|
المثقفون العرب ساسة .. ابراهيم الجعفري نموذجاً علي الشلاه كاتب واكاديمي عراقي / مدير عام المركز العربي السويسري مثل الجهال والتجهيليون طبقة نافذة في المشهد السياسي العربي في النصف الثاني من القرن العشرين ، خصوصاً مع تسلق العسكر للدبابات الكريهة وترديدهم للبيان رقم واحد بلغة استهلاكية ركيكة تزايد على بيان الانقلابيين السابقين بعبارات انشائية فارغة لم يحققوا حتى أقل القليل منها ، بل ان مصطلح ثورة نفسه قد افرغ من معناه وصار الانقلاب العسكري هو السمة السائدة لهذا المصطلح عربياً . وبدل ان يتثقف ذوو البدلات الكاكية فانهم سارعوا الى تجهيل المجتمع كله ، فقد كانوا يشعرون بالنقص ازاء المتعلمين والأكاديميين ، وكلنا يتذكر كيف ان الدكتاتور صدام التكريتي كان يتحسس من شهادة الدكتوراة التي يحملها تابعه سعدون حمادي ( شاهد الزور الطائفي في انقلابات البعثيين المشؤومة وكانوا يعيرونه بشيعيته فيسمونه عبد الزهرة رغم انه المتعلم الوحيد بينهم) ثم انهالت شهادات الدكتوراة على الجنرالات وحتى على مرافقيهم حتى ان عبد حمود التكريتي صار دكتوراً في عراق القائد الضرورة. لقد جرت هذه التصرفات وشروط القبول الى الدراسات العليا الأمنية خراباً على التعليم كله وصارت الامية الألفبائية عرفاً يحتذى في الجامعات العراقية منذ منتصف الثمانينات وحتى اليوم ، اما الطبقة السياسية فقد انحدر مستواها الى درجة غير مسبوقة فبعد ان اصبح الساقط في الاعدادية صدام حسين مجيد رئيساً للجمهورية صار الساقطان في الابتدائية علي حسن مجيد وحسين كامل مجيد نائبين لرئيس الوزراء ووزيرن للدفاع والصناعة وغيرها من المناصب الاختصاصية الرفيعة وتحول مجلس الوزراء العراقي الموقر الى حضيرة من الاميين معرفياً واخلاقياً ، اما كوادر العراق الحقيقية فقد توزعتها المقابر والسجون والمنافي ، واذكر ان امين سر فرقة حزب البعث في قضاء الهاشمية قد استدعاني يوم كنت مدرساً فيها عام 1990 بعد ان رفضت ان يجمعوا الاشتراك المالي للحزب اثناء الدرس، حفاظاً على وقت الطلاب المتخلفين اصلاً في دروسهم، وأهانني وهددني بالاعادة الى الجيش وقال لي بالحرف الواحد ( نحن لا نريد مدرساً جيداً ، نحن نريد بعثياً جيداً ) وكان البعثي الجيد في عرفهم هو الذي يضيع الوقت في الحديث عن العدوان الثلاثيني وعبقرية القائد في صده ، ثم هربوا جميعاً مع اول رصاصة أمريكية تاركين الشعب الذي ورطوه يلتحف الطائرات بدل سقوف المنازل. ويمكن تعميم هذه التجربة مع استثناءات قليلة على سائر الدول العربية مشرقاً ومغرباً وبدرجة أقل ربما من حيث الكم وليس النوع ، ولعل مجيء جيل جديد من الساسة المتعلمين ظل حلماً يراود سائر المثقفين العرب ، وهكذا رحب المنصفون منهم ببروز شخصية الدكتور ابراهيم الجعفري ( المفكر والمثقف الموسوعي ) مع سقوط الصنم وصار محور تساؤل في عدد كبير من الاقطار العربية وفي عدد غير قليل من المرات سمعت ثناءً عليه حتى من اولئك الذين يترددون في مدح أي احد سواهم، ومبعث هذا الثناء هو تلك اللغة المميزة التي يقدمها الجعفري في خطابه والتي تبتعد عن الانفعالية والآنية وتقدم شخصية عراقية متزنة في بعديها العروبي والاسلامي والتحديثي أيضاً اضافة الى غناها المعرفي ، وهو امر يجعلني أضع يدي على قلبي خوفاً من فشل مثقف كبير كابراهيم الجعفري في قيادة سفينة مرتبكة تتجاذبها الاهواء ويـُراد بها سوءً حتى من أقرب المقربين اليها . ان الذي يجب ان يدركه الدكتور الجعفري – وهو يدرك ذلك دون شك – انه وهو يقود العراق لايمثل حزباً او جماعة سياسية او شريحة اجتماعية بقدر مايقدم ولأول مرة في تاريخ العرب الحديث نموذجاً للمثقف عندما تتاح له فرصة قيادة المجتمع ولذا فان المعول عليه هو عكس ماكان مطلوباً ايام الدكتاتورية وهو ان يلتفت الى رفع الخطاب السياسي والاجتماعي السائد عراقياً الى مصاف ثقافية جديدة وان عليه ان لايقبل بانصاف الحلول في هذا المجال كالقبول بوزير ضعيف هنا او هناك لأنه يمثل هذه الشريحة او تلك الطائفة ، لأننا كمواطنين لانرى الوزير الضعيف فقط بل نحوله الى رمز لحكومة غير كفوءة وهو ماثبت عكسه في الأسابيع القليلة من قيادة الجعفري المتوازنة للعراق الجديد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |