|
المعلوماتية المعاصرة والحرب
المهندس الاستشاري/ سلام إبراهيم عطوف كبــة
في مستهل الالفية الثالثة ، وبعد عذاب طويل توصلت الانسانية الى حقيقة أن ما تستطيع تحقيقه يمكن أن يتحقق أفضل منه عن طريق المعرفة.وقد توسع مفهوم التكنولوجيا ، ليشمل الى جانب الادوات والوسائل والعقول الالكترونية والربوتانتية ، كل شئ يضاعف قدرات الانسان لاختراق المكان والزمان وتنشيط الارادة والقوة للمضي قدما باتجاه تحقيق المثل العليا للانسانية وبناء عالم الغد – عالم الحرية والاشتراكية والسلام .والانتقال من تكنولوجيا لاخرى كثيراً ما يحدث تغييراً عميقاً في العلاقة التي الفناها أو نسجناها عبر الزمن بين العناصر المختلفة داخل أي نظام ، وهو ما يحتم تطوير القدرات الاخلاقية والقانونية والسياسية والمفهومية لاستقبال أي طارئ من شأنه ان يسبب الارباك والمعضلات غير المحسوبة .هكذا ننظر من حولنا، فنرى اننا نعيش عصر المعلوماتية ،بعد أن وصفت عصور تاريخية للانسانية بنعوت مختلفة ، كعصر الحديد أو عصر البخار أو عصر الذرة.لكننا نعيش ، في العقود الثلاث الاخيرة ، عصراً عالمياً جديداً هو عصر المعلومات. وفيه تتوسع وتتعمق الانسيابية المعلوماتية لتحصل الشعوب على المعلومات المتاحة ، وتزول العوائق عن طريق نشرها واستخدامها على نحو رشيد. وتزداد حجم هذه المعلومات – العلمية والفنية خاصة – في العالم بنسبة 12%_ 15% سنوياً، ويتضاعف كل 5- 6 سنوات. هذا يؤكد أهمية انشاء المؤسسات والاجهزة والمنظومات الفنية والعلمية والسياسية الاكثر إكتمالاً لمعالجة وحفظ ونشر المعلومات وتنسيق الجهود على المستوى الدولي. أما غالبية البلدان النامية ، فهي محرومة فعلياً من الوصول الى هذه المعلومات بسبب أرتفاع تكلفتها، والاحتكار المعلوماتي متعدد الجنسية ، وعدم توفر المراكز الوطنية للمعلومات. لقد ازاحت الثورة المعلوماتية المنظومات التقليدية القديمة في إدارة صراعات الوعيد والردع النوويين ، لانها تحتاج أصلاً الى الكفاءة الادارية العالية والانظمة السياسية الحديثة والقدرات العلمية الهائلة لخوض الحرب التكنولوجية والحروب المعلوماتية العصرية ،وكذلك الى المستلزمات الاقتصادية الوطنية القوية القادرة على تحمل اعباء هذه الصراعات. وبعد الهزائم اللوجستية للاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية تعمقت وازدادت ديناميكياً الفوضى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذه البلدان والعالم في سعي للانتظام على أسس جديدة ، وظهور النظام العالمي الجديد والزعامة الامريكية والدور الياباني والالماني.
· الكمبيوتر والانسان ان الكمبيوتر وسيلة معرفة عالمنا المعاصر المحيط، وتعلم وعمل وتربية حقيقية فعالة الا انه ليس لعبة . ولم تصبح هذه المعدات مؤخراً أداة للتسلية واللعب فقط ، بل وسيلة معلومات بهلوانية لتحقيق بعض الرغبات الخاصة والمطامع البراغماتية. والحقيقة انه لا توجد قيمة لما يعمل كل من الكمبيوتر والانسان كل على حدة بالمقارنة مع تفاعلهما معاً لتأدية اعمال افضل واسرع. فالبرمجة الكمبيوترية تحويل فعال للحقيقة الخاصة إلى حقيقة للصالح العام. ولا يقوم الكمبيوتر بتنفيذ أرادة الأنسان بشكل أعمى فقط ، ولا يخزن المعلومات فقط ، بل يدخل في أعتباره أيضاً التغيرات الحاصلة في الظروف والشروط والمتغيرات والعوامل. كما يتعلم الكمبيوتر أثناء تأدية عمله بحيث لا يكرر اخطاءه. وقد مضت خمسة عقود على ظهور كمبيوتر (فون نيومان) سنة 1945، وهو أول كمبيوتر رقمي يعتمد على الصمامات أساساً في تركيبه. وشهد عام 1955 ظهور أول كمبيوتر قائم على عمل الترانزستور. ومنذ عام 1958، تاريخ ميلاد الدائرة التكاملية على يد المهندس الشاب ( جاك كيلبي) كان عدد الترانزسترات