خلط الأوراق .. لمصلحة من في المنطقة ؟

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktob.com

 

ما يجري في منطقتنا، من قتل وتفجير سيارات مفخخة، لم يعد مصدره جهة واحدة، كما لم يكن الهدف منه إخراج القوات الأمريكية من العرق، التي ما عادت هذه الجرائم تستهدف القوات الأمريكية بقدر ما تستهدف أناس أبرياء، البعض منهم يؤدون واجباتهم تجاه وطنهم، من شرطة و جيش، والبعض الآخر وهم الكثر من مواطنين أبرياء، أطفال ونساء وبطالة تبحث عن لقمة عيش، فإذا كانت هذه الأعمال هي ما تتهم بها مجموعات الإسلام المتطرف التي شرعت لها قوات الاحتلال الأمريكي فتح الحدود اعتقادا منها استدراج الإرهاب إلى العراق والقضاء عليه، وهذا هو الغباء بعينه، بحيث اتسعت رقعة هذه المجموعات الإرهابية بتحالفها مع قوات النظام البعثي المنهار ورموزه لإعادة القديم إلى قدمه، وهذا ما لن يكون بالمطلق .. القوى الظلامية من طائفية وبعثية، استفادت من العداء الذي أججته السياسة الأمريكية ضد كل من سوريا وإيران، قبل أن تحقق أمريكا أهدافها في العراق، وهذا ما ساهم في اتساع رقعة المجابهة ورفد القوى الإرهابية العاملة على الساحة العراقية، بالمزيد من الدعم المادي والعسكري، إضافة إلى الرجال المتسللين عبر حدود هذين البلدين، فمساهمتهما في تصعيد العمليات الإرهابية في العراق مفهومة الدوافع والأغراض، ولن تنتهي هذه دون أن تحقق أمريكا كامل أهدافها في المنطقة .. و سوريا لعبت وتلعب الدور الأكبر والأهم في هذا الصراع ليس على الساحة العراقية فقط، بل وعلى الساحة اللبنانية التي أثرت فيها تأثيرا كبيرا ومباشرا، نتيجة لحضور قرارها السياسي والعسكري وتأثيرهما الضاغط على مختلف القوى السياسية اللبنانية، وتواجدها هذا كان منذ أكثر من ربع قرن على الأراضي اللبنانية، بطلب لبنانيي أول الأمر ثم بموجب اتفاق الطائف الذي لم ينعقد بعيدا عن الموافقة الأمريكية، مما أهل سوريا، آنذاك، لأن تعقد تحالفات سياسية مع قوى قومية ووطنية لبنانية مختلفة، وتدخل في تحالفات متينة وستراتيجية، وحتى اللحظة، مع تنظيم حزبي طائفي لبناني ذي علاقات وأبعاد طائفية مع حليفتها إيران، الممول الرئيس بالرجال والسلاح والمال لهذا التنظيم عبر سوريا... وسوريا معنية بشكل مباشر بالصراع العربي الإسرائيلي لكون أراضيها لا زالت محتلة من قبل إسرائيل منذ العام 1967، وإسرائيل قد أعلنت ضمها من طرف واحد ودون موافقة دولية، إلا أن السياسة الأمريكية متوحدة مع السياسة الإسرائيلية ضد سوريا ونهجها المطالب بعودة أراضيها المحتلة .. وسوريا، لا زالت تتواجد على أراضيها مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون في مخيمات موزعة على كل المدن السورية، ونتيجة لهذا الواقع تتواجد العشرات من مكاتب المقاومة الفلسطينية التي تمثل مختلف أطياف الواقع الفلسطيني والتي لها امتدادت داخل العمق الفلسطيني، ومن ضمنها حماس والجهاد الإسلامي التي أدخلتهما أمريكا ضمن المنظمات الإرهابية والتي تريد إزاحتها من على الواقع السوري، هذا الواقع الشائك والمعقد تساهم فيه سوريا وتنوء تحت ثقل نتائجه السياسيه، خصوصا بعد أن طبًعت إسرائيل علاقاتها مع الكثير من الدول العربية، وبعد أن زال الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، خسرت سوريا حلفاء معتمدين سياسيا، وفقدت ما كانت تحتاجه من سلاح لإدامة مواجهتها مع إسرائيل على أقل احتمال .. هذا الواقع الذي تغوص فيه سوريا قد عقدَه وضع داخلي مرتبك على مختلف الصعد، بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد القائد الاستراتيجي لسوريا والمؤثر الفاعل في المنطقة، وانفراد قادة سيئون بالرئيس الجديد، بشار الأسد، خططوا لسياسات ضيقة الأفق لا تخدم المصلحة السورية ولا مصلحة الجيران، بقدر ما تخدم مصالح قصيرة المسار، هدفها منافع ذاتية وشخصية، مستفيدة من بقاء قواتها العسكرية والأمنية في لبنان، الغير مرغوب فيها على الأراضي اللبنانية، من أقرب الحلفاء لها، لتدخلها في الشان الداخلي، وفرضها سياسات أثارت انقسامات حتى في المعسكر الموالي لها، لخطورتها على الواقع السياسي والأمني اللبناني، ولبعدها عن أي نهج وطني أو قومي، مما كون جبهة واسعة وعريضة معادية لها أدى في النهاية إلى تدخل القوى الدولية، وخصوصا أمريكا وفرنسا، ومطالبتها برحيل قواتها من على كل الأراضي اللبنانية، وعشية الانسحاب تم اغتيال الشخصية الوطنية ورئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي لم يكن هو، ونهجه، من المعادين لسوريا، بقدر ما كان مطالبا بإصلاح العلاقة التي تسببت القوات الأمنية السورية في تدهورها، ولما يمضي سوى وقت قصير على تفجير سيارة الحريري ومقتله والكثيرين من مرافقي موكبه حتى تم تفجير سيارة الكاتب اليساري سمير قصير، ومصرعه أيضا، وربما لم تجف بعد، دماء الشهداء الضحايا لهذا العنف المروع، حتى تفجرت سيارة أخرى بالقائد الشيوعي البارز وعميد المقاومة اللبنانية في الجنوب، جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، واستشهاده كان بنفس الأسلوب الذي أودى بحياة الصحفي التقدمي سمير قصير، كما كانت هناك محاولة سابقة، فاشلة، لاغتيال مروان حماده من الحزب التقدمي الاشتراكي، الغريب في الأمر أن كل هؤلاء المغدور بهم، أُتهمت بهم سوريا، ولم يكونوا، بالمطلق، من المعادين لسوريا، بل كانوا حلفاء لها، إلا انهم من منتقدي سياسات العهد الجديد، لبشار الأسد ورهطه، التي مارسها رجال المخابرات السورية، وتدخلهم الفض في الشأن الداخلي الذي أضعف الجبهة السورية ـ اللبنانية كثيرا، وشرًع الباب مفتوحا أمام تدخلات خارجية في الوضع الداخلي اللبناني، تهدد سوريا ولبنان معا ... يحصل كل هذا وسوريا في موضع الدفاع عن النفس، فموقفها من العراق كما أوضحتُ، متورطة فيه، وهذا لا يحتاج الى دليل أو برهان، وأمريكا لا زالت مصممة على تنفيذ ما هو مرسوم من مصير لسوريا، ووضعها الداخلي السيئ يزداد سوء على كل المحاور .. أصابع الاتهام توجه نحو سوريا لكل ما يحصل في لبنان، فهل الحكومة السورية في وضع يتيح لها أن تقترف كل هذه الجرائم في وقت قصير، ولما يمض على انسحاب قواتها من لبنان سوى أشهر معدودة والتهديدات الأمريكية تلاحقها لتورطها في العراق ؟ ربما ! وتبقى سوريا ليس الطرف الوحيد، من مجموع أطراف كثيرة ومتعددة، لها مصلحة في تعقيد الوضع اللبناني وتأجيجه ضد سوريا لغاية ما، كما أن قوى محلية ودولية من مصلحتها حصول فرقة طائفية وسياسية في لبنان .. الغريب في الأمر أن كل المغدور بهم هم من القوى الوطنية والعلمانية المناوئة للطائفية بكل أشكالها ولإسرائيل أيضا، .كما أن هناك قوى سياسية وطائفية من ديانات مختلفة لها مصلحة فيما يحدث، ليس أولهم المليشيات المسيحية كما ليس آخرهم قوات حزب الله الطائفية، من منطلق الفتنة الداخلية والوقوف بوجه المد الوطني المناوئ للطائفية في لبنان . بعد كل هذا هل من مصلحة سوريا تأجيج هذا الوضع ضدها وهي الملاحقة والمحاصرة دوليا ؟ التحقيق النزيه والبعيد عن كل موقف مسبق، هو الذي سيحدد من هو القائم بهذه الجرائم ؟ ومن هو الطرف المستفيد من كل هذا التدهور الذي يحصل في المنطقة ؟ وخلط الأوراق الغاية منه إطالة أمد المعاناة التي تعاني منها شعوبنا، في ظل أوضاع إرهابية وتدخلات دولية، وتبقى سوريا لاعبا أساسيا في تحالفها مع إيران فيما يحدث بالعراق لإضعافه، وتأجيج صراع طائفي يلتهم المنطقة كلها ..

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com