|
مراحل السياسة الأمريكية في المنطقة
حامد مردان السامر
هل دخل العالم فعلاً كما بشَّرَ بذلك فوكوياما في كتابه الشهير " نهاية التاريخ " منعطفاً تاريخياً حاسماً يرسم النقطة النهائية للتطور الإيديولوجي للبشرية وتعميم التجربة السياسية الليبرالية كشكل نهائي للحكم البشري الذي مَّر بأطوار سياسية تاريخية مختلفة لتكون المرحلة الليبرالية نهاية التجارب السياسية في العالم، فهذا المفكر يرى أن ما نشهده ليس مجرد انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، بل أنه نهاية للتاريخ كتاريخ، وهذه المرحلة الحداثوية تشكّل النقطة النهائية للتطور الإيديولوجي للذهنية البشرية وتعميم الديمقراطية كشكل نهائي للحكم. فهل يعني هذا التصور أن الخطاب السياسي وصل إلى ذروة النضج والكمال عندما طرح النموذج الليبرالي الغربي ليكون بديلاً عن أنظمة الحكم السابقة ؟ وهل يمكن للفكر البشري أن يصل إلى نقطة التطور النهائية في الفكر والسياسة والاجتماع ليعلن عن توقف الإبداع والتجديد، وبالتالي يتلاشى ويحفر قبره الأبدي بيديه ؟، وهل يعني ذلك تدشين عصر جديد هو ديكتاتورية الليبرالية الغربية التي تسعى إلى زرع مخالبها في أصقاع العالم المنخور؟، وهل هذه الديمقراطية هي وسيلة سياسية لتحقيق نهايات أخرى أم أنها غاية في حد ذاتها؟؟. والمتتبع للسياسة الأمريكية في المنطقة يكتشف أن هناك مراحل عديدة قطعتها تلك السياسة من وقت لآخر، فقد أنشأت السياسة الأمريكية ودعمت الكثير من الأحزاب العلمانية، وكذلك الأحزاب الأصولية ذات الصبغة الإسلامية، وهذا ما أعترف به المفكر المصري " فهمي هويدي" عندما اكتشف في وقت متأخر بأن جميع المؤتمرات الإسلامية التي كانت تعقد في المنطقة العربية كانت تدعم من قبل المخابرات المركزية الأمريكية بشكل أم بآخر، وكذلك دعمت السياسة الأمريكية حركة طالبان عندما أقامت لها معسكرات تدريب في باكستان وغيرها من الأماكن لتكون هذه الحركة في وجه التغلغل الشيوعي في أفغانستان، ولم يقتصر دعم السياسة الأمريكية على هذه الحركة بل دعمت العديد من الحركات الأصولية المتطرفة في العالم العربي. وقبل ذلك دعمت أمريكا الأنظمة السياسية العربية الشمولية المستبدة من أجل مصالح وغايات تصب دائماً في خدمة الاستراتيجية الأمريكية ويحقق لها التواجد في المنطقة لدعم تلك الأنظمة من جهة والمحافظة على التوازن السياسي بين هذه الأنظمة وإسرائيل من جهة آخرى، وكانت أمريكا تعتقد أن دعمها لهذه الأنظمة الشمولية سوف يحقق لها الاستقرار في المنطقة، ولكن يبدو أن هذا الاستقرار أصبح أمنية يحلم بها صانعوا القرار السياسي الأمريكي، وهذه الاستراتيجية تكلم عنها الرئيس الأمريكي جورج بوش أمام طلاب جامعة " غلطة سراي " في اسطنبول، حين أكد على أن الحرية هي مستقبل البشرية جمعاء، كما أعترف بالخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة بدعمها الأنظمة الديكتاتورية على حساب الحرية والديمقراطية، وإنشاء الأنظمة الليبرالية في المنطقة بعد سيطرة الفكر السياسي الشمولي على مجمل الخطاب السياسي العربي . وكانت هذه الأنظمة في حكمها لا تمتلك الرصيد الجماهيري الواسع الذي يسند حكمها ويثبت وجودها لأنها مفروضة على شعوبها فرضاً قسرياً، ولذلك فهي تسعى إلى الاعتماد على الدعم الخارجي الذي يأتي من الغرب وهنا تتدخل أمريكا من أجل دعم هذه واستمرارية وجودها وإفشال جميع المحاولات الانقلابية التي تحاك ضدها، فقد فشلت دوائر المخابرات المركزية الأمريكية العديد من محاولات الانقلاب في الدول العربية من أجل تدعيم سلطة هذه الأنظمة المتهرئة . ثم انتقلت أمريكا إلى مرحلة تطورية أخرى من مراحل عملها السياسي في المنطقة