ماذا قدم برنامج "الشمعة" وماذا نفذ الجعفري؟

 

احمد عبد العال الصكبان

 

بعد نشر الجزء الأول من هذا المقال وصلتني رسالة من أخ كريم يعاتبني فيها على إيراد اسم الدكتور الجعفري كثيراً عند التطرق لسلبيات برنامج الحكومة الحالية، رغم اتفاقه مع ما جاء من نقاط، والحقيقة أنني ضبطت نفسي أتساءل أيضاً لماذا كررت اسم الدكتور الجعفري في كثير من الجزء الأول،فأسعفني أن برنامج الحكومة قدم تحت اسم"البرنامج السياسي لرئاسة مجلس الوزراء"! وحقيقة لست أعلم ما المقصود تحديدا بهذا العنوان : هل رئاسة المجلس بها آخرون غير الجعفري؟ هل كتب الدكتور البرنامج وحده دون الوزراء ؟ هل ناقشه مع حزبه ومع بقية أطراف الائتلاف العراقي ؟ ثم هل ناقشه مع المتحالفين مع الائتلاف"التحالف الكردستاني" ؟ ولست أعلم للآن دلالة عنوان برنامج الحكومة ..

نعود لبرنامج الائتلاف الفائز بأعلى الأصوات في انتخابات الثلاثين من كانون السابق والذي حمل رمز الشمعة، ولكن يبدو أن الشمعة كانت متوهجة أثناء الدعاية الانتخابية ثم خفت شعاعها شيئا فشيئا عند تقديم برنامج الحكومة ثم لاحقا عند عمل الحكومة وتصريحات البعض فيها،سنجد البند السابع في برنامج الائتلاف يدعو لـ "قضاء مستقل"، لكن ما حدث قبل شهر تقريبا من هجوم ضارٍ- تورط فيه للأسف مسئولون بالحكومة - على وزراء من الحكومة السابقة والذين استدعوا للتحقيق معهم، هو أقرب مثال على قبر هذا الهدف في مهده،فطالما لن نحترم حق المتهم- وهؤلاء لم يصبحوا بعد متهمين، و طالما لم نقدم كل من تحوم حوله الشبهات للقضاء واخترنا فقط المنتمين للأحزاب الأخرى، فإن هيبة القضاء لن تصبح محفوظة، وستظل تهمة الأبعاد السياسية في المحاسبه القضائيه وصمة تسيء لثوب القضاء الناصع والمدعو ليصبح ناصعاً.

و من جملة ما وعد به أيضاً برنامج الائتلاف " تبني نظام الضمان الاجتماع الذي تتكفل الدولة من خلاله توفير فرص العمل لكل عراقي قادر على العمل، وتوفير معيشته عند العجز" والمحبط - والمناقض لهذا البند - أن سمعنا وزير المالية السيد علي عبد الامير علاوي يربط حقوق المتقاعدين(الذين سددوها مسبقاً على مدار حياتهم الوظيفية باقتطاعات من رواتبهم ) بقرارات البنك الدولي ويقول أنه لا يستطيع زيادة رواتب المتقاعدين لتواجه التضخم الحادث الآن، كما تم تعيين الكثيرين في وظائف حكومية على أساس القربى والانتماء الحزبي، بل وصل الأمر إلى قيام احد مستشاري الامن باصدار قرار فصل ألف موظف دفعة واحدة من وزارة الكهرباء، وإن كان يحمد لحكومة الدكتور الجعفري أنها رجعت عن هذا القرار بعد ما نشر عنه ومنه مقال لنا، وظني أن هناك أجنحة داخل الحكومة الحالية البعض منها يراعي فقط الاعتبارات السياسية ويعين ويفصل على أساس حزبي وطائفي،بينما البعض الآخر يراجع نفسه وينتصر للحق في النهاية ويفهم أن حق العمل هو حق يجب على الحكومة أن تكفله للجميع إعمالا لمبدأ تكافؤ الفرص ووفق معايير الكفاءة لا النسب والقربى وغير ذلك.

ووعد برنامج الائتلاف أيضاً بتقديم التسهيلات المناسبة للمواطنين لبناء المساكن،لكن ما حدث هو تفاقم أزمة السكن بالبلاد، فالقليلون تلقوا أموالا على شكل قروض للبناء، رغم أن بناء بيوت بالعاصمة بغداد مثلاً ليس بالأمر السهل لارتفاع أسعار الأراضي لأرقام فلكية وندرتها، وتوقعنا أن يكون هناك حل عملي مثل الشروع فورا في بناء مجمعات سكنية مناسبة للحياه وتلقي أقساط بنائها من المواطنين على دفعات في فترات زمنية تمتد ربما لعشرين و30 عاما، وهو حل مناسب لدولة لا زال دخل الفرد فيها-إن وجد- متأرجحاً وقابلا للانقطاع في أي لحظة-خاصة لو أن هذا المواطن ليس لديه قريب في أحد الأحزاب الحاكمة فقد يخسر وظيفته ولا يجدها أصلاً، لكن إعطاء قروض لن تكفي مهما علت قيمتها لبناء مسكن، وقد ينفقها المواطن على إجراء جراحة وتسديد ديون ثم نأتي ونطالبه بسدادها.
ونادى برنامج الائتلاف أيضاً وتحت بند "الإصلاحات الإدارية والنزاهة" بـ" العمل على إرساء مبادئ النزاهة والأمانة والشعور بالمسؤولية، في الدوائر والمؤسسات التابعة للدولة ومكافحة الفساد الإداري،" ولنا أن نراجع كم الفساد المستشري في الدوائر لحد أن وكالات الأنباء تنقل يوميا العديد من الأمثلة على هذا الوباء المتفشي بالعراق،لنعرف أن هذا البند لم يطبق بالطريقة المثلى،كما أنه لم تتبني الحكومة الحالية إصدار لوائح واضحة لأداء مفوضية النزاهة وأصبحت تعمل بطريقة انتقائية رغم نجاحها في بعض الحالات لكن كان يجب ابتداء وضع ضوابط عمل لها.

 الأمر ينطبق أيضا على الهدف الآخر في نفس البند حسب برنامج الائتلاف وهو " دعم مؤسسات المجتمع المدني لتأخذ دورها الفعال في التنمية الاجتماعية" ولنا أن ننظر للاعتداءات التي تتم كل فترة على نشطاء العمل الأهلي- جمعية حقوق الإنسان في بابل مثلا- الاعتداء على طلاب البصرة قبل شهرين - الاعتداء على شباب النجف لأنهم يرتدون الجينز!) والأدهى أن تكريس فكرة الحريات المدنية والشخصية بما يتسق مع الهوى العام هو بند هام في عمل المنظمات الأهلية، لكن أحدا من الحكومة لا يشدد على هذه النقطة، وربما يكون هناك من بين قادة الائتلاف من يفهم أن عمل الجمعيات الأهلية حرام في حرام لذا لا يتخذ أحد من الحكومة إجراءً رادعا لهؤلاء الذين يعتدون على ناشطي العمل الأهلي خاصة المنظمات التي تصدر التقارير الموثقة على تجاوزات الحكومة ومنتسبي الأحزاب.

 ذكر برنامج الائتلاف أيضا ضمن أهدافه "انتهاج سياسية اقتصادية متوازنة تضمن حل مشاكل البلاد، والعمل على إطفاء الديون العراقية وإلغاء التعويضات واستخدام الثروة النفطية في مشاريع التنمية الاقتصادية وتحقيق الرفاه للمواطنين." ويكفينا هنا الإشارة لعدم مخاطبة الدكتور الجعفري للمسئولين بالكويت أثناء زيارته لها بشأن مطالبتهم بلادنا بديون مبالغ في قيمتها تسبب فيها نظام صدام، بل وأعادت وكالة الأنباء الكويتية-كونا-بعد مغادرة الجعفري ب5 أيام التأكيد على لسان أحد الساسة الكويتيين أن الجعفري لم يفتح موضوع الديون من قريب وبعيد، فهل هذه هي صيانة حقوق العراق المالية ؟

 نترك برنامج الائتلاف وبرنامج"رئاسة الوزراء" قليلا، وننتقل لأداء الحكومة عملياً والذي شابه العديد من الأخطاء التي لا مجال لسردها جميعا الآن لكن نستشف أن بعض الأخطاء نابع من سؤ إدراك البعض لما كلفوا به من مهام في هذه الفترة الانتقالية الحاسمة من تاريخ العراق، وبعضها يتعلق بفهم هذه الحكومة لطبيعة العلاقة مع المواطن ولحدود دورها بعدما أصبحوا في موضع السلطة وأنهم يديرون دولة وحكومة وليسوا مجرد رؤساء أحزاب متنازعة، ومن أهم المسالب التي تؤخذ على أداء حكومتنا الحالية هو عدم الالتفات لرأي الشارع وإعلاء أحزابهم عن أي نقد، فقد أقيل مثلاً قائد شرطة البصرة اللواء حسن سوادي من منصبه كقائد لشرطة البصرة بسبب تصريحات أدلى بها لجريدة الجارديان البريطانية كشف فيها عن عدم سيطرته على 75% من أجهزة الشرطة في البصرة بسبب تحكم الأحزاب فيها،بالطبع هذا لم يرض القائمين على الأمر فأحزابهم محصنة ضد أي نقد حتى لو كان ما تقوم بعض عناصر محسوبه على هذه الأحزاب هو نوع من التساهل في أمن البلاد والمواطن.

 كما تصاعدت سلطات المجالس المحلية والتي يدين بعض أعضائها بالولاء للأحزاب التي عينتهم، فبدلا من استغلال الحريات والصلاحيات الممنوحة لهذه المجالس لصالح العمل بحرية بعيدا عن أجواء المركزية المقيدة، فقبل أيام اعتدى البعض من مجلس محلي على مدير الشباب والرياضة في كربلاء ومدير الرياضة والشباب في منطقة الفرات الأوسط،كما فصل المجلس المحلي ذاته قائد شرطة المدينة السيد عباس فاضل الحسني رغم أن تاريخه الوظيفي يشهد له بحسن الأداء وطهارة اليد.

 ثم تعالوا ننظر لتصريحات السيد رئيس الحكومة خاصة في الأيام القليلة الماضية والتي تحتاج منه لبعض المراجعة، فتصريحات الدكتور الجعفري الأخيرة بواشنطون "علاقاتنا ستبقى متينة مع أمريكا حتى لو ضربت ايران" فرغم تحفظنا المبدئي على الدور الإيراني السيء بالعراق فإن التصريحات الأخيرة تلك لا لزوم لها ولا تعني شيئا على أرض الواقع، فأمريكا لن تضرب ايران غدا وعلى الأقل لن تضرب ايران والدكتور الجعفري في السلطة، وقد يفهم البعض هنا وهناك من هذا التصريح أن العراق يؤيد عملا عسكريا ضد ايران بل ويشارك به، والعراق ليس من مصلحته أن تصبح أرضه منطلقا لأعمال عسكرية ضد جيرانه لأنه ظرف ستنشط فيه أعمال إرهابية جديدة لهذه الحجة، وطالما أن الشيء بالشيء يذكر فأن تصريحات الدكتورالجعفري أيضا حول طلبه من أمريكا "أن تضغط على سوريا "لا يمكن أن يشتشف منه دبلوماسية ما، فما موقف دمشق عندما تستمع لهذا التصريح بينما هناك ببغداد الان لجنة من سوريا تناقش مع المسئولين رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي وإعادة فتح السفارات، كما أنه لا يوجد دولة ذات سيادة تطلب على العلن من دوله أخرى أن تضغط على جيرانها ليوقفوا التسلل لأراضيها، هذه مهمتنا نحن العراقيين، ومهمة جيشنا ومهمة الخارجيه العراقيه مثلما كانت من قبل مهمة آلاف من الجنود الأمريكيين الذين تركوا الحدود مفتوحة لأكثر من عام لغاية في نفس يعقوب.

 إنني أتمنى لو نظر القائمون على الامر فيما قدمنا بعين النقد الذاتي، فقبل كل شيء نحن نفكر بالعراق، ولا أعتقد أنه غائب عن فكر وعمل الدكتور الجعفري وعن كثير من المخلصين في حكومته، فقط نبهنا لما اعترى أداء هذه الحكومة من أخطاء، وللتناقض الذي وقعت فيه ببث دعايات انتخابية وبرامج ليست على المستوى المطلوب والواقعي، وأملنا في إعادة التفكير في أي خلل يحدث الآن لأن الخاسر منه لن يكون هذا الحزب وذاك بفقدانه مصداقيته أمام الناخب، الخسارة لن تكون مقعد بالبرلمان وبضعة آلاف من الاصوات تتحول لمنافس من حزب وتيار آخر،الخسارة ستكون العراق نفسه في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها من إرهاب أعمى، ويكفينا أخطاء لنتفرغ أيضاً بكل قوتنا لدرء شر ما يخطط لبلادنا من حرب طائفية جنبنا الله إياها.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com