الجمعية الوطنية العراقية والقضايا الساخنة ..!

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktob.com

 

الجمعية الوطنية، أو البرلمان، في كل بلدان العالم هي المكان الملائم لممثلي الشعب، من مختلف الإتجاهات والأفكار السياسية لأن يتحدثوا بصراحة، ومعالجاتهم للقضايا الساخنة وغير الساخنة تتم بعد مناقشتها بعيدا عن الإنفعال والغضب والتهديد، وما رأيت من واقع جلسة للجمعية الوطنية الوطنية، يوم 19 حزيران 2005، وهي تناقش مختلف القضايا ومن ضمنها ما كان قد سمي.\" بالقضايا الساخنة \"، أمرا\" يثير الاستغراب، من أحد المشايخ أعضاء الجمعية، عندما طلب الكلام وتحدث بانفعال وغضب واضحين عن قضية سبق لإحدى أعضاء الجمعية أن أثارتها بخصوص الاغتيالات للضباط الطيارين العراقيين، الذين ساهموا في الحرب العراقية الإيرانية، والجهة التي وراء هذا العمل .. لقد هدد هذا الشيخ النائب زميلته بأن هذا الاتهام يكلفها حياتها إن لم تقدم الأدلة الثبوتية لذلك .. وحقيقة الإتهام كما أوضحه الشيخ النائب أن السيدة العضو في الجمعية الوطنية قد اتهمت منظمة بدر بهذه الاغتيالات بتحريض من إيران، انتقاما منهم لقصفهم القوات الإيرانية ..وبما أن منظمة بدر هي بريئة، كما يدعي هذا النائب، من هذا الاتهام إن لم تقدم النائبة الدليل، وبعكسه فإن حياتها هي مسؤولة عنها .. بعد هذا قامت النائبة محتجة على هذا التهديد الصريح والواضح بقتلها ( وسنكون شهود على الجريمة فيما إذا تمت تصفيتها من قبل هذا الشيخ النائب )، وأفادت أنها قد قدمت للسيد رئيس الجمعية الوطنية كل الدلائل والقرائن الموثقة بالزمان والمكان والجهة المنفذة التي قامت بهذه الجرائم، وقد أيدها رئيس الجمعية في دعواها، إلا انه لم يجد فهما لتهديد حياتها من قول الشيخ النائب، على الرغم من وضوح التهديد ومباشرته، وهذا ما يؤشر على أن من يترأس الجلسة السيد ( وهو د.الشهرستاني ) لم يكن حياديا في حكمه وخصوصا أن الشيخ هو من ينتمي لكتلة السيد الشهرستاني .. كنت أعتقد أن رجال الدين ومشايخهم، أنهم حقا رجال سلام ودعاة خير وموعظة، وبعيدون عن العنف أو التحريض والتهديد بالقتل على رؤوس الأشهاد، وأين ؟ في المكان الذي يفترض فيه أن تصان عنده حقوق الشعب قبل الأعضاء المتواجدين في الجمعية الوطنية، أو كما يقال سابقا تحت قبة البرلمان (المهجوم )، كان المفروض من رئيس المجلس أن يظهر حياديته، الطائفية، الشكلية على الأقل ويدين هذا التهديد لا أن يدافع عنه، كما كان عليه أن يتعامل مع ما أثارته السيدة العضو من واقعة الاغتيالات بجدية ويحيل الأمر للتحقيق لا أن يهمله وكأن شيئا لم يحدث..إنها أرواح الناس يانائب رئيس مجلس الشعب، ياشهرستاني !! ..
الكل يعرف أن منظمة بدر، هي منظمة عسكرية إيرانية بكل معنى الكلمة، يعني أن القتل والتخريب بعض أهدافها،وأنها قد ُأسست في إيران ومن قِبَل إيران نفسها، وكانت قيادتها منوطة بشخصية إيرانية كما أن أغلب ضباطها والمشرفين عليها هم كذلك، حتى اللحظة، على الرغم من أن قيادتها قد آلت لرآسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بعد أن وجهت انتقادات عراقية وغير عراقية لهذه الإدارة، فرواتب منتسبيها واحتياجاتها، وحتى اليوم تسدد من قبل الجهات الإيرانية، وحتى أعضاء الجمعية الوطنية المنتمين إلى هذه المنظمة، وعناصرها، لا يزالون يتقاضون رواتبهم ومكافآتهم من إيران، وهذا ما أثاره وزير الدفاع السابق ـ فلمن إذن يكون الولاء ـ ؟ وبعد تشكيل الحكومة الجديدة تمت صفقة ! بين القوى التي تتقاسم هذه الدولة والحكومة على استيعاب عناصر هذه المنظمة في وحدات الجيش العراقي ودوائر وزارة الداخلية الأمنية، وهذا كله يتنافى مع ابسط مبادئ الوطنية والسيادة، فالحكومة الحالية تعتقد أن من حقها استيعاب هذه المنظمة وغيرها من الميليشيات المنسجمة مع أهدافها وأفكارها في المكان الذي يحقق لها الغرض الذي ترمي إليه، ومنظمة بدر، رغم استيعابها في أخطر الأجهزة العائدة لدوائر الدولة الأمنية العراقية ( وهذه ليست مقرات للأحزاب الحاكمة )، يبقى ولاءها لمن أنشأها وكونًها ولا زال يرعاها، وهذا ما يتناقض مع أبسط مفاهيم السيادة والوطنية، اللهم إلا إذا كان في نية حكومتنا الطائفية، بعد عقد صفقة مع حلفاءها، على إعلان وحدة مع إيران، باعتبار أن الحكومتين إسلاميتين لطائفة واحدة ... وهذا ما يجب أن تفضحه الأحزاب والقوى الوطنية والديموقراطية العراقية، لا أن تسكت ويمر مرور الكرام وكأن لم يكن ما يبرر القول أو الحديث، واتهام الآخرين بتضخيم الأمور وتحميلها أكثر مما تحتمل لمن يتطرق لهذا الواقع ..!
إن ما يتعرض له العراق من قتل وتفخيخ وتفجير وتخريب لم يكن قادما من سوريا أو الأردن فقط، بل من كل دول الجوار وكذلك إيران، فهذه الدولة الجارة ليس من مصلحتها أن يتعافى العراق وشعبه، ولن يدخل السعادة على قلبها وجود عراق يمتلك السيادة ويتعامل معها الند للند، كما أنها حليف لسوريا، المتهمة بما يحدث في العراق، وإيران شريك لسوريا في الموقف من العراق والتصدي للسياسة الأمريكية ومشاريعها المستقبلية لإجراء التغيير المعلن عنه في منطقة الشرق الأوسط، وإيران وسوريا مشمولتان بهذا التغيير، وأمريكا وجيشها، في العراق، الوسط بين الدوليتين، فهل تترك إيران أمريكا، وهي في الساحة العراقية، تنفذ مخططاتها بحرية ودون أن تربك برنامجها على الأقل، ولو لبعض الوقت، رغم دعاوى الحكومة الإيرانية من أن أمن واستقرار العراق يهمها وهو ما تعمل وتهدف إليه .. إن الأقوال لا تتطابق مع الأفعال أولا لما يحدث في البصرة وغيرها من المدن الحدودية، من أعمال منافية للوحدة العراقية سواء أكان هذا بين الكيانات السياسية، أم بين الطوائف الإسلامية أم بين الديانات والعرقيات الأخرى، ثم أن الفضائح التي أعلن عنها مسؤولون عراقيون بخصوص تهريب النفط من العراق وتهريب المخدرات والأسلحة إلى العراق، كل هذا يتم بعلم ومعرفة الدوائر الأمنية الإيرانية وبالتعاون مع قوى خاضعة لقوات بدر والتنظيمات الموالية لها في هذه المدن، وتتستر عليها قيادات عراقية مسؤولة في أجهزة الحكم ..
ولعل ما يؤكد أن منظمة بدر مكتوب لها أن تلعب دورا إيرانيا، بعلم الحكومة وضمن أجندتها، ما تقدم أعلاه، من استيعاب الحكومة لمنظمة بدر في دوائر وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، ودلالة عقد مؤتمرها الأول في العراق، والذي يكاد يكون شبيها لمؤتمر دولة رسمي، لحضور قادة كل مؤسسات الدولة والحكومة الرسمية . واللهجة المتعالية التي يصرح بها قادة هذا التنظيم، والذي لم يخلُ من التهديد لمن لا يذعن، كما لا يغيب عن البال أن ما أقدم عليه وزير الداخلية قبل رئيس الحكومة الجعفري، من خرق للقوانين عندما أطلقا سراح كل السجناء والمعتقلين الإيرانيين، دون مبرر، سوى الخنوع للرغبة الإيرانية، هو ما يؤكد الدور الإيراني في العراق والتدخل الصريح والواضح في اختراق للسيادة العراقية برضى الدولة وبعلمها، وهذا مؤشر خطر على أن القادم على العراق أدهى وأمر مما كان عليه الحال مع حكومة النظام العفلقي الفاشي الساقط .. هذا الواقع يترافق مع الاتهامات بالتواطؤ لحكومة د. أياد علاوي المنصرفة وأجهزتها مع قوى إرهابية بعثية وتعيينها في الدوائر ألأمنية، والتي تم طردهم وإحلال أعضاء من منظمة بدر مكانهم، وكأن العراق ملك طابو لمن يحكمه، دون أن ُيُستدعى أعضاء تلك الحكومة، وهم أعضاء في الجمعية الوطنية، لمساءلتهم عما ارتكبوه من خروقات، وفق اتهامات الخصوم، على الرغم من الكثير من الجرائم المرتكبة آنذاك، وخصوصا حوادث سلمان باك، كانت اتهامات وزير الداخلية السابق موجهة ضد منظمة بدر .. الخلاصة من كل هذا أن منظمة بدر تقوم بدور إيراني واضح في العراق، ويدور حولها حديث كثير، وما أفادت به السيدة عضو الجمعية الوطنية إتهام خطير يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار ويتم التحقيق فيه من قبل لجنة محايدة، فالعراق ليس ملكا لحزب ما أو لطائفة مهما كانت كبيرة أم صغيرة، فالعراق هو ملك لكل العراقيين ولا يجب التفريط بحقوق شعبه لا للشيعة ولا للسنة، ولا لمن هم في إيران أو لمن هم من بلدان أخرى ومهما كانت هذه البلدان، فالكل أجنبي والكل لهم مصالح في العراق لأن يبقى ضعيفا ومخترقا من قبل منظمات أُنشئت برعاية دول أجنبية الغرض منها تفتيت العراق وشعبه!
     

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com