وهو محاصرة الأنظمة المتمردة على السياسة الأمريكية سواءً أكانت من الأنظمة المارقة التي خرجت من تحت العباءة الأمريكية ثم تمردت عليها أم كانت من الأنظمة التي سارت في اتجاه مستقل عن السياسة الأمريكية، وسياسة الاحتواء هذه عَبَّرَ عنها العديد من الساسة الأمريكان من أجل وضع حدود لتجاوزات الأنظمة السياسية الشمولية المارقة، وهذه الحدود اتخذت مسارات عديدة منها الحصار الاقتصادي أو السياسي . وامريكا في هذه الممارسة السياسية تعلم علم اليقين أن هذا الحصار لا يطال هذه الأنظمة الاستبدادية وإنما يقع فعل الحصار على طبقات الشعب المختلفة بكافة اتجاهاتها والتي ظلت تعاني بين نارين، نار الواقع الاستبدادي الشمولي وقسوته، وواقع الحصار الاقتصادي الذي أثَّر تأثيراً بالغاً على الحياة الاقتصادية وعطّل الكثير من المشاريع التنموية التي كان الشعب يعتمد على مواردها اعتماداً كلياً، واصبحت تلك المشاريع بنية اقتصادية مفرغة من مردودها المادي، ولذلك عانى الشعب من أثار الحصار الاقتصادي بينما ظلت القيادات السياسية بمنأى عن ذلك تماماً، أما الأنظمة غير المتمردة فقد ظلت تمارس فعلها السياسي القهري تحت رعاية البيت الأبيض ومباركته الحانية. أما المرحلة الجديدة من مراحل السياسة الأمريكية فهو تغيير بعض الأنظمة وإحلال الديمقراطية الغربية كبديل سياسي في المنطقة ينوب عن تلك الأنظمة الشمولية، وهذا المشروع أعلن عنه الرئيس الأمريكي الذي من محاسنه انه اعترف بخطأ السياسة الأمريكية السابقة وكذلك أعلن عنه وزير الخارجية السابق كولن باول عندما تحدث عن مشروع سياسي طموح في المنطقة وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير الملئ بالحرية والعدالة والديمقراطية والحالم نحو تحقيق مستقل واعد في المنطقة يعتمد على الحكم الليبرالي الذي يعتمد على التداول السلمي للسلطة الذي يتم عن طريق الانتخاب الديمقراطي المباشر، ويعطى مساحة سياسية واسعة للأحزاب بالتشكّل وممارسة العمل السياسي بعد أن ظل الخطاب السياسي العربي يعتمد اعتماداً كلياً على سياسة الحزب الواحد الذي يقوده الفرد الواحد الملهم العبقري الذي يشرق بطلعته البهية مع كل يوم جديد. وفي ظل هذا المشروع السياسي الكبير يحقّ لنا أن نتساءل ولا نشكك في قدرة المشروع السياسي الأمريكي، وهذا التساؤل يبقى مشروعاً في ظل حرية التعبير والرأي وتحت خيمة النظم الليبرالية التي تسعى أمريكا لتطبيقها في عالمنا العربي، وهذا التساؤل هو: هل أن هذه الديمقراطية هي نهاية المشاريع الأمريكية في المنطقة أم أنها بداية المشاريع التي تكون مفتاحاً أو باباً للدخول في متاهات المشاريع الأمريكية وأحلامها العريضة في تغيير خارطة الشرق الأوسط السياسية ؟؟. وهل هذه الديمقراطية سوف تكون غاية أم وسيلة ؟ وهل فعلاً أن الساسة الأمريكان حريصون على مستقبل الشعوب العربية التي سلّطوا عليها أولئك الحكام لحقبة زمنية طويلة ؟ وهل ذلك يعني صحوة الضمير السياسي الأمريكي تجاه الشعوب العربية المضطهدة لحقبة زمنية طويلة وتغيير حالها نحو غدٍ مشرق، أم أن الساسة الأمريكان في أذهانهم مساحة واسعة للخيال السياسي الواسع الذي لا تعرف حدوده الخارجية وأبعاده الخلفية إلى هذه الساعة ؟ وهل علينا أن نواكب هذه التطورات السياسية أم نكون على حذر في ممارسة مثل هذا التطور الإيديولوجي المهم الذي سوف يغير كافة الأنظمة المعرفية العربية وليس خطابنا السياسي فحسب؟. وإذا كان فوكوياما (حفظه الله) قال أن الديمقراطية هي التطور النهائي للذهنية البشرية، فهل تكون الديمقراطية فعلاً هي نهاية المشروع السياسي الأمريكي في المنطقة ؟؟؟؟؟.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |