ما هو النظام الأنتخابي الأمثل للعراق؟

المهندس صارم الفيلي

ماجستير هندسة توليد طاقة
 sarimrs@hotmail.com

sarimrs@tele2.com

 

نحن امام استحقاق انتخابي قادم بعد اكمال العملية الدستورية وموافقة الشعب العراقي عليها، بعدم رفضها من قبل ثلاثة محافظات، وهنا تطرح الديمقراطية نفسها لا كأيديولوجية فلسفية, أونظرية سياسية، بل انها مجموعة آليات عملية في المساواة والحرية والعدالة، هذه تحتاج دائما الى تقنية لتطور أدائها، لتحقيق الغاية المثلى ضمن الأطار التاريخي، لتلك المضامين، وان مصاديق ذلك الأداء المتحرك هي الأنظمة الأنتخابية.

هنا يجب توضيح أهداف الأنظمة الأنتخابية المختلفة، هل هي فقط جمع ترشيحات ثم تحويلها الى نتائج، وبالتالي يكون الناخب مقيدا بالنظام الأنتخابي التي تمثل آلية مهمة من آليات الديمقراطية التي تضعها الأحزاب السياسية على اختلاف تصوراتها وايديولوجياتها ضمن اولوياتها، مع اختلاف الموقع في هذا السلم، فهي المناخ التي يمكن فيه الفرد من التمتع بكامل حقوقه.

الغاية المثلى هو توافق عدد المقاعد مع عدد الناخبين، مثلا 30% من السكان تحصل على 30% من المقاعد.

ان كل نظام انتخابي يحتوي على مجموعة من الأسس يجعلها مختلفة عن نظائرها ومن هذه الأسس أو السمات.

- التوزيع الجغرافي، بمعنى اعتماد الدائرة الأنتخابية الواحدة " كالذي حصل عندنا في الأنتخابات الماضية "، أو تقسيم العراق الى دوائر متعددة، هنا يطرح سؤال نفسه، ماهو حجم هذه الدوائر، هل حجمها هو حجم المحافظة، أم اعتماد دوائر انتخابية أصغر؟

- طريقة التمثيل والقائمة وهنا يمكن ان نقسمها الى:

أ- قائمة المرشح الواحد " ان جاز لنا ان نسميها قائمة " وهنا يتم انتخاب مرشح واحد من مجموع عدد من المرشحين وقد استخدم هذا النظام في الولايات المتحدة الأمريكية، كأوضح مثال، وفي بلدان أخرى، حيث تعتمد على الأغلبية المطلقة، أو النسبية.

ب- قوائم انتخابية متعددة، لكل دائرة انتخابية، حيث تتنافس مجموعة من الأحزاب للفوز بالمقاعد البرلمانية المخصصة لهذه الدائرة الأنتخابية أو تلك. وهذا موجود في هولندا كمثال.

ج- دائرة انتخابية واحدة، وقد ذكرناها من قبل اثناء التطرق الى التوزيع على الأساس الجغرافي، ويتم فيها انتخاب جميع النواب وعلى اساس نسبي بتقسيم عدد الناخبين على عدد المقاعد الأنتخابية الكلي.

- هناك طريقة ثالثة وهي التصويت بالتسقيط التدريجي: وهو تصويت يعتمد على الأغلبية المطلقة ويستخدم في المقاطعات التي يتقدم فيها عدد من الأفراد للترشح، عندها يخرج المرشح الذي لدية اقل عدد من اصوات المفاضلة، ثم تعاد اوراق الناخبين على اساس بقية المرشحين، وهكذا تستمر عملية التسقيط الى ان نصل الى مرشح الأغلبية.

هناك طرق انتخابية اخرى معتمدة في بعض الدول لم اشير اليها لبعدها عن ظروف وطبيعة التكوين الأثني والطائفي في العراق، كذلك لايمكن لنا ان نأخذ بالطريقة الأنتخابية الأمريكية لكونها تهمل اصواتا هائلة في كل ولاية من الولايات التي تمثل دوائر انتخابية منفصلة، وقد يصل الأهمال الى نسبة 49% من مجموع المصوتين لأنتخاب الرئيس الأمريكي، مما يمثل قصورا واضحا في الأداء الأنتخابي الذي يعتبر آلية متقدمة للوصول الى ديمقراطية حقيقية.

اما نظام التسقيط التدريجي، فهو غير صالح تماما للعراق التعددي الفدرالي.

في لجنة كتابة الدستور هناك رأيان في هذا الموضوع، الأول هو الأبقاء على نظام الدائرة الأنتخابية الواحدة والتمثيل النسبي، وهناك رأي آخر ترغب به قائمة الأئتلاف العراقي الموحد " للدقة أكثرية اعضائها " وهو اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية، ويأتي هذا منسجما مع مناخ الفدرالية لكل العراق.

ثم هناك عامل أختلاف آخر قد يثار في داخل الجماعتين المتبنيتين للمنطقة الأنتخابية الواحدة أو دائرة المحافظة رغم انه لايمتلك على مايبدو قوة الحضور الكافية عند الجماعتين، واقصد هنا هل نبقي على القائمة الأنتخابية المغلقة كما في الأنتخابات السابقة، أم نستبدلها بالقائمة الأنتخابية المفتوحة، مع الأبقاء على التمثيل النسبي في كلتا الحالتين؟.

قبل ان نبين أيجابيات وسلبيات النظامين المقترحين، الدائرة الأنتخابية الواحدة لكل العراق مع التمثيل النسبي بأستخدام نظام القوائم المغلقة ودائرة المحافظة الأنتخابية المستصحبة لنفس صفة التمثيل النسبي والقائمة المغلقة، قبل ذلك اريد ان اوضح الفرق بين القائمة المغلقة التي عرفت في الأنتخابات السابقة وبين القائمة المفتوحة.

القائمة المغلقة يختارها الناخب بمجملها أو يرفضها بمجملها، دون السماح له بالتحكم في التسلسل، اي ترتيب المرشحين في القائمة، لايسمح له بتقديم هذا أو تأخير ذاك، وبتعبير آخر لايستطيع عمل قائمة بتسلسل خاص هو يرغب فيه ضمن القائمة الرئيسية. هذه تخدم الأحزاب الكبيرة والشخصيات المعروفة ويكرس مبدأ التوافق الذي ربما يكون ضرورة في الحالة العراقية، كما انها اكثر تبسيطا من الناحية الأدارية أو التنفيذية للناخب البسيط الذي من الصعوبة عليه، على العموم، من ان يكون قائمة بتسلسل خاص به، خصوصا انه لا يعرف معظم المرشحين كأسماء، ناهيك عن معيار الكفاءة والنزاهة عندهم، علما ان مقدار هذه الصعوبة تتناسب طرديا مع حجم الدائرة الأنتخابية بمعنى كلما صغرت هذه الدائرة قلت الصعوبة والعكس بالعكس.

أما القائمة المفتوحة فهي تماما بالعكس من سابقتها، هنا يستطيع الناخب ان يشكل تسلسله الخاص وبالتالي قائمته الخاصة ولديها نفس سلبيات وايجابيات القائمة السابقة لكن بطريقة معكوسة، يضاف الى ذلك انها تشجع الناخب على التعمق اكثر فأكثر في مسألة الفحص والتدقيق لدرجة افراغ الجهد والوسع والطاقة قبل ان يعطي صوته الثمين الذي هو أمانة في عنقه.

لنرى ماهي ايجابيات المحافظة كدائرة انتخابية واحدة، وهل ترتقي بقوتها الى حد اجراء تغيير على النظام الأنتخابي السابق؟

- سوف تصل اصوات الناخبين الى مكانها الصحيح، مثلا سوف لايستفاد شخصا من محافظة ما بعيدة من اصوات آخرين لم يعرفوه ولم يسمعوا به من قبل، وهذا حصل عندما صعد عدد من الأشخاص على أكتاف الأغلبية المغبونة حقها تاريخيا، ثم انسحبوا من الأ ئتلاف العراقي الموحد لدوافع طائفية عند بعضهم، ويقينا ان بعض هؤلاء لم يكن له ان يحصل على اصوات كافية تحقق له مقعدا انتخابيا واحدا لو نزل الى الساحة الأنتخابية بمفرده، أو ضمن قوائم متماثلة معه طائفيا. ولهذا كان ذوي المقابر الجماعية والمستضعفين اولى منه بهذا المقعد, خصوصا انه لم يكن يشكل بعدا عشائريا مهما " ان أجاز لنا منظروا الديمقراطية استخدام هذه الألفاظ، لكن هذا هو واقع العراق الحالي "

- كذلك من سلبيات الدائرة الواحدة هي عدم وصول الكفاءات المحلية التي تعمل جاهدة لخدمة الناس في مدنهم ومحافظاتهم ولم تتح الفرصة لهم للأنظمام الى الأحزاب، أو لايرغبون بالعمل الحزبي الذي يرتب التزامات معروفة على اعضاء الأحزاب.

هؤلاء لا هم لهم الا الخدمة الأجتماعية، ففي نظام المحافظة كدائرة انتخابية واحدة، يكون من مصلحة الأحزاب الكبيرة استمالة هؤلاء ودعوتهم كمستقلين ضمن قوائمها الأنتخابية المحافظاتية المختلفة، ليحقق بذلك توازنا بين العمل الحزبي الضروري كركن اساس من اركان الديمقراطية وبين العمل الأجتماعي المحلي المهم ايضا ضم المدن والمحافظات المختلفة.

اما في نظام الدائرة الأنتخابية الواحدة فتقل فرصة هؤلاء العصاميين للوصول الى الجمعية الوطنية، بسبب اعطاء الأحزاب الأولوية لمنتسبيها هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم معرفة عموم العراق بكفاءة ونزاهة وعصامية هؤلاء النجوم المحليين.

أما ايجابيات الدائرة الواحدة فهي:

- هناك احزاب وتنظيمات معروفة لا بل اشخاص ايضا على مستوى الوطن بكامله وبالتالي سوف يحرمون من اصوات الجميع عدا المحافظة التي سوف تقدم اسمائهم فيها كمرشحين.

الجواب، هذا غير دقيق لان مثل هذه الأحزاب والشخصيات سوف تكون لها قوائم انتخابية في جميع المحافظات تضم اناس يتفقون معهم في الأيديولوجيا وكذلك الروية السياسية، وبالتالي هؤلاء يعتبرون مزكون من احزابهم بشخصياتها الرئيسية، ثم نحن امام قضية التمثيل النسبي، وبالتالي سوف تجمع الأصوات لتترجم الى مقاعد حزبية وفئوية

- قد يقال ان من ايجابيات الدائرة الأنتخابية الواحدة هي تجاوز عدم وجود تعداد سكاني واضح، وبالتالي عدم معرفة الثقل السكاني لهذه المنطقة أو تلك لتحديد عدد المقاعد البرلمانية المناسبة.

الجواب، ليس من الضروري وجود تعداد سكاني في حالة التمثيل النسبي، فهنا نحن امام حل واضح، الأول تقسيم عدد المقترعين على مستوى العراق كله، على عدد المقاعد البرلمانية، ولنفرض كانت النتيجة 50000، فيعتبر هذا الرقم هو مقابل لمقعد انتخابي واحد، فأذا حصل أئتلاف معين على خمسة ملايين صوت مثلا، سيكون من حصته 100 مقعد انتخابي في الجمعية العمومية، مع مراعات ثقل هذه المحافظة أو تلك في التصويت لهذا الأئتلاف الذي قدم مثلا 18 قائمة تمثل عدد المحافظات لكن بأحجام مختلفة لهذه ال 18 قائمة تبعا لقراءة الأئتلاف لجغرافية الناخبين،

وهنا تكون المقاعد ال 100 لهذا الأئتلاف غير مقسمة بالتساوي على عدد المحافظات الثمانية عشر، وانما بموجب المصوتين لهذا الأئتلاف في كل محافظة، مثلا اذا كان عدد مؤيديه في بغداد 2مليون، هنا نقسم هذا العدد على 50000 فيكون الناتح 40 مقعدا للبغاددة في الأئتلاف من مجموع مقاعده المئة.

هنا سوف تتسابق جميع المحافظات من اجل اقصى مشاركة، تضمن لأبنائها اكبر عدد ممكن من الأصوات. علما بأن المحافظات الصغيرة سوف لايغبن حقها، لأن الجميع سوف ينتخبون احزابا وتنظيمات تلبي مطالبهم وتنسجم مع ثقافتهم ورغبتهم.

- ويقول قائل بأن الدائرة الأنتخابية الواحدة تخدم الأقليات " رغم تحفظي الشديد لهذه الكلمة لان كل الشعب يجب ان يتساوى في الحقوق والواجبات، ثم ان هذه اللفظة أجنبية بخصوص الحالة العراقية، في الغرب تطلق على المهاجرين لا ابناء البلد القدماء " ويضربون مثالا بالصابئة المتواجدين في الجنوب وبغداد حتى في بعقوبة، هؤلاء سوف تتشتت اصواتهم بين الدوائر الأنتخابية المتعددة. هذا صحيح، لكن هناك حل لهذه المشكلة، بتخصيص مقعد او اكثر لهم ليتنافس عليه ابناء هذه الطائفة فقط، وهذا الاسلوب موجود في كثير من دول العالم، اليهود الأيرانيون مثال على ذلك.

ان غاية الديمقراطية هي تحقيق العدالة وصيانة الحرية في دائرة المسؤولية، لذا نرى الدول المختلفة لها اجتهاداتها في ايجاد آليات تتناسب مع واقعها لتحقيق أمثل لتك الستراتيجية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com