|
من هو الدائن ومن هو المدين؟ لماذا الصمت على استنزاف موارد العراق؟
احمد عبد العال الصكبان
عليّ لا أبالغ إذا قلت أننا جميعاً استبشرنا خيرا بزيارة الأخ رئيس الحكومة الحالية الدكتور إبراهيم الجعفري لدولة الكويت "الشقيقة"، وكنا نأمل ألا يقتصر برنامج الزيارة على التأكيد أننا أخوة وأشقاء وأننا جيران؛ فهذه حقائق لا تحتاج لزيارات رسمية وإلقاء رئيس وزرائنا لمحاضرة في "ديوانيه كويتية" وإرسال وفود رسمية برفقه العديد من الوزراء السياديين وغير السياديين وحمله إعلامية ومصورين ومؤتمرات صحفية للتأكيد عليها، بل ما تحتاجه مباديء الأخوة والجيرة أن يتم فتح المشاكل العالقة بين الجانبين حتى تناقش بصورة صريحة وجادة ليتم الوصول لسياسات تنفذ عملياً لتنقي الشوائب، بحيث يصبح ترديد مقولة نحن أخوة وجيران له ما يؤكده على أرض الواقع، وليس مجرد كليشيهات يتم ترديدها عن روابط "الأخوة والتواشج" مع صور اللقاءات وتبادل التصافح والقبلات. مناسبة هذا الكلام هو أننا للأسف لم نجد على هامش زيارة الدكتور الجعفري للكويت أي نقاش في قضايا هامة بين البلدين، وبالأخص مشكلة الديون التي تطالب بها الكويت منذ حرب (صدام) الخليج الثانية، بل والأدهى أن تصريحا من دبلوماسي كويتي لصحيفة الوطن الكويتية قبل أيام تململ فيها السيد الدبلوماسي جداً من اعتزام نادي باريس إسقاط كامل المديونية عن العراق خلال الفترة المقبلة، وقال أن التزام بلاده بهذا القرار سيوقعها في أزمة داخلية مع مجلس الأمة الذي يفاوض حكومة البلاد على قضايا معينة ترفضها وتتشدد فيها الحكومة لأنها تحمل الخزينة أعباء إضافية، ومن ثم فمن المتوقع أن يرفض هؤلاء النواب الالتزام بقرار نادي باريس لأنهم يريدون من الحكومة موارد مالية لتمويل ما يقترحونه من مشاريع تتطلب نفقات وموارد!. وهو إشارة فيما يبدو بأن الحكومة قد توافق على الالتزام بما يصدر عن نادي باريس لكن سترد الأمر للسلطة التشريعية، والتي ومن أجل أن تساوم حكومة بلادها على ميزانية لمشاريع في داخل بلادهم، سوف يضغط نوابها لرفض إسقاط ديونهم "المفترضة" على العراق. المدهش أيضا هو رد الدكتور الجعفري على سؤال حول مناقشة أزمة الديون مع الكويت بالقول أن "هذا الموضوع لم يُبحث، بل تركز النقاش على إمكانية دعم الحكومة الكويتية للعملية السياسية في العراق وتقديم المساعدات في مجال الخدمات والأمن والاقتصاد". ولست أعلم - ربما لجهل مني- ما هو الدعم الممكن أن تقدمه الكويت في هذه المجالات تحديدا، خاصة أن المجال الثالث الذي طرحه الدكتور الجعفري هو الاقتصاد،فهل الديون تخرج عن دائرة "الاقتصاد" بمفهومه الحديث ؟ ربما.. الحقيقة أيضا أن حكومة السيد الجعفري قد تهاونت في مهمة خطيرة كان عليها إيفاؤها حقا أكبر من العمل الدءوب، فهي لم تتابع ما تم بنادي باريس من دعوة لإسقاط ديون العراق، وكان حريا بها أن تقوم بجولات عملية يشارك بها متخصصون وطنيون يزورون فيها الدول الصديقة- والتي تدعي الصداقة- والدائنين الكبار لشطب الديون ولضمان موقف هذه الدول عندما يناقش ويصدر قرار إسقاط الديون في المنتدى العالمي، وتحضرنا هنا للأمانة ذكرى الدور الايجابي الذي قام به الأخ عادل عبد المهدي وزير المالية الأسبق والدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط السابق كمثالين على تكنوقراط استطاعا بنجاح تحقيق شيء ما في مجال خفض ديون العراق ومراجعة الدول الدائنة في حقيقة ما تطالب به من أموال،و التوصل لنجاحات في تخفيض وجدولة هذه الديون، المدهش أن الحكومة عندما يتصادف وتسافر بنفسها لدولة ما تطالب بلادنا بمبالغ طائلة كديون،لا تناقش هذه النقطة لا من قريب ولا بعيد ! نعلم بالطبع أنه ليس كل ديون العراق مرجعها نادي باريس،فبعض الديون غير حكومية، كما أن هناك التزامات مالية سيتوجب على البلاد إتباعها للدخول في منظمة التجارة الحرة وللاستفادة من استشارات ونصائح وتزكيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وستضيف هذه الالتزامات وما يرافقها من برامج الإصلاح والتكيف الهيكلي، ستكلف خزينتنا الكثير وربما جار ذلك على المخصصات للإنفاق العام، وغالبا سيحدث ذلك مثلما علمنا مؤخرا بمطالبة صندوق النقد الدولي للعراق بتخفيض الدعم لبعض السلع الأساسية والمنتجات النفطية، كل هذه الأمور يجب أن تجعل الحكومة الحالية حذرة لأن موارد الدولة لن تكفي كل الالتزامات في الفترة المقبلة وعليها أن تعيد النظر في تساهلها مع مطالبات دول الجوار وبالأخص الكويت وايران إذ تطالب هذه البلدان العراق بمبالغ طائلة وبعض هذه المبالغ لا يوجد ما يثبتها ويوثقها وبعضها مبالغ فيه. نعود لزيارة الجعفري للكويت ونسأل بكل حسن نية : ما هو السر في عدم مفاتحة المسئولين العراقيين للكويت بخصوص الديون؟ خاصة وأن بعض بنود المطالبات الكويتية يتضمن سداد رواتب عاملات - خادمات منازل - من الفلبين وسريلانكا وغيرها- ووضع أمام هذا البند آلاف الدولارات سددت كتعويضات من برنامج النهب مقابل الغذاء، رغم أن كلنا يعلم أن راتب الخادمة الفلبينية في الكويت إبان الغزو الصدامي لها لم يكن يتجاوز مثلا المائة وخمسون دولار والسريلانكية أقل من ذلك.. ثم وعلى الجهة الأخرى من المطالبات الكويتية نتساءل : أين المطالبة العراقية للكويت بحقوق أبناء العراق لدى الكويت والتعويضات الناجمة عن دعم الكويت لصدام في حرب ايران لثماني سنوات عجاف ؟؟ لماذا ينبغي علينا نحن العراقيين أن ننسى كل هذا الدعم المجاني لصدام بمجرد إعلان الكويت عن ندمها واكتشافها المتأخر لجرم صدام، ولكن وفي ذات الوقت عندما يتعلق الأمر بمغامرة صدام في اجتياح الكويت والتي لم يسأل الشارع العراقي رأيه فيها، هنا يجب أن ندفع تعويضات لا تنتهي للكويت وكل من هب ودب حفاظا على الأخوة والعلاقات التاريخية بين شعبينا !!! ألا يكفي يا سادتي ما عانيناه نحن العراقيين من دعم الحكومة الكويتية وبعض الحكومات الخليجية لصدام ليواصل دوران عجلة حربه، إن هذا الثمن الذي دفعه الشعب العراقي لا يمكن تقييمه ورده بالأموال لأنه كان من دماء مليون مواطن عراقي استشهدوا في حرب ضروس ساهمت في رفع أسعار النفط والذي استفاد منها بالأساس الدول الخليجية التي ساهمت معظمها في مواصلة هذه الحرب بصورة وبأخرى وجعلت من لندن وماربيلا ضيعه من ضياع المستفيدين من ديمومة هذه الحرب التي صنعت في كل بيت عراقي مأساة.. وهل نسى الدكتور الجعفري الذي لا نشك للحظة في وطنيته دعم الأشقاء في الكويت - للنظام القمعي – في تعقب المعارضين لسياسته الدموية، ووصول هذا الدعم لحد مساهمة جهاز أمن الدولة الكويتي وبمساعدة المخابرات العراقية في تعقب واختطاف المناضلين من "الدوارات" في الكويت، ومن منازلهم ومقرات عملهم وتسليمهم لقمة سائغة لجهاز الأمن الصدامي في صفوان،فهل هذه النقطة لا تستدعي المطالبة بتعويضات ؟ أم أن دم العراقي رخيص ؟ ألا يتذكر الدكتور الجعفري أيا من شهداء حزبه ممن سلمتهم دوله الكويت لحكومة صدام فيشعر أن لهؤلاء حق لدى من سلموهم للموت ؟؟؟ كيف سنسكت أصوات نحيب أمهاتهم وزوجاتهم وكيف سنواجه أطفالهم عندما يتساءلون لماذا لم تطالبوا بحق دم أبي؟ هؤلاء الشهداء ليسوا حكراً على حزب بعينه وشريحة بذاتها،إنهم أبناء العراق يا معالي الدكتور،بل هم تاريخ العراق ذاته إذ وضعوا الوطن قبل المصلحة الشخصية. ثم دعونا نسأل ببراءة أيضا: كيف نأخذ حقنا ممن دبجوا القصائد في مدح صدام في مهرجانات العهر العربي بينما كان الطاغية يلقي بالآلاف من الشباب الواعد في السجون وحجرات التعذيب والمقاصل ويغتصب حرائر العراق وييتم أطفال المناضلين ويقصف المدنيين بالسلاح الكيماوي، هل كان يجب أن يقتل الطاغية زوج الشاعرة سعاد الصباح (رحمه الله) صاحبة قصيدة فارس العرب وكلمات "يا ليتني كنت شعره في صدرك" حتى تدرك أنها كانت تدافع عن مجرم ؟ ألم يصلها ولو خبر ونبأ في قصاصة جريدة عن قتل الطاغية للشهيد الصدر الأول (قدس سره) وشقيقته الطاهرة والآلاف من أبناء العراق؟ أم أن جهينة كانت في إجازة؟. يا حكومتنا الغالية: عدم مناقشة أمر هام كديون الكويت المفترضة على بلادنا في زيارة رسمية لدولة الكويت، وراؤه أمران، إما سر لا نعرفه ونطالب باسم كل العراقيين بكشفه للرأي العام لأن هذه الديون تقتطع من أموال الشعب وليس من جيوب السياسيين، وإما عجز من الحكومة عن إدارة هذا الملف الاقتصادي المتعلق بحقوقنا وحقوق أجيال قادمة، سيقتطع سداد الديون من نصيب هذه الأجيال في حياة كريمة مثلما سيقتطع من طعام أطفالنا ومخصصات الإنفاق العام وتحسين البنية التحتية، أكرر، لست أعلم بصدق: هل هناك بالفعل سر وصفقة أم أنه عجز من متخصصين يفترض أنهم يحملون مسئولية الدفاع عن حقوق ومقدرات بلادنا.. ؟ باسم العراق ننتظر من نواب الشعب مطالبة الحكومة بوضع الحقائق أمام المواطنين، وهذا أمر -من وجه نظرنا- أهم من قيام أعضاء المجلس النيابي المفترض به حماية حقوق الشعب العراقي بمناقشة أين سيكون مقرهم المؤقت، فهل سيكون العراق ذو سيادة إذا عقد المجلس النيابي اجتماعاته في مبنى المجلس الوطني بينما العراق كله مُرتهـن لعشرات السنيين لدولة شقيقة بدعوى الديون ؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |