|
في جيوب من تصب عوائد النفط العراقي ؟ بين التهريب والتسليب :أين هيئة النزاهة !
احمد عبد العال الصكبان
تطالعنا وكالات الأنباء كل ساعة - وربما أكثر من مرة في الساعة الواحدة- بالتغييرات والطفرات في أسعار النفط بالسوق العالمية، وغالب التغيير يكون بالزيادة إذ تعدى سعر البرميل حاجز ال55 دولارا، وهو أمر كان من الممكن أن يبهجنا كعراقيين ويثلج قلوبنا لو أن لنا في هذه السوق العالمية منفذ ولو ضمنا أن تعود هذه الزيادة بالخير على أبناء العراق وتصب في ميزانية الدولة لتتحسن بعدها بنود الإنفاق على الخدمات العامة،المحزن حقا وربما المضحك معا أن ميزانية عام 2005 للحكومة العراقية قد وضعت على أساس أن سعر النفط الخام يبلغ 26 دولار برميل في حين زادت أسعار النفط لأكثر من ضعف هذا الرقم، ولكن ما يحدث للأسف هو العكس تماما، فكمية غير قليلة من النفط يتم تهريبها بانتظام عبر الجنوب ويكفي مراجعة تصريح وزارة النفط العراقية قبل شهر بأنها "تدفع ما يقارب 200 مليون دولار شهريا لاستيراد المنتجات البترولية التي سرعان ما يتم تهريبها إلى خارج البلاد"، والمعلن عما يكتشف أمره من هذه العمليات هو أقل بكثير مما يتم ويُدارى عليه من مسئولين فسدة لا يراعون الله في ثروات بلادهم التي هي نصيب كل مواطن وشيخ وطفل، كان يمكن أن نفرح بزيادة أسعار البترول لو كان هناك مخططون حاذقون يتحينون الفرصة لضخ بترول البلاد للسوق العالمية في هذه الفترة، كنا سنبتهج لو أننا نعلم أين كانت ستصب هذه العوائد وهل ستوجه للخدمات العامة أم لجيوب السماسرة وتنفق على كماليات لا لزوم لها . وعدم استغلال الحكومة الحالية للطفرة الكبرى في أسعار النفط،يعني أننا نمنع خيرا هو من حق كل مواطن عراقي، فسيكون هناك مبالغ ضخمة مهدرة بسبب عدم زيادة الإنتاج واغتنام فرصه الأسعار العالية،و لا تتوقعوا أن تظل الأسعار عالية انتظارا لتفكير وتحليل ثم تدبير واغتنام الحكومة العراقية الفرصة،فهاهي السعودية ستزيد من إنتاجها بعد مفاوضات واتفاقات مع الولايات المتحدة لخفض السعر مثلما حدث من قبل، وسيخسر العراق كثيراً إن لم يسارع باغتنام السعر المرتفع الآن . أما الخبر الثاني الذي أحزنني حقاً فهو ما أوردته الوكالات في 18 حزيران الجاري نقلا عن شركة "بريطانية" من أن قراصنة مسلحين هاجموا ناقلة نفط عملاقة كانت راسية في مرفأ البصرة العراقي لتصدير النفط في الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي في أحدث خرق أمني خطير بالمرفأ. و العجيب يا سادتي أن هذا الهجوم السافر في عقر الميناء لم يكن الأول فقبل أسبوعين فقط هاجم قراصنة طاقم ناقلة عملاقة كانت تنتظر تحميلها بالنفط في المرفأ الذي يمر عبره أغلب صادرات النفط العراقية. ومعلوم أن الصادرات من البصرة توفر الآن أغلبية دخل العراق تقريبا، وحسب المراسل الصحفي ستيف تيفون - نقلا عن المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب- فإن إحدى مناطق شمال البصرة خسرت حوالي 90% من مخصصاتها من البترول في فبراير وثبت لاحقا أن ذلك تم على يد بعض المسئولين المحليين الذين يعملون مع وحدة القوات البريطانية المسئولة عن المنطقة وطبعا هيئه النزاهة في سباتها المعهود بخصوص هذه العملية. أقول هذا وكلي ألم، وللإنصاف ألمي ليس وليد اليوم فقط بل هو بأثر رجعي، فنفطنا المراق يواصل انسكابه منذ عقود ويصب عوائده في جيوب الكثيرين باستثناء الشعب المغلوب على أمره، ومنذ سقوط نظام ابن العوجة استبشرنا خيرا في نصيب الشعب المهضوم من عوائد النفط خاصة وبعد أن صرح سياسي عراقي هو اليوم بموقع كبير في الحكومة العراقية بأن المواطن العراقي سيحصل على نسبه من عائدات النفط. كان نظام صدام يشجع عمليات تهريب النفط إلى خارج العراق كوسيلة للالتفاف على العقوبات الدولية وكان يقدم علاوات جيدة للصيادين من اجل تشجيعهم للتحول لهذا النوع من النشاط حيث كانت تحمل مراكبهم بالمنتجات البترولية وتبحر عبر شط العرب ومنها إلى المياه الدولية لتتوجه بعدها لموانئ خليجية ثم لموانيء أخرى بالعالم، بعد سقوط صدام على أقل تقدير توقعنا أن تسدد عنا هذه العوائد ديونا لم نشترك فيها وترفع من مستوى معيشتنا عندما توضع هذه العوائد في الخزانة العامة وليس الخزانات الحديدية لمسئولين ووسطاء، منهم العراقي ومنهم العربي والعجمي والأجنبي ... أقول أن سرقة البترول العراقي تواصلت مثلما كان الأمر في عهد صدام كما في عهد الكابتن بريمر، فحسب دراسة متعددة الأجزاء أصدرتها شركة التدقيق العالمية (كي بي ام جي)، وغطت في أجزاء منها أداء سلطة التحالف بإدارة السفير بول بريمر أكدت الدراسة أن هناك تخبط وفساد في إدارة صندوق تنمية العراقI المموّل بصورة رئيسية من واردات النفط العراقي المصدر ومن تحويلات برنامج النفط في مقابل الغذاء . مثلما كان هناك انتقادات أخرى لنفس تلك الفترة وجاءت هذه المرة من (اي ايه ام بي) وهي الهيئة المشرفة على صندوق تنمية العراق (محمد علي زيني- الحياة - 2005/06/2). وحسب تلك المصادر فإن عيوبا خطيرة شابت عمل هذه الفترة وبعضها ربما فُصِّل على قياس الرغبة في السرقة المغطاة، فما معنى ألا يوجد عدادات لقياس كميات النفط العراقي المصدرة من الجنوب، رغم طلب الهيئة الدولية من سلطة التحالف ضرورة استعمال العدادات،إن الأمر اقرب ببساطة لتصريح بالسرقة وبالأحرى تهيئة الفرصة لسرقات وجرائم نظيفة لا يمكن حسابها مره أخرى نقول صح النوم يا هيئة النزاهة . الأمر الثاني الصارخ والدال على مدى الفساد الذي اعترى عمليات تهريب - معذرة تصدير - النفط العراقي في فترة السيد بريمر، أنه تم إتباع سياسة تعود للعصر الحجري وهي مقايضة المنتجات النفطية ببعض المستوردات، ولا يزال العراق يستورد الكهرباء من دولة مجاورة من طريق المقايضة، حيث يصعب التأكد من أنه يحصل على قيمة عادلة بهذه الطريقة في مقابل صادراته النفطية. ثم يأتي الانتقاد الكارثة وهو عدم احتفاظ مجلس مراجعة البرامج التابع لسلطة التحالف والمسئول عن دراسة مشاريع الصرف من صندوق تنمية العراق والموافقة عليها بأي " سجلات وافية تبرر قبول مشاريع الصرف ورفضها"، كما لم يتبع المجلس نظام سلطة التحالف (رقم 3) الذي نص على وجوب حضور 70 في المائة على الأقل من أعضاء المجلس، أي ثمانية من أصل 11 عضواً يتكون منهم المجلس، من أجل الموافقة على عشرة برامج للصرف. فقد تمت الموافقة على عشرة برامج للصرف دون حضور العدد الأدنى من أعضاء المجلس، كما تمت إحالة أحد المشاريع من دون الحصول على موافقة المجلس، وكذلك تمت الموافقة على برامج للصرف من دون اجتماع المجلس في صورة رسمية وحتى من دون تدوين ذلك الأمر لاحقاً في سجلات المجلس. ماذا يعني هذا ؟ يعني ببساطة أن النفط وزع وهرب وبيع بطرق غير شفافة ومعلنة وخاضعة للقوانين واللوائح المعلنة بل لم يوثق شيء في هذا الصدد وهو أمر متوقع فمن يسرق شيئا لا يكتب تفاصيل ما "سرقه" في وثيقة .. بل وذكر التقرير أن " التعاقد الخاص بالمشاريع التي كان المجلس يوافق عليها والتي كانت تنفذها وحدة التعاقد التابعة لسلطة التحالف، كان يتم على أساس اعتباطي،ناهيك عن العديد من النقاط المتعلقة بمغالطات محاسبية وقانونية وإدارية عدة،بل والأدهى أن بريمر أبى ألا يترك العراق وقد كبله بقيد جديد إذ وقعت سلطة التحالف على مقاولات قيمتها نحو 1.9 مليار دولار قبل تسليم السلطة إلى الحكومة العراقية المؤقتة. وحتى الآن لازالت التركة الثقيلة قائمة، فلا يوجد أجهزة كافية وبكفاءة جيدة لقياس إنتاج وتصدير النفط رغم وعد السلطات الأميركية بتأمينها بصورة عاجلة منذ عام فمن المسئول عن ضياع المداخيل النفطية والتخبط في السياسة النفطية في العراق ؟ نقطة أخرى أطرق عليها بخفة واللبيب بالإشارة يفهم، وهي التخبط - المقصود وغير المقصود - في السياسة الاقتصادية من ناحية توجيه الموارد المخصصة لوزارة النفط،حيث أن الأخبار تتوارد بفرح أننا نعمل على مد خط أنابيب تصدير النفط في صورته الخام إلى معامل عبدان لتكرير النفط في ايران، وذلك بدلا من تأهيل المعامل الموجودة على ارض بلادنا، وسيتم إرسال النفط عن طريق الأنابيب تشق بالفعل حالياً والمضخات تثبت في أماكنها على طول الطريق بين البلدين،أي أن الأمر منهجي ومدروس ليصبح عرفا في علاقات البلدين التجارية لسنوات عدة، فلمصلحة من هذا التخبط؟ وهو تكبيل البلاد بعقود وتصدير لمادة خام وصرف الملايين على تصديرها بخطوط ثابتة وليس فقط في حاويات وعلى أسطح المراكب ؟ وهل هذا هو التخطيط بعيد المدى؟، يبدو انه كذلك بالفعل هو حقاً تخطيط بعيد المدى لكنه يقف عند حدود الجارة إيران فقط. يا سادة : إنكم بقراراتكم هذه تعطون الاقتصاد الإيراني الأولوية في التفكير،بدلا من تأهيل معامل البصرة وزيادة الطاقة الإنتاجية لمصافي الجنوب ولتأهيل المتبقي من مصافي مثلا لتوفير فرص عمل لآلاف وملايين الشباب العراقيين العاطلين عن العمل سواء مهندسين وعمالة يدوية، ومعلوم أن الفراغ والبطالة طريقان ميسران لوصول المارقين لعقول شبابنا، ماذا سنجني عندما يذهب الخام لإيران ؟ سيكسب العامل الإيراني فرص عمل كبيرة ونضطر نحن لدفع أموال لعملية التكرير عندما نستورد وبأسعار باهظة المشتقات النفطية التي تم تكريرها وو معاملتها حسب سعر سوق المستهلك . وبالإضافة لذلك، يمكن مراجعة ما يتم الكشف عنه كل يوم من اكتشاف "عشرات الخزانات بسعات أطنان بل ومضخات نفطية وخراطيم" لنقل الوقود المهرب إلى سفن راسية في مياه شط العرب على الضفة الأخرى لحدودنا المائية مع الجارة إيران " حسب تصريحات أدلى بها مؤخراً العقيد إبراهيم كريدي مدير كمارك المنطقة الرابعة في أهل العيد جنوب قضاء أبي الخصيب، وهناك أمثلة أخرى صادمة تطالعنا بها الجرائد البغدادية كل صباح ولكن لا أحد يتابع للأسف . وهناك حادثة أخرى تدلل على أن أسرارا عديدة يتم التستر عليها في وزارة النفط، والمسئولين الحكومة الحالية، وإلا ما هو تفسير القائمين على الأمر لقرار إبعاد مدير سومو إلى دور ثانوي‘ فإذا كان هذا المسئول مذنبا وبعثيا أجرم بحق الشعب لماذا لم يطرد، ولماذا عين أصلا في موقعه ؟ وان لم يكن فهل هي المزاجية والمحسوبية التي تحكم تغيير المناصب ؟ وهل هذا في مصلحه استقرار قطاع هام وخطير مثل القطاع النفطي بالذات ؟غريب أمور وعجيب قضية : أنه ينقل لدرجة وظيفية أقل، فإذا كان قد ارتكب أخطاء في قطاع حساس كقطاع النفط فكيف لم يحاسب ؟؟ إن تفسير المواطن العادي لمثل هذا القرار هو أن هذا الشخص - ولسنا معه وضده - لديه مستمسكات ما ضد المسئولين الأعلى منه لذا أردوا إسكاته دون فصله، وعندما أقول أن هذا هو رأي المواطن العادي فلا يعني أنني أتبناه ولكن فقط أوجه الحكومة الحالية وبها من المخلصين الكثيرين لما قد ينتج عن أخطاء البعض بها، علها تتدارك هذا التخبط. أعلم أن هناك مخاوف أخرى غير ما ذكرنا تتعلق بالنفط في بلادي، وربما كان لنا وقفة أخرى قريبة معها، ومنها ما أورده مراقبون من أن العمليات المسلحة التي تطال العراقيين والقوات المتعددة الجنسيات سوف تنتقل بعد التضييق على القائمين بها إلى قطاع الكهرباء في صيف العراق الحار،و ذلك حسب تنبؤات أطلقها مؤخراً غاري آندرسون وهو ضابط متقاعد في سلاح مشاة البحرية الأميركية، مما يعني أن الطلب على مشتقات النفط وبالأخص الغازولين سوف يزداد لتشغيل المولدات الكهربية ومع ذلك لازالت أزمة الحصول على البانزين والغازولين قائمة بكل مدينة عراقية . ولا نلبث أن نذكر أيضا باحتمال يلوح في الأفق بإلغاء الدعم الحكومي على المشتقات النفطية بالنظر للضغوط التي يقوم بها صندوق النقد الدولي والذي يطالب بتخفيض الإنفاق الحكومي بصفة عامة، وإلغاء الدعم الحكومي للمواد النفطية وارد رغم الحديث في الآن ذاته عن إصدار بطاقات تموينية بنصيب كل مواطن من المشتقات النفطية، ولهذا مقال آخر ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |