمية وشخصيات سياسية فاعلة في منظومة الحكم الجديد.. كل هذه النداءات صبّت دعواتها باتجاه الإصرار على مشاركة أهل السنة في حكم العراق.. وقد كان قادة الأكراد لهذه الدعوات ظهيرا.. فقد أعلن قادة الحزبين الكرديين السنة العرب إلى أخذ دورهم الطبيعي في حكم العراق.. وأكد الجميع الشيعة والأكراد وسائر الشخصيات الوطنية والدينية والعلمانية أن السنة العرب في العراق مدعوون وبإصرار إلى المشاركة في الحكم وقد بح صوت قادة العراق من الإصرار في دعوة أخوتهم السنة العرب للمشاركة في إدارة دفة البلاد.. ولكن ماذا كانت ردة فعل شطر من الذين يدعون تمثيلهم لأهل السنة إزاء هذه الدعوات الخيرة.. لقد قابل قسم من ممثلي أهل السنة هذه الدعوات بالعداء وبالعدوانية والعنجهية.. فقد رد البعض منهم على هذه الدعوات بتحريض المخربين وتشجيع الإرهابيين علنا على شن المزيد من الإعمال التخريبية بحق الشعب والوطن وسفك الدماء والقتل والتخريب وارتكاب المجازر الدموية بحجة مقاومة المحتل.. فيما رد قسم آخر من هؤلاء بإطلاق دعوات مشبوهة كشفت عن وجه مطلقيها وذلك عندما دعوا إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التاسع من نيسان عام 2003 وهي الدعوة التي أطلقتها هيئة علماء المسلمين خلال مفاوضاتها مع أصحاب الشأن سواء المفاوضين العراقيين أو مندوبي قوات الاحتلال الأمريكية.. هذه الردود التي اتسمت بالعدوانية والصلف وتحدي إرادة الشعب العراقي جاءت مع الأسف نتيجة اللبس الذي التبس على هيئة علماء المسلمين ووسطاء فلول البعث، مندوبي الجناح السياسي لتنظيمات التخريب والقتل والتي بدا واضحا أنها تريد إثبات معادلة على الأرض هي ممارسة المزيد من القتل والتخريب والفوضى ضد أبناء الطائفة التي يظنون أنها عثرة على طريق طموحهم في الهيمنة على كامل السلطة في العراق وذلك من أجل كسب التنازلات منهم تحديدا. ويبدو من خلال ما بدر من المفاوضات التي تجري بين قادة القوائم الفائزة والأغلبية في الجمعية الوطنية وبين من يدعون بأنهم ممثلين عن أهل السنة أو الذين يعتقدون أنهم يحتكرون وحدهم تمثيل سنة العراق أنهم لا يريدون المشاركة في الحكم حسب حجمهم الجغرافي ووزنهم السياسي بل يريدون الاستحواذ على كامل السلطة.. يطالبون بجميع الوزارات السيادية.. يريدون الهيمنة على المناصب الهامة.. يسعون لاحتكار السلطة بأيديهم، وخلاصة كلامهم هو العودة الميمونة لجلادي البعث إلى رأس هرم السلطة ولو بثوب جديد طبعا. إن ما ترشح عن اجتماعات الفرقاء المفاوضين يشير بوضوح إلى أن من يدعون تمثيلهم أبناء سنة العراق سواء كانوا من هيئة علماء المسلمين أو الأحزاب الإرهابية المسلحة وممثليهم البعثيين كمنذر الشاوي وأيهم السامرائي يسعون إلى إفهام الآخرين من أصحاب الشأن أنهم سيستمرون فيما يوصفوه بأعمال "المقاومة" ضد الحكومة ومؤسسات الدولة والمجتمع وذلك عبر تكثيف عمليات القتل الجماعية والتدمير العشوائي وبث الفوضى العارمة في البلاد من أجل الضغط على القيادة الأمريكية وكذلك الشيعة والأكراد لتحقيق المزيد من المطالب وكسب المزايا.. وقد أعلن في أروقة بعض من هذه الاجتماعات عن أن سقف الدعوات البعثية ارتفع إلى المطالبة بإعادة الوضع على ما كان عليه قبل التاسع من نيسان عام 2003 ...!! وقيل أن هذا المطلب تم تطعيمه بمقترح يقضي بمشاركة بعض الشخصيات الشيعية والكردية في الحكم المقترح صيغته من قبل ممثلي السنة العرب تحديدا. لقد بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار أن من يفاوض اليوم ممن يسمون أنفسهم ممثلي أهل السنة مع الحكومة العراقية متمثلة برئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وقادة قائمة الائتلاف الموحد والحزبين الكرديين والتي تدور وراء الكواليس وبمباركة بل وبضغط أمريكي لا يريدون في الواقع المشاركة في الحكم بقدر ما يطلبون العودة إلى الحكم بقوة بهدف الهيمنة على مفاصل الدولة والحكم والاستحواذ بشكل رئيسي على مقدرات البلاد بمفاصلها الأمنية والدفاعية والمخابراتية وكذلك الوزارات السيادة كالنفط والمالية والخارجية وغيرها.. إن العناصر البعثية الخطرة التي تبدو منشغلة اليوم بمفاوضة الحكم الجديد تريد إثبات معادلة مفادها.. إما الاستحواذ على السلطة ومفاصلها الرئيسية بالكامل وبالشكل الذي يريدونه ويخططون له والهيمنة على قمة الهرم السياسي والحكومي في العراق وإما الاستمرار في حالة الانفلات الأمني المصطنعة في العراق وتغذيته بشحنات أكبر من أعمال الإجرام والقتل والتدمير المنهجي والمبرمج وذلك بغية إيصال البلاد والحكومة ومن ورائهم الأمريكان إلى طريق مسدود ومغلق تكون مفاتيحها بالتأكيد بيد عصابات البعث والتي تأمل الوجوه الداعمة للإرهاب اليومي في العراق كالضاري والسامرائي والشاوي أن يهرول قادة العراق إليهم طلبا للمصالحة وتقديم التنازلات عندها سيكشف البعثيون المجرمون أوراقهم على طاولة اللعب المكشوف وسيقولوا لا نريد المشاركة فقط بل نريد الحصة الكبرى من الحكم والاستحواذ على ما نريد لأن لكل شيء ثمن وثمن إيقاف قتل العراقيين اليومي هو عودة طواقم البعث لحكم العراق. لقد بدأت الأقنعة تتساقط الواحدة تلو الأخرى من الوجوه البعثية في مؤسسات الدولة العراقية، فبعد افتضاح أمر هيئة علماء المسلمين بشخص أمينها العام حارث بن ضاري وابنه الوريث الرفيق مثنى والرفاق مشعان الجبوري والنقيب وشعلان وعلاوي جاء الآن الدور على أيهم السامرائي ومنذر الشاوي.. وستبرز أسماء أخرى كلما زادت شوكة البعثيين في المجتمع.. إن الأقنعة ستتساقط الواحدة تلو الأخرى عن الوجوه التي اخترقت منظومة الحكم الجديد في العراق في زمن رئيس الوزراء البعثي السابق كلما زادت وتيرة التوسلات الشيعية والكردية لحثالات البعث والزمر الصدامية.. إن المنطق العراقي يقول أنه كلما تصاعدت وتيرة التوسلات لزمر البعث والإصرار على دعوتها للانخراط في العملية السياسية كلما اعتقد هؤلاء أنهم في موقع قوة وأنهم تحولوا إلى رقم صعب في معادلة حكم العراق يستحيل على الأطراف الأخرى تجاهلها بل أصبحوا هم الأمل الوحيد لإنهاء حالة الفوضى الحالية في البلاد واستقرار العراق بالمعنى الذي هم يفهموه.. إن استمالة البعث المقنّع والتوسل بها للمشاركة في حكم العراق سيجلب مخاطر كبرى للعراقيين وسيرى العراقيون بأم أعينهم كيف ستدور الدوائر عليهم.. حذار من أن يُقبل ذلك اليوم الذي يرتفع فيه من مآذن جوامع السنة في العراق دعوات بالخير لمجرم العصر الطاغية صدام حسين بطل المقابر الجماعية وتتعالى فيها أدعية وصلوات لإطلاق سراح جرذ العوجة وتبتهل إلى الله أن يفك "أسر" المجرمين من آل صبحة وعصابات تكريت الطغاة الذين يقبعون في السجون اليوم انتظارا لمثولهم أمام محكمة الضمير العراقية لمحاكمتهم على الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها بحق الشعب والوطن.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |