قيام فدراليتي البصرة والفرات الأوسط هو يوم الخلاص لأبناء الجنوب

 

احمد الخفاف / كاتب عراقي / هولندا

شهد العراق مؤخرا ولأول مرة في تاريخه السياسي فعاليات لشخصيات تمثل مجلس محافظات الجنوب وكذلك الفرات الأوسط وشخصيات عشائرية ومستقلة حول تشكيل "مجالس موحدة" تمهيدا لإقامة حكم ذاتي في إطار عراق فيدرالي يضم إقليمي "البصرة" والتي تضم (البصرة، العمارة، الناصرية)  و"الفرات الأوسط" والتي تضم (  النجف، كربلاء، بابل، القادسية، المثني).

 وعرضت خلال اجتماعات متعددة شاركت فيها شخصيات شيعية وأعضاء في الجمعية الوطنية العراقية دراسات لتشكيل مجالس استشارية للإقليمين، تتمتعان بصلاحيات أوسع من مجالس المحافظات، وذلك لوضع رؤية موحدة سياسية واقتصادية وأمنية للأقاليم القادمة.

 يذكر أنها المرة الأولى في تاريخ العراق التي ينشط فيها هذا العدد من كل المحافظات الجنوبية للبحث عن خطط لتجسيد فكرة إقامة مناطق حكم ذاتية مطروحة في أوساط الشيعة منذ بضعة أشهر. وينص قانون إدارة الدولة علي عراق فدرالي. وتقيم غالبية الأكراد (20% من السكان) في ثلاث محافظات في شمال العراق تتمتع إلى حد كبير بحكم ذاتي منذ العام 1992.

 ومن المنتظر أن يتم تقديم هذا المشروع بعد الإعلان عنه بصورة رسمية عند تقديم القانون الخاص في الإقليم الى الجمعية الوطنية والمصادقة عليه ثم بعد ذلك يصار الى إجراء استفتاء في هذه المحافظات لإدخاله حيز التنفيذ لتدخل المناطق المحرومة في جنوب العراق إلى عهد جديد من البناء والازدهار واقامة مستقبل زاهر لأبناءه.

 والواقع إن سعي ممثلي محافظات الجنوب والفرات الأوسط على تحقيق ما هو لصالحهم من سياسات وبصوت عال هذه المرة يدل على أن قطار الحرية والانعتاق من الحكومات المركزية والتي كانت دوما ظالمة بحق الأغلبية من الشعب العراقي وخاصة أبناء الجنوب قد انطلق في رحلة الألف ميل.. وقد جاءت هذه الاجتماعات بعد أن فقد الجنوب والفرات الأوسط الأمل من سياسات الحكومات المركزية في بغداد التي ظلت تراوح مكانها من حيث عدم الاهتمام بالمناطق المهمشة، مما أدى إلى أن يبحث المجتمعون إقامة تحالف فدرالي بين محافظاتهم وإنشاء تكتل جماهيري، والتعاضد من أجل بناء فدرالية في إطار عراق تعددي.. حضاري.. متطور.. متقدم.... لتحويل المدن المهمشة إلى مدن عصرية كمدن الخليج مثل الكويت، وأبو ظبي ودبي والشارقة والمنامة والدوحة والرياض وجدة،.. والحق يقال لماذا لا تكون البصرة والعمارة والناصرية والنجف وكربلاء وبابل ومدن محافظات المثنى والديوانية وغيرها من مدن الوسط والجنوب عصرية ومتطورة كسائر مدن دول الخليج، ولا ينقص للوصول إلى ذلك سوى "الرساميل" و"الخطط" ومن قبلها "التضامن" و"عقل جمعي" ليفكر الجميع في اتجاه تحقيق هدف واحد وهو الازدهار والتقدم الحضاري لبناء عراق فدرالي متحضر واع.

 لقد كان النفط وما زال عصب التقدم الاقتصادي وسلم الرقي الاجتماعي،.. وهي ضمان لحياة الأمم وتقدمها ورقيها.. فأين أصحاب النفط من عائداته من الثروات والدولارات.. أين مالكيها الشرعيين من كل ما يُستخرج ويصدر إلى الأسواق.. أليس هم أحق بها من غيرهم؟؟.. ألا يحق للجنوبيين ولأبناء الفرات الأوسط أن يجعلوا محافظاتهم ومدنهم كسائر محافظات العراق على الأقل..

 لقد نهبت عصابات البعث ولصوص صدام حسين التكريتي خلال العقود الماضية من حكم الطاغية ثروات نفط الجنوب وموارد المراقد المقدسة في مدن الفرات الأوسط من كنوز وذهب وتراث تاريخي قديم.. وبنوا أولاد القردة صحراء تكريت القاحلة بأموال نفط غيرهم حيث قامت قرية العوجة مسقط رأس الطاغية صدام وفيلاتها ومزارعها وبساتينها بفضل المليارات من عائدات النفط التي سرقها آل صبحة سواء من نفط الجنوب أو بترول الشمال..!!

 لقد انتعشت مدن البعثيين والصداميين وفي مقدمتها تكريت على حساب إفقار وإذلال الملايين من أبناء الجنوب المحرومين طيلة عقود من هيمنة غلمان قرية العوجة على مقدرات الشعب وثرواته الهائلة. لقد تم بناء عشرات المواقع الرئاسية وقصورها للطاغية صدام في كافة أرجاء العراق وفي أفضل المناطق منها بأموال نفط الجنوب والشمال والأموال التي نهبوها من خلال الهيمنة على مصارف الدولة وأوقاف المراقد المقدسة.. كما أن المليارات من احتياطي الدولارات من أموال نفط الجنوب تم الاستيلاء عليها وتوزيعها بين أشرار آل صبحة وآل طلفاح وآل المجيد.

 وينبغي من اليوم أن نغير مفاهيم كثيرة عن ثروة العراق النفطية، ولعل الكثير من المواطنين العراقيين لا يجانبون الحقيقة عندما يتحدثون عن النفط في العراق ويسمونه "نفط العراق"، فمصطلح "نفط العراق" لم يعد صحيحا بل لم يكن صحيحا بالأساس من قبل، وينبغي أن يسمى من ألان وصاعدا بـ "نفط الجنوب" و"نفط الشمال" وعلى ضوء القاعدة القانونية القائلة بعدم سقوط الحق ولو بالتقادم ينبغي أن يرجع الحق إلى أهله ويكون نفط الجنوب للجنوبيين ونفط الشمال للشماليين ولوسطه.. وكفى الله العراقيين شر الجدال والقتال حول النفط.

  لقد ولّى ذلك الزمن الذي كانت تُنهب فيه وعلى الملأ ثروة النفط وتتحول إلى عملات صعبة وأموال نقدية تتدفق في جيوب عصابات آل الجرذ صدام في تكريت وأشرار المثلث.. لقد ولى ذلك الزمن الذي كان ينظر أبناء الجنوب بحسرة إلى أنابيب النفط وهي تنقل خيراتهم التي يقفون عليها وهم يمشون حفاة على أرضها اللاهبة ليل نهار دون أن يستفيدوا منها ولا قطرة واحدة.. مضى ذلك الزمن الذي كان ابن البصرة يقوم على حراسة ورعاية نفط الجنوب في حر الصيف القائظ لضخها إلى موانئ التصدير ليستلم بعدها مجرمي آل صبحة التكارتة المليارات من الدولارات من مندوبي شركات النفط الأجنبية في بغداد مقابل هذا النفط وابن البصرة يتضور جوعا وألما وفقرا مدقعا!! بل ولمزيد من القهر كان يُقمع أشد القمع من قبل جلاوزة النظام البائد!!

 لقد حان وقت الاستحقاقات الكبيرة، استحقاقات عودة الحق إلى أصحابه الأصليين.. أصحاب الحقوق المهضومة طيلة عقود من الزمن.. ولكي ننصف الحق والحقيقة نقول.. النفط يملكه الذي يقف على بحيرته من أبناءه أولا.. وسيصرف على العراق في مناطقه الأخرى تضامنا من أبناء الجنوب الخيرين مع أشقاءهم في العراق ولن يذهب فلسا واحدا بعد ألان إلى مرتزقة العرب من حكام ومأجورين الذي امتصوا خزائن نفط العراق بشماله وجنوبه بشعارات زائفة مخادعة كمهزلة "التضامن العربي".. و"القومية العربية".. و"حماية البوابة الشرقية للأمة العربية".. و"تحرير فلسطين والجولان".. و"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".. و"وحدة حرية اشتراكية".. وكلام تافه من تلك الخزعبلات المسفهة للعقل والمخدرة للنفس لا تغني ولا تسمن من جوع.. بهذه الشعارات الزائفة ضحك حزب البعث وآل صبحة على الشعب العراقي ونهبوا ثرواته وقسموها بينهم وقدموا فتاتا منها إلى مرتزقتهم من القومجيين العرب الذين يستهزئون في مجالسهم القومية ومؤتمراتهم التآمرية في عمّان وبيروت ودمشق والقاهرة بأن أهل البصرة أصولهم هنود جاء بهم الفاتح العربي محمد القاسم!! مع الجاموس والبهارات من بلاد الهند والسند وهم ليسوا بعراقيين أصلاء!! وهاهم اليوم يعيدون الكرة مرة أخرى بالقول أن أبناء البصرة والجنوب الشيعة أصولهم إيرانية ويتكلمون الفارسية!! وهي ذات النغمة التي كان يطلقها البعثيون لتسقيط أبناء الجنوب وقمعهم وإرهابهم وعزلهم عن شؤون الدولة بغية الهيمنة على ثرواتهم وسرقة ونهب خيراتهم التي وهبها الله لهم.

 نفط البصرة وحقول الجنوب هي ثروة الجنوبيين بلا منازع.. فهم أسياده وهذا حق مكفول لهم.. هم أصحابه الشرعيين.. هم مالكيه الأزليين.. انتهى عصر نهب ثروات الآخرين.. كفى سرقة أموال الجنوبيين.. ولذلك يحق لنا أن نتسائل.. متى يعود الحق إلى أصحابه والى أهله بالفعل وليس بالكلام.. متى سيمتلك أهل الجنوب مقدراتهم بأيديهم.. متى يرى أبناء البصرة والناصرية والعمارة نفطهم الذين يعيشون فوقه يتحول إلى إمكانيات فعلية وحقائق مادية ورفاه اقتصادي ورخاء اجتماعي يروي عطشهم ويشبع جوعهم ويزيل عنهم كرب الأيام وقهر الزمان وذل الإخوان ويزيح عنهم كابوس الفقر والحرمان والتخلف.

 بعد اليوم يتغير شعار" نفط العراق للعراقيين" إلى شعار "نفط الجنوب للجنوبيين أولا". خيرات الجنوب لأبناء الجنوب أولا.. لقد ذهب عصر هيمنة عصابات تكريت على نفط الجنوب والشمال لمدة أكثر من أربعة عقود من الزمن.. لقد كان شعار "نفط العراق للعراقيين" أكذوبة بعثية كبرى خُدع بها الشعب العراقي وعلى الأخص أبناء المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط المهمشة، المضطهدة والمقهورة بقوة القتل والسلاح والعنف والتشريد.. لقد كان نفط العراق مُلكا خاصا لطغاة أبناء صبحة من صدام وبرزان ووطبان والكيماوي وغيرهم من أنجاس الخلق.

 محافظات الجنوب التي يعلوها غبار تحالف الدهر ضدها تحتاج إلى بنى تحتية عصرية.. العمارة تحتاج إلى مطار وشوارع نظيفة ومنتزهات ومحلات تجارية مكيفة ومستشفيات متقدمة وماء عذب.. الناصرية في حاجة إلى كل ما تحتاجه أي مدينة عصرية في هذا الزمن.. مدن محافظات الفرات الأوسط كلها تريد التقدم والرقي وإمكانات الحياة العصرية..كما الحال في مدن الخليج كدبي وأبو ظبي والشارقة والكويت والرياض وجدة وغيرها من المدن العربية غير البعيدة عنها جغرافيا والبعيدة جدا عنها حضاريا.

 إن مدن جنوب العراق وفراته الأوسط أكثر المدن تخلفا بين سائر مدن المحافظات الأخرى على كافة الأصعدة.. وإنه لظلم لو تعلمون عظيم.. هذه تركة وإرث ورثها أهل الفرات الأوسط والجنوب من حقبة سوداء في تاريخ العراق وخاصة خلال أحداث جنوب العراق في العشرين عاما الماضية.. لقد لحق ظلم عظيم وحيف كبير بجنوب العراق في مدنه وأهله.. لقد ظل الجنوبيين وأبناء الفرات مقهورون مقموعون.. مستعبَدون مضطهدون من قبل كافة الحكومات العراقية المتعاقبة.. كل حكومة جاءت نهبت نفط الجنوب بدعوى التضامن بين أبناء الوطن الواحد والقومية الواحدة وذهبت المليارات من الدولارات إلى جيوب مرتزقة صدام في العالم أجمع تاركين أصحاب النفط الحقيقيون يغوصون في تخلفهم وفقرهم وحرمانهم.. هذه مهزلة أن يعيش قوم فوق كنوز هم أصحابها ولكنهم يعانون من التخلف والفقر والحرمان والهزال الفكري حتى!!

 الحقوق لا تسقط بالتقادم وحقوق أهلنا في الجنوب في التمتع بنفطهم الذي يعيشون فوقه لا يسقط بتقادم الزمن عليه ولو مر ألف سنة.. انه حقهم المطلق، وطبقا لكل الشرائع والقوانين والأعراف فإن صاحب الأرض يملك فوقه من سماء وتحته من أعماق.. ولكن في ظل هيمنة الحكومات الاستبدادية الدكتاتورية تطبق الأحكام والأعراف الجائرة التي جلبتها معها إلى الحكم، وهي مصادرة كل ثروات الشعب والهيمنة عليها بدعوى ممارسة الحكم ورعاية الدولة والقيمومة على الشعب ومقدراته وثرواته لتحقيق التطور في كافة أرجاء البلاد بشكل عادل!! هذه الحكومات الجائرة التي توالت الهيمنة على العراق نهبت ما تحت الأرض من ثروات لا تقدر أثمانها وذهبت الى جيوب الطغاة الذين حكموا وما زالوا يحكمون تارة باسم "الحزب" أو "الشعب" أو "الدين" أو "الدولة" وتارة باسم "الديمقراطية" أو "الحرية" أو "الوحدة" أو "التضامن" أو "ولاة الأمر" أو "أمير المؤمنين".. الجميع عيونه على النفط إلا أصحابه الشرعيين مع الأسف لا يعون ما يملكون من ذهب وروح الحياة!!

 

 

 

 

 

 

Google


    في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
  info@bentalrafedain.com