يتضاعف في الرقيقة الواحدة كل سنة تقريباً. وبلغت التكنولوجيا الألكترونية من الدقة بحيث أمكن زراعة أكثر من مليون ترانزستور في الرقيقة الواحدة. ومع ظهور المعالجات المجهرية (Microprocessors) سنة 1971 ، تطور التكامل الرقائقي من الوحدات الصلدة إلى التكامل الصغير والمتوسط (100 وحدة في الرقيقة) والتكامل الكبير (1000 وحدة في الدقيقة) والكبير جداً (أكثر من مليون وحدة في الرقيقة). وتشمل تكنولوجيا التكامل اليوم حجوماً أقل من مايكرون في الرقيقة الواحدة، وهذا يعادل عدد كريات الدم الحمراء في الأنسان أو عدد البكتيريا الصغيرة. وهذا يعكس بالطبع سرعة المعالجة والكفاءة العالية للوحدات وتعقد التراكيب المجهرية المعمارية. وأستخدمت تكنولوجيا التكامل في صناعة الكمبيوتر الحديث لتنفذ اليوم ملايين التعليمات في الثانية الواحدة في السوبر كمبيوتر. فكمبيوتر (كراي) قادر على تنفيذ (200-240 مليون) عملية في الثانية الواحدة. كما تطورات هندسة البرامجيات فظهرت منها التي تستخدم أكثر من لغة عالية المستوى. كما برزت أحتكارات الكمبيوتر في الخمسينيات لتستحوذ على (84%) من الأنتاج العالمي سنة 1962، و (91%) سنة 1967. وتخلف السوفييت في أنتاج السوبركمبيوتر الذي تضاعف أنتاجه في الولايات المتحدة فقط 3.7 مرة من سنة 1965 وحتى سنة 1970.
· الازمة التحكمية يصنع الناس تاريخهم بأنفسهم ، ولكن احيانا ليس كما يرغبون ليصنعونه تحت ظروف لا يختارونها بانفسهم .... فهي مشروطة موضوعياً ، ومستقاة ومنقولة بابداع من الماضي. وكان احتلال اكتشافات واختراعات المعالجة المعلوماتية التكنولوجية المتقدمة في الاتصالات ، موقعها خلف تلك المرتبطة أساساً بالبنى التحتية لهذه المجتمعات ( كالطاقة وتطبيقاتها في الانتاج والنقل) الحافز للازمة التحكمية في عموم مجتمعات البلاد المتقدمة صناعياً ، ونهوض الثورة التحكمية ( Control Revolution) وباكورتها التكنولوجيا الالكترونية والنووية ، منذ مايقارب المائة سنة... واستخدام الكمبيوتر والمعالجات المجهرية وتكنولوجيا البرمجة الجينية. ورسخ الانتقال المرن من الازمة التحكمية ، اواخر الثورة الصناعية ، الى الثورة التحكمية نهاية القرن التاسع عشر... رسخ التطور الثابت والمستمر للمجتمعات الحضارية الحديثة والتي والتي يطلق عليها بحق "المجتمعات المعلوماتية" حيث التقدم الكبير في استخدام الطاقة ، وسرعة المعالجة والتحكم معاً ، اللذان عمقا بدورهما منافع تكنولوجيا التحكم كالتغذية المرتدة - feed back - والتغذية المؤثرة العكسية و التغذية المرتدة الايجابية ،والاستقرارية ... وهي بدورها ارست الموثوقية والتنبؤية في نشاطات التحكم وتشيع استخدام تقنيات التحكم وتكنلوجياتها. وقد وسعت الثورة التحكمية من قابليات السيطرة على المواد والطاقة واستخداماتها في الانتاج والنقل والتوزيع والاستهلاك وعمقت التناقضات في النظم الاجتماعية القائمة ، عمودياً وافقياً ، باطوار ومظاهر مختلفة ، منها الحاد ومنها الملطف. ومن ابرز المظاهر العصرية للثورة التحكمية: 1. تزايد أهمية التكنولوجيا المعلوماتية. 2. النمو المتزن المضطرد المتوازي للاقتصاد المعلوماتي ، والتحكم به عبر الدولة والقطاعات الاقتصادية الاخرى. 3. توسع القاعدة المنظمة لاساس التحكم وتطبيقاته في الهياكل الاجتماعية. 4. تركز وتمركز المعالجة والاتصال بالمعلومات. 5. تصاعد نمو المعلوماتية في المعرفة والثقافة العصرية. اصبحت المعلومات القاعدة المادية للاقتصاديات الوطنية الحديثة ، وهي لاتمتلك حدوداً وفواصل وطنية .. حيث يجري التطور في المجتمعات الحضارية عبر انتاج القيم المعلوماتية ، وهي قيم مادية بالطبع... الا انها تختلف عن القيم المادية الاخرى التي ولدت المجتمعات الصناعية والزراعية القديمة. فالمعلومات هنا هي قلب الحاجات الاقتصادية للمجتمع. ويتطور الاقتصاد الوطني وينمو حول هذا القلب عبر انتاج ونقل واستخدام واستهلاك القيم المعلوماتية. وظهرت مفاهيم جديدة مثل الاقتصاد المعلوماتي المكثف والممركز او المركزي ( حيث تفوق هنا المعلوماتية كناتج اقتصادي السلع التقليدية والطاقة والخدمات ) والصناعة المعلوماتية والادارة المعلوماتية والعصر المعلوماتي والفضاء المعلوماتي ... الخ. وتعني المعلوماتية كمفهوم مادي بالعلائق والمستلزمات الشرطية بين الجسم والموضوع التي تسمح بالانتخاب والاختيار الفعال القادر على دفع الجسم على تطوير جانب من قيمته الاستعمالية فالتبادلية . وقد اسهمت تكنولوجيا المعلومات المتقدمة في ترسيخ نمط جديد من الانتاجية كان له آثار اجتماعية اهلته لاجراء التحولات الاجتماعية العميقة في مختلف البلدان ... الرأسمالية والنماذج الاشتراكية القائمة. ان احد اهم مظاهر مأزق الرأسمالية استغلال تراجع التجارب الاشتراكية وفشل بعضها لتثبت انها الخيار الوحيد امام البشرية. لكن التجربة العلمية تؤكد تفاقم الازمة البنيوية الشاملة للرأسمالية وعجزها ،رغم نجاحات التكييف والتجديد ،عن القضاء على الازمات الدورية المتتالية... كما ان فشل تجربة ما او نموذج ما لا يلغي ويسقط القيمة المضمونية ، بل العكس هو السليم. فمضمون الاشتراكية الانساني والديموقراطي ملهم للشعوب من اجل المستقبل الافضل. لقد تفوق السوفييت في انتاج الفولاذ والكونكريت والنفط والكثير من المواد الاساسية الاخرى خلال الثمانينات الا ان المواد الالكترونية وسلع الاتصالات الحديثة قد تحدد دخولها الى الاراضي السوفيتية وكانت تحت اشراف اعلى الجهات الامنية. كما منعت من النشر والانتشار اجهزة الاستنساخ والفاكس والكمبيوتر الشخصي (PC) ، والمعدات الالكترونية الخاصة بالمؤسسات والخرائط العلمية والتقنية والاحصاءات الديموغرافية الدقيقة. لقد احكمت المراتب العليا في القيادة السوفيتية ، وبأشراف ضيق جداً ، تسيير معابر السيل المعلوماتي الجديدة باراضيها. وكان رفع القيود على التحكم المعلوماتي الفرس الجامحة في البيريسترويكا ، لكن الخلل في السيطرة على الحلقات التحكمية الرئيسية ادى الى تدمير حزب السلطة وزعزعة الدولة .. وقبعت المعلومات كثمرة محظورة في كل زاوية وفي عقول الجميع في النصف الثاني من الثمانينات ، وتدفقت الى البلاد معدات الاذاعتين المسموعة والمرئية الحديثة والبعد الوسائطي ( الملتيميديا Multimedia). لقد انتج الاتحدا السوفييتي عام 1987 من الفولاذ ضعف انتاج الولايات المتحدة ، الا انه لم يمتلك في هذا العام سوى مائتي الف جهاز مايكروكومبيوتر ( كمبيوتر شخصي) مقارنة مع 25 مليون جهاز في الولايات المتحدة. لقد ادرج ستالين، رغم مآثره، وبجرة قلم السيبرنتيك ضمن الخدع البرجوازية والعلوم الكاذبة .. ولم تنل الاهتمام اللازم ابداعات العالم الامريكي ( فينر )، الذي كتب آنذاك: (تعتبر المعلومات مادة للمعالجة اكثر من كونها مادة للخزن). واتخذ هذا الموقف ايضاً العالم ( فرويد ) عبر نتاجاته في علم النفس. اما العلماء السوفييت الذين فسروا الاتجاهات العلمية الجديدة ، والتي برروها على الاقل ، فقد زجوا في السجون ومعسكرات العمل مثلما حصل مع عالم الفيزياء الفلكية ( غرونيد ليوبارسكي )الذي اتهم بالدعاية المعادية للسوفييت. ولم يكرر ليوبارسكي ما سماه فينر في حينه ، بالثورة الصناعية الثانية ( ظهور الكمبيوتر) ، بل سماها هو " ثورة العلم والتكنولوجيا " . وقد كتب "ارنست نيزفيستني" وهو ضابط كبير في اجهزة الامن بالاتحاد السوفييتي عن روبرت فينر في الستينات " انه تماماً على حق عندما يذكر في كتابه – السيبرنتيكا والمجتمع – انه بدون التغذية المرتدة لايمكن للمجتمع ان يحيى .. ولكن قد اخطئ جداً عندما فكر ان مجتمعنا يفتقد التغذية المرتدة. فنحن نمتلكها لان اجهزة امن الدولة هي نمط من التغذية المرتدة. وفي بلادنا ترسل هذه الاجهزة مختلف التقارير الى القيادة على الاوضاع الحقيقية في البلاد !!" .هكذا ظل النشر المعلوماتي جريمة يحاسب عليها القانون السوفييتي طيلة نصف قرن من الزمن سادت فيه الليسنكوية (نسبة الى مدرسة ليسنكو استاذ البيولوجيا في زمن ستالين وخروتشوف ، ومؤدلج اكاديمية العلوم في موسكو) والاساليب البيروية (نسبة الى بيريه قائد اجهزة الامن السري زمن ستالين). يؤكد الاستاذ الامريكي ( ليوماركس) على " ان التكنولوجيا المتطورة المحسنة تعني تقدماً ... شرط معرفتنا آفاق التطور والخطوات اللاحقة. فهي تقدم بأتجاه ماذا؟ " . لقد ظهرت في الولايات المتحدة واوروبا المدارس الفلسفية المتعددة التي تخدم كل منها مصالح طبقات وفئات اجتماعية معينة في تفسير العلاقة ما بين التكنوقراط والتكنولوجيا العصرية المتقدمة والمعلوماتية الحديثة والتقدم الاجتمااقتصادي... واهمها مدارس بنجامين فرانكلين ، توماس جيفرسون ، دانييل ويبر ، ايدوارد ايغريت، هنري آدمز،ثورستاين فيبلين ، آندرو كارنيجي ، توماس اديسون، فريدريك تايلر، وتوماس كارليل... وتوزع اصحابها ما بين المدرستين الفلسفيتين الاساسيتين المادية والمثالية. والماديون منهم مابين الميتافيزيقية والميكانيكية والجدلية. لقد طبعت الثورتان التحكمية والمعلوماتية والثورة العلمية التكنولوجية العالم بسماتها. وولدت الاوجه الكارثية للتكنولوجيا الحديثة مثل : هيروشيما والرعب النووي والخراب والدمار البيئي في العالم الصناعي المتقدم ، الحوادث العرضية الخطيرة والانهيارات المفاجئة ( مثل حوادث المحطة النووية في ولاية بنسلفانيا سنة 1979، محطة تتشرنوبل السوفيتية المعروفة سنة 1986) ، الانفاليات الصدامية .. الخ ... ولدت جميعها الموت والدمار اللذين ميزا تاريخ القرن العشرين (حربان عالميتان بربريتان.. هلوسة نازية... رعب ستاليني... سباق التسلح النووي ... الدكتاتوريات الفاشية... جنون حربي الخليج ... الحروب الأهلية في أوربا).. وادت الى نشوء الحركات الأجتماعية المعادية للتكنوقراطية وقاعدتها الاجتماعية: الحركات المعادية لنشر السلاح النووي، الحركات المناضلة من أجل البيئة والمدافعة عن سلامة الطبيعة والتوازن البيئي، الحركات الأجتماعية النسائية التقدمية.. كما ولدت مرحلة جديدة في أنتاج التكنولوجيات البديلة العصرية وتكنولوجيا سبل الطاقة المرنة. وتستلزم مظاهر ارتفاع سرعة وحجم وتعقيد العمليات الصناعية والنظم التكنولوجية في العالم تطوير أساليب جديدة في التحكم الذي يضمن بدوره تطوير تقنية وتكنولوجية متعددة الجوانب للمعالجة المعلوماتية والأتصالات الحديثة. وقد أمنت الأجهزة الأدارية، والتلغراف، والأوراق النقدية، والكمبيوتر التحكم المطلوب. ولم يشهد المجتمع المعلوماتي التغيرات الفجائية الأنثروبولوجية إلا عبر التصاعد المضطرد التدريجي في سرعة المعالجة المادية وقنوات تصريف الأقتصاديات الوطنية منذ أكثر من قرن. وكان تقدم التصنيع في القرن التاسع عشر وأزمات التحكم وممهدات الثورة التحكمية والتطور المستمر للمجتمعات المعلوماتية والمرحلة المتقدمة في الأتصالات عن بعد، هذا التقدم بالواقع هو المسؤول عن التغيرات الأجتمااقتصادية الأخيرة، وظهور النظام العالمي الجديد ومجتمعات ما بعد الأشتراكية القائمة! والدول الصناعية الحديثة القائمة على تعزيز التحكم الشمولي، والأعلام الجماهيري الحديث المكثف. أما العقل الصناعي (أي الروبوت) فقد أفرز فسيفساء حقائق معقدة تعكس التناقض الفسيح لعالمنا المعاصر. لقد أنتقل التاريخ العالمي إلى مستوى جديد أثر فشل نماذج الأشتراكية القائمة والأختلال الحاصل بين قوى وعناصر ومكونات العملية الأجتمااقتصادية.. بينما تستمر الثورة العلمية التكنولوجية في سيرها جارفة جميع الأتجاهات والمظاهر البالية الرجعية ومعززة مجتمع الأنتاج وخاصة الأختراعات والتحسينات التكنيكية. وتصل أنتاجية العمل إلى درجات تتدفق فيها الخيرات المادية..ويتحقق فيض الأنتاج والعمل عبر المجازفة والمباراة والمبادرة الجريئة أي الديمقراطية بأوسع مفاهيمها على صعيد الأنتاج وعلى الصعيد الجماهيري المحلي وعلى صعيد الدولة. وتعتبر الملكية الأجتماعية لوسائل الأنتاج الشرط الأمثل للتقدم العلمي والتكنولوجي حيث تربط المعلوماتية المعاصرة ميادين التصميم والأنتاج والتسويق بعضها مع بعض وبأوثق الأواصر مسببة التغيرات في بنية الأنتاج... جاعلة اياه أشد سرعة وأكثر مرونة، ومعجلة التغيرات البنيوية الواسعة العميقة في الأقتصاد. ويظهر جلياً دور الثورة العلمية التكنولوجية في نقل قوة العمل الأساسية إلى ميدان المعلوماتية والخدمات لتصبح هذه القوة مزيجاًَ من القوى الأجتماعية التي تضم طاقة المجتمع الذهنية والعلم. ويتولد طراز جديد من العاملين في عموم الأنتاج. أما الأحتكارات العالمية فتسعى إلى تجنيد منجزات الثورة العلمية التكنولوجية في خدمتها دوماً لتخفيف تأزم أقتصادها الرأسمالي ولتكييف جهازها الأنتاجي مع المتطلبات الجديدة، وتستهدف ايضا تعميق التبعية التقنية والتكنولوجية للبلدان النامية. وتدفع الازمة الهيكلية (فيض الانتاج الناجم عن تنامي القدرات الانتاجية ، التطور الهائل في العلم والتكنولوجيا ، الزيادة الهائلة في حجم الرأسمال الذي تضيق الاسواق المالية في البلدان الصناعية عن استيعابه) الدول الصناعية الرأسمالية نحو توسيع السوق، وإلغاء الحواجز التي تقف في طريق التبادل التجاري الحر، وإلغاء القيود التي تحد من انتقال رؤوس الاموال الباحثة دائماً عن الاستثمار المربح. لا تعني الليبرالية الاقتصادية الجديدة سوى تحقيق حكومة الحد الادنى والتدخل الاقل الممكن من جانب الدولة في الشؤون الاقتصادية، السيطرة على التضخم ، الاستخفاف بالبطالة وتجنب العمالة الكاملة !، شيوع النزعة الاستهلاكية، الخصخصة، دعم حرية السوق.وتتجاهل الليبرالية الاقتصادية الجديدة ( جوهر الفلسفة الاقتصادية للعولمة الرأسمالية ) مستويات التطور الاقتصادي في الأجزاء المختلفة من العالم لأنها تستهدف فرض حرية الأسواق وحرية التبادل وضمان حرية حركة الرأسمال بصرف النظر عما تلحقه هذه السياسة من اضرار بالصناعات الوطنية وخلق حالة عدم التكافؤ والمساواة في العلاقات الدولية. تتصف الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة بتحويل العلم إلى قوة أنتاجية مباشرة وسيادة المكننة والأتمتة الأنتاجية، وتمركز الأنتاج وتعمق تعاونه وتآلف فروعه الأنتاجية. وقد زودت الثورة العلمية التكنولوجية المصممين لا بالمواد التي يمكن الحصول عليها بل بالمواد التي يطلبونها، ومهدت السبيل لأحلال عصر الاختيار غير المحدود. أما المعلوماتية الحديثة فقد وفرت أمكانيات التجريب والتحقق المسبق من مختلف المبادرات .. وجعلت من الثورة العلمية التكنولوجية الشريك والحليف الأهم للثورة الأجتماعية .. وعززت من فهم جدل تجديد العالم وجدل المكتسبات الأجتماعية والعلمية التقنية... ونبذت الجمود والبيروقراطية التي رفضت يوماً ما السيبرنتيكا والبيونيكا وعلوم الهندسة الوراثية، الامر الذي الحق ضرراً كبيراً بالفكرة الأشتراكية نفسها وتطويرها.وتصبح جميع النماذج الاجتماعية الاقتصادية ذات الطابع الجامد والبيروقراطي عائقاً امام تطور الثورة العلمية التكنولوجية وحتى اللحاق بركبها....
· الحرب في العصر المعلوماتي لقد جعلت الثورتان العلمية التكنولوجية والمعلوماتية الحرب انتحاراً للبشرية ويؤدي استخدامها على نطاق ضيق، في حروب مجنونة إلى الدمار والخراب الكبيرين بفترات وجيزة دون تقديم الخسائر بالارواح، من قبل القوى المهاجمة، دون الحاجة إلى الجيوش الجرارة والكفاءة القتالية للمهاجمين ولا حتى إلى الشجاعة والاقدام. وقد حولت التكنولوجيا الحديثة الحرب إلى ما يشبه لعب الاطفال! فالانظمة الخبيرة ومعدات الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية واشعة الليزر والروبوت والسوبركمبيوتر والكاميرات الحساسة في التعدد الوسائطي الملتيميدي تحدد الهدف وتحوله إلى اثر بعد عين في لحظات. كما ان النمذجة العصرية السيبرنتية والمخططات الخوارزمية ومعدات الاتصال عن بعد وتطور العلوم النظرية والتطبيقية والمنطق المرن العشوائي Fuzzy Logic والاحتماليات تجعل من تنفيذ البروفات الكاملة للحروب قبل موعدها بفترات زمنية مناسبة من المهمات السهلة. ويمتلك البنتاغون نطاقاً واسعاً من الخطط لتثوير ميادين المعارك بتكنولوجيا المعلومات بالمدى عينه الذي ادى اليه ادخال الدبابات في الحرب العالمية الاولى أو القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية. فسيناريو الحرب المعلوماتية جاهز لو شكل أي حاكم تهديداً لأي حليف لأميركا في أي منطقة من العالم. فأميركا لن ترسل فرقاً عسكرية أو اساطيل حربية، بل بدلاً من ذلك تصب على المهاجم سلسلة من اللعنات المستحدثة التي تولدها فأرة في الكمبيوتر وشاشات الفيديو ولوحات التحكم فتخلق البيئات الملتيميدية الوهمية. اما دس الفيروسات الكمبيوترية في محطات الاتصالات الهاتفية، وصب القنابل الذكية المزودة بتقنية التوجيه التوجيه عالي الدقة لتدمير مقرات التحكم الالكتروني الرئيسية فهي الشرارات الاولى في الحروب المعلوماتية. فيتلقى القادة الميدانيون اوامر مزيفة من اجهزة الراديو، وتشوش العربات الجوية الحديثة البث التلفزيوني، ويجري شن الحرب النفسية. وتقوم القنبلة المنطقية بمسح البيانات الخاصة والسرية في شبكات الدفاع والبنوك. كل ذلك يجري دون اطلاق رصاصة واحدة. اما التكنولوجيا الحديثة الاكثر تقدماً فأستهدفت تدمير وحرق المكونات الالكترونية في المباني دون العاملين، تكنولوجيا حربية "مسالمة" ، والاستخدام المكثف لمعدات جمع المعلومات الاستخباراتية لاسيما اجهزة التجسس الحراري البيولوجي. ان التحدي الامني الرئيسي في هذا القرن يحمل عنوان "الحرب المعلوماتية". وهي شكل متطور للحرب النفسية التقليدية التي شنتها الدوائر الامبريالية طيلة سني الحرب الباردة. فهي نظام متقدم من نمط جديد للتأثيرات العقائدية على وعي الناس وعبر المجالات السايكولوجية- الاجتماعية. وتهدف من خلال الاحباط الروحي والتخريب ونشر الدعايات والتلفيق والتضليل والتهديد وعرض القوة العسكرية إلى الضغط على الجهة المقصودة بالطريقة التي تجبرها على القيام بخطوات غير متزنة وغير مدروسة أو مخططة فتضعف قدرتها النفسية- الروحية والمادية. ومع الثورة المعلوماتية والعصر المعلوماتي ونمو التبادل العلمي والتقني والثقافي بين الدول، تتوفر ظروف ملائمة اكثر اما للحرب النفسية الحديثة، الحرب المعلوماتية والتعتيم المعلوماتي والارهاب المعلوماتي، واما للاستخدام السلمي للمعلومات الذي يسهم في نضال الشعوب العادل من اجل العدالة والسلم الديمقراطي والتقدم الاجتماعي. وتستهدف ستراتيجية وتكتيك الحرب النفسية خلق امكانيات التفوق المستمر على الخصم. وهنا يبرز التحكم في توجيه الحالة النفسية للناس عن طريق الهامهم بافكار معينة تنسجم مع سياسة النظام المعني. ويكون هذا التحكم عادة في البلاد الرأسمالية على هيئة خداع وتضليل وغش وتحايل وسرقة وتلفيق وضغط مقترن بالوعيد الملطف (ترغيب وترهيب). وتستخدم الحرب النفسية التشهير والخداع والتخوين والاشاعة وتزوير الحقائق والصاق التهم وخلق الاوهام وسرقة الشعارات والاستفزاز والانفعال والهلع النفسي في مظاهر متطورة تنسجم مع سيناريوهات الحروب المعلوماتية العصرية. وقد كان تزويد الدول المتحاربة بالمعلومات الاستخبارية والاستراتيجية ميدان تنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي .. فالحرب المعلوماتية مفهوم ليس جديداً بل هو مرادف لكل الحروب التقليدية وشرط ضروري لتحقيق رجحان الكفة في موازين القوى الدولية والاقليمية وطيلة التاريخ البشري. وقد اكتسبت مضمونا جديداً في دخول عصر المعلوماتية والثورة المعلوماتية . ومن المعروف اهمية توفر عدة عوامل تحدد الشروط الاجتماعية والسايكولوجية لتأثير المعلومات، منها على سبيل المثال : درجة الثقة تجاه المعلومات المعينة، ظواهر الانتقاء الاصطفائي ومساوئ فهم بعض الرسائل المعلوماتية، شبكة العلاقات الخاصة والشخصية والعامة التي ينتمي لها الافراد والمجموعات، شكل المعلومات أو الرسائل المعلوماتية. ان المعلوماتية الحديثة واختراعات التقنية المعاصرة ذات القوة التدميرية يمكن ان تشكل خطراً هائلاً اذا لم تكن تحت اشراف اناس ذوي ضمير وشعور بالمسؤولية وذوي ثقافة ايضاً. وهنا وجب وضع حد لسلخ السياسة عن قواعد الاخلاق الانسانية العامة ،وتصفية الاغتراب بين الممارسة السياسية والاخلاق العامة، وتجسيد الواقعية والعقلانية الحقة لمجاراة الاوضاع الخارقة الناشئة لأول مرة في التاريخ. وبالمعلوماتية المعاصرة والتبادل المعلوماتي المتعدد الجوانب والاتجاهات وتعاظم السيولة المعلوماتية يمكن ان تتحول البشرية إلى اسرة عالمية واحدة مجهزة بكل مستلزمات تطوير الحضارة. فالعالم اليوم مفعم بالآمال ومثقل بالمخاطر والتناقضات فهو يعيش اكثر الفترات التاريخية قلقاً. يقول الاستاذ بينجامين دزراييلي " ان الفرد الاكثر نجاحاً هو الذي يمتلك اكبر قدر من المعلوماتية" ونحن نضيف : واكثرها دقة وتركيزاً. فصناعة التكنولوجيا المعلوماتية تحتل اليوم قلب الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة، وهي تشمل انتاج ومعالجة ونقل وخزن وتوزيع واستخدام واستهلاك المعلومات. وتمخض تطور اكبر الصناعات في العالم عن التطور السريع للتكنولوجيا المعلوماتية، ولاسيما تكنولوجيا الحافات القاطعة أو الحادة (Cutting-Edge)، التي تشمل معدات الكمبيوتر، حزم البرامجيات (السوفتوير) ، معدات الذكاء الاصطناعي ، الانظمة الخبيرة، الشبكات العصبية، الترانسبيوتر، الفايبر البصري، معدات الاتصال عن بعد... الخ. واساس هذه المعدات جميعها الحاسوب أو الكمبيوتر. ويعتقد الاستاذ آيسيو سونوب "ان التطور العلمي التكنولوجي منذ القرن الثامن عشر وحتى الان ، قد استكمل ثورته الصناعية الثالثة".فقد بدأت الثورة الصناعية الاولى مع اختراع الماكنة البخارية سنة 1776 من قبل جيمس واط. وانطلقت الثورة الصناعية الثانية حوالي عام 1870 مع اكتشاف الكهرباء ونشوء امكانية تحويله إلى اشكال اخرى للطاقة. وتعتبر تكنولوجيا معالجة المعلومات عنوان الثورة الصناعية الثالثة واساس انتاج الكمبيوتر.
· المعلوماتية والاعلام الانترنيت ، وهو معلم اساسي من معالم التطور العلمي التكنولوجي الراهن ، تسبب دخوله المفاجئ مع الثورة الرقمية بصدمة لا سابق لها في مجال الإعلام الذي تعرض لهجمة من كبار الصناعيين والرأسماليين في قطاعات مثل الكهرباء والمعلوماتية والتسلح والبناء والهاتف والمياه بعدما اجتذبهم اليه طموح التمتع بالسلطة وإمكانيات الربح السريع ، وسرعان ما بنوا لهم إمبراطوريات كبيرة وداسوا في الطريق على قيم أساسية ، أولها الحرص على اعلام نوعي. وفي العالم الرأسمالي تقوم التجمعات الاحتكارية بالسطو على وسائل الإعلام . ففي الولايات المتحدة ألغيت في شباط/فبراير 2002 القواعد المناهضة للاحتكار في القطاع المرئي والمسموع ،وفي فرنسا تدفع أزمة سوق الإعلانات وانخفاض مبيعات الصحف اليومية وانتشار الصحف المجانية في اتجاه تجميع الصحف الوطنية ودخول الصناعيين في رأسمال شركات الصحافة التي تعاني الأزمة. إن أشكال التمركز تهدد التعددية الصحفية وتقود الى أولوية معيار الربحية و تسليم المسؤوليات لاداريين يصغون أولا لمتطلبات أصحاب الاستثمارات الذين يملكون جزءا من الرأسمال . إن أثمن حقوق الإنسان هو التواصل بحرية مع الأفكار والمواقف التي تخدم التقدم الاجتماعي . وفي المجتمعات الديموقراطية، لا يكون حق التعبير مضمونا فقط بل يترافق مع حق أساسي آخر وهو الاستعلام والاستنهال المعلوماتي بحرية أيضا... لكن هذا الحق يتعرض للخطر بسبب تمركز وسائل الأعلام وذوبان الصحف المستقلة في مجموعات مهيمنة . هل يقبل المواطنون بهذا الانحراف في حرية الصحافة ؟ هل يقبلون بتحويل الإعلام الى مجرد سلعة ؟.. اما الولاءات اللاوطنية فلا تعيش طويلا في المجتمعات الصناعية الرأسمالية ، فما بالك بالاشتراكية .وعليه فالمصنع عدو العشيرة والطائفة لانه يصبح " عشيرة وطائفة " العامل المأجور ومصدر دخله ولا يعود العامل ذلك القروي او الطائفي الاهبل الذي ينتظر بعض الفتات من شيخ العشيرة او الملا او رجل الدين . من هنا أهمية المصنع لانه يخلق للعامل علاقاته الطبقية بدل العلاقة العشائرية والولاءات دون الوطنية ، ويصبح نضال العمال ضد الاستغلال وليس ضد عشيرة وطائفة منافسة! انه ببساطة اتساع الأفق مقابل ضيق الافق. فالعشيرة والطائفة هي نقيض الطبقة، والعشيرة والطائفة هي مغتصب المرأة وعدوها الذي يعلن عن نفسه جهارا نهارا بفجاجة وصلف.واذا كانت الولاءات دون الوطنية هي ضد كل هؤلاء ، فمن هو حليفها ومعسكرها؟ انها النخب السياسية الحاكمة والنخب الثقافية المحيطة بها والملتفة حولها. هكذا تتحقق الخشية من رؤية وسائل الإعلام الكبرى تسقط بين أيدي الولاءات اللاوطنية وتجار المدافع.. !! التغير طبيعة الاشياء وبقاء الحال من المحال . نحن اذن نعيش في عالم متحول قانون القوانين فيه هو التحول بوتيرة لا تهدأ وحركة لا تعرف الثبات . وسبب الفقر المعلوماتي في العهد الاغبر ( دكتاتورية صدام حسين )الحضور الميثولوجي واعادة انتاج الموضوع في الخيال ليجري خلق الاساطير وتحويل المناطق العمياء الى عوالم مضيئة لتنطلق المفاهيم من الزيف وتشل العقلانية وتتوسع لجة الاحلام . تمزق النسيج الاجتماعي وانكفأ الناس الى عصبياتهم ... وسادت الديماغوجية . وادخلت الاساطير الصدامية واللاهوتية العراق في متاهات قاتلة هي اكثر بكثير من الفوضى التي تحدثت عنها المنابر المعلوماتية الاستشارية الدولية في فترة ما بعد حرب الخليج الثانية ... والخطورة في الموضوع ادلجة هذه الاساطير في المراكز البحثية والاكاديمية العراقية مثل المجمع العلمي، وبيت الحكمة، وجمعية المهندسين العراقيين، وجمعية المعماريين العراقيين، والجمعية العراقية للحاسبات، والمركز القومي للحاسبات،واللجنة الوطنية لنقل التكنولوجيا ...الخ.ولم تنج من التخاريف المعلوماتية البلدان العربية والاسلامية جمعاء – دولة الملالي في ايران وسوريا مثلا - التي وظفت مراكزها البحثية لخدمة سلاطينها ( مراكز قومية للمعلومات ، جمعيات علمية للمعلومات ). ... اما اسرائيل فقد استغلت التخاريف المعلوماتية للبلدان المجاورة لتحقيق مآرب المجمع الاحتكاري الدولي والصهيونية